80 في المئة من تلميذات المدارس يرتدين الحجاب
حفلات تكليف ديني جماعية في بغداد
إيلاف/وسيم باسم:تنامي العامل الديني والعودة إلى الموروث الاجتماعي سببان في انتشار ظاهرة تحجب الصغيرات في المدارس العراقية، ترفدها حفلات تحجيب جماعية تسمى حفلات تكليف.
بغداد: يدفع تنامي الشعور الديني في المجتمع العراقي البنات الصغيرات إلى التحجب، حتى صارت فصول المدارس الابتدائية مقفلة تقريبًا بالتلميذات المحجبات. وتنتشر هذه الظاهرة في ظلّ تنامي حفلات التحجب، حيث يهيئ الأهل البنت لارتداء الحجاب خلال حفلة يحضرها المدعوون من الاهل والأصدقاء والأقرباء، ويتم تحجيب الفتاة الصغيرة وسط الاهازيج وصيحات الفرح والآيات القرآنية.
تقول الباحثة الاجتماعية أمل عبد القادر إن هناك تياراً دينياً جارفاً في المجتمع، في المناطق السنية كما الشيعية، يشجع التلميذات الصغيرات على التحجب المبكر. وفي ظلّ هذه الاجواء، أصبح منظر الفتاة السافرة نادرًا، في المدارس كما في المجتمع بصورة عامة .
إفراط في التحجب
تقول المعلمة لمياء كاظم من بابل إن في فصل المرحلة الابتدائية الثانية، ثمة فتاتين سافرتين فقط بين 30 طالبة، حتى أنهما تتحجبان في بعض الاحيان. وتتابع: "إن لم ترتدِ التلميذة الحجاب تكون عرضة لأسئلة زميلاتها التلميذات حول السبب". وتؤكد أن في المدارس فصولاً مقفلة بالمحجبات فقط .
أما ام وليد، ولها بنتان محجبتان حوراء (9 سنوات) وزينب (7 سنوات)، فترى أن التحجب أفضل للتلميذة، وتفرضه العادات والتقاليد وقيم الدين.
وتعتقد أن حجاب التلميذة يساهم في زرع قيم الاخلاق والفضيلة والحياء في نفسها ويجعلها امرأة صالحة.
لكن سهيلة الداود، وهي مديرة مدرسة، فترى إفراطًا في إلزام الأهالي التلميذات الصغيرات بالحجاب. تقول: "إنها استجابة للتوجه العام المحافظ في المجتمع، ولو عن غير قناعة".
...وإلا تدخل النار!
بحسب رؤوف حسن، المشرف التربوي، تنتشر ظاهرة التحجب بين مختلف الطوائف في العراق، لا سيما في مناطق الوسط والجنوب ومدن غرب العراق، إضافة إلى الموصل حيث يتنامى الشعور الديني بشكل كبير . ويؤكد حسن أن هذه الظاهرة أقل انتشارًا في بغداد، وتقل أكثر في إقليم كردستان، مخمنًا نسبة المحجبات في المدارس بنحو 80 في المئة من عدد البنات.
لم تلزم أم براء ابنتها بالحجاب فقط، بل أجبرتها على ارتداء النقاب ايضًا، قائلةً: "إنها تعاليم الاسلام". وقد استجابت براء لرغبة أمها على مضض.
كما توضح أم استبرق أن تحجب ابنتها (9 سنوات) فرض إسلامي، وإلا تدخل النار. تقول: "لا ضير من تذكير الفتاة الصغيرة بعذاب اليوم الآخر لكي تتعظ".
وتشير المعلمة صابرين حسان إلى ظاهرة المعلمات المنقبات، الى جانب التلميذات، وانتشارها في بعض مدارس العراق، لا سيما في مدن غرب العراق كالرمادي والمناطق التابعة لها.
قتلاً للبراءة
يبدو كثير من التلميذات الصغيرات واعيات بحقيقة المسألة. فالتلميذة نور محمد (8 سنوات) تؤكد أن الحجاب من الاسلام، وأن على الفتاة أن تخبئ شعرها وأجزاء من جسدها.
وارتدت نور الحجاب منذ سنة، بتشجيع من والديها. لكن المعلمة السافرة بشرى العزاوي تقف ضد إلزام التلميذة الصغيرة الحجاب، وتعتبره انتهاكاً للطفولة البريئة. كما تنتقد إدارات بعض المدارس التي تستجيب لضغوط جهات دينية معينة وتجبر التلميذات على ارتداء الحجاب. تضيف: "عايشت تجربة تبني بعض المدارس أفكارًا دينية تفرض على التلميذات والمعلمات والموظفات التحجب".
سوسن محمود (11 سنة) تقول إنها تحجبت منذ سنتين، بعدما وجدت أن أغلب زميلاتها التلميذات محجبات، لكن هناء حسن (10 سنوات) فقد ارتدت الحجاب بطلب من والدها، الذي أكد لها أن الحجاب يجعلها فتاة صالحة، ويبعد عنها أنظار الرجال السيئين.
في المقابل، يجد الباحث اللامي عادل الشريفي جوانب إيجابية كثيرة في تحجب البنات المبكر. فذلك من وجهة نظره استجابة لمتطلبات الصحوة الدينية التي يمر بها العراق، خصوصًا أن لا احد يُجبر الأهالي على إلزام بناتهم بالحجاب، وأن الامر يحدث بصورة تلقائية، من دون تدخل الحكومة .
وينتقد الشريفي ما يقوله البعض عن انتهاك لحقوق الاطفال، مشيرًا إلى أن الغرب "يعلم الاطفال دروسًا في الجنس منذ المرحلة الابتدائية ، أفلا يعد ذلك قتلًا للبراءة أيضًا؟"
ستر وتكليف
تجري حفلات التحجيب في غالبية مدن العراق، وقد نظم الشهر الماضي في بغداد حفل تحجيب خمسمائة طفلة يتيمة برعاية حزب إسلامي عراقي نافذ.
تقول الباحثة الاسلامية كوثر الطائي: "يُطلق على هذه الحفلات اسم حفلات التكليف، ويحضرها الأهل والأصدقاء والأقرباء ورجال دين".
باقر منسي رجل دين يشير إلى أن الشريعة تلزم البالغات بالستر الكامل، لكن تحجيب الفتيات الصغيرات محبب لدى المجتمع المسلم، لأنه يعود الفتاة على الفضيلة و الستر والعفة.
وتعتقد أم حسام أن تحجيب بناتها وهن صغيرات كان ضروريًا، لكي لا تنفر الفتاة من الدين عندما تكبر .
هذه الآراء تشكل الموروث الاجتماعي العراقي، وهو العامل الذي يدفع الفتيات الصغيرات إلى التحجب، برأي الباحث الاجتماعي سعد مطر. فالحجاب بكل أشكاله "موروث اجتماعي لكن العامل الديني يعززه ويضع له قوانينه ويحدد متطلباته وأشكاله".
ولا يقتصر أثر هذا الموروث في الحجاب، بل تعوّد الأسر بناتها الصغيرات على الصلاة منذ سن السابعة بحسب مطر. يقول: "أرى أن ما يحدث أمر إيجابي للمجتمع، شرط عدم المغالاة وإجبار الأطفال على ممارسات لا تناسب اعمارهم".
1021 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع