دوّامة الرحيل لناصرة السعدون هكذا وجدتها
كتابة - إيمان البستاني
رواية ( دوّامة الرحيل ) للكاتبة العراقية ناصرة السعدون الحائزة على جائزة كتارا للرواية العربي لعام ٢٠١٥ , وهي الرواية الخامسة من نتاجها الثر , ثيمة الرواية هو الأغتراب العراقي بكل وجعه
وحمل غلاف الكتاب لوحة للفنانة وداد الأورفه لي , كما سطرت أعمدة الشعر العراقي مفتتحات للمشاهد في الرواية لتنقل الصورة والحدث ببراعة وبلغة سلسة محببة
تبدأ السيدة السعدون روايتها بمشهد مغادرة بغداد , ذلك المشهد القابع في ذاكرة كل مهاجر وهو يصحو فجراً والمرارة في حلقه بأنه لن يرى بغداده ثانية , سواء كان هناك وداع او لم يكن تبقى العيون مسمّرة على شواخص الطريق لأخر ترف انتماء لوطن , مع حقيبة رُتبت على عجل
لم تنسى الكاتبة كل شاردة و واردة وكأنها كانت ترافق كل من ضاق به الوطن , في الطريق لعمان حتى تلك الاحجار السوداء التي تفترش الارض وكأنه نيزك احرق المكان بغضب ألهي مجهولة اسبابه, بعضنا اخذ منها تذكار والبعض الاخر كان نصيبه المشاهدة فقط , الرواية سجلته كعدسة كاميرا
السعدون وثقت في روايتها بكل صدق ماحصل عند دخول الامريكان بجيوشهم المرتزقة بغداد وكيف تعاملوا مع المواطن العادي الذي وجدوه أمامهم وافرغوا جام همجيتهم وكأنهم بهذا يقابلون جيشاً عرمرم
المهندسة المعمارية الشابة بطلة الرواية , أُختير اسمها ليعكس قيمة المواطن (إباء) العراقي من إباء وشموخ
تتعرض تلك الشابة لسلسلة احداث سريعة مفجعة الحدث الواحد فيها لوحده يشيب له رأس الرضيع , من فقدانها لوالدها ثم أخيها المتخرج تواً طبيب وشلل والدتها , جسدته تلك اللحظات السيدة السعدون بتفاصيل مثقلة بحزن عراقي وكأنك انت القارئ ثالثهما من شدة معايشة ذلك الواقع المرير
تبدأ دوّامة الرحيل للشابة إباء لتنتهي بها لاجئة في بلد كان دوماً سببب في مصائبها , كيف تعاملت مع قدرها وكيف اجتازت محن اثبات الذات هذا ما ابدعت به السيدة السعدون
لم اقرأ عن الحب كما قرأته من يدها, وكأنها بحق كاتبة حب من الطراز الاول , حب صادق بأحتشام وعذوبة وكأنه الحب الذي تمنيناه ولم يأتي , او عشناه ولم نعرفه كما يجب , او الحب الذي لن نصادفه ابداً لأنقضاء اجله
الثراء الواضح في ادوات الكاتبة الروائية ناصرة السعدون من سعة طيف اللغات واستخدامها لأكثر من لغة ولا عجب وهي المترجمة الحائزة على الدبلوم العالي الفرنسي , ومعرفتها بأهتمامات الغرب من موسيقى و رقصات واسماء أمكنة و أتيكيت شعوب , جعلتني ادرك بأن كاتبتنا لها نفس معرفي كرحالة جابت مغرب الارض ومشرقها
عدا المعرفة الاكاديمية لدهاليز مهنتي الطب والهندسة , وهذا ما جعلني ابتسم مرات ومرات واقول لنفسي , هل في أسرتها من يعمل بهذين المجالين وكم اعطت صبراً و وقتاً لتثق بما تطرحه كسرد يدعم الرواية ولايترك ثغرة يدخل منها شك
وجدت نفسي اقارن بيني وبين بطلة الرواية ( إباء ) , منذ السطر الاول في الرواية , وكلما توغلت في السرد اجد ثمة تشابهات وأختلافات فكنت اضع المتشابه على يميني والمختلف على يساري
كنتُ اوفر حظاً من إباء لأنني لم اشهد دخول الأوباش بلادي , تهجولت اكثر منها صحيح , درستُ وامتحنتُ كل امتحانات الدنيا حتى الدستور الألماني ببنوده والكندي و تاريخ قبائل هنوده الحمر ,وانا كنت الأم لطفلين وأشد ما يوجع هو عندما أشتل اولادي على مقاعد دراسة كل ما فيها غريب اللغة والناس والمدينة , كان الكبير عصّي دمعه وطفلي الصغير يذرفه مدراراً من وحشة الاشياء , لن اسامح نفسي بما فعلت بقلوبهم الصغيرة
إباء اكملت ماجستير هندسة معمارية وأنا اكملتها كهربائياً , و ماراثون التفوق نفس شروطه , كان لزاماً علينا ان نحقق معدل ٩٠ % فما فوق , والأ نجد انفسنا مطرودين من الجامعة دون ان ترف لهم عين
وجدت الله مع إباء اكثر تواجداَ في تسهيل امور غربتها , و ربط احداث حياتها وتلك نعمة ما بعدها نعمة , أما واقع حالنا فهو مختلف بوعرة مسالك الحياة فيه , فالحياة اصعب بكثير من رواية
كم تمنيتُ لو وضعتُ رأسي بحضنك يا سيدتي الكاتبة لأبكي فقط من وجع سنين وصفتيها بروايتك بصدق وشرف , روايتك هي للكل , لمن قاسى من الوطن ولمن جرب مسالك الغربة وكأنك بهذا تقوليها صراحة للأثنين ...... لم يعد هناك ترف ... لا في الوطن ولا خارجه
في آمان الله
609 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع