تدرك القوى الشيعية المتنافسة على السلطة في العراق مدى التأثير الذي ستحدثه عودة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر عن قرار مقاطعته الحياة السياسية ومشاركة تياره في الانتخابات القادمة، على التوازنات السياسية داخل العائلة السياسية الشيعية، ولذلك شرع أقطاب تلك القوى في محاولة استمالته بشكل مبكر وكسبه حليفا لهم ضد خصومهم ومنافسيهم من داخل العائلة نفسها.
العرب/بغداد- بدأت العودة المحتملة للتيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر إلى المشهد السياسي وإنهاء مقاطعته خوض الانتخابات تكتسي أهمية لدى أقطاب العائلة السياسية الشيعية، وذلك مع اقتراب نهاية الدورة البرلمانية الحالية وبدء التفكير في الانتخابات القادمة التي يُفترض أن تجري في بحر السنة القادمة 2025.
ومع تسرّب الخلافات إلى صفوف الإطار التنسيقي الشيعي المشكّل لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وانقسامه إلى قطبين أحدهما داعم للسوداني ومدافع عن استكمال الفترة القانونية لحكومته مع إمكانية تجديد ولايته على رأس الحكومة بعد الانتخابات القادمة، والثاني مطالب بإجراء انتخابات مبكرة قطعا لطريق التجديد للسوداني، أصبح التحالف مع الصدر مهما لكلا القطبين اللذين انطلقا بالفعل في ما يشبه السباق لاستمالة الرجل ذي الجماهيرية الكبيرة في صفوف شيعة العراق.
وأصدر زعيم التيار الصدري الذي غيّر اسم تياره إلى التيار الوطني الشيعي، خلال الأشهر السابقة عدّة إشارات على عودته عن قرار مقاطعة الانتخابات، لكنّه تأخّر في الإعلان عن ذلك بشكل رسمي الأمر الذي أرجعه متابعون للشأن العراقي إلى رغبته في ترك الشرخ يتعمّق داخل الإطار التنسيقي الأمر الذي يعطيه فسحة أكبر في اختيار حلفائه المستقبليين.
ويتزعّم جهود إطاحة حكومة السوداني رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي الذي دعا بشكل متكرّر إلى إجراء انتخابات مبكرة، بينما تساند شخصيات من داخل الإطار التنسيقي من بينها رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم رئيس الوزراء مبدية رغبة في مواصلة قيادته للحكومة لسنوات قادمة.
ويدرك قطبا الإطار أن عودة الصدر إلى الساحة السياسية سيكون مؤثّرا في التوازنات السياسية القادمة إذ يظل منافسا وازنا في الانتخابات وقد أثبت ذلك في انتخابات سنة 2021 عندما تصدر نتائجها.
وعبّر الحكيم مجدّدا عن دعمه للسوداني معتبرا أنّه الأنسب لقيادة المرحلة. وكان لافتا اقتران ذلك الموقف بالثناء على تيار الصدر ودوره في العملية السياسية.
وقال زعيم تيار الحكمة في كلمة له بملتقى شبابي لتياره إنّ “التيار الصدري تيار مهم في المجتمع ويصعب القول إنه خارج العملية السياسية إنما هو خارج هرم الحكومة والبرلمان، وهو حاضر في المشهد السياسي وشريك في العملية السياسية”، وأضاف “أكدنا على أهمية الوحدة ورص الصفوف والعمل بالمشتركات وأن وجود الاختلافات لا يمنع من التواصل والتكامل”.
ورأى الحكيم أنّ “السوداني هو الشخص المناسب في المرحلة الراهنة من حيث الاندفاع في البناء والإعمار وتقديم الخدمات، التي تمثل أولوية المرحلة”، معتبرا أن “تجربة السوداني الإدارية أسهمت في تقديم الخدمات وأنّ نزوله الميداني نقطة تحسب له لتحريك المشاريع ومغادرة الحالة الرتيبة”.
كما انتقد القيادي في الإطار التنسيقي فكرة الانتخابات المبكرة واصفا طرحها بغير الواقعي ومؤكّدا عدم وجود إرادة سياسية لتنفيذها، ولافتا إلى أنّ التعجيل بالانتخابات قبل أوانها “يأتي لفك انسداد سياسي وهذا غير موجود إضافة إلى العامل التقني المتعذر بوجود انتخابات إقليم كردستان”.
ولم يفصل مقتدى الصدر بشكل رسمي في قرار مشاركة تياره في الانتخابات القادمة لكنّه كثف على مدى الأشهر السابقة بشكل ملحوظ من حضوره في المشهد العام بالعراق من خلال سلسلة من التعاليق والمواقف أطلقها عبر منصة إكس واكتست طابعا شعبويا واضحا، ولم تخل من منزع طائفي في بعض الأحيان.
وعاد الصدر مؤخّرا إلى الظهور في واجهة المشهد من خلال مهاجمة موقف ألمانيا من الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية.
وندّد زعيم التيار الوطني الشيعي في رسالة حملها وفد تياره إلى سفارة ألمانيا لدى العراق بتصريحات لوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك دافعت فيها عما اعتبرته حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وقرأت فيها عدّة دوائر تشريعا لقتل المدنيين الفلسطينيين.
وقال الصدر في رسالته “إننا نندد ونستنكر بشدة الموقف الألماني المتعصب على لسان وزيرة خارجيتها، والتي تبرر أو تبيح قصف المدنيين تحت أي ذريعة”.
ويظهر الصدر في الوقت الحالي ميلا نحو الخوض في مسائل ذات شحنة عاطفية من قبيل القضية الفلسطينية أو قضايا ترتبط بعقيدة أبناء المكوّن الشيعي مثل الدفاع عن إقرار عيد الغدير كعطلة رسمية في عموم العراق، على الخوض المباشر في قضايا سياسية، ما يوحي برغبته بعدم التورّط في الشأن المحلّي قبل تحديد المعسكر الذي سينحاز إليه ويتحالف معه مستقبلا.
ويتمتع الصدر بنفوذ سياسي واسع في العراق ويحظى بقاعدة شعبية كبيرة. واشتهر بمناهضته للغزو الأميركي للعراق في العام 2003 وشكّل أول فصيل مسلح لقتال القوات الأميركية خلال فترة عدم استقرار امتدت لسنوات.
ومع ذلك لم تنخرط ميليشيا الصدر التي تغيّرت تسميتها أكثر من مرّة لتستقر حاليا على مسمّى “سرايا السلام” في عمليات استهداف القوات الأميركية في العراق والتي كانت قد نفذتها ميليشيات شيعية أخرى مرتبطة بإيران تحت يافطة دعم غزة ومساندة “المقاومة الإسلامية”.
ويعتبر ذلك موضع التقاء إضافي بينه وبين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني القلق من انخراط الميليشيات الشيعية في الصراعات الإقليمية بما في ذلك الحرب الدائرة حاليا في غزّة ولبنان.
ويحاول زعيم التيار الوطني الشيعي من خلال التعبير عن حرصه على استقرار العراق تسويق صورته كرجل دولة بعد أن تطورت طموحاته نحو السعي لحكم البلد من خلال احتكار تشكيل حكومته.
وظهر الصدر خلال السنوات الأخيرة في مظهر المعارض للقوى الشيعية المقرّبة من إيران والتي حكمت العراق في فترة ما بعد حكم نظام حزب البعث، وقد نجح بالفعل في كسب قدر من الشعبية من خلال انتقاده الحادّ لفساد تلك القوى التي تشاركه الانتماء لنفس العائلة السياسية الشيعية وفشلها في إدارة شؤون الدولة وتحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.
ويستبعد متابعون للشأن العراقي أن تشكّل عودة رجل الدين الشيعي إلى الساحة من خلال خوضه الانتخابات البرلمانية القادمة، تهديدا فعليا لنفوذ الأحزاب والفصائل الشيعية المسلحة القريبة من إيران.
ويشيرون إلى أنّ عودة الصدر يمكن أن ترجّح كفة أطراف في ذلك المعسكر على حساب أطراف أخرى، بعد أن بدأت الخلافات تتسرّب إلى صفوف الكيان الجامع لها والمتمثّل في الإطار التنسيقي الذي كان قد تشكّل أصلا لمواجهة الصدر نفسه إثر الانتخابات الماضية، وبعد أن بدأت مصالح قيادات الإطار تتناقض.
ويستدل هؤلاء بأنّ عودة الصدر ستتم بتنسيق وتوافق مع بعض مكونات الإطار التنسيقي بهدف التحالف معه ضدّ مكونات أخرى ترى أنّها ستشكل خطرا عليها في المستقبل.
وكان نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق من أوائل من أعلنوا عن إمكانية عودة زعيم التيار الصدري عن قرار مقاطعة الانتخابات.
وقال المالكي الذي يرأس حزب الدعوة الإسلامية ويقود ائتلافا برلمانيا تحت مسمّى ائتلاف دولة القانون في تصريحات إعلامية سابقة إنّ هناك معلومات عن توجهات لدى التيار الصدري للمشاركة في الانتخابات القادمة سواء تمت في موعدها أو أجريت بشكل مبكّر. وأشار إلى أنّ الصدريين هم الأكثر مطالبة بإجراء انتخابات مبكّرة.
1136 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع