العرب/ توم دينهام:تعيش مدينة الموصل على وقع أجواء الذكرى الأولى لسقوط ثاني أكبر مدينة في العراق في أيدي مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وقد جرى تزويق المباني العامة ورفع اللافتات.
إنه حدث يذكره جيّدا المطران يوحنا بطرس موشي، رئيس أساقفة الموصل وكركوك وكردستان للسريان الكاثوليك. ففي الوقت الذي يرى فيه متشددو داعش أن سقوط الموصل هو الفتح الذي يبشر بإقامة الخلافة الإسلامية، يعتقد يوحنا موشي أن في ذلك تدمير لواحدة من أقدم المدن تأصيلا للمسيحية في العالم.
وذكر المطران موشي أنه “خلال الأيام الأولى، لم يفعل تنظيم داعش أي شيء للمسيحيين، بل على العكس تماما، كان يدعوهم إلى البقاء والعيش سويا… لكن سرعان ما أعلن أن هذا الترتيب يخضع للظروف”.
وكانت الظروف قاسية وغير قابلة للتفاوض ووضع أبناء الموصل من المسيحيين أمام خياران إما اعتناق الإسلام والعيش كمواطنين متساوين، أو البقاء على المسيحية ودفع الجزية، فحماية المال أمر أساسي بالنسبة إلى التنظيم الذي جعل من المسيحيين مواطنين من الدرجة الثانية، وهو وضع يصفه المطران موشي بأنه أقرب إلى العبودية. وهناك خيار ثالث يتمثل في مغادرة المناطق التي يسيطر عليها داعش أو الموت.
وتمت دعوة رئيس الأساقفة ووجهاء المسيحيين الآخرين لحضور اجتماع قادة داعش لمناقشة هذه الظروف. وقال المطران موشي “إننا لم نذهب إلى الاجتماع، لأنه قائم على شروط مفروضة وليست دعوة إلى مناقشة”.
وردّ مقاتلو داعش على ذلك بقسوة، فقاموا بـ”سلب ممتلكات المسيحيين، كما أخذوا الدواء وحليب الأطفال… إنهم يأخذون الحليب عند نقاط التفتيش ويرمونه على الأرض، قائلين اذهبوا إلى الأسقفية لتعطيكم أكثر من ذلك”.
بعد ذلك تم طرد مسيحيي الموصل دون أي ممتلكات مادية. وعند نقاط التفتيش، الموجودة عند مخارج المدينة، صودرت سيارات المغادرين وأجبر أغلبهم على السير. وبالنسبة إلى رئيس الأساقفة موشي والسريان الكاثوليك، بدأت الكارثة للتو، لكنه تمكن على الأقل من إبقاء أولئك الموجودين في الموصل على قيد الحياة.
وقال “لقد آذوا الشيعة الشبك أيضا، وقتلوا بعضهم وأجبروا البعض الآخر على الانضمام إلى داعش”. بعد وقوع الكارثة في الموصل، بدأ تنظيم الدولة الإسلامية في المضي قدما باتجاه بلدة قرقوش، التي تضم حوالي 50 ألفا من المسيحيين السريان.
ودون سابق إنذار، بدأ التنظيم في قصف البلدة، وذلك باستخدام ذريعة وجود قوات البيشمركة الكردية في المنطقة. والتقى موشي بعدها مع زعيم داعش في المنطقة وعرض التفاوض على انسحاب قوات البيشمركة.
لكن كان الرد بالنسبة إلى موشي والذين معه صادما، فقد قال القيادي في التنظيم المتشدد إنه لا يريد من المسيحيين طرد الأكراد خارج المنطقة، وكان رد موشي أن “هذه الكلمات تثبت أنكم لا تقاتلون الأكراد، أنتم تحاربوننا نحن المسيحيين”.
بدأ تنظيم الدولة الإسلامية قصفه المكثف للبلدة في السادس من أغسطس عام 2014. وأمر رئيس الأساقفة يوحنا موشي بإخلاء البلدة، ولكن على ألا يغادر الجميع في وقت واحد.
وقال موشي، في حواره لـ”العرب”، إنه يشعر بالقلق بشأن فتاة تبلغ من العمر 3 أعوام تم انتزاعها عنوة من بين ذراعي والدتها، إلى جانب فتاة أخرى، وامرأة ورجلين، “وحتى يومنا هذا لا نعرف ماذا حدث لهم”.
ومع سقوط قرقوش، تم طرد السكان المسيحيين من سهل نينوى الذي ينظرون إليه باعتباره موطنهم التاريخي منذ آلاف السنين. والمسيحية ثاني ديانة في العراق من حيث عدد الأتباع بعد الإسلام. وقال المطران موشي “كنا منتشرين في أكثر من 57 منطقة في كردستان… والبقية، وهم حوالي الثلث، فروا إلى الأردن ولبنان وتركيا وحتى أوروبا”.
يحمل المطران يوحنا موشي الولايات المتحدة والغرب بشكل عام مسؤولية الأوضاع السائدة حاليا في العراق. وقال لـ”العرب” “كل مشاكلنا تأتي من هناك. وحين أرادت الولايات المتحدة التخلّص من صدام حسين كان ذلك في أسبوع واحد، وهو ما أسفر عن فراغ أمني وتدمير الجيش، ثم تمّ استغلال ذلك من قبل أناس عديمي الضمير…”.
وقال “الآن لدينا داعش. على رأس كل هذا، نحن نواجه اتهاما خطيرا. حيث يرى الآخرون أن الأميركان جاؤوا لحماية المسيحيين. إنهم لا يعرفون أننا خسرنا أكثر من أي فئة أخرى”.
وعلى الرغم من الكارثة التي حلّت بمسيحيي العراق، لم يقدم المجتمع الدولي المساعدة. وإذا لم يتم إعادة هؤلاء الرعايا المسيحيين السريانيين إلى ديارهم، يأمل المطران موشي في أن تتاح لهم الفرصة للهجرة إلى المجتمعات الغربية.
وفي لقاء له مع مسؤولين أميركيين لمناقشة مأزق طائفته، قال يوحنا موشي بصراحة “أنتم، الغرب، تسعون إلى حماية الحيوانات من الانقراض. هذا شعب، هذه إنسانية، ويجب أن يتمتع هؤلاء بكرامتهم. أحد المسؤولين عانقني وقال إنه سينقل رسالتي للرئيس أوباما. ولم يحدث أي شيء”.
ونظرا لكون تحرير الموصل وسهل نينوى أمرا صعب المنال فإن رئيس الأساقفة المطران يوحنا بطرس موشي يعبّر عن تشاؤمه بشأن الاحتمالات التي تنتظر مجتمعه، حيث قال لـ”العرب” “إذا كنت تريد منا أن نبقى في العراق يجب تحرير مناطقنا والسماح لنا بالعيش بكرامة في ظل حماية دولية في المنطقة مع دستور يضمن حقوقنا”.
وبقدر ما عانت الطائفة المسيحية، فإن احتمال الهجرة يكسر قلب رئيس الأساقفة، الذي أعرب عن ذلك بقوله “يؤلمني أن أقول إنني أريد أن أترك العراق لأنه بلدي وفيه تراثي وتاريخي، الأرض مروية بدماء أجدادي. ومع ذلك، إذا كنت لا أستطيع العيش هنا في كنف الكرامة والأمن لا بد لي من البحث عن مكان آخر. أين؟ لا أعرف”.
511 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع