دبّ اليأس في نفوس الشباب العراقي من السياسيين العراقيين وفسادهم، خصوصًا عندما يظهرون بمظهر البريء على الشاشات. فهربوا من فساد السياسة إلى عالم الانترنت الافتراضي، وإلى أديانهم يسألون الله ألا يوفق سياسييهم.
إيلاف/ وسيم باسم/بغداد: يرى الشارع العراقي السياسي والمسؤول انتهازيًا صاحب صفقات مشبوهة، هدفه جمع الأموال. فإذا أثرى هاجر إلى الخارج، أو تحوّل إلى تاجر. ويراه بلا كفاءة، يشهد زورًا، ولا يمتلك خبرة أكاديمية، اهّله حزبه لتبوّء منصبه من أجل الترويج لمصالحه.
ولأن هذه الصفات هي السائدة في تصنيف السياسي، فإن الكثير من العراقيين يتجنبون الخوض في القضايا السياسية، بحسب استطلاعات ميدانية، ليس عن خوف أو خشية وإنما نتيجة يأس من ممثليهم في البرلمان، ومن السياسيين عامةً، وكذلك من الاحزاب المهيمنة، بحسب ما يقول المدرس توفيق الياسري، الذي يرجع بعضًا من اسباب ما يحدث إلى عدم قدرة أطراف العملية السياسية على مد جسور الثقة مع المواطن البسيط. يقول الياسري: "دأب المواطن العراقي على انتقاد تردي الواقع الخدمي والسياسي حتى اصبح ذلك حديثه اليومي، لكن النتيجة أن لا احد يسمعه".
أما الشاب الجامعي رحمن امين (22 عامًا) فيؤكد أن اكثر الذين لا يهتمون بالسياسة هم الشباب الذين يجدون في وسائل الترفيه، لا سيما وأن الانترنت وسيلة للعيش في حياة افتراضية، هربًا من الواقع.
يقول أمين: "نستغرب ظاهرة استحواذ النواب والسياسيين ومسؤولي الاحزاب على وسائل الاعلام، عبر تصريحات متشابهة واتهامات متبادلة طيلة سنوات، من دون أن يتمكنوا من تحقيق أي انجاز".
اجترار التصريحات
يقول الجامعي حسين الجبوري إن النواب والسياسيين يتشابهون، حتى في اشكالهم وهم يطلون عبر الشاشات، اذ صارت ترتبط بتشابه التصريحات التي يطلقونها.
ويقول الباحث الاجتماعي رحيم الساعدي إن اجترار التصريحات صار ظاهرة يتلمسها المواطن العراقي، "إذ تتشابه الخلافات وتكرّر نفسها على ألسِنة المسؤولين من دون أن يلمس المواطن العراقي أي حل للمشاكل"، مشبهًا الخلافات والاتفاقات بين سياسيين ونواب وممثلي الاحزاب بأنها "حيّة ودرج"، وهو مصطلح يقصد به المناورات والأفعال التي لا تؤدي إلى نتيجة أو حسم، وأصله لعبة تعتمد على النرد حيث يتصور اللاعب أنه وصل إلى غايته لكنه لا يلبث أن يجد نفسه قد رجع إلى الخلف.
فساد الأبرياء
تكشف هيئة النزاهة العراقية نسبة فساد مالي وإداري مهولة في عموم العراق، حيث أحيل في العام 2010 نحو 356 مسؤولًا كبيرًا متهمًا بالفساد إلى القضاء، وصدرت أكثر من 400 مذكرة للقبض على متهمين بالفساد، بينهم 18 مديرًا عامًا وأربعة بدرجة وزير. وبينت الهيئة أن قيمة المبالغ المهدورة من طريق الفساد بلغت نحو 46 مليار دولار.
وينتقد الطبيب علي بريسم الظهور المكثف للسياسيين في وسائل الاعلام، خصوصًا في الندوات السياسية، "فحتى الاطفال يضجرون من الندوات والمقابلات السياسية التلفزيونية المتشابهة التي تبثها الفضائيات".
يضيف: "في إحدى الفضائيات برنامج سياسي يستضيف سياسيًا أو نائبًا في البرلمان يظهر للناس عفيفًا، منجِزًا أعماله ومنتقدًا نقص الخدمات والأوضاع السياسية، ويلقي باللوم على الآخرين، ثم يظهر آخر على نفس الشاكلة، ليصبح الجميع أبرياء مما يحدث".
ويرى بريسم أن الفضائيات تساهم ايضًا في إثارة قلق المواطن العراقي وتبرمه، لأنها على ما يبدو متفقة مع الكثير من السياسيين والنواب على ابرازهم، خصوصًا في فترة الانتخابات، لأهداف مقصودة وبسبب أموال مدفوعة.
يأس عارم
يرى الصيرفي وائل الشبل أن فرص تصحيح مسار العملية السياسية ضئيلة، وأن المواطن يدرك أن اغلب الذين يترشحون للانتخابات اليوم سيكونون على الارجح على نفس الصورة في المستقبل، فالهدف من ترشحهم تلبية مصالح شخصية تتلخص في الثراء والحصول على مقاولات ورواتب جيدة.
يضيف: "اليأس هو السمة الغالبة على اكثر المواطنين مما يحدث اليوم من فوضى سياسية، وما تزايد الاهتمام بممارسة الشعائر الدينية إلا محاولة لنسيان ما يحدث، والاعتماد على الله، كما يفكر الكثير من العراقيين البسطاء".
ويذهب الشبل أبعد من ذلك، وهو المتمسك بأداء الفروض الدينية، إذ يقول إن الكثير من العراقيين يتضرعون إلى الله في الشارع وفي المراقد المقدسة، يسألونه أن لا يوفق القياديين والمسؤولين الفاسدين ومعرقلي الاصلاح والتنمية.
تجارة رابحة
يقول الناشط السياسي والاكاديمي في القانون علاء عبد الواحد إن أغلب العراقيين الذين يزاولون الاعمال الحرة والموظفين العاديين لا يبدون اكتراثًا بالعملية السياسية، في حين تجد ذلك الاهتمام محصورًا بين ممثلي الاحزاب والكتل السياسية الذين يتخذون من الامر تجارة رابحة، لتأمين سريان رواتبهم ومكافآتهم وليس لأجل المواطن وخدمته.
تشير الاستطلاعات الميدانية إلى انهيار الثقة بالنواب والسياسيين وانحسار شعبيتهم. والدليل على ذلك، بحسب العسكري السابق رحيم التميمي، خلو مقرات الاحزاب والكتل السياسية من المواطنين.
يضيف التميمي: "اتجهت الديمقراطية في العراق نحو اهدافها بطريقة خاطئة، لأن من يقودون الناس أشخاص غير أكفاء، اوصلتهم المحسوبية إلى مراكز القرار".
يتابع: "إسأل أي مواطن، سيقول لك إن هؤلاء يعملون حتى في وضح النهار على اغتنام المكاسب والمصالح الشخصية والفئوية والطائفية، وفي هذا تحدٍّ للمواطن الذي يرى بأم عينه التجاوزات والسرقات ولا يستطيع أن يفعل شيئًا حيالها".
994 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع