إذا صحّت تقديرات الولايات المتحدة بأن الحرب ضد داعش في العراق ستستمر ثلاث سنوات، فإنه يكون قد مضى إلى حدّ الآن سنة واحدة، وتبدو السنتان الباقيتان مدّة طويلة جدا على البلد الذي يعاني على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو مهدّد بالانقسام والتفكّك.
العرب /بغداد - اعترفت لجنة الأمن والدفاع البرلمانية العراقية أمس بصعوبة الحرب على تنظيم داعش في محافظة الأنبار، معتبرة على لسان أحد أعضائها عباس الخزاعي أن المعركة هناك مختلفة عنها في محافظتي ديالى وصلاح الدين.
واكتسى تصريح الخزاعي طابعا من الواقعية مخالفا للخطاب الرائج إعلاميا وعلى ألسنة سياسيين وقادة في ميليشيات الحشد الشعبي دأبوا على الترويج لنصر سريع وخاطف.
وبدأ المجهود الحربي العراقي ضد تنظيم داعش في محافظة الأنبار يواجه تعقيدات وعوائق تتراوح بين تشتت المقاتلين على مساحات شاسعة وقلّة التسليح وتناقص الذخائر، فضلا عن ضعف القيادة وقلّة التنسيق بين الفصائل المقاتلة من جيش وشرطة اتحادية ومحلية وعناصر ميليشيات.
وبلغ الأمر حدّ تناقض الخطط الموضوعة من قبل قادة الميليشيات وقيادة القوات المسلّحة وهو الأمر الذي افتضح من خلال استهزاء قائد ميليشيا بدر هادي العامري من تصريح رئيس الوزراء حيدر العبادي بشأن خطة تحرير مدينة الرمادي. وشكا العبادي خلال مؤتمر باريس الأخير لدول التحالف الدولي العوائق الموضوعة أمام حصول بلاده على السلاح.
وخلال ذات المؤتمر عبّر وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عن توقّعاته بأن المعركة ضد تنظيم داعش ستكون طويلة، مستعيدا بذلك توقعات مماثلة سبق أن صدرت عن مسؤولين أميركيين كبار، سياسيين وعسكريين، ذهب بعضهم حدّ تقدير مدّة زمنية لتلك الحرب تصل إلى ثلاث سنوات.
وذكّر نائب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في باريس بتلك التوقّعات قائلا “في بداية هذه الحملة قلنا إنها ستستغرق وقتا وتستمر ثلاثة أعوام”.
وعلى افتراض أنّه مضى من الحرب ضدّ داعش في العراق عام إلى حدّ الآن، فإن مدّة السنتين الباقيتين تعتبر طويلة جدّا على البلد الذي يعاني أزمات عميقة على كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وبالإضافة إلى الخلافات السياسية الحادّة والصراع على السلطة حتى بين مكونات العائلة السياسية الشيعية الحاكمة، فتحت الحرب العراقَ أمام مزيد التدخل الإيراني وتوطيد نفوذ طهران داخله، كما أذكت نوازع الطائفية بين شيعة البلاد وسنّتها حتى أصبحت بعض الدوائر تتحدّث عن استحالة التعايش، ومن ثمة حتمية إنشاء كيان مستقل لكل طائفة، إضافة إلى كيان إقليم كردستان الذي يُظهر قادتُه المزيد من النزوع الاستقلالية، ويبدون إصرارا على تنظيم استفتاء على الاستقلال معتبرين أن حدود إقليمهم “ترسم بالدم”، في إشارة واضحة من رئيس الإقليم مسعود البارزاني إلى أنّ الحرب على تنظيم داعش، والدور الكبير لقوات البيشمركة الكردية فيها عامل مساعد على فصل كردستان في دولة مستقلة عن العراق.
ويقول خبراء عسكريون إنّ المواجهة مع داعش في العراق بلغت بدخولها محافظة الأنبار ساعة الحقيقة، وإنها ستمثّل اختبارا عسيرا لمقدار قوّة الفريقين المتحاربين؛ القوات العراقية والميليشيات الشيعية من جهة، وتنظيم داعش من جهة مقابلة.
وقارن عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية العراقية عباس الخزاعي بين معركة الأنبار ومعركتي محافظتي ديالى وصلاح الدين قائلا “مساحة الأنبار الواسعة يضاف لها قتال عدد من أبناء المحافظة إلى جانب تنظيم داعش يعقد المعركة ويعطيها اختلافا عن المعارك الأخرى”.
ويرى الخبراء أنّ ما تمكنت القوّات العراقية والميليشيات من تحقيقه في محافظة ديالى، وفي أجزاء من محافظة صلاح الدين عائد في جانب منه إلى اختيار قادة داعش سحب مقاتليهم من تلك المناطق كي لا يصبح اتساع مساحة انتشارهم عامل ضعف لهم.
ويستدلون على ذلك بقلّة أعداد قتلى التنظيم في المحافظتين رغم الكثافة الشديدة في حجم النيران وأطنان الذخائر التي استخدمت في المعارك هناك.
وحتى ما تحقّق في المحافظتين المذكورتين يظل نجاحا نسبيا، حيث ثبت أنّ إخماد جبهة في الحرب ضدّ داعش في العراق بشكل نهائي يبدو أمرا مستعصيا، ففي ديالى ما تزال أحداث العنف التي تقف وراءها خلايا صغيرة من تنظيم داعش توقع أعدادا من القتلى والجرحى بشكل يومي. وفي محافظة صلاح الدين التي اعتبرت استعادة مركزها، مدينة تكريت، إنجازا غير مسبوق في الحرب، ما تزال الجبهة مفتوحة بشمال المحافظة حيث تمترست أعداد من مقاتلي التنظيم المنسحبين من مناطق أخرى وأظهروا شراسة في القتال سمحت لهم بالاحتفاظ بمواقعهم هناك.
وتمكّنت أعداد كثيرة من عناصر داعش من الانسحاب باتجاه محافظتي الأنبار ونينوى ليشكّلوا مع الآلاف من المقاتلين الآخرين قوّة كبيرة بدأ يتكشّف حجمها الحقيقي في أولى المعارك قرب مدينتي الرمادي والفلّوجة والتي بدا خلال الأيام الماضية أنّها تراوح مكانها ولا تحقق فيها القوات العراقية والميليشيات تقدّما يذكر.
972 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع