خذوا الحكمة من " الرجعيين "!!
عنكاوا كوم/هرمز كوهاري
1 ـ عندما زار سعيد قزاز القوش !!
حدثني المرحوم العم الياس اسطيفان مدالو ( 1)،يوما فقال :
" في احد الايام وقبل موسم الامتحانات النهائية طلب مني مدير ناحية القوش بصفتي مدير المدرسة الإبتدائية الوحيدة آنذاك في القوش،و بإعتبار مدير الناحية مسؤولا إداريا عن المدارس الإبتدائية في النواحي ،طلب مني أن اخرج التلاميذ والمعلمين الى مدخل البلدة لاستقبال سعادة متصرف اللواء والترحيب به وصدفة كان ذلك اليوم يوما حارا ومغبرا ، فنفذت الأمر وخرجنا مع المعلمين والتلاميذ الى مدخل البلدة (وكان آنذاك عند ماكنة الطحين القديمة وليست الحالية ) وأنتظرنا قدوم سعادته وكان أنذاك سعيد قزاز ، وحال وصوله صفقنا له نحن و التلاميذ مرحبين باستقباله ."
( في العهد الملكي لم نرى مواكبا ترافق وزراء أونوابا أو غيرهم من المسؤولين، بل رأيتُ يوما وأنا قرب باب مجلس النواب نوابا قادمين سيرا على الأقدام لقرب دورهم من المجلس ومنه قادم بعربة الخيل التي كانت ولا زالت وسيلة للإنتقال العامة .ورأيت أحد الأغوات قادما بسيارة خاصة عادية .)
ونعود الى كلام المرحوم الياس مدالو فقال :
" توقعنا من المتصرف أن يقابلنا بابتسامة وبالشكر والتقدير وبعلامات الفرح على وجهه لهذا الإستقبال ولتحملنا الجو الحار والمغبرّ وأنتظارنا ساعات مع مدير الناحية وموظفي مركز الناحية و تصفيق التلاميذ ، ولكن الواقع كان غير ما توقعنا فنزل منزعجا متجهم الوجه ..غاضبا يلتفت يمينا وشمالا يسأل من منكم مدير المدرسة ؟؟ فتقدمت اليه وقلت له أنا سيدي ! "
فقال : " باي حق تخرجون هؤلاء الآطفال بعمر الورود وتوقفهم في هذا الجو الحار المغبر ساعات وتحرمونهم من دروسهم ؟ هل أنا أريد منكم أستقبالا وتصفيقا ؟ بل أنا قادم لأزورهم بنفسي في صفوفهم !! لاطلع على سير التدريس في المدرسة واطلع على مشاكلهم ان وجدت ".!!
قلت : (والكلام لا زال للمرحوم ألياس مدالو ) : " سيدي أنا أخرجت التلاميذ بامر من مدير الناحية ، لاننا كما تعرفون تابعين اداريا لمدير الناحية ! فقال لو كنت أنت المسؤول عن هذا التصرف لعاقبتك ! .
ثم ألتفت الى مدير الناحية وعاتبه على تصرفه هذا "(هنا أنتهى كلام المرحوم الياس مدالو )
ملاحظة : ( 1 )
المرحوم الياس أسطيفان مدالو ( والد زوجتي سلطانة) من مواليد 1909 عين لأول مرة معلما في مدرسة ألقوش سنة 1931 ثم نقل الى القرى والأرياف ، ثم عاد معلما في القوش سنة 1944 وفي سنة 1945 أصبح مديرا في المدرسة المذكورة حتى سنة 1962 حيث نقل الى بغداد وبعدها بسنة طلب احالته على التقاعد ورحل عنا الى رحمة الله تعالى سنة 1996 .
ونعود الى المتصرف سعيد قزاز ونقول أي نبل وشهامة أتصف بها ذلك الرجل عند تألمه لأولئك الأطفال بعمر الورود كما سماهم يتعرضون ساعات للشمس الحارقة والغبار ويحرمون من دروسهم ، لم يتقبلها في سبيل الترحيب به كما كان أكثر ساسة ذلك الزمان لا يوظفون أناس للتصفيق والهتافات ولم يطوقوا أنفسهم بحدائق من الورود بل لم نرى باقة ورد على مناضدهم ، كما تعود أشباه الساسة يستوردون الورود من هولندة لأن قريحتهم في الكذب والنفاق لا تنشط ألا إذا كانوا مطوقون بالورود والرياحين !!
بالرغم من هذه الكلمات القليلة التي قالها سعيد قزاز الا انها كثيرة جدا في مغزاها ومعانيها وإن دلت على شيئ فإما تدل نبل شعوره علما بأنه كان يعرف أن أهالي ألقوش وتلامذتهم طبعا هم مسيحييون من الكلدان الكاثوليك وهو شخص كردي سني من عائلة آغوات ، ومع هذا كان حنونا عطوفا رقيقا خائفا على صحتهم وعلى دروسهم لا لسبب إلا لأنهم أطفال في سن الورود كما قال وثانيا أنهم مواطنون عراقيون وشباب المستقبل وكفى كما لم يكن مغرضا في ذلك العطف والحنان لأنه لم يكن بحاجة الى أصوات أهاليهم ولا تأثيرا لهم على مركزه الوظيفي من قريب أو بعيد ، وهذا كان سلوك أكثر رجالات العهد الملكي فكانت هذه المواضيع لا تدخل في حقل السياسة عندهم .
و عرفت عن سعيد قزاز :
في سنة 1947 / 1948 كنت طالب في متوسطة كركوك، وكان سعيد قزاز آنذاك متصرف اللواء المذكور، وكانت تلك السنة ، سنة قحط ومجاعة لا لقة الإنتاج فقط ولكن بسبب جشع الإحتكاريين( يقول حنا بطاطو في سفره الخالد ـ العراق ـ ) في تلك السنة التي كانت سنة المجاعة وسنة الإنتفاضة الكبرى،صدّر إلإحتكاريون ما يزيد على (نصف مليون) طن من الحبوب الى خارج العراق !!.
وأثناء وجودي في كركوك ،كنت أسمع من الأهالي أن المتصرف أي سعيد قزاز كان يتنكر بزي تاجر تصدير الحبوب أو أي زيء آخر ليتمكن من أكتشاف عنابر الحنطة عند الإحتكاريين ، وفي اليوم التالي يرسل مفرزة لإجبار الإحتكاري على عرضها في السوق لتباع للأهالي بسعر السوق العادي .
وكان لقزاز مأثرة وطنية لا ينساها من عاش تلك الأيام ،أيام الفيضان الكبير التي كادت بغداد تتعرض للغرق المحقق وكان ذلك في ربيع سنة 1954 كنا في تلك الايام والليالي لا نفارق الراديو لنسمع بيانات مديرية الري العامة كأنها بيانات عسكرية بتقدم أو تقهقر العدو !! (لم يكن أنذاك وزارة الري ) بيانات عن أرتفاع أو انخفاض منسوب المياه بالإنجات !!! و أصبحت بغداد كجزيرة مطوقة بالمياه من كل الجهات، مياه دجلة والفرات من الشمال و الغرب وديالى من الشرق و الجنوب، كنا نقف على السدة الشرقية وعلى مدى البصر لم نر غير المياه ... ومجلس الوزراء في جلسة مفتوحة لإيجاد حلا للمشكلة ولم يجرأ أحد من الوزراء أن يجد الحل فإنبرى سعيد قزاز بصفته وزيرا للداخلية ومسؤولا عن حماية الأهالي ،بشجاعته المعهودة وعلى مسؤوليته الشخصية أن قرر كسر سدة السامراء( الثرثار) فتسربت المياه الى منخفظ الثرثار وزال الخطر عن بغداد وتنفس الناس الصعداء !!
ومن مواقفه المعروفة ايضا ،وقف سعيد قزاز أمام محكمة الشعب ( محكمة المهداوي ) منتصبا رافعا راسه متحديا قرار الحكم الذي توقعه سلفا وهو الإعدام ! دون أدنى شك ولم تصدر منه أية كلمة رجاء أو أستعطاف أو توسل ، أنما طلب من المحكمة عدم التعرض على كرامته الشخصية ! وقيل أنه طلب من زوجته ألا تتوسط ولا تتصل ولا تخابر ولا تستعطف أي مسؤول بقضيته ولا تقيم عزاء بموته !!، وعندما صدر عليه الحكم بالإعدام شنقا حتى الموت سمعناه ورايناه من خلال التلفزيون زاد من تحديه للمحكمة وقال قولته المشهورة قبل أن يغادر المجكمة .
"إني سأصعد على المشنقة وتحت قدمي أناس لا يستحقون الحياة "!!!
قارنوا بين نبل وأخلاق ذلك السلف الذي لم نكن نصفهم ألا بالرجعية والعمالة وبين من مسؤولي اليوم الذين يزعقون وينقعون بالديمقراطية والقانون والذين ادعوا انهم سيسيرون على سيرة على والحسين !! إلا أن الشعب عرف انهم كانوا يلطمون على الهريسة وليس على الحسين،عينهم على العقار والمال وأخرى على الحرام والحلال .
ومنهم النواب الذين يتذللون للناخبين قبل الانتخابات وبعدها يتنكرون ويترفعون على ناخبيهم وكأنهم قادمون من كوكب آخر !! ولا يهمهم بأنهم سبب في فقر وتشريد اولئك المواطنين داخل وخارج الوطن . ثرواتهم تزداد يوما بعد يوم ويطلبون هل من مزيد .!!
فهل كان القزاز يتوقع أن يحكم العراق اليوم أمثال هؤلاء " الساسة " الذي كثير منهم لا يستحقون الحياة ا؟... ربما!!!
نعم كان أولئك رجعيون !!ولكنهم بنوا دولة ونظام تتقدم على دول ودويلات المنطقة وكانوا عراقيين بحق وحقيقة ولم يفرطوا بشبر من أرض أومياه العراق .
وعندما أتهمناهم بالرجعية والعمالة :
لم نتوقع ان يحكم العراق هذه النماذج ولا قول السيد المسيح :
" من منكم بلا خطيئة فليرميها بحجر "
الگاردينيا: المادة أعلاه أرسلها صديقناـ أنس المدرس ـ فشكرا له...
836 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع