الشرطة الايرانية تعرض المهرب
تحظر السلطات الإيرانية قانونيا تجارة واستهلاك المشروبات الكحولية غير أن النسق المتصاعد في الإقبال عليها يثبت أن هذا المنع أدى إلى نتائج عكسية ما وضع السلطات التي كانت ترفض الإقرار بأن تجارة الخمر واستهلاكه موجودة في الجمهورية الإسلامية أمام تحد مزدوج بين الواقع الاجتماعي والبعد القيمي الإسلامي، وهو ما أجبر النظام على الاعتراف خلال السنوات القليلة الماضية بهذه الحقيقة بشكل ضمني من خلال إنشاء مراكز العلاج من الإدمان على الكحول في محاولة للحد من الظاهرة.
العرب/طهران- لم تنجح الحكومة الإيرانية في منع شعبها من تناول المشروبات الكحولية ولا من المتاجرة غير القانونية فيها، وهو ما تثبته أرقام لم تنشرها الجهات الرسمية هروبا من الوقوع في مأزقين رئيسيين؛ أولهما الانتقادات التي تثير عجزها عن فرض النمط الإسلامي في المجتمع، وثانيهما البحث عن الحلول الجذرية التي من شأنها أن تضع حدا لإقبال الشباب والكهول، إناثا وذكورا، على المسكرات هروبا من واقعهم المعيشي المتردي بسبب البطالة والقمع والفقر والحرمان من الحقوق والحريات. ووفق تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية عام 2014 حول كميات استعمال الكحول في كافة أنحاء العالم، فإن إيران تحتل المركز التاسع عشر بين أكثر الدول استهلاكا للكحول التي تتصدرها بالترتيب بلاروس، مولدوفا وهو ما يدل على أن الإيرانيين يستهلكون الكحول أكثر من الأميركيين والروس.
وورد في تفاصيل التقرير أن متعاطي المشروبات الكحولية في إيران يستهلكون سنوياً 25 لترا بالنسبة إلى الفرد وهو ضعف استهلاك الكحول لمتعاطي الكحول في الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، وتحتل إيران المرتبة 166 في قائمة تضم 190 بلدا بين مستهلكي الكحول. كما تفيد بعض التقارير بأنه يتم استهلاك 80 مليون لتر من الكحول سنويا في إيران وأن هناك حوالي 200 ألف تاجر وموزع لهذه المشروبات في البلاد ونظرا لرواج الكحول المهربة فإن أسعارها تبلغ أرقاما قياسية، وهو ما أدى من جهة إلى ارتفاع نسب التهريب وأعداد المهربين والموزعين غير القانونيين وإلى دفع ارتفاع الكثير من الإيرانيين إلى اعتماد الصنع المنزلي والمحلي لها من جهة ثانية ويكون ذلك إما بغرض الاستهلاك وإما للبيع في السوق السوداء.
لكن هذا التصنيع المنزلي للمشروبات الكحولية بصبغته غير القانونية زاد من وضع المستهلكين خطورة لأنه يخلو من قواعد صحية مضبوطة، وهو ما أدى إلى إصابة عدد هام منهم بما يسمى التسمم الكحولي الذي أودى بحياة العشرات من الشباب عام 2013 في مدينة رفسنجان جنوب شرق إيران، حيث كان معظم المتوفين في عمر أقل من 27 عاما، وتم نقل المئات إلى المستشفيات، وقد كشفت مصادر طبية أن المشروبات الكحولية المنزلية احتوت على مزيج من مواد كيميائية خطيرة على الصحة مثل الإيثانول والميثانول قد تصل خطورتها إلى حد الوفاة تسمما. وفي نفس العام، تم توقيف المئات من الأشخاص لقيادتهم السيارة في حالة سكر، من ضمنهم نساء.
وتكشف الأرقام الرسمية عن وجود 200 ألف مدمن على الكحول من مجموع السكان الذي يناهز 78 مليون نسمة، غير أن خبراء يقولون إن الرقم أكبر مما يذكر بأضعاف لأن السلطات الإيرانية تسعى لتخفيضه لتفادي الإحراج لأن المسألة تدينها وتدين نظامها أساسا، وبعد هذه المكاشفة اضطرت السلطات الإيرانية إلى الإقرار بفشلها في محاربة ظاهرة شرب الخمور سرا، وبدأ المسؤلون الإيرانيون يثيرون الظاهرة ويتحدثون فيها علنا رغم المغالطات وخاصة منذ حادثة التسمم الكحولي الذي هلك بسببه المئات من الشباب، وأفاد وزير الصحة عام 2012 بأن التقارير التي وصلت إلى مكتبه تشير إلى وجود إفراط في استهلاك المشروبات الروحية في جنوب طهران حيث يعيش مواطنون ذوو خلفية تقليدية وينتمون إلى طبقات اقتصادية متدنية، مشيرا إلى اعتراف الحكومة بأن هذه الظاهرة باتت مقلقة وأنها تستدعي الاهتمام.
وفي عام 2013 فتحت السلطات الإيرانية أكثر من 150 مركزا للعلاج من التسمم الكحولي وبعض المراكز لعلاج الإدمان على الكحول والتي تسمى مراكز الفطام عن استهلاك الكحول لتقيم الدليل على أنها فعلا في مواجهة ظاهرة خطيرة ومتنامية، حيث لم تحل شعارات إسلامية الدولة وتدين الشعب دون إقبال الشباب والكهول على استهلاك الكحول المحرمة دينيا والممنوعة بموجب القانون الذي ينص على عقوبات قاسية بخصوص تناول المشروبات الروحية، فمن يتم الإمساك به وهو متلبس بشرب الكحول، يعاقب بـ80 جلدة وبغرامة مالية، ومن يتم الإمساك به للمرة الثالثة من المتوقع أن يُعاقب بالإعدام.
وبخلاف ما تروج له السلطات الإيرانية من أن الإقبال على استهلاك المشروبات الكحولية في صفوف الإيرانيين يقتصر على الأحياء الفقيرة حيث ينتشر الانحراف وينشط المهربون فقد كشف تقرير لصحيفة “الإندبندنت” البريطانية تناول موضوع حفلات السكر وتناول المشروبات الكحولية أنها تجري في بيوت الأثرياء في إيران، مشيرة إلى أن التطبيق الصارم للقانون وحملات الشرطة المتكررة لم ينجحا في القضاء على الظاهرة التي بدأت بالانتشار بشكل واسع في بيوت الأثرياء التي تحولت إلى الملجأ الأخير لهم لاحتساء الخمر لعدم وجود نواد ليلية في البلاد، ولاحظت الصحيفة أن النقوش التي عثر عليها في إيران تؤكد أن تصنيع الخمور يعود إلى العصر الحجري في الألف الخامسة قبل الميلاد.
وكتب العديد من الشعراء الإيرانيين مثل عمر الخيام وحافظ الشيرازي غزلا في قصائدهم بالمشروبات الروحية، واليوم أصبح ممنوعا مجرد كتابة كلمة “خمر” حتى عندما تذم، ولعل هذه المبالغة التي يتوخها نظام الجمهورية الإسلامية في الحظر والمنع لكل ما له علاقة بالمشروبات الكحولية هي التي تقف وراء التمرد ورفض الامتثال للقوانين وهو ما أثرى نشاطات التهريب والصنع المنزلي والاستهلاك السري للخمور، كما أكد من ناحية أخرى فشل الثورة الإسلامية في القطع مع ما كان مسموحا به قبل قيامها حيث كانت الحانات منتشرة في جميع أنحاء إيران، وكانت مدينة شيراز من أشهر الأماكن لزراعة العنب وتصنيع الخمور وتصديرها في العالم.
530 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع