تمثال الخيام، حديقة لاليه، طهران
الجزائر ــ عبد الرزاق بوكبة:قليلة هي النصوص المحكية الجزائرية التي سافرت إلى لغات أخرى، ونادرة تلك انتقلت إليها، لذلك فقد بدت ترجمة القاص بلقاسم شايب لـ"رباعيات عمر الخيام" إلى اللهجة الجزائرية خطوة غير مألوفة وجريئة أيضاً.
الترجمة صدرت عن "دار أسامة" في الجزائر أخيراً وضمّت الرباعية بترجمة أحمد رامي وما يُقابلها بالدارجة الجزائرية، في خطوة هي الأولى من نوعها، قام بها القاص محمد بلقاسم الشايب (1963) الذي يصرّ على أنها ليست ترجمة، بل صياغة أولى إلى اللهجة الجزائرية، مضيفاً "لم أنقلها من لغة إلى لغة مغايرة تماماً، فأنا لم أخرج عن ملّة اللغة العربية".
ويقول صاحب كتاب "أنا الممضي أسفله" لـ "العربي الجديد" إنه فكّر بنقل الرباعيات إلى العامية لشدة إعجابه بها الذي بلغ حدّ التأثر الكبير، حتى باتت صياغتها بالعامية مغامرة ملحّة بالنسبة إليه: "ظلت الفكرة تلازمني إلى أن شرعت فيها، وعلى مدار سنوات انغمست في البحث عن أشياء معلنة وأخرى مضمرة في ذلك السيل الجارف من خبايا الذات".
استفاد الشايب من كتابات أخرى ليصل إلى النسخة العامية التي بين يدينا، عن ذلك يقول: "مرة يحيلني العمل على الرباعيات إلى التنقيب في مدونة الشعر الشعبي الجزائري، وهو زاخر بأشكال كثيرة من الرباعيات الموسومة بالدعاء والتساؤل ووصف أحوال الدنيا، مثل "رباعيات عبد الرحمن المجذوب"، ومرة يعيدني إلى ذلك النبع من التراث، فكانت رحلة ممتعة باتجاه كنوز الشرق".
الشايب يقول إنه قرأ ترجمة النجفي والبستاني، لكنه اختار ترجمة أحمد رامي "لأنها أقرب إلى المتخيّل الشعري العامي، ولها عند القارئ العربي معنى خاص، فقد تداولها عموم الناس بسبب غناء أم كلثوم لها من جهة، ولسلاستها وبساطة ألفاظها من جهة أخرى"، وربما يجدر الالتفات هنا إلى نقد ترجمة أحمد رامي والتي اعتبرها المطلعون على رباعيات الخيام غير مخلصة للنص الأصلي، وإن أنصفته جمالياً.
ومن جهة الصعوبة التي وجدها بلقاسم الشايب في نقل الرباعيات، يبين صاحب "عن الجاحظية" أن اللهجة الجزائرية لم تعتد على أن تستوعب نصوصاً ذات محمول فلسفي وتوجهٍ نحو الأسئلة الوجودية الحادة، لذلك كانت الصعوبة في نقل المقاطع التي تشتغل على هذا التوجه.
التقابل بين الترجمة والصياغة يبرز الجهد المبذول واستيعاب العامية للبعد الفلسفي. في ترجمة أحمد رامي تقول إحدى الرباعيات:
"لو أنّني خُيَّرت أو كــانَ لي/ مفتاحُ باب القدر المقفــلِ/ لاخترتُ عن دنيا الأســــــى أنّني/ لم أهبط الدُنيا ولم أرحـــلِ". وتصبح في صياغة بلقاسم الشايب:
"لَوْ قَالُولِي واش تَخْتَـــارْ انْخَيَّــرْ/ وُجَا بِيدِي مفْتَاحْ لكْوَانْ ولَقْــدَارْ/ ما كُـنْتَشْ خَيَّرْتْ هَذَا الدَّهْرْ الـمـــــُرّْ/ مَا نُدْخَلْ دَنْيَا وْلا نُخْرُجْ مَحْتَــارْ".
854 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع