تلك هي - رواية للدكتور سعد العبيدي / الجزء الأخير
آخر الهموم
بغداد صورتها مشوشة، وضعها الامني قلق، قيادتها السياسية في حال أجتماع دائم، ما تبقى من أعضائها ينامنون. يأكلون. يشربون في نفس المكان. يلاقون الرئيس حسب الطلب في نفس المكان.
أنتصف الشهر الثالث، أربعة عشر محافظة جنوبية وشمالية، أصبحت مراكزها خارج سيطرة الدولة. مبعوثون سريون للرئيس يتوجهون الى دول عربية واسلامية عن طريق العاصمة الاردنية عمان، ومنها ينطلقون الى عواصمها المحددة حصراً من قبل الرئيس. رسائله التي بحوزتهم تحوي اشارات ايحاء عن مستقبل مجهول للمنطقة والعراق اذا ما سيطرت ايران على البلاد.
قوة الزخم الدافعة للانتفاضة تتوقف عند النقاط التي أسقطوا فيها السلطة، بعيداً عن بغداد، لم تنجح جميعها في تشكيل ادارة مدنية.
لم تفلح أي منها في تكوين شرطة محلية لضبط الامن.
لم تستطع واحدة منها في استمالة وحدة عسكرية كنواة لجيش مستقبلي.
توقف الزحف والزمن، ومحاولات الامتداد الى العاصمة بغداد.
تحاول بعض الاحزاب السياسية المعارضة، الاستفادة من الواقع الجديد لتطبيق أفكارها في الادارة، فلم توفق. خرج الجمهور من طوق الخوف، لا يمكن ضبطه، وقد توقفت الخدمات.
لم يبادر أي مسؤول اداري في المحافظات المنتفضة الى تنفيذ مهامه، ولم يستطع الخروج من بيته من أجل التنفيذ، لخوف في داخله، تبدل رمزياً من صدام الى آخر أشد، مصدره الفوضى وبعض الغرباء.
مئات الثوار الحقيقيون، يقيد حركتهم احباط شديد، يقررون التوقف عند خط أعتبروه، النهاية، يعتقدون أنهم غير قادرين على تجاوزه.
ظهر فور سقوط المؤسسات الرسمية للدولة في محافظات الوسط والجنوب المنتفضة، جيل من النفعيين، يتسابقون فقط في الحصول على المكاسب، يتفننون في الايذاء والانتقام. يعزل الثوريون الحقيقيون أنفسهم في بيوتهم، يقضون جل أوقاتهم يجترون أحاديث بعيدة عن الثورة في مقاه يزداد البؤس على وجوه روادها.
يتوقف كريم أثناء عودته من النجف في الناصرية، يقتنع وبالتأسيس على ما عاشه ولمسه، لأكثر من أسبوع، أن اسقاط النظام بعيد المنال، يؤكد مخاطباً سالم قائلاً:
- لا يمتلك الثوار وسائل الاسقاط الكافية، والعالم يتجه الى تغيير مواقفه من النظام باتجاه ابقائه عليلاً.
يلتفت الى سالم وهما في غرفته يتمتعان براحة من سفرة النجف ليكمل الحديث:
- هل سمعت ما يرد في الاعلام؟.
- ماذا تقصد؟.
- بعض الكويتيين الذي ذاقوا مرارة نظام صدام، يصرحون أن بقاءه ضعيفاً، خير من المجازفة بنظام لا يعرفون توجهاته.
- غيرت السعودية من خططها في دعم الانتفاضة، حتى قيل أنها أوقفت طائرة لمعارضين وصلوها من داخل وخارج العراق، كان يفترض بها أن تقلع بالامس الى البصرة. ألم يعني هذا اشارة لتغيير خططها في هذا الشأن؟.
- لقد نجح صدام وجهازه الدعائي في اعطاء انطباع عن طائفية الانتفاضة.
يرد سالم بألم:
- المشكلة أننا لم ننجح في أثبات عكس هذا الانطباع.
يكمل كريم حديثه المقتضب:
- أعتقد أن أمريكا هي أيضا قد غيرت من اتجاهاتها، حتى انها سكتت عن حث الشعب العراقي لاسقاط النظام.
يؤيده سالم قائلاً:
- أمريكا لها مصالحها، ولا يمكن الاطمئنان الى مواقفها.
- ما العمل؟.
- ننتظر مثل غيرنا، لا فائدة من أي عمل نقوم به، قد نندم عليه مستقبلاً.
تتغير نبرة صوته الجهوري قائلاً:
- سالم، أطلب منك عوناً لن أنساه.
- حاضر.
- تذهب وحدك الى البصرة، تحكي حكاية النجف وما حصل الى السيد، تبلغه وصية الحاج حمزة، لأني محبط، ولا رغبة لي في الاستمرار، أشعر بالموت البطيء، أحس بأوهام تكاد تقتلني.
رد سالم:
- أنت مخطئ، لقد دخلنا الانتفاضة متطوعين، بل ونحن البادئين باشعال شرارتها في البصرة والناصرية. أنسيت أنك أول من تمرد على النظام؟.
- لقد عملنا ما أملاه علينا ضميرنا، لا ينبغي أن نأسف أو نندم، لان الندم سيأكلنا من الداخل، أنا لست معك فيما تقول، لست معك في البقاء بالناصرية، ماذا سيقولون عنك؟.
- أتقبل ان تلصق بك تهمة التقصير؟.
- لا يأخي العزيز، لقد تعاهدنا أن نكمل المشوار سوية، وعلينا أن نكمله، ولا مجال الى التوقف منتصف الطريق.
يبادر كريم بالقول:
- لا أعرف بما أرد عليك، عقلي قد توقف عن التفكير.
- لا ترد الآن، دعنا أخذ قسطاً من الراحة لهذه الليلة والليلة التي تليها، نلتقي بجماعتك، ونرى الخطوة القادمة، السيد الان غير مستعجل في مسألة الحصول على الرد، فالنجف التحقت بركب الانتفاضة، وتحقق جزءاً مما أراد معرفته.
لماذا الاستعجال؟.
السيد الآن قد غرق مثل غيره في هموم الادارة والخدمات، حتى لم يعد قادرا على حك فروة رأسه.
دعنا نتمتع سويعات باستراحة مقاتل.
مصيرنا سيكون في البصرة شئت أم أبيت.
للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:
https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/thaqafawaadab/49680-2021-06-25-08-10-45.html
658 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع