زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان هذا الأسبوع إلى العراق تأتي في ظل أزمة حادّة تواجهها حكومة محمد شياع السوداني وفوضى عارمة تخترق صفوف مظلّتها السياسية الإطار التنسيقي، ما يبرز الحاجة إلى سلطة إيران على قوى الإطار لضبط تلك الفوضى وتخفيف ضغوطها على الحكومة رغم ما ينطوي عليه ذلك من تكريس لضعف موقف بغداد إزاء طهران وسياساتها في البلد والمنطقة.
العرب/بغداد- تنطوي زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان المرتقبة هذا الأسبوع إلى العراق على فرصة لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لكسر نسق تصاعد الأزمة التي وقعت فيها حكومته بسبب تفجّر فضيحتين من العيار الثقيل في وجهها، وللاستعانة بسلطة إيران على الأحزاب والميليشيات العراقية المسلحة لضبط الفوضى داخل الإطار التنسيقي المشكّل من تلك القوى التي بات بعضها يضغط بشدّة على الحكومة ويدفع باتجاه إسقاطها قبل اكتمال مدتها القانونية.
وتمّ تحديد الأربعاء موعدا للزيارة التي ستكون الأولى لبزشكيان إلى الخارج منذ انتخابه رئيسا لبلاده مطلع يوليو الماضي، وذلك بحسب ما أوردته الأحد وكالة أنباء الجمهورية الاسلامية الإيرانية “إرنا” التي قالت إنّ الزيارة ستشهد توقيع مذكرات تفاهم بين البلدين مؤجلة من عهد الرئيس السابق إبراهيم رئيسي الذي قتل في مايو الماضي في حادث مروحية.
وواجه السوداني خلال الفترة الأخيرة فضيحتين انفجرتا بشكل متزامن وتمثلتا في ضلوع مسؤولين كبار في مكتبه في قضية تجسس على نواب البرلمان، وأيضا في تطور ما يعرف بسرقة القرن إلى اتهامات لسياسيين وقضاة بالتورط فيها إلى جانب المتهم الرئيسي في القضية نور زهير الملاحق باختلاس حوالي 2.5 مليار دولار من أموال الأمانات الضريبية، ورغم ذلك أطلق سراحه وسمح له بمغادرة البلاد في دليل على حجم تواطؤ الأجهزة الرسمية معه.
وأثّرت الفضيحتان بشكل واضح على استقرار الحكومة إذ زرعت الفوضى في صفوف القوى الشيعية المشكّلة للإطار التنسيقي المساند لها، وأتاحت الفرصة للمعسكر الذي يقوده رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي والساعي لقطع مسار السوداني بإقالة حكومته قبل انتهاء فترتها القانونية وتنظيم انتخابات برلمانية مبكّرة تفضي إلى تشكيل حكومة جديدة لا يُستبعد أن يكون المالكي راغبا في قيادتها سواء بشكل مباشر أو عن طريق تعيين حليف مقرّب منه على رأسها.
ومعروف أنّ لإيران دورا أساسيا إلى جانب الولايات المتّحدة الأميركية في قيام النظام العراقي الحالي على أنقاض النظام السابق الذي انهار بفعل الغزو الأميركي للعراق سنة 2003.
ومنذ ذلك الحين أصبح لطهران دور ثابت في اختيار من يتولى قيادة الحكومة العراقية من بين القوى الشيعية الحليفة لها.
وعلى هذه الخلفية تبرز حاجة السوداني للرئيس الإيراني لإعادة الهدوء إلى الإطار الذي يقوده كبار حلفاء طهران مثل هادي العامري زعيم ميليشيا بدر وقيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحقّ جنبا إلى جنب عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة ونوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون وآخرين.
ولا تخرج حكومة الإطار التنسيقي بدورها عن كونها خيارا إيرانيا حتمته الحاجة لقطع الطريق على رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ومنعه من استلام السلطة بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فيما هو ليس موضع ثقة إيران التي يعتبر نفسه سلطة دينية منافسة لسلطة مرشدها الأعلى.
وتلتقي حاجة حكومة السوداني لاستعادة توازنها مع رغبة إيران في استقرار حكم حلفائها في العراق خصوصا وأنّها تجني من وراء ذلك مكاسب كبيرة إذ تتخذ من البلد ساحة رئيسية للصراع ضدّ الولايات المتّحدة، كما أنّ لها مكاسب مباشرة أمنية ومالية واقتصادية، إذ نجحت في انتزاع موافقة عراقية على إبعاد المسلحين المعارضين لنظامها عن حدودها ونزع سلاحهم وتقييد حركتهم، كما أنّها تستفيد في الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة عليها وفي الحصول على مبالغ بالدولار تهرّب إليها من العراق، فضلا عن تحقيق صادراتها للبلد لقفزات نوعية بحسب أرقام رسمية حديثة.
وفي أحدث تجسيد عملي لتلك المكاسب أجبرت سلطات إقليم كردستان العراق في محافظة السليمانية مسلحي الأحزاب الكردية المعارضة لإيران وكوادرها على إخلاء جميع مقارها قسرا في منطقة زركويز جنوبي المحافظة ونقلهم جميعا إلى منطقة سورداش التابعة لقضاء دوكان غربي السليمانية.
وتمت العملية بعد مرور عام على تنفيذ اتفاقية طهران – بغداد الأمنية لنزع سلاح الأحزاب الكردية الإيرانية وإغلاق معسكراتها ومقارها.
وعلى صعيد اقتصادي نشرت وكالة مهر الإيرانية أرقاما تظهر ارتفاعا في صادرات إيران إلى العراق بنسبة 21 في المئة خلال الأشهر الخمسة الماضية مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لتصل إلى 4.5 مليون دولار.
ونقلت الوكالة عن عضو منظمة تنمية التجارة الخارجية الايرانية عبدالأمير ربيهاوي قوله إنّ حجم التجارة السنوية بين بلاده والعراق بلغ نحو 10 مليارات دولار.
كما أنّ لاستفادة إيران من العراق اقتصاديا وماليا أوجها أخرى خارجة عن الأطر الشرعية والنظامية وتتمثل في الاعتماد على حلفاء طهران من أحزاب وميليشيات ذات نفوذ في الدولة العراقية لتهريب عملة الدولار وكذلك النفط ومشتقاته.
وقبل أيام قليلة بعث عدد من أعضاء في الكونغرس الأميركي رسالة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن ذكروا فيها أنّ مسؤولين عراقيين كبارا يبيعون النفط الإيراني باسم النفط العراقي، مطالبين إدارة بايدن بالتحقيق في الأمر.
كما عبّر هؤلاء الأعضاء عن قلقهم إزاء التقارير التي تفيد بأنّ قطاع النفط العراقي أصبح وسيلة لتمويل الفصائل المسلّحة المقربة من إيران وذات الصلة بحرسها الثوري.
وللحفاظ على مختلف تلك المكاسب يستدعي الوضع السياسي القائم في العراق تدخلا إيرانيا لتهدئة الصراعات بين فرقاء النظام قبل أن تتحوّل إلى تهديد وجودي له، خصوصا وأن أصداء الفضائح والصراعات تؤثّر على الشارع وتزيد من غضبه وتحفزّه لتجديد انتفاضته العارمة التي كان قد فجّرها سنة 2019.
وتعليقا على المدى الذي وصلت إليه الصراعات حول رئيس الحكومة وفي صلب النظام الذي يتبوّأ فيه أهم موقع تنفيذي، اعتبر غازي فيصل مدير المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية أنّ الفضائح التي تفجّرت مؤخرا تعكس اندلاع نوع خطير من الصراع على السلطة والنفوذ والمال بين أطراف محورية كبيرة في النظام السياسي.
ورأى في تصريحات لوكالة بغداد اليوم الإخبارية إنّ سلسلة الفضائح المتعلّقة بسرقة القرن لا ترتبط بالمتهم الرئيسي فيها نور زهير بقدر ما تتعلّق بقيادات موجودة في الوزارات والأحزاب والمؤسسة التشريعية وغيرها.
وأضاف قوله “جاءت فضيحة شبكة التجسس في مكتب رئيس الوزراء لتعكس حجم انعدام الثقة بين الحكومة والأجهزة الأمنية والسلطات المختلفة في مجلس النواب، أو على صعيد الحكومة والمؤسسات الأمنية أو قيادات الأحزاب أو الشخصيات”.
ولا ينفي السياسي العراقي سعد المطلبي من جهته وجود خلافات شخصية وراء تفجّر تلك الفضائح، واصفا الوضع السياسي الحالي بالمتأزم، إذ “في كل يومين أو ثلاثة تظهر مشكلة جديدة”، بحسب تعبيره.
وما يميز توتّر الأوضاع الحالية في العراق أنّ الخلافات والتجاذبات تجاوزت السلطة السياسية لتشمل مختلف السلطات المشكّلة للنظام بما في ذلك السلطة التشريعية حيث أفضت الصراعات الحادّة على منصب رئاسة البرلمان إلى استحالة تنصيب رئيس جديد خلفا للرئيس السابق محمّد الحلبوسي المستبعد من مجلس النواب بحكم قضائي قبل أكثر من تسعة أشهر.
وتدور الصراعات على رئاسة البرلمان أساسا بين القوى السياسية السنية، لكن قوى الإطار التنسيقي الشيعي ليست بعيدة عنها إذ أنّ كلا منها يفضل شخصية ما متحالفة معه على شخصيات أخرى.
وكانت قضية التحالفات الظرفية والمصلحية قد ظهرت أيضا خلال عملية تقاسم مناصب الحكومات المحلية للمحافظات إثر الانتخابات التي أجريت في ديسمبر الماضي وكانت سببا إضافيا في تصعيد الصراعات والتوتّرات بسبب عدم رضا الكثير من القوى على حصصها من مناصب تلك الحكومات التي تمثّل إحدى بوابات سرقة المال العام والاستيلاء على أموال الخدمات والتنمية.
كما امتدت تلك الصراعات إلى السلطة القضائية التي تحوّلت قضية سرقة القرن إلى فضيحة تهزّ أركانها وتنسف ما بقي لها من مصداقية، وذلك عندما اتّهم القاضي حيدر حنون الذي يرأس هيئة النزاهة أحد القضاة بالتلاعب في القضية المذكورة التي قال إنّ نطاقها يتجاوز بكثير الأمانات الضريبية وإنّ حجم الأموال المسروقة في نطاقها يفوق بكثير المبلغ المعلن عنه، ملمّحا إلى محاولات للتستّر على الجوانب الأخطر في القضية وعلى المتورّطين الحقيقيين فيها والذين قد لا يكون رجل الأعمال سوى مجرّد “عربة” لنقل الأموال التي استولوا عليها.
ولم تكن ردود فعل السياسيين على تصريحات رئيس الهيئة، بدورها، بعيدة عند التداخل بين القضاء والسياسة في العراق حيث سارع عدد من الوجوه السياسية إلى التموقع إلى جانب حنون أو ضدّه بحسب توجهاتهم ومصالحهم.
361 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع