شارع العرب في بانكوك.. تراتيل وكلثوميات

        

                 شيشة في مقهى عربي وسط بانكوك

زياد توبة:يقع الشارع الشهير، المعروف أيضاً بـ "شارع النانا" في منطقة السوكومفيت، التي تربطها بأرجاء بانكوك شبكة متنوّعة من المواصلات، تبدأ بالتكتوك، وهو ابتكار تايلاندي يحاكي خصائص المدينة المكتظّة، وتنتهي بالقطار السريع المعلّق فوق المدينة، أكثر من 10 وسائل نقل متوفّرة لتفادي ازدحام السيّارات.

بانكوك مستعدّة للسائحين العرب، وقد خصّصت لهم شارعاً بأكمله، بما فيه من متاجر عربية ومطاعم تعتمد معايير "الذبح الحلال"، وأسواق تقدّم منتجات الماركات العالمية المزوّرة، كالساعات والأحذية وحقائب اليد. كما يمكنك التنقّل بسهولة، فأسماء المتاجر واليافطات كلّها بالعربية.

ويكتظّ شارع النانا منذ الصباح، لكن بين نهاره وليله فوارق يحدّدها الروّاد وغاياتهم. في النهار تجد المقاهي المصرية، على سبيل المثال، تحضّر طاولاتها والنراجيل وكلّ متطلّبات النهار الحارّ، على وقع صوت التلاوات القرآنية. أما ليلاً فيصدح صوت أم كلثوم من المقهى.

وتشكّل مطاعم الشارع بأعلامها العربية وأسمائها ما يشبه "مجلس الجامعة العربية". يقف الموظف العربي على باب المطعم يدعو الزبائن لتذوّق مأكولات فريدة، ولكن روائح المطابخ كفيلة بهذه المهمّة، المأكولات الشرقية والعربية تعيد إلى السائح الحنين إلى بلده. حيث واظبتُ على زيارة تايلاند خلال العقد الأخير، حتى بتّ قادراً على ملاحظة كلّ طارئ على خصوصية شارع العرب.

عندما زرتُ بانكوك بهدف التجارة عام 2004، استطعتُ أن أحتكّ بمكوّنات هذا الشارع، بغرض توضيب البضائع والشحن بين بانكوك وبيروت. كان العراق آنذاك خارجاً من حربه التي دفعت العديد من العراقيين نحو الهجرة واللجوء إلى بلدان أخرى. كانت بانكوك إحدى وجهات العراقيين، لاسيّما "شارع العرب"، فأغلبية العمّال والموظفين في الشارع هم من التابعية العراقية.

في مشواري الأخير، أي منذ شهرين، رأيت كيف تحوّل الشارع العربي هناك شارعاً سورياً. معظم المحلات أصبحت توظّف الشباب السوريين، الذين باتوا بدورهم يقفون مكان العراقيين ويصطادون الزبائن. شباب في مقتبل العمر هربوا من آلة القتل ليقفوا إلى جانب "سيخ الشاورما"، أو ينادوا على المارة لتذوّق المأكولات العربية.

يتلخّص في الحديث عن بانكوك وعلاقة العرب بها مشهدٌ لا علاقة له بالعاصمة التايلاندية البعيدة، بل بمشهديّات عائدة لبلداننا. إن الموزاييك البشري العربي في شارع نانا هناك يحكي الكثير من القصص ويحيلنا إلى ثقافاتنا. يُحيلنا الى علاقاتنا بشعوب وبلدان أخرى. يقدّم لنا فرصة للإحالة الرمزية والتحليل لخصوصية الاختلاط وبناء جماعات خاصّة في المهجر. لا يشهد الشارع العربي في بانكوك على تحوّلاته الخاصة وعلاقة الوافدين العرب إليه عبر الزمن، بقدر ما يشهد على تحوّلات مجتمعاتنا العربية ومدى تأثيرها على جماعاتنا اللاجئة والوافدة والزائرة لبلدان بثقافات مغايرة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1776 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع