هل تتخلى إيران عن المالكي وتفضل عليه السوداني
العرب/السليمانية (كردستان العراق) – أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الأربعاء عن ترشحه للانتخابات البرلمانية المقبلة، في خطوة من شأنها أن تضعه في مواجهة طموح رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي يخطط لأن يكون رجل المرحلة القادمة في العراق.
ومن شأن ترشيح السوداني لنفسه أن يظهر رغبته في الاستمرار ضمن المشهد السياسي لمواجهة المالكي، الذي يعتقد أنه بات في طريق مفتوح للعودة إلى رئاسة الوزراء في ظل غياب شخصيات شيعية بارزة، ووجود خلافات بين الأحزاب، وكذلك في خضم تذبذب مواقف التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر بشأن مقاطعة الانتخابات.
وما يثير قلق المالكي من التنافس مع السوداني أن رئيس الوزراء الحالي لديه قبول إقليمي ودولي على عكس المالكي الذي يرتبط وجوده بدعم إيران، ومهمته العمل على ضمان مصالحها وربط العراق بأجنداتها. لكن الوضع تغير كليا في غير صالحها، وهو ما يخدم مصلحة السوداني وليس المالكي.
ويمكن لإيران، التي لا تريد مواجهة الأميركيين في العراق، أن تتخلى، ولو بشكل مؤقت، عن حلفائها مثل المالكي، وقد تدعم بقاء السوداني على رأس الحكومة لولاية جديدة إلى أن تمرّ العاصفة، فهو بالنسبة إليها أفضل من ترشيح شخصية أخرى تكون معادية لها.
ويرى مراقبون أن الذي يدفع إيران إلى الضغط على الميليشيات المنضوية تحت لواء الحشد، لحل نفسها وتسليم السلاح والانضمام كأفراد إلى المؤسستين العسكرية والأمنية، هو نفسه الذي يجعلها تتخلى عن المالكي وتفضل عليه السوداني؛ فالأول ورقة محروقة ارتبط وجوده بالفساد فيما الثاني يمكن أن يساعدها على تجاوز المرحلة الحرجة.
ويحمل ترشح السوداني للانتخابات رسالة واضحة مفادها أنه سيواصل مهمة بناء علاقات متوازنة للعراق مع محيطه الإقليمي ومع شركائه الدوليين وخاصة الولايات المتحدة، وهو عنصر مهم يصب في صالحه على عكس المالكي الذي سيقابل برفض داخلي بسبب سجله السيء مع التيار الصدري وبرود علاقته مع تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم وتهاوي مصداقيته لدى الأكراد والسنة.
ولا يخفي المالكي قلقه من نجاح السوداني خلال فترة حكمه في الحصول على داعمين له من داخل الإطار التنسيقي، وهو ما يهدد وضعه كقيادي أول للإطار ومرشحه في المرحلة القادمة.
كما سيقابل المالكي برفض خارجي بدءا من دول الإقليم، بمن في ذلك الخليجيون، ووجوده سيعني وقف الاستثمار في العراق وعدم مساعدته على تخطي المرحلة الصعبة التي يعيشها، فضلا عن معارضتين تركية وأميركية مؤكدتين.
وأعلن السوداني عن نيته الترشح للانتخابات خلال مشاركته في ملتقى السليمانية التاسع، مؤكدا أن “الانتخابات فرصة لدعم مشروع إصلاحي للعراق.” وشدد على أن “القيمة الحقيقية لأي إصلاح هي الوصول إلى الفئات الفقيرة والمهمشة وإنقاذها من براثن الفقر.”
وهذا الخطاب، الذي يبتعد عن الاستقطاب الطائفي والحزبي، يجد صدى واسعا لدى الشارع العراقي، الذي يتوق إلى بديل عن القوى التقليدية.
وتشهد الانتخابات المقبلة، المقرر إجراؤها في 11 نوفمبر من العام الجاري، استعدادات مبكرة، وتُتوقع تحالفات جديدة في ظل غياب التيار الصدري، ما يفسح المجال أمام قوى أخرى لملء الفراغ.
وتشير التوقعات إلى أن غالبية أصوات جمهور الصدريين ستتجه نحو تحالف السوداني أو قوى ناشئة، وهو ما سيحرم ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي من تحقيق مكاسب كبيرة في عدد المقاعد البرلمانية، وقد يهدد حتى احتفاظه بحجمه الحالي في البرلمان المقبل.
وفي ظل التحديات يسعى السوداني لتقديم نفسه كخيار “الإدارة المستقرة”، مُستندا إلى إنجازات حكومته، وخطاب يوازن بين الواقعية والطموح.
وأكد السوداني أن “البلاد تدخل اليوم الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين وهي تزخر في كل ركن من أرجائها بقصة نجاح متفردة.” وأشار إلى “ورش عمل خدمية وعمرانية لا تهدأ” في المدن العراقية، وتنامي البنى التحتية، وانخفاض المشاريع المتلكئة من الآلاف إلى أقل من 850 مشروعا.
وشدد على أهمية الشباب باعتبارهم “سلاحنا الأول لمواجهة تحديات المستقبل،” وأشار إلى جهود حكومته في تطوير قطاع الطاقة، من خلال “أعلى خطة إنتاجية لبناء المحطات الكهربائية والدخول لأول مرة في مشاريع الطاقة الشمسية والطاقة النظيفة والمتجددة،” وتجاوُز نسبة إيقاف حرق الغاز السبعين في المئة.
وذكر أن “العراق مستعد لأن يكون شريكا موثوقا وعنصرا مساهما وفعالا في الاستقرار الإقليمي،” مشيرا إلى أن حكومته تسعى إلى “تأسيس مقومات الدولة القوية.”
وترشح السوداني للانتخابات لم يكن مفاجئا، لكن توقيته ورسائله السياسية والتحالفات التي تشكلت من حوله تشير إلى معركة انتخابية معقدة ومفتوحة على احتمالات متعددة.
ويُنظر إلى السوداني على أنه شخصية مستقلة، قادرة على تجاوز الانقسامات. وتركيزه على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية يلقى صدى واسعا، وقد يعيد فوزه تشكيل الخارطة السياسية، وذلك بالتزامن مع تحسن الأوضاع في العراق تحسنا نسبيّا.
ويُنتظر أن تكشف صناديق الاقتراع ما إذا كان السوداني سيتمكن من تحقيق فوز انتخابي يُمكّنه من تنفيذ مشروعه الإصلاحي، وإحداث تحول سياسي حقيقي ينهي هيمنة القوى التقليدية في العراق.
وحدد البرلمان يوم 11 نوفمبر 2025 موعدا لإجراء الانتخابات التشريعية. وأعلنت المفوضية العليا للانتخابات العراقية، الشهر الماضي، انطلاق عملية تحديث سجل الناخبين، فيما أشارت إلى أن عملية التحديث ستستمر شهرا واحدا.
وقالت المفوضية على لسان المتحدثة باسمها جمانة الغلاي في 26 مارس الماضي إن قرابة 30 مليون شخص يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة والمزمع إجراؤها في شهر أكتوبر المقبل.
ومع تحديد موعد الانتخابات بشكل رسمي، تتجه الأنظار إلى طبيعة التحالفات التي ستتشكل وحجم المشاركة الشعبية في هذا الاستحقاق الذي يُنظر إليه على أنه مفصلي في مستقبل العملية السياسية في العراق.
ويشار إلى أن العملية الانتخابية في العراق تجري وفق القانون الانتخابي النافذ، وهو قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم 12 لسنة 2018 المعدل، والنظام الانتخابي المعتمد بموجب القانون المذكور ويتم بنظام التمثيل النسبي، بحسب مختصين.
وفي 25 يناير الماضي كشفت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن الآلية المعتمدة لتحديد موعد إجراء التشريعيات المقبلة، مؤكدة ضرورة التزام الموعد المحدد بالقانون الانتخابي رقم 12 لسنة 2018.
وأوضحت متحدثة المفوضية جمانة الغلاي، وفق ما نقلت عنها وسائل إعلام عراقية آنذاك، أن “تحديد موعد الانتخابات يتم بالتنسيق بين رئاسة الوزراء ومفوضية الانتخابات.”
وأضافت الغلاي أن موعد إجراء الانتخابات يجب أن “يكون قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية بـ45 يوما.” وأكدت أن القرار النهائي لتحديد الموعد يعتمد على التنسيق المباشر بين رئاسة الوزراء ومفوضية الانتخابات، بما يضمن الالتزام بالمدة الزمنية المحددة في القانون.
وبدأت دورة مجلس النواب العراقي الحالية في 9 يناير 2022، وتستمر أربع سنوات تنتهي في 8 يناير 2026، وبحسب قانون الانتخابات يجب إجراء الانتخابات التشريعية قبل 45 يوما من انتهاء الدورة البرلمانية.
1472 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع