يضطر أيوب مهنا (52 عاماً)، وهو أستاذ متقاعد، إلى قطع مسافة طويلة بسيارته القديمة من منطقة حي أور شمال بغداد إلى منطقة الكرادة غربي العاصمة، كل عشرة أيام، بهدف شراء أدوية مرض الضغط الذي يعاني منه.
يتحمل عناء الطريق بسبب الفرق الكبير في أسعار الأدوية بين المنطقتين. يُحمّل وزارة الصحة مسؤولية تغاضيها عن الصيدليات التي تتلاعب بالأسعار، ولا تهتم بكيفية حصول المواطن على تلك الأدوية، لافتاً إلى أن 'سعر الدواء يختلف من منطقة إلى أخرى، وكأنه أثاث منزل. أقصد صيدليات عدة قبل أن أقع على تلك التي تبيع الأدوية بسعر مناسب، مما يدل على غياب الرقابة'.
بدورها، تقول مريم مرزوق (30 عاماً)، التي تعمل في محل للخياطة وسط بغداد، إنها عاجزة عن شراء الأدوية لأن راتبها لا يكفي. تقول: 'لا أعرف ما الحل. هل أستسلم للمرض والألم أم أبيع أثاث المنزل'؟ وتسأل: 'من يتحكم بالأسعار؟ من المسؤول عن فرض رقابة على الصيدليات؟'
خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ارتفعت أسعار بعض الأدوية بشكل ملحوظ، مما جعل كثيرين عاجزين عن شرائها، وكأن هناك اتفاقاً ضمنياً بين شركات الأدوية وأصحاب الصيدليات. في السياق نفسه، يقول محمد صلاح، الذي يملك شركة أدوية وسط العاصمة بغداد، إن 'الأدوية لا تختلف عن السلع التجارية الأخرى الموجودة في السوق'.
ويلفت إلى أن 'التلاعب في الأسعار لا يطال جميع الأدوية، إلا أن الأمر مرتبط بطريقة الاستيراد والضرائب المفروضة. ويقتصر الأمر على نحو 6 في المائة من إجمالي الأدوية، علماً بأن أسعار الدواء في البلاد تعد جيدة بالمقارنة مع الدول المجاورة مثل الأردن وسورية ولبنان'.
علي وادي، الذي يملك شركة بدوره، يؤكد أن 'المستورد يتعرض إلى مضايقات كثيرة، منها ارتفاع الرسوم الجمركية المفروضة على بعض أنواع الأدوية في المنافذ الحدودية، والتي تكاد تكون غير منصفة أحياناً قياساً بنوع الدواء، فضلاً عن تحمل المستورد كلفة مالية إضافية لتسهيل دخولها بسرعة'.
في المقابل، لأصحاب الصيدليات رأي آخر، وعن سبب ارتفاع أسعار الأدوية المفاجئ، يقول أبو مرتضى العامري إن 'كل صيدلية تتعاقد مع شركة لتأمين كل ما تحتاجه. وترتبط الأسعار بما تتعرض له من قبل أجهزة الرقابة، عدا عن ارتفاع بدل إيجار المحال، مما يضطرنا أحياناً إلى زيادة أسعار الأدوية'.
أما منير البغدادي (68 عاماً)، فيوضح أن بيع الأدوية في العراق بات شعاره 'الربح وليس العلاج'، مشيراً إلى أنه 'في السابق، وبالرغم من افتقار غالبية المدن إلى الصيدليات، إلا أنها كانت بمثابة مستشفى وطبيب في آن واحد. لكن اليوم، لم يعد أصحاب الصيدليات يراعون أوضاع المريض. يرتكب البعض أخطاء جسيمة تودي بحياة المواطنين، وهنا تأتي مسؤولية فرق التفتيش لدى وزارة الصحة، التي نسمع أنها تغلق صيدليات لأيام فقط'.
من جهته، يشرح طبيب القلب والأوعية الدموية، وصفي كفاح، لموقع 'العربي الجديد'، أن 'بعض أصحاب الصيدليات يبيعون الأدوية بأسعار رخيصة جداً، مما يعني أنها إما مهربة أو فاسدة، وخصوصاً أدوية الأمراض النسائية أو تلك الخافضة للحرارة، بالإضافة إلى أدوية الأمراض المزمنة'.
ويلفت إلى أن 'القانون ألزم الصيدلي بأن يضع الأدوية منتهية الصلاحية في مكان منفصل داخل الصيدلية، ويضع لافتة تشير إلى انتهاء صلاحيتها'. ويضيف أن 'القرار الخاص بتفتيش الصيدليات لم يحدد كيف يتصرف صاحب الصيدلية بهذه الأدوية'، موضحاً في الوقت نفسه أنه 'لا بد من تحديد سقف لأسعار الأدوية'.
في المقابل، يقول المتحدث باسم وزارة الصحة، عبد الغني سعدون، إن 'الوزارة، ومنذ نحو عام، تدرس مشروع قانون تسعير الأدوية، وهو الآن في مراحله الأخيرة. ويفترض أن يتم عرضه على مجلس شورى الدولة بداية العام المقبل'. ويلفت إلى أن 'المشروع يتضمن آلية لتوحيد أسعار الأدوية بهدف ضمان حقوق المواطنين وحماية حقوق الصيادلة'.
ويؤكد أيضاً أن 'لدى الوزارة لجان تفتيش مهمتها تنظيم زيارات ميدانية مفاجئة إلى الصيدليات وشركات الأدوية في عموم البلاد، من أجل متابعة عملها'، مشيراً إلى أنه 'خلال العام الجاري، أغلقت الوزارة 203 صيدليات وعاقبت أصحابها، فضلا عن إغلاق 48 مستودعاً، ومصادرة 98 طناً من الأدوية منتهية الصلاحية التي كانت موجودة في أماكن غير شرعية'.
1386 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع