صحيفة البيان:تعتبر مدينة بخارى* من أقدم مدن العالم، وتتمتع بمعالم تاريخية أثرية موغلة في القدم. وكان المؤرخون والسياح يسمونها "مدينة الشعر والأساطير". وفي كل شارع وحديقة من هذه المدينة العتيقة تجد فيها صدى وآثار للتاريخ القديم.
ورد اسم بخارى أول مرة من قبل المؤرخ نرشخي في القرن التاسع الميلادي. وبحسب كثير من المؤرخين وعلماء اللغة يرجع مصطلح (بخارى) إلى كلمة سنسكريتية (وخارى) حيث تعني (قلعة). كما سميت المدينة في الماضي بكلمتي (نوميجكات) و(فخيرة) أيضا.
كانت بخارى في القرون الوسطى مركزاً للحرفيين والتجار، حيث كانت تصدر المنتوجات التي تصنعها إلى دول آسيا وأوروبا. وكان العرب يسمون بخارى بمدينة التجار أو مدينة الصفرية أي مدينة النحاس.
وفي عام 1996م أعلنت اليونسكو إدراج المدينة ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي وحمايتها. وفي عام 1997م تم الاحتفال بمرور 2500 سنة على تأسيس المدينة على مستوى دولي.
وتظهر المآذن المرتفعة والآثار التاريخية القديمة ذكاء الإنسان. لقد اشتهرت بخارى من مشارق الأرض حتى مغاربها كـ (متحف مكشوف ومرآة للتاريخ المجيد).
لقد عاش في قلعة (أرك) لبخارى القديمة ليس فقط الأمراء من الأسرة الحاكمة، بل عاش وأبدع فيها العلماء العظماء والشعراء والفلاسفة الذين تركوا تراثا ثمينا للأجيال القادمة. وفي القرون الوسطى عندما ازدهرت حضارة بخارى عاش في قلعة (ارك) كل من رودكي وفردوسي وأبو علي ابن سينا والفارابي وعمر الخيام وغيرهم. كتب ابن سينا عن تلك الفترة: (لقد وجدت في المكتبة هنا كتبا لم أعثر على مثلها من قبل ولا من بعد، حيث اطلعت عليها وكشفت أسرار العالم).
بالاستناد إلى الحفريات الأثرية استنتج العلماء بأن هذه المدينة القديمة وجدت في فترة ما قبل الميلاد، ولعبت دورا مهما في الحياة الاقتصادية والثقافية للمنطقة. كما أنه على أساس الدلائل التاريخية وانطلاقا من موقعها الجغرافي، كانت بخارى تقاطعاً مهماً على طريق الحرير العظيم الذي كان يربط الصين بمدينة روما.
وتشير الاكتشافات إلى انتشار الدين الإسلامي بسبب الفتوحات الإسلامية. وبعد مرور الزمن تحولت بخارى إلى مركز ديني مهم سميت بـ "بخاراى شريف" أي المدينة الشريفة.
وتحدث في حياة أي دولة أو ديار أو مدينة أو منطقة أحداث تكتب في صفحات التاريخ للأبد. وإن هذه الأحداث تكتب بحروف ذهبية. ومن مثل هذه الأحداث هي إعلان استقلال جمهورية أوزبكستان (31 اغسطس 1991م) ويوم الاستقلال (1 سبتمبر 1991م) وانضمام أوزبكستان إلى منظمة الأمم المتحدة (2 مارس 1992م) وإعلان مدينة طشقند في عام 2007م عاصمةَ للثقافة الإسلامية وغيرها من الأحداث التاريخية.
علاوة على ذلك نحن شهدنا أن مثل هذه الأحداث المهمة والمعترفة عالميا أصبحت اليوم حدثا تاريخيا وثقافيا للشعب الأوزبكي.
تدرج بخارى ضمن المدن القديمة التي أرست أسس للعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية والانسانية والدبلوماسية.
كما أن أوزبكستان تحتل مكانة خاصة منذ القدم في تنمية الحضارة الإنسانية ولا سيما الحضارة الإسلامية. لقد اعترف العالم والمنظمات الدولية بالمساهمة القيمة التي ساهم بها الأوزبكيون في تطوير المجالات العديدة للعلوم والفنون والثقافة.
بعد حصول أوزبكستان على استقلالها أعير اهتمام خاص لإحياء التراث الثقافي الغني للبلاد وتطويرها. وتم صيانة وترميم أضرحة العلماء والمشايخ. كما تم إعادة أسماء العلماء العظام أمثال الإمام البخاري والإمام الترمذي وبهاء الدين نقشبند والإمام الماتريدي وبرهان الدين المرغلاني وأوّلي اهتمام خاص بدراسة تراثهم.
كما تم إعادة إعمار المساجد والمدارس مثل "مسجد كلان" و"شاه زنده" و"كوك قمباز" وغيرها. وإن كل هذه التغيرات يتم تقديرها واعترافها من قبل المجتمع الدولي.
إن إعلان مدينة طشقند من قبل الإيسيكو التي تعتبر من المنظمات ضمن منظمة التعاون الإسلامي في عام 2007 عاصمة للثقافة الإسلامية يدل على تمتع أوزبكستان وخاصة عاصمتها طشقند بمكان مرموق في تاريخ الحضارة الإسلامية.
إن هذا التقليد الذي دشن من عام 2005 يهدف الى تطوير العلاقات الثقافية بين الدول الإسلامية ودراسة ورعاية التراث العلمي والمعنوي والتاريخي والمعماري للحضارة الإسلامية وتعزيز الحوار بين الأديان والحضارات، ودعم جهود الدول المختلفة في هذا الاتجاه.
إن اعلان مدينة طشقند في عام 2007م عاصمة للثقافة الإسلامية هو بالغ تقدير واحترام حيال طشقند وأوزبكستان.
كما يدل على أن طشقند تتمتع بسمعة عظيمة ليس فقط في آسيا بل في العالم أجمعه.
أعلنت الايسيسكو في عام 2015م تدشين مرحلة جديدة لاختيار المدن الاسلامية كعاصمة للثقافة الاسلامية. وبناء عليها سيتم إعلان عدد من مدن الدول الأعضاء عاصمة للثقافة الإسلامية خلال الفترة 2015-2025.
إن هذا الحدث التاريخي نال الاعجاب داخل أوزبكستان وخارجها، وألهم الفخر لدى الشعب الأوزبكي وممثلي الدوائر العلمية. وبحسب القرار فإن المنظمة ستختار سنوياً 3 مدن إسلامية عاصمةَ للثقافة الإسلامية حيث ستكون واحدة منها من الدول العربية، والثانية من الدول الآسيوية والثالثة من الدول الافريقية. وبناء على هذه الخطة فإنه سيتم إعلان مدينة بخارى القديمة عاصمة للثقافة الإسلامية في هذا العام.
وخلال الاجتماع التاسع لوزراء الثقافة للدول الاسلامية الذي عقد في باكو فإنه تم اختيار كل من مدن بخارى (أوزبكستان) والقاهرة (مصر) وباماكو (مالي) عواصم للثقافة الإسلامية في عام 2020م.
ومنذ عام 2005م حين بدأت هذه المبادرة لقد استحقت هذا اللقب السامي مدينتي لأوزبكستان وهي طشقند وبخارى.
وفي البيان الذي جاء فيه إعلان بخارى عاصمة للثقافة الإسلامية يقول: في الحقيقة كانت بخارى الشريفة على مرور القرون عاصمة للثقافة الإسلامية. وليس من باب الصدفة تسميتها بقبة الإسلام. وإن إعلان هذه المدينة من قبل المنظمة عاصمة للثقافة الاسلامية يعتبر دليلا آخر لمساهمتها وعلمائها الذين انحدروا منها خلال القرون العديدة في الحضارة الإسلامية.
وتجدر الاشارة الى أنه من بين 4 مدن تحمل لقب (شريف) تعتبر أحد منها مدينة بخارى الشريفة. وهناك قول قديم في الشرق يقول (تعتبر سمرقند مركزا للعالم وبخارى قوة للدين الإسلامي).
*عاصمة ولاية بخارى وتعد خامس مدن أوزبكستان سكانا، تجاور نهر زرافشان ويبلغ عدد سكانها 263 ألف نسمة حسب إحصاء عام 2009. تقع بخارى على طريق الحرير، واتسمت بأنها مركز تجاري هام بالإضافة لكونها مركز للدراسة والثقافة وعلوم الدين. الجزء القديم للمدينة والذي يحتوي على مساجد ومدارس عتيقة تم إعلانه من قبل اليونسكو موقع تراث عالمي. يتألف سكان المدينة من الطاجيك الناطقين بالطاجيكية والأوزبك، الذين يتحدثون اللغة الأوزبكية.
397 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع