العرب/الديوانية (العراق)- يقود مواطن عراقي يدعى كاظم حسون عملية تحول فريدة من نوعها وغير مألوفة لقوانين قرية البو ناهض العراقية، مستكملا أسسا وضعها والده جبر حسون قبل أعوام.
يقول حسون “التدخين مضر جدا لكم”، وهو واقف إلى جانب إشارة حمراء وبيضاء لمنع التدخين عند مدخل القرية، الواقعة على ضفاف نهر في الأراضي الخصبة لجنوب العراق. ويعد منع التدخين في القرية خطوة جريئة في بلد ليس مستغربا فيه أن يدخن الناس في المصاعد ومحطات الوقود وحتى أروقة المستشفيات.
في العراق أيضا، منع تنظيم الدولة الإسلامية التدخين في المناطق التي يسيطر عليها منذ نحو عام. إلا أن هذا هو الأمر الوحيد الذي تتشارك به القرية مع مناطق سيطرة التنظيم الذي ارتكب فظائع بذريعة الدين. ويقول أيضا “غير الدين كل شيء في هذا البلد، لذا أحد قوانيننا هو منع التحدث بالدين. الدين يجب أن يكون في قلبك بينك وبين الله”.
وواجه العراق موجات دامية من العنف الطائفي خلال الأعوام الماضية. وفي حين بقيت المناطق الجنوبية في منأى إلى حد كبير عن هجمات الجهاديين، إلا أن العديد من أبنائها تطوعوا للقتال إلى جانب القوات الأمنية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وقضى كثيرون منهم في الميدان. ويقول فرحان حسين علي، وهو طبيب وأستاذ جامعي، أن والد حسون الذي كان أبرز وجهاء القرية، هو الذي شرع في “سن” قوانينها اللافتة.
ويقول خلال جلسة على سجادة حمراء في مضيف البو ناهض “في زمن الرئيس الأسبق صدام حسين، كان الناس صامتين. لكن بعد سقوط النظام عاود الجميع التحدث في السياسة”. ويوضح أن جبر حسون، والد كاظم، والذي “لم يكن يرغب في حصول أي نقاشات وأقر المنع، للحفاظ على السلم في مجتمعنا”.
إلا أن كاظم طور أفكار والده، ويشرف حاليا على محاولة جعل القرية أشبه بمكان نموذجي يمتنع فيه الناس عما يضرهم. وتشمل قائمة الممنوعات بيع المشروبات الغازية للأطفال واستخدام أبواق السيارات، على الرغم من أن أي عقوبة لا تفرض على المخالفين.
ويؤكد كاظم (46 عاما) أن مشروعه هو محاولة لجعل القرية صديقة للبيئة تتبع ممارسات صحية، أكثر منها مجتمعا مغلقا ذا قوانين غريبة. ويقول “أريد أن يصبح هذا الشارع شبيها بقطعة من أوروبا”.
خطوات حسون انعكست إيجابا على سكان القرية
يضيف وهو يشير بيده إلى صف من أشجار النخيل المزروعة حديثا بجانب الطريق “في الخامس من يونيو قمنا بزرع 300 شجرة”، سائلا “كم من الأماكن الأخرى في العراق أحيت يوم البيئة العالمي في 2015؟”، في إشارة إلى المناسبة السنوية التي تحييها الأمم المتحدة.
ويعتبر حسون أن إحياء يوم البيئة “كان ناجحا. قد يبدو الأمر غير مهم، لكن يمكن أن أكون من قرية صغيرة وجزءا من العالم في الوقت نفسه”، ويتابع “لا يقل لي أحد إن قريتي لا تحدث فارقا”.
وانعكست خطوات حسون إيجابا على سكان القرية، ومنهم مصطفى جبر (28 عاما)، الرياضي والمدرب البالغ من العمر 28 عاما، والذي وجد ضالته عندما بدأ حسون بتنظيم منافسات رياضة بدنية محلية.
ويقول حسون “رياضة الجري ليست موجودة في ثقافتنا. عندما أخرج من المنزل لإجراء تماريني اليومية، يتوقف الناس حتى الذين لا أعرفهم، ويعرضون عليا أن يقلوني بسيارتهم”. حتى جبر اعتقد بداية أن الفكرة غريبة، إلا أن حسون أقنعه بالركض معه ومع شبان آخرين. وفي فترة قصيرة ظهرت مهارات جبر الرياضية.
وحاز الشاب جوائز في منافسات عراقية للجري وركوب الدراجات الهوائية، كما أن مجموعة الشبان الذين يزاولون رياضة الجري مساء في القرية تكبر. ويقول جبر الذي فرغ لتوه من ممارسة السباحة اليومية “هذه القرية لها خصوصية لأنك تحصل على دعم لا تجده في أي مكان آخر في العراق”.
في وقت سابق من هذه السنة، شارك ثلاثة آلاف شخص في سباق سنوي يقام في القرية، ويشمل الركض لمسافات مختلفة حسب الفئات العمرية. ويقول حسون الذي عاد قبل ثلاثة أعوام من الإمارات العربية المتحدة، حيث أمضى قرابة عقدين من الزمن، “فوجئنا برؤية هذا العدد الكبير من المهتمين بالصحة والبيئة”، مشيرا إلى أنه ينوي تنظيم سباق ماراتون في القرية، والبحث عن سبل لإشراك النساء بشكل أكبر في تطوير القرية. ويوضح “الناس محافظون هنا. اعتادوا على التفكير بأن على النساء تمضية الوقت في المنزل. لقد كسرنا حواجز عدة، إلا أن هذا الحاجز سيتطلب وقتا”.
أحد الحلول التي ينوي حسون اختبارها هو “مركز ثقافي” في طور البناء، حيث سيتاح للإناث اللقاء مرتين أسبوعيا والمشاركة في ندوات واستعارة كتب ستكون عن “الأدب والفلسفة والتاريخ. بالتأكيد لا كتب دينية”.
ويتابع “بالتأكيد سيكون ثمة كتب لشعر الأديب الفرنسي شارل بودلير. هو السبب الذي دفعني إلى تعلم اللغة الفرنسية في صغري”. وفي حين أن تعداد سكان القرية لا يتجاوز 700 نسمة، إلا أن ناسها مقتنعون بأن تجربتها قابلة للتكرار في مناطق أخرى من العراق.
476 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع