أفق الأندلس يستعيده التعبير
لا يملّ الرسامون من التمثّل، بل هو فعل يكاد يكون بداهة إبداعية لديهم، وعبر هذه الممارسة، سيكون التاريخ والحاضر أو حتى العلاقة بينهما، ذريعة للتعبير عن خبرتهم تجاه العالم، سواء في صورته المتخيلة أو الواقعية. ضمن هكذا تصوّر، يستدل الفنان العراقي نزار يحيى المولود في بغداد سنة 1963 والمقيم حاليا في أميركا على موضوع رئيسي أطّر معرضه الشخصي الذي جاء بعنوان “استعادة”، والذي يقام في قاعة ميم بدبي من 2 نوفمبر 2015 حتى 10 يناير 2016.
العرب سعد القصاب:ضمّ معرض الفنان العراقي نزار يحيى الذي يعرض حاليا في قاعة ميم بدبي والمعنون بـ”استعادة” عشرين لوحة مسندية نفذت بأقلام تخطيط ملونة وألوان زيتية، وبأبعاد، مختلفة، متوسطة الحجم وصغيرة.
ثيمة معرض يحيى هي “الأندلس، 711-1492”، ذلك الفضاء العربي التاريخي والإنساني الفريد، الذي كان منارة للحضارة، ومنبعا للفكر، الفن، الأدب، العمارة والشعر، وقد غيّبه تاليا صراع دويلات الطوائف، الذي آل بهم إلى فقدانه منذ أكثر من خمسة قرون. وهو الحلم الفادح الذي لم يبرأ منه -بسبب بهائه حينا أو انكفائه حينا آخر- وجدان الإنسان العربي، وقد ظل يقظا فيه حتى الآن.
لا يمضي الفنان في معرضه “استعادة” إلى مشايعة أحداث سابقة للأندلس، هو ليس راويا للأحداث السابقة أو ساردا لبعض تاريخية المكان من خلال أعمال تصويرية، بل يقدم موضوعا عنه بوصفه ثيمة تتخذ صيغة السؤال، ويدعو إلى استرجاع مغزى خسارته، ومضاهاته مع حاضر عربي، بات فيه الصراع والاحتراب والخسائر، مفردات سرية تتجول بحرية في بلدانه.
لا يزال نزار يحيى يتذكر ما حدث لمدينته بغداد، والتي هاجر منها إلى بلد استقبال آخر، بعدما بات ذلك الصوت الشريد الذي يكرر هتافات دويلات الطوائف عاليا وبقوة فيها، كما يكتب في مقدمة دليل معرضه الفني “أنه ذات الصوت الذي أنهى من قبل حياة باذخة بالإبداع عرفته مدن الأندلس وما جاءت به دويلات الطوائف”.
الأندلس تاريخيا وبغداد حاضرا، مماثلة تنطوي على مغزى سياسي، يعاينه الفن الذي ما زال محتفظا بتلك “القدرة الفريدة على صنع الاتصال بين المتناقضات”، ذلك ما يبينه الفنان ذاته بدليل المعرض.
عشرون لوحة نفذت بأدائية تشخيصية مفعمة برمزية دالة، تسعى إلى تحديد موضوعاتها من خلال أشكال أحادية، لكنها متعددة ومختلفة ومتحولة في طبيعة تمثلها للمعنى، متخذة سمة مركزية في فضاء السطح التصويري للوحة، الذي يكاد أن يكون مفرغا من علاقات شكلية وصورية أخرى، ومكتفيا بمساحة لونية واحدة ومتماثلة، ما يضفي على الأعمال حسا اختزاليا يعزز من وحدة الموضوع ويفترض مقاربة لدلالته التعبيرية.
جاءت عناوين اللوحات كي تفترض رؤية دالة على موضوع العمل، وتعرّف في آن معا تمثله التصويري للمعنى. عناوين مثل “لعبة الكبار”، “سجن”، “سرد عربي”، “سخرية الحرب” و”اختلاف” هي أيضا، توضح مدى انشغال الفنان بإضفاء بعد مفاهيمي لتجربته الفنية هذه، القائمة على استعارات وكناية رمزية، وليس اقتباسا لأشكال قادرة على الوصف.
يمكن لنا تبيان مشهديته الرمزية هذه وتحولها في رمز “الحصان”، الذي يتخذ حينا بعدا متخيلا على شكل كائن هجين هو جسد إنسان يحمل وجه حصان منحن، دلالة على القبول بالخسارة في لوحته التي حملت عنوان “انتقال”، وفي أخرى بمثابة أشكال تركيبية متصاعدة هرمية الشكل، لكنها جاءت تشبه الدمى المصنوعة من مادة الخشب، وقد حملت عنوان “سرد عربي” دلالة على السخرية من الحرب ودوافعها، أو في سلسلة لوحات حملت عنوان “اختلاف”، جاء هذا الرمز، رأس الحصان على شكل دمية يصنعها ويمتطيها الأطفال في الغرب. لوحات الفنان نزار يحيى استفسار عن مضاهاة وجود تاريخي بما آلت إليه حواضر عربية أخرى، وهي ما تقوله عبر جماليتها ومغزاها التعبيري.
523 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع