" س ع " .. رواية التشويق والألغاز
مصطفى الصبيحي:عندما أهداني الكاتب المبدع اياد طه ، نسخة من روايته س ع، جذبني عنوان الرواية المبهم الذي دفعني لفك الشيفرة واللغز من وراء هذا العنوان المبهم.
ومع تصفحي للرواية وجدت نفسي أواجه حقلاً من الألغاز والحجايا التي أخذتني الى عالم آخر مليئاً بالتشويق والتنوع فالرواية تحمل في طياتها على مزيج من الألم والأمل وتحدي الصعاب واصرار على مواصلة الطريق، فالبطل في رواية " س ع " ، يمثل حال الشعوب التي تسعى وتحاول لمواجهة ما مرت به من شدائد والوقوف بشراسة أمام الظلم والاضطهاد باتجاه رؤية نور يلوح في الافق نحو النجاة وتحقيق ماتحلم به .
ان الكاتب تمكن بفضل ذكاءه وفطنته وبراعة اسلوبه، من خلق أحداث متسلسلة من خلال توظيف الرموز والشخصيات والاماكن التي جاءت في الرواية، فالقارئ يعيش في الرواية واقعاً وكأنه جزءً من هذه الملحمة الرومانسية الاستخبارية، وهذا مانشهده في حياتنا اليوم من انتشار الفساد والرشوة والظلم والمحسوبيات والاختلاف الطبقي .
البطل في رواية «س ع» كان شاباً في مقتبل عمره، متزوّجاً وله ابن، لديه وظيفة متواضعة مع الدولة تدرّج بها إلى أن أُوكلت له مهمّة إنقاذ شعبه من عملية إرهابية قد تفتك بحياة الأبرياء من أبناء وطنه وأمّته. تمثّلت هذه المهمّة السريّة والخطِرة في إحباط تفجير سلاح كيميائي تمّ تصنيعه بوصفة خاصة من قبل أستاذ جامعي يُدرّس في إحدى الجامعات في بلد آمن غير العراق. لقد تخلّى عنه قادته الذين كلّفوه بالمهمّة بسبب تغيّرات في لوجستيات الخطّة، وفقَد الدعم الذي احتاجه لإتمام المهمة، إلا أن إنقاذ أرواح الأبرياء من أبناء وطنه مهما كانت طائفتهم وانتماءاتهم كانت أولويته التي لن يتنازل عنها مهما كلّفه الأمر. فالكاتب بيّن لنا أن بطلنا رجل ذو إرادة وصاحب مبدأ، متمسّك بقيمه ورجل بأس. يرى البطل «س ع» وطنه منارة علم، وأمّ الحضارات والأديان والقوميات. ففي صفحة 283 يتحدّث البطل مع نفسه ويقول: «أنت لوحة إنسانية بكل قومياتك والأديان والمذاهب فيك، لهذا يحاولون تلوين أرضك بالدم، لكن ثق منكَ الثورة والتغيّر في حال أمّتنا ستتفجّر، وأعاهدك أن هذه ستبقى عقيدتي، لن أهاب الشر ولن أداهن من تجبّر.»
دارت أحداثها في ثلاثة بلدان، وكان له في كلّ بلد اسم ووضع ودور مختلف عن الآخر كلّفه طلاقه من زوجته وفقدان حبّ حياته وابنه وخروجهما من حياته. وفي موقف ما ادّعى بأنهم قد ماتوا. تقمّص البطل عدّة شخصيات، فتارة نراه من الطبقة المخملية صاحب أملاك ومجمّع تجاري، وتارة عاملاً، وتارة أخرى موظفاً، كتب صكوكًا مؤجّلة، وملأ المجمع بالبضائع غير مدفوعة الثمن، وبعد أن زُجّ بالسجن وجد نسيبه خالد فرصته المنشودة لينتقم منه بسبب غيرته التي ملأت صدره بالحقد والكراهية للبطل كونه كان ناجحاً وهو لا. فاستولى على أملاكه وقام برفع قضايا ملفّقة عليه، وسعى لطلاقه من شقيقته. ولكن بعد خروجه من السجن تابع مسيرته لإتمام المهمّة في سبيل الدفاع عن وطنه، حتى لو كان الجندي الوحيد في الكون الذي يفعل هذا.
نسج الكاتب أحداث الرواية كمن يطرّز ثوباً عربيًا يحتاج إلى دقّة وتركيز فائقين، وقد تعمّد أن يبني روايته من خلال رموز ودلالات ليجبر عقل القارئ على تحليل النص، وقراءة ما بين السطور، كيف لا وهي رواية استخباراتية غامضة! كما وتمكّن الكاتب من إثارة عنصر التشويق من خلال مخاطبة العقل والعاطفة في آن واحد. ظهر البطل طيلة أحداث الرواية بالرجل المثقف الواعي لمصلحة شعبه والذي يعي تمامًا الخطر الذي يحيط بوطنه وحكومته المُسيسة من الخارج والضغط الذي تفرضه الدول الأعداء.
نجد نهاية الرواية مفتوحة، وكأن الكاتب أياد طه يقول هناك جزء ثانٍ للرواية، وكأنه يقول أيضاً أن القادم أفضل لمستقبل أمّتي، فبالنسبة لبطلنا في الرواية فإن الانتصار ليس بالمعركة، ولكن بالسلم، والسلم هو بتمكين أبناء شعبه بالعلم والثقافة من خلال المنقذين. بعد أن أتمّ البطل مهمّته في التخلّص من البروفيسور مخترع الوصفة الكيميائية جمَع نخبة من المتعلّمين والمثّقفين بقيادة الضابط زياد. أمره البطل أن يقسِمهم إلى أربع مجموعات: إعلامياً، ودينياً، ومجتمعياً، وقوة ضاربة، واختار منهم أربعة أشخاص كفء أصحاب تخصّصات أكاديمية لتشكيل حكومة ظلّ أو ما يُعرف بحكومة إنقاذ وطني.
عند اللقاء بالمجموعة الصغيرة المتكوّنة من زياد وامرأة وثلاثة رجال آخرين قام البطل بالترحيب بهم، فبادرت الشابة الثلاثينية وعرّفت عن اسمها بـ»شيار» والذي يعني الثورة باللغة الكردية. تعمّد الكاتب ذكره في الرواية كون الأكراد هم أصحاب القومية العريقة، وطلب منها كونها إعلامية بتأسيس جيش إلكتروني يدعو إلى الترويج والخروج في احتجاجات شعارها استرداد الوطن وتفريغه من المفسدين والأحزاب ومن تدخّل هيمنة الدول المجاورة ومنعهم من تنفيذ أجنداتهم في العراق. أما رعد وطه وعيسى المسيحي فقد ذكرهم ليؤكّد على الوجود والتاريخ المسيحيين في العراق، فكلّ منهم كُلّف بدور رئيس ضمن نفوذهم وتخصّصاتهم، وينهي لقاءه بهم بحثّهم على أن يكونوا أصحاب همّة ورباطة جأش والتخلّي عن منصب الرئيس والاقتداء بمنصب القائد؛ لأن الرئيس يركّز على كلمة أنا، أما القائد الناجح يعمل ضمن المجموعة ويركّز على كلمة نحن.
وفي الرواية التي صدرت عن دار الأيام يبعث الكاتب رسائل مهمة وهي أن الشخص الصالح لن تغيره الظروف ولن تؤثر عليه المغريات وان كان يعيش في وضع صعب وقاهر واجبرته الظروف على أن يذوق مرارة الأيام ، كما يحث الكاتب على الابتعاد عما من شأنه أن يشوه الفكر ويسلخ المجتمع عن الفضائل والعادات الايجابية والاخلاق السامية والرفيعة حتى وان تبدلت الاحوال .
892 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع