جفاف ذي قار يهدد أكثر من ١٠٠ ألف عراقي: نزوح مستمر دون حلول

العربي الجديد:تواجه محافظة ذي قار، جنوبي العراق، واحدة من أسوأ موجات الجفاف في تاريخها الحديث، وسط تراجع حاد في منسوب مياه الشرب والري دفع الأوضاع المعيشية إلى حافة الانهيار، حيث طالت الأزمة أكثر من 100 ألف شخص في بلدات ومدن الإصلاح، والدوّاية، وسيد دخيل، أسفرت عن موجة نزوح متصاعدة تجاوزت آلاف العائلات المسجّلة رسمياً، فيما تشير تقديرات محلية إلى وجود أعداد أكبر غير مدرجة في السجلات الحكومية.

وفي الوقت الذي فقد فيه أكثر من 10 آلاف شخص من سكان الأهوار مصدر رزق مرتبط بالزراعة والصيد، منذ مطلع الصيف الماضي، سجّلت المحافظة نفوق ما يزيد عن 15 ألف رأس من الجاموس وانهيار 85% من الثروة السمكية، إلى جانب خسارة 88% من الأراضي الرطبة والزراعية. ومع تفاقم شحّ المياه وتراجع الإطلاقات المائية، تتصاعد التحذيرات من أن ذي قار تقف اليوم أمام كارثة إنسانية وبيئية قد تدفع إلى موجات نزوح أوسع ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة وجذرية.

ذي قار.. تفاصيل من الحياة القاسية
وفي خضم هذا الانهيار المائي والمعيشي، تتصاعد شكاوى الأهالي من مختلف أقضية ذي قار، حيث يروي مواطنون لـ"العربي الجديد"، تفاصيل يومية قاسية تعكس حجم الجفاف وتأثيره المباشر بحياتهم. ويصف المواطن حمود عداي الوضع في قضاء الإصلاح بأنه "تحوّل فعلياً إلى منطقة منكوبة"، مبيناً أن الأهالي باتوا عاجزين عن تأمين المياه حتى للشرب، فيما يضطر بعضهم لجلب الماء من مسافات بعيدة بكلفة كبيرة. مضيفاً أن المزارع جفّت بالكامل، والإنسان والحيوان والنبات يموت اليوم بصمت، في ظل غياب حقيقي للحكومة المحلية، التي تبدو إما عاجزة أو غير مكترثة بحجم الكارثة.

وفي قضاء سيد دخيل، يؤكد المواطن كاظم سجر، أن الجفاف دفعهم أسوةً بعشرات العائلات لمغادرة قراهم، بعد نفوق أعداد كبيرة من المواشي، وأن مناطقهم لم تعد صالحة للعيش من دون مياه، ولا توجد حلول ملموسة تُشعر السكان بالأمان. وانتقد سجر، الفساد وسوء الإدارة، وغياب التخطيط من قبل الجهات المعنية، مؤكداً أن تأخر المعالجات الحكومية فاقم الانهيار الزراعي، وأن السكان يشعرون بأنهم تُركوا لمواجهة مصيرهم وحدهم. وطالب بتدخل أممي ودولي عاجل لمنع نزوح أوسع قد يضرب جميع مناطق محافظة ذي قار خلال الأسابيع المقبلة، ما لم تُتّخذ إجراءات جذرية وسريعة لمواجهة هذه الكارثة.

تواجه ذي قار موجة جفاف غير مسبوقة أدّت إلى خسائر اجتماعية ومعيشية واسعة

من جانبهِ، أكد مسؤول دائرة مكافحة التصحر والجفاف في محافظة ذي قار، حيدر سعدي، أن المحافظة تواجه موجة جفاف غير مسبوقة أدّت إلى خسائر اجتماعية ومعيشية واسعة، مشيراً إلى أن الوضع "غير مطمئن إطلاقاً"، وأن ذي قار "بلا خطة زراعية هذا الموسم بسبب انعدام المياه"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن المحافظة تقع على ذنائب نهري الفرات والغراف، وتشهد تجاوزات كبيرة على مجرى النهر قبل دخوله ذي قار، إضافة إلى ارتفاع نسب التلوث، ما فاقم الأزمة المائية وأضعف الإنتاج الزراعي، مشيراً إلى أن معدلات النزوح خلال السنوات الأربع الماضية تجاوزت 11 ألف عائلة مسجّلة رسمياً، مع وجود أعداد أخرى غير مسجّلة، لافتاً إلى أن أكثر من 100 ألف نسمة مهددون بالجفاف في أقضية الإصلاح والدواية وسيد دخيل وبقية المناطق المتضررة.


وكشف سعدي عن نفوق أكثر من 15 ألف رأس من الجاموس، وانهيار نحو 85% من الثروة السمكية، وخسارة 88% من الأراضي الرطبة والزراعية، مؤكداً أن شحّ المياه أدى إلى توترات اجتماعية ونزاعات محلية وتغييرات ديموغرافية تضغط على مناطق استقبال النازحين. وبيّن أن 10.500 مواطن في الأهوار فقدوا مصدر رزقهم بالكامل، موضحاً أن اللجان المحلية تعمل بالتعاون مع وزارة العمل ومنظمات أممية لإطلاق مشاريع بديلة ومختبرات زراعية لتجربة محاصيل تتحمل الجفاف. وطالب سعدي الحكومة ووزارة الموارد المائية بتكثيف الضغط على دول منابع الأنهار لزيادة الإطلاقات المائية نحو العراق، مع ضرورة تشديد الرقابة على مجاري الأنهار في محافظات الوسط لمنع التجاوزات، وضمان وصول الحصص المائية إلى ذي قار.

وفي السياق، قال عضو مجلس محافظة ذي قار، أحمد الخفاجي، إن معدلات نزوح الأهالي من عدد من مناطق المحافظة تتصاعد يوماً بعد آخر، بفعل الارتدادات الخطيرة لأزمة الجفاف. موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن ذي قار تُعد من أكثر المحافظات تضرراً على مستوى العراق، ولا سيما مناطق الأهوار والمناطق الزراعية التي تواجه جفافاً حاداً وغير مسبوق. وبيّن، أن حركة النزوح مستمرة وفق المؤشرات المتوفرة لدى المجلس، خصوصاً من المناطق التي فقد سكانها مصادر رزقهم التقليدية، وأن تأثيرات النزوح لا تقتصر على الانتقال الجغرافي، بل امتدت إلى فقدان آلاف العائلات أعمالها في الزراعة وتربية المواشي وقطعان الجاموس، الأمر الذي ساهم في اتساع دائرة الفقر والبطالة، وتراجع الاستقرار المعيشي في المحافظة.

وأشار الخفاجي إلى أن مجلس المحافظة ناقش خلال جلساته الأخيرة إجراءات عاجلة للتخفيف من آثار الأزمة، من بينها التنسيق مع وزارة الموارد المائية لزيادة الحصص المائية، ووضع خطة طارئة لإيصال المياه إلى القرى المتضررة عبر الآبار والصهاريج، إلى جانب دعوة الوزارات المعنية لتعويض الفلاحين المتضررين، وتفعيل برامج دعم الأسر النازحة داخلياً، محذراً من أن استمرار الجفاف دون حلول حقيقية سيؤدي إلى موجة نزوح أكبر خلال الأشهر المقبلة، داعياً الحكومة الاتحادية إلى تحرك جاد وسريع لاحتواء الأزمة قبل تفاقمها بصورة تهدد الأمن الاجتماعي والمعيشي لذي قار.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

918 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع