جنود أميركان عادوا إلى العراق: «خراب مؤلم» في الجيش

             

العالم/بغداد - رود نوردلاند:يتواجد العقيد جون شويمر هنا في العراق ضمن عملية انتشاره السادسة, فيما يأتي انتشار المقدم جيمس مودلين للمرة الرابعة في هذا البلد. اما رئيس العرفاء توماس فوس, فيعلق عن عدد المرات التي انتشر فيها في العراق قائلا "انها اكثر من ان تعد".

لكن هؤلاء ليسوا سوى بعض من 300 من الجنود التابعين لقوة المهام الـ73 ضمن الفرقة الـ82 المحمولة جوا من الجيش الاميركي, حيث يشكل المدربون العسكريون نصفهم تقريبا, فيما النصف الاخر يضطلع بمهام الاسناد والحماية. ولأنهم يتمركزون في تلك القاعدة العراقية القديمة التي لا تبعد اكثر من 32 كيلومترا الى الشمال من بغداد, فإنهم يمثلون بعضا من اقرب جنود القوات الاميركية الموجودة على الارض في هذا البلد.
لقد عاد هؤلاء الى العراق للمرة الاولى منذ الانسحاب الاميركي الكامل نهاية العام 2011, حيث لم يجل في خاطر اي منهم انه سيعود مرة اخرى, عدا عن تصور حال الجيش العراقي الذي دربوه ذات مرة وانتهى الى هذا الخراب الشديد.
يقول العقيد شويمر انه شعر بالصدمة لحال الجنود العراقيين الذي رآه هنا. ويضيف معلقا "انه امر لا يصدق فعلا, حيث انني تفاجأت الى حد كبير". ويضيف كذلك "لقد سالت نفسي عن ماهية التدريب الذي تلقاه هؤلاء بعد رحيلنا؟".
على ما يبدو, لم يتلق هؤلاء قدرا حقيقيا من التدريب, الامر الذي يثير اسئلة جدية وخطيرة بخصوص واقع الجيش العراقي الى درجة يتضاءل معها الجدل بخصوص رحيل الاميركيين مبكرا عن هذا البلد مقابل جدل آخر مبني على ان جولة انتشار اخرى لتدريب هذه القوات قد لا يكون لها اي فائدة تذكر او تدوم.
لقد بدى الجيش العراقي جيدا على الورق حينما رحل الاميركيون, حيث كان ذلك المشهد ما بعد واحدة من اكبر مهام التدريب التي اجريت في تاريخ واثناء الحروب يوما. لكن ما بعد ذلك, بدأ كبار الضباط العراقيين باستحصال العمولات ودفع الرشاوى مقابل المناصب وابتزاز الجنود وسرقة التخصيصات والمرتبات العائدة لهم. وشيئا فشيئا, عم الفساد كل المفاصل والرتب, فيما اصبح الهروب شائعا جدا.
لم يكن الجيش يقوم بمهام تتجاوز عمل نقاط التفتيش والسيطرة. ومن ثم, جاء فرار الفرق العسكرية الاربعة التي تبخرت في الموصل بداية صيف العام الماضي امام هجوم سريع نفذه مقاتلو تنظيم داعش الارهابي الذي تشير التقديرات الى ان عديدهم كان يتراوح بين بضعة مئات الى بضعة آلاف فقط.
وعلى هذا الاساس, بات ذلك الجيش الذي يقدر عديد قواته الفعالة بـ280000 جندي, والذي كان يعد من بين الجيوش الاكبر في العالم, بات برأي الخبراء لا يتجاوز الـ4-7 فرق فعالة بعديد اقل من 50000 جندي, وبالرغم ما يقوله مدير اعلام وزارة الدفاع قيس الربيعي من ان اقل الإحصاءات واكثرها تحفظا تشير الى ان هذا الجيش مكون من 141000 جندي موزعين على 15 فرقة عسكرية فعالة.
انخرط معظم الجنود الاميركيين بشكل عميق في مهام تدريب القوات العراقية. في هذا السياق, يعلق المقدم مودلين قائلا "حينما رحلت في العام 2009, كان العراقيون قد اكملوا انجاز كل التدريب الموكل اليهم. لكنني لا اعرف ما الذي حصل لاحقا".
ويضيف مودلين "لقد اعتدنا ان نقول ان كل انتشار كان مختلفا عما سبقه. لكننا وصلنا الان الى حقيقة مفادها ان هذا الانتشار مختلف كليا عن كل ما سبق بالمطلق". ويضيف كذلك "ان العراقيين يعلمون هذه المرة اننا لن نقوم بالعمل من اجلهم, وهم يقدّرون ذلك فعلا".
يمثل هؤلاء الجنود الاميركيون الـ300 ومعهم عدد اقل من مشاة البحرية المنتشرين في قاعدة الاسد الجوية في محافظة الانبار, يمثلون مجموعة الجنود الاميركيين الوحيدة المنتشرة خارج بغداد. لكن كما يحلو للجيش الاميركي وصفهم, فان هذا العدد لا يرقى الى مستوى وضع الانتشار البري للقوات على الارض في الخارج بسبب ان دورهم ينحصر في التدريب حتما, مع الاشراف والدعم ضمن مجموعة الجنود الاميركيين الـ3000 الذين خول الرئيس اوباما ارسالهم الى العراق منذ شهر تشرين الثاني الماضي.
كما ان رئيس العرفاء مايك لافين الذي خدم سابقا في العراق مرة وفي افغانستان 3 مرات لا يحب استخدام هذا الوصف مطلقا. ويقول لافين معلقا "ليس هنالك جنود اميركيون على الارض في العراق ابدا". لكن حتى على مستوى الدور التدريبي, فان وجود الاميركيين في هذه القاعدة الكبيرة يضعهم في موضع قريب جدا من الخطوط الامامية ضمن صراع عنيف مع تنظيم داعش المتطرف. ولنا ان نذكر ان هؤلاء المتطرفين يعمدون الى اطلاق بضعة قذائف هاون على مواقع تواجد الجنود شرقي القاعدة الواقعة بالقرب من نهر دجلة. لكن فرصة اصابة هذه القذائف لأي شيء تبدو ضعيفة جدا. ان القاعدة تعد كبيرة جدا, فيما يبدو هدف المتطرفين بقدر سوء هدف اسلافهم من تنظيم القاعدة حينما كان الاميركيون يتمركزون هنا, ويستخدمونها لمهام التدريب الكبرى. لكن برغم ذلك, فان احدا لا يتحرك ضمن محيط القاعدة من دون ارتداء الستر الواقية.
يوم الخميس الماضي, عمد المدربون الاميركيون الى اشراك العراقيين بتدريب حي على الاسلحة النارية اثناء المناورة, حيث تضمن التدريب تعليم اسلوب المناورة بالنيران من قبل مجموعة صغيرة اثناء هجومها على اهداف تظهر بشكل مفاجئ. وكان التدريب واقعيا الى درجة ان المجموعة العراقية الصغيرة دخلت الميدان لتواجه نيرانا حقيقية من كل جانب. في هذا السياق, يعلق العريف الاقدم مايكل آميس قائلا "ان مناورة الوحدات الصغيرة بالنيران تمثل اسلوبا تدريبا قياسيا ومهارة يتوجب اكتسابها من قبل جميع جيوش العالم". وبرغم كون ذلك الاسلوب يندرج ضمن نمط التدريبات الاساسية, الا ان العديد من المتدربين العراقيين بمن فيهم ممن خدموا في الجيش اصلا لاكثر من عام مضى, انما اكدوا انهم لم يجربوا شيئا كذلك من قبل قط.ئ
لقد كان اعتراف هؤلاء بعدم خوضهم تجربة من هذا النوع, عبارة عن افتراق كبير عما جرى في السنين الماضية من حرب العراق, حينما كان الجنود العراقيون والاميركيون مفصولين تماما عن بعضهم البعض في قواعد التدريب. كما انه كان من النادر استخدام الذخيرة الحية حينما كان الاثنان سويا خلال السنوات اللاحقة من الوجود الاميركي في العراق مخافة ما يسمى بهجوم من اشخاص من الداخل حيث هاجم جنود افراد من قوات الحلفاء الغربيين.
ويقول العقيد شويمر معلقا "لابد ان يكون لديك مستوى معين من الثقة, ونحن موجودون معهم هنا". ويضيف كذلك "ان العدو المشترك يمثل ما يجمعنا سويا".
بدا قائد المجموعة العراقية, العريف علي محسن حميد مقدرا جدا للتدريب وبوضوح. ويقول حميد بعد ان اكمل رجاله التدريب وتمكنوا من اصابة جميع الاهداف, معلقا "لم يسبق لنا ان تدربنا بهذه الجودة من قبل, ولسوف نكون مستعدين فعلا للقتال الحقيقي". اما مدربهم الاميركي, العريف جيمس غريمس الذي سبق له ان خدم لأربع مرات في العراق, فقد ابرز فارقا دقيقا للجنود حينما عرض لهم المخططات الرملية التي يمثل استخدامها اسلوبا رسميا في العرضء والتدريب للجيوش, حيث مثلت الميدان الذي كانوا متواجدين فيه.
و قال معلقا "لقد رأيتم بأنفسكم كيف نفذت الذخيرة منكم بسرعة, اليس كذلك؟". واضاف قائلا انهم بحاجة الى التركيز اكثر على ان ميادين نيرانهم التي تتداخل وتغطي مساحات اكثر من مجرد الاهداف التي يرونها.
كان هؤلاء الجنود يتدربون ضمن اسبوع التدريب الخامس من اصل دورة تدريب اساس من 6 اسابيع, فيما سيعود بعض اخرون منهم لاجتياز تدريب اضافي من 3 اسابيع اخرى.
اجمالا, يجتاز ما يقدر بـ3600 من الجنود العراقيين ضمن لواءين, التدريب الاساس حاليا, فيما تخرج قبل هؤلاء مجموعة اخرى سبقتهم من 4600 ضمن هذا البرنامج الاميركي الذي بدأ العام الماضي.
بالنظر الى قدرة معسكر التاجي التدريبية القصوى الحالية, فان وتيرة التدريب الحالية للبرنامج تعني تخرج ما يقدر بـ30000 من الجنود العراقيين بحلول نهاية العام الحالي, او ربما قبله.
لكن مشاة البحرية الاميركية يدربون عددا اقل من الجنود النظاميين في قاعدة الاسد.
يقول العقيد شويمر معلقا "سوف يغادر هؤلاء المكان مدربين فعليا, الا ان هنالك فرقا كبيرا بين من يتدرب فعليا وذاك الذي يتدرب موسميا".
لكن, ما اذا كان سيتوجه هؤلاء الذين سيكملون التدريب الى قتال تنظيم داعش مباشرة ام لا, فان ذلك ليس بالامر الذي يقرره الاميركيون او يشاركون فيه. ويقول الاميركيون ان ذلك شأن حكومي عراقي بحت. الا انه بالنظر لشحة القوات التي تقاتل المتطرفين, فان نشر هؤلاء على الخطوط الامامية يبدو محتملا جدا.
اما فيما يخص المتطوعين انفسهم, فانهم من المتطوعين الجدد نسبيا, من الذين انخرطوا في الجيش بعد انهياره امام تقدم جماعة داعش السريع شهر حزيران الماضي. كما ان بعض هؤلاء اشتركوا اصلا ضمن قوات الحشد الشعبي التي ينسب لها الفضل بوقف تقدم المتطرفين بعد انهيار الجيش.
يقول احمد عبود حسن البالغ من العمر 21 عاما انه قرر الانخراط في الجيش بعد ان قام تنظيم داعش بقتل ابن عمه ضمن مجموعة شهداء سبايكر الـ1700 الذين اعدمهم متطرفو داعش. اما سجاد حاكم البالغ الـ21 من العمر كذلك, فيقول ان له شقيق كان عسكريا في الموصل واختفى منذ هجوم داعش ولم يعثر له على اثر.
ويقول حسن معلقا "لن يوقفنا شيء. اننا مستمرون في القتال من اجل شرفنا".
اما قائد لوائهم, المقدم مسار حازم الذي قاتل الى جانب الاميركيين لـ6 مرات وشارك في 3 حروب اخرى, فقد كان من المحاربين المحترفين الذين تواجهوا مع تنظيم داعش لـ6 مرات خلال العام الماضي, الا انه قال ان هذه تمثل المرة الاولى التي يتلقى فيها جنوده تدريبا حقيقيا وذي معنى.
و يضيف حازم قائلا "ان هذا يمثل مستوى مختلفا كليا من التدريب, وشيئا لم يحصل من قبل قط". لكن الضابط العراقي كان واضح الرؤى فيما يخص قدرة الجنود ومقتنعا بأن وقتا طويلا لابد ان يمضي قبل ان يتحقق فرق فعلي على ارض الميدان.
ويختم حازم كلامه بالقول "لو انني حصلت على 100 جندي جيد من اصل هؤلاء الـ400, فانني كنت لاشعر كما لو انني ملك بحق!".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

324 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع