يخفف القانون العراقي الحكم على المغتصب في حال زواج الجاني من الضحية، ورغم الدعوات المتواصلة وجهود الناشطات لتغييره إلا أن الأمر يبدو صعبا في برلمان يسعى لتشريع قانون يسمح بزواج القاصرات ويعيد الحقوق التي ناضلت من أجلها المرأة وتحققت إلى الوراء.
العرب/بغداد - تعرضت هدى ذات التسعة عشر ربيعا للخطف والاغتصاب من قبل أحد الأشخاص في العاصمة العراقية، وبدل أن تحصل على مساندة أسرتها ومعاقبة الجاني خذلها والدها عندما قدم طلبا إلى المحكمة يشير إلى رغبة ابنته بالزواج من الجاني وذلك بعد انقضاء يومين من قرار المحكمة للحكم علية في جريمة الاغتصاب.
قصة هدى تتكرر في العراق فلا شيء يتغير على مدى الأيام والسنوات، من المجتمع الذكوري وخشية الأهل من وصمة العار إلى القانون الذي يضيف عقوبة أخرى على الضحية ومكأفاة الجاني بالسماح له بالزواج منها لتخفيف العقوبة.
وتشير المادة 393 من قانون العقوبات العراقي إلى العقوبة “بالحبس المؤبد أو المؤقت” بحق كل من “واقع أنثى بغير رضاها”، وتعتبر الجريمة مشددة في حال كان الضحية غير بالغ لـ18 عاما، أو إذا كان الجاني من أقارب الضحية أو متولّ لتربيتها أو من كان له سلطة عليها، أو إذا كان موظفا حكوميا أو رجل دين أو طبيبا، أو كان الفعل جماعيا باشتراك أكثر من معتد، أو إذا أصيبت الضحية بمرض تناسلي نتيجة الاعتداء.
ووفقا لهذه المادة تتوقف المحاكمة وتحريك الدعوى والإجراءات المتخذة بكافة المراحل، التحقيق، المحاكمة، التمييز، في حال تزوج الجاني من المجني عليها بعقد صحيح، إلا في حال انتهاء الزواج من غير سبب مشروع ومن قبل الزوج.
وبسبب النظرة الدونية القاصرة تجاه النساء في بعض المجتمعات قد تتعرض الكثير منهن إلى القتل ولا فرق بين الضحية من غيرها، فقتل بعض النساء بداعي غسل العار أمر مقبول ومرحب به بالنسبة إليهم لذلك يتسترون بتزويج الضحية من جلادها دفعا للعار الذي قد يلاحق الضحية.
ويرى مختصون اجتماعيون أن زواج المغتصب من الضحية ليس حلا واقعيا، وأن الحل الصحيح هو إزالة الحرج والقيود بما يضمن إعادة حق المرأة في سمعتها وكرامتها وقيمتها بعيدا عن قيود الشرف التي وضعها المجتمع وعليه أن يتقبلها ويدعمها بدلا من إعدامها وهي على قيد الحياة.
ويمكن أن يحدث الحكم المخفف في حال طبقت المادة 398 من القانون ذاته والتي تنص على أنه “إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل وبين المجني عليها عُدّ ذلك عذرا قانونيا مخففا”.
وكلمة “الزواج الصحيح” تعني استحصال موافقة المدعية على الزواج، وإلا فإن الزواج لا يعقد ويتلقى المتهم العقوبة كاملة.
لكن من ناحية أخرى، يعتقد المنتقدون للمادة أن الضحية قد توافق في الكثير من الأحيان على الزواج من الجاني، لأنها تكون تحت الضغط والتهديد من قبل عائلتها.
ويقول البعض من المدافعين عن القانون إن هذه المادة مهمة جدا، ولا يمكن التخلي عنها إذ أن المادة اشترطت موافقة الضحية على الزواج، وهذا ركن مهم لا يجوز تجاهله خلال انتقاد القانون، إضافة إلى أن الكثير من دعاوى الاغتصاب هي ليست اغتصابا بمعنى ممارسة الجنس القسري، وإنما تلجأ المدعية أو أقاربها إلى المحكمة للضغط على المدعى عليه من أجل الزواج، في حال وجود علاقة جنسية بين الطرفين.
ويرى أحد المحامين أن “أغلب قضايا الاغتصاب لا تصل إلى المحكمة أساسا، لأنها تنتهي إما بتزويج الطرفين، أو من خلال الأحكام العشائرية السائدة بشكل كبير”، مضيفا “وفي حالة وصولها إلى المحكمة يعني هذا أن الطرفين لم يتوصلا إلى اتفاق، وبالتالي فإن تزويج الضحية من الجاني لن يحصل”.
ويؤكد “عمليا، هذه المادة غير فعالة بشكل كبير ولا تطبّق إلا نادرا”، مضيفا “الحديث عن زواج الطرفين يكون قبل اللجوء إلى المحكمة”.
وسبق أن رد مجلس القضاء الأعلى سابقا على سؤال وجهته الأمانة العامة لمجلس الوزراء بشأن إلغاء هذه المادة، وتضمن رده أن “المشرع العراقي لم يعف الجاني من العقاب، وإنما اعتبر فعله عذرا مخففًا له في حالة زواجه من المجني عليها، كما أن حالة زواج الجاني من المجني عليها تمثل معالجة لهذا الموضوع، خصوصا وأن العادات والتقاليد وواقع المجتمع العراقي ينظر إلى المرأة (الضحية) نظرة ريبة حتى وإن كانت ضحية، وأن زواج المجني عليها من الجاني لا يتم إلا بموافقتها ولا تجبر على إجراء عقد الزواج، وفي حالة رفضها فإن الإجراءات القانونية تستمر بحق الجاني إلى صدور القرار النهائي من المحكمة المختصة”.
في حين تبرز وجهة نظر دينية أخرى ترى أن “الاغتصاب هو الإجبار على الزنا، والاعتداء على عرض المرأة، وهتك سترها وحرمتها وإلحاق الضرر بها، وهي جريمة عظيمة توعد الله فاعلها بالعقوبة في الدنيا والآخرة، وتتعدد العقوبات في هذه الحالة وفقا للشريعة الإسلامية”.
ويؤكد هذا الرأي الديني أنه “لا يمكن السماح بأيّ شكل وتحت أيّ ذريعة بتزويج المغتصب من الضحية، فإن لم يتمكنوا من تطبيق الحد الديني على مرتكب الجريمة فعلى الأقل عليهم أن يلحقوا به أقسى العقوبات القانونية لردع من تسول له نفسه هتك الأعراض، وليس تشجيعهم على ذلك بالإفلات من العقاب”.
وتعارض الناشطات العراقيات هذا التبرير، كما يعارضه المدافعون عن حقوق الإنسان الذين يرون أن القانون العراقي مقصّر في حماية المرأة من العنف والاعتداءات الجنسية والاغتصاب. لذلك يضغط هؤلاء من أجل نصوص قانونية واضحة تعاقب الجناة ولا تمنحهم فرصة الإفلات من العقاب.
وتشير سجلات مجلس القضاء العراقي إلى حالة حصلت في عام 2007 في إقليم كردستان العراق، ألغت فيها محكمة التمييز حكما بسجن الجاني لعشرة أعوام، وهي مدة “مخففة” أصلا بحسب قرار المحكمة لأنه “رجل كبير في السن وصاحب عائلة”.
واستندت محكمة التمييز بقرار تخفيفها الحكم من 10 أعوام إلى عام واحد إلى “عقد زواج مع المجني عليها” التي يقول الحكم إن عمرها كان أقل من 18 عاما وقت حدوث الجريمة.
وتقول المادة القانونية ذاتها إنه “إذا انتهى عقد الزواج بطلاق صادر من الزوج بغير سبب مشروع أو بطلاق حكمت به المحكمة لأسباب تتعلق بخطأ الزوج أو سوء تصرفه وذلك قبل انقضاء ثلاث سنوات على الحكم في الدعوى يعاد النظر بالعقوبة لتشديدها بطلب من الادعاء العام أو من المجنيّ عليها أو من كل ذي مصلحة”.
وفي أحوال أخرى، بحسب أرشيف القضاء العراقي، حكمت المحكمة بالسجن لعشرة أعوام لمدانين بجريمة الاغتصاب.
كما حكمت محكمة في بغداد في عام 2019 بالإعدام على متهمين اغتصبا فتاة بالإكراه “تقدم أحدهما لخطبتها وتم رفضه”، بالإضافة إلى قيامهما بدخول دارها عنوة تحت تهديد السلاح، وسرقة مصوغات ذهبية.
وخففت محكمة التمييز الحكم إلى السجن المؤبد، مستندة إلى قرار من سلطة الائتلاف (الأميركي) بتعليق حكم الإعدام بالقضايا المشابهة.
ولا توجد إحصاءات لحالات الاغتصاب في العراق، لكن منظمات نسوية عراقية تقول إن “أغلب من يسجلن على أنهن فتيات منتحرات هن ضحايا لعمليات قتل بداعي الشرف، ونسبة كبيرة منهن وقع اغتصابهن”.
وعلى الرغم من أن نص المادة الذي يقضي بتخفيف العقوبة على المغتصب إذا ما تزوج من ضحيته ليس جديدا، إذ جرى تعديله آخر مرة عام 1987، إلا أنه بقي من أبرز النصوص التي تجري المطالبة بإلغائها كونه يشكّل إجحافا بحق الضحية التي يمكن أن تُجبر على تكرار تجربة الاغتصاب على يد الجاني لبقية حياتها.
وفي الفترة الماضية، أعيد الجدل حول المادة مجددا، تزامنا مع تبرير شخصيات قانونية الحاجة إلى إبقاء المادة بصفتها “الحل الأنسب” للضحية، كون زواجها من مغتصبها يعد الخيار الوحيد لها في مجتمع يهتم بالعادات والتقاليد.
وتقول النائبة السابقة ريزان شيخ دلير “حاولنا تعديل المادة 398 من خلال عملي في مجلس النواب للدورات النيابية السابقة الثانية والثالثة إلا أننا لم نستطع، وخلال الدورة النيابية الرابعة حيث كنت إحدى عضوات لجنة المرأة النيابية، وصلنا مقترح تعديل المادة 398 ذاتها وكان مقدما من قبل رئيس الجمهورية ولكن أيضا وصل إلى مجلس النواب وانتهت الدورة النيابية ولم نستطع فعل شيء”.
وتؤكد شيخ دلير وجود قوانين كثيرة تحتاج إلى تعديل أو إلغاء لكن الأمر صعب جدا في ظل وجود الأحزاب الإسلامية المتمسكة بهذه القوانين بحجة أنها لصالح المرأة.
وتعتقد الناشطة هبة النائب أن المادة 398 من قانون العقوبات العراقي تشبه عقوبة الفصلية التي تدفع من خلالها “المرأة” ثمن خطأ لم ترتكبه وهو عرف عشائري، تماما كما يتم تقديمها كهدية ومكافئة للمغتصب لإفلاته من العقاب بكل سهولة، وتؤكد النائب بأن هذه المادة القانونية تشجع الجناة على ارتكاب جرائم الاغتصاب.
وكانت النائب قد أطلقت مع عدد من الناشطين والناشطات حملة إلكترونية عبر منصات التواصل الاجتماعي بعنوان (إلغاء المادة 398) كما نظمت وقفات احتجاجية للمطالبة بإلغاء هذه المادة ورغم أن الحملة أخذت صداها لكن مجلس النواب لم يحرك ساكنا تجاه الأمر .
وما زالت الأصوات تتعالى وهي تطالب بتعديل النصوص القانونية المحرضة على العنف ضد النساء في العراق على أمل تشريعات منصفة وعادلة.
وعدت ناشطات هذه المادة “عارا على القانون العراقي ويجب الوقوف ضدها وتغييرها”، وتكافح هؤلاء في محاولة دفع نواب مجلس الشعب لتعديل هذا القانون من خلال تظاهرات ومسيرات نسوية وتحركات من المحامين والمحاميات، لكن لم يتم أخذها على محمل الجد، في ما ترى بعض الناشطات أن القانون من الصعب تعديله حاليا في ظل برلمان يسعى إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يشرع زواج القاصرات استنادا لفتاوى دينية.
يذكر أن هذه المادة ألغيت في معظم البلدان العربية، مثل تونس والأردن ولبنان ومصر، وكذلك في المغرب بعد حملات اعتراض كبيرة خلال عام 2014.
859 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع