تراثيات / أشقد طيبي الباقلي ـ ـ منلوج موصلّي عن أكلة شعبية محببة عند العراقيين
تُعتبر الباقلاء من الأكلات الشعبية المُحببة في عمومِ العراقِ ولا يكاد يخلو شارع أو زقاق من بائعٍ أو بائعةٍ لبيعِ تشريبِ الباقلاءِ ( الباقلاء المسلوقة ) (1) ، حيثُ يطوفُ البائعُ بعربتهِ الحي السكني ليغطي معظمَ شوارعه المخصصة لهُ .
لقد تفننَ العراقيون بصورةٍ عامةٍ في طريقةِ تقديمِ هذه الأكلة الغنية بالبروتيناتِ ذات القيمة الغذائية العالية والتي أعتمد عليها الكثير من ذوي الدخلِ المحدودِ كبروتينٍ بديلٍ عن اللحومِ ولهذا سُمّيت باللحوم " الخضراء " والتي تساعد كثيراً في بناءِ العظامِ وزيادة نسبة الهيموغلوبين بالدمِ .
فقد قال عنها أبو بكر الرازي في كتابهِ المُصنّف " دفع مضار الأغذية " ما يلي(2) :
" الباقلاّء بالجملةِ يبرد البدن ، واليابس منها يخضّب ، وماء الباقلاّء ينقـّي الصدر "
وهنالك من يقول مِن إنّ الباقلاء تزيد من نسبةِ الكولسترولِ الجيّد في الدمِ !! ، كذلك تُعتبر غنية بالأليافِ ( الفايبر ) التي تقلل الإصابة بالنوباتِ القلبيةِ ( السكتات القلبية ) .
والباقلاء كما وردت في بعضِ البحوثِ الزراعيةِ العراقيةِ هي نبات حولي عشبي تتبع عائلة البقوليات ذو ثمرة قرنية وهي من المحاصيل الشتوية ، إذ يتم جنيها بمراحلٍ وحسب سرعة نضجها ويُعتبر منتصف شهر شباط هو بداية جني المحصول في المناطق الوسطى والجنوبية من العراق ، أمّا المناطق الشمالية فيتم جني المحصول في شهر أيّار . والباقلاء مفيدة للتربةِ عند زراعتها لأنّ جذورها تحتوي على عُقدٍ بكتيريةٍ تعملُ على تثبيتِ الآزوتِ الجوي في التربةِ فتخصبها.
ويُعتبر تشريب الباقلاء بالدهنِ مِن أشهر الأكلاتِ الشعبيةِ العراقيةِ ، وغالباً ما يتناوله العراقيون صباحاً ، حيثُ يوضع خبز التنور( البلدي ) في إناءٍ عميقٍ ويُسكبُ عليه ماء الباقلاء الحار ومن ثمّ الباقلاء المسلوقة( بقشرها أو بعد تقشيرها ) ثمّ يُرش على المكوناتِ السمن البلدي( الحيواني ) الحار( أو السمن النباتي ) وغالباً ما يوضع فوقه البيض المقلي ، وتقدم هذه الأكلة وحسب طقوسها مع المقبلات كالطرشي والفجل والبصل الأخضر واللبن( الشنينة ) والليمون الحامض وغير ذلك مِما يتوفر من تلك المُقبلات .
كما أنّ هنالك أكلات أخرى من الباقلاء كمرق الباقلاء الخضراء التي تُثرم عرانيصها وتُطبخ مع اللحم ومعجون الطماطة أو يتم سلق عرانيص الباقلاء الخضراء بالماء فقط وتقدم مسلوقة بهذه الطريقة أو توضع حبات الباقلاء الخضراء المسلوقة فوق الرز المطبوخ مع الشبنت .
وتُعتبر الباقلاء اليابسة المسلوقة القاسم المُشترك مع الحُمص المسلوق ( اللبلبي ) كمقبلات في جلساتِ السمرِ العراقيةِ .
وقد شجعت شعبية الباقلاء في الموصل والعراق بشكلٍ عامٍ الأستاذ يقين إيليا الأسود رحمه الله المؤلف للمنلوجات والشعر الشعبي الموصلي الى نُظِم منلوج كوميدي وساخر عن الباقلاء والمشاكل التي واجهها بدأً بزراعتها وحتى الإنتهاء من تناوله لوجبةٍ كبيرةٍ منها(3) ، وذلك خلال المسامرة الثالثة (المباريات الشعرية) في الدورةِ الصيفيةِ والحفلة النهائية في 20/7/1944م في الموصل فقال مبتدأً منلوجه :
منلوج الباقلي
جبتولي حقتين منّا ـ ـ ـ هذيكَ لِتقولْ عنّا ـ ـ ـ كِلـّشْ خِشني مِنْ سِمنا(4)
دَطبخْ منّا مايهلّي
أشقدْ طيبي الباقلي
إشتغيتو وصلة فلحانْ ـ ـ ـ مِنْ جَلعوط إبن دهمان ـ ـ ـ مَصفوفي سِكتين فدّانْ(5)
إيحلفني ويقلي
إزغعْ بيها باقلي
زَغعتوها صفوف صفوف ـ ـ ـ عيوَنّي حَنكو المنتوفْ ـ ـ ـ قلّي هلْ سَني دِتعوفْ
وديتغبّالكْ عِلـّي
خلـّي تولّي الباقلي
نَبتتْ بعشغينْ شباط ـ ـ ـ عند مَغتي إشتغل العياط ـ ـ ـ وعدسنا بالدست شاط
وعِغفوا أهل المحلّي
مِنْ قفا عمل الباقلي
مَغتي هلْ بنت المشعول ـ ـ ـ كلْ مرّة تصيح لي محلولْ ـ ـ ـ ليش بمنامك أتبولْ
ما تطلع بغـّا تولي
تنطغنا الباقلي
تشوف الباقلي بشتلة ـ ـ ـ ما تغشع أبد مثلا ـ ـ ـ قامت تِهدِل مِنْ حملا
أركع الـ ( الله ) وصلّي
ديحفظ الباقلي
قلتلـّي بخَمسي أيّاغ ـ ـ ـ حَضغلي نفسك يا (حماغ) ـ ـ ـ وقت الحصادْ هسّعْ صاغ
وغدا أمسكنّا فعلي
دِنحصدْ الباقلي
طبخنا منّا طبخة ـ ـ ـ صاغتلك مثل اللبخة ـ ـ ـ ولدت بزوني وفرخة
وعملت أبطني فلـّي
هلْ ملعوني الباقلي
بنصْ الليل تخَربَطتو ـ ـ ـ وبأبوي تعَربَطتو ـ ـ ـ للدكتور خذني قلتو(6)
دِيطيبْ لي هل علـّي
خلّي تولي الباقلي
لَمّا مَددني الدكتور ـ ـ ـ قمتُ أنعغْ مثل (الثوغ) ـ ـ ـ طلعْ بطني عَصفوغ
يزقزقْ ويتغقصْ لي
ومكيّف بالباقلي
قلتُ دخيلك ستا ـ ـ ـ خلصني مِنْ هلْ بستة ـ ـ ـ إكتب لي فغدْ لِستة
إبماكولات لتصيغلي
ولا تحط بيها الباقلي
دقدق بطني المنفوخة ـ ـ ـ دخلّصْ مِنْ هلْ لوخة ـ ـ ـ وصف لي دوا الدوخة
وخلاّني أنصي وأعلي
من أكلة الباقلي
أشلون دكتور مخربط ـ ـ ـ خلاني ساعة أتلخبط ـ ـ ـ أش أقلّوا يتنخـّط
ويقلّي إسكت ولّي
مِن قلـّك كل باقلي؟
وصف لي دوا الدوخة ـ ـ ـ كم بعغايي وباطوخة ـ ـ ـ وقلْ لي إتبخّغ بالبوخة
وصاغ الدكتور هبلـّي
من فعلكِ باقلي
قال لبوي جيب فلوس ـ ـ ـ حق ما طيبتُ المحروس ـ ـ ـ أشْ أتقلو هلْ مَنحوسْ
وهلْ دلـّي أبن الدلـّي
عويذة منكِ باقلي
الحمد لله أصطغحتُ ـ ـ ـ ومن الدكتور خلصّتُ ـ ـ ـ والف يمين حلفتُ
وما غيد أحد يذكر لي
أبد إسم الباقلي
أنصحكم يا إخواني ـ ـ ـ نصيحة بالمجاني ـ ـ ـ عفتو سكتي وفدّاني
وبيتي وأهلْ لِمحلـّي
من طبخة الباقلي
وقد وضع الأستاذ يقين إيليا الأسود المُتعدد المواهب اللحن لهذا المنلوج مِما ساعد على إنتشاره وشهرته ،
إذ بدأ قسم من الموصليين وسكان الأقضية والقرى التابعة للموصل بترديده في أفراحهم ومناسباتهم السعيدة خاصة وإنّ ( الباقلي ) دائمة الحضور كمقبلات في تلك الجلسات .
ومن الجدير بالمُلاحظة إنّ هذا المنلوج يحتوي على الكثير من المُفردات اللغوية الموصلّية المستخدمة بين عامة أهالي الموصل وإحتوائه أيضاً على أسلوب المُخاطبة المُميز الذي كان دارجاً في ذلك الزمان بين العامة ، كذلك أضاف كاتب المنلوج الأسلوب الساخر والفكاهي الى منلوجه ليخرج بحصيله العمل الإبداعي المُميز كما في الأبيات (المقاطع) الخامس والسابع والعاشر والرابع عشر .
الهوامش :
(1) من الملاحظ في المناطق الشعبية في وسط وجنوب العراق إشتراك النسوة أيضاً ببيع الباقلاء واللبلبي ، حيثُ يجلسنَ على مقعد صغير أو يفترشن الأرض وأمامهنّ قدر الباقلاء في الأزقة القريبة من محل سكناهنّ للحصول على مردود مادي إضافي يساعد العائلة في معيشتها .
(2) هو العالم والطبيب أبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي ، ولد في مدينة الري في خراسان نحو سنة ( 250هـ = 864م ) وقضى حياته في بغداد وتوفي سنة ( 320هـ = 934م ) ، وله مؤلفات عديدة مهمة منها كتاب " الحاوي " .
(3) زراعة الباقلاء وتناولها بوجبة كبيرة من قِبل مُنظم المنلوج الأستاذ يقين رحمه الله هي حالة إفتراضية وليست حقيقية لنَظم منلوجهِ ، وقد نظّم منلوجه إستناداً الى هذه الفرضية التي إبتدعتها مخيلته ، وقد أوردتها في معرض شرحي للدخول في صلب موضوع المقالة وهو منلوج " الباقلي " .
(4) الحقـّة : هي وحدة وزن تساوي أربعة كيلوغرامات كانت تستخدم في العراق وهي تختلف بوحدتها الوزنية عن الحقّة العثمانية ولحد علمي .
(5) وردت في التسجيل الصوتي للأستاذ يقين الأسود والذي أحتفظ به جملة " مضغوبي سكتين فدّان " ، ولكن بعد العودة الى مخطوطة المنلوج وجدتُ بأنه كتبها " مصفوفي سكتين فدّان " فإرتأيتُ إبقائها " مصفوفي " لسهولة فهمها . كما وردت في كثير من أبيات هذا المنلوج الكلمات التي تُستخدم في اللهجةِ الموصلّيةِ ، وسأورد بعضها وما تعنيه باللغة الفصحى لتسهيل الأمر على بعض القرّاء الكرام من غير الموصلّيين خاصة وإنني لاحظتُ حُب الشعب العراقي بكل مدنه لقراءة ومتابعة التراث الموصلّي وذلك من خلال نشرهم مشكورين معظم ما كُتبَ في هذا المجال في المواقع الألكترونية المُختلفة :
فلحان : الأرض الزراعية
إزغع : أزرع
عيونّي : عاونني
سَني : سنة
عغفوا : عرفوا
بغّا : خارج
تنطغنـّا : تحرسنـّا
تغشع : ترى ، تشاهد ، تنظر
بعشغين : بعشرين
الدست : القِدِرْ
أياغ : شهر أيار
حماغ : في هذا البيت إستخدم المؤلف كلمة ( الحمار ) ككنية الى العمل الشاق الذي ينتظره لجني المحصول وهو وصف ساخر كما أوردتُ سابقاً .
هسع صاغ : تعني هنا (الأن إبتدأ )
فعلي : تأتي من الفاعل ، والفاعل بلهجة أهل الموصل هو العامل ( أي الذي يقوم بالفعل أي العمل ) .
فلـّي : يأتي معناها ( مصيبة) أو( مشكلة ) وهنا جاء معناها ( مغص )
علـّي : علـّة ( المرض )
أنعغ مثل الثوغ : أي أنعر ( أصيح ) مثل الثور ، وهو وصف وتشبيه للحالة المزرية والهيجان من الألم الذي أصابه وأيضاً هذا الوصف يدخل في مجال الوصف الساخر في المنلوج .
ستا : مختصر لكلمة ( أستاذ )
دوا : مختصر لكلمة ( دواء )
إصطغحتُ : شفيتُ
يتنخـّط : يتضجّر
(6) فقط في هذا البيت والبيت الثاني من المنلوج تصرفتُ بتغيير كتابةِ الكلمات إملائياً ( إشتغيتُ ، تخربطتُ ، تعربطتُ ، قلتُ ) وكما وردت في المخطوطة وهي الأصح إملائياً إذا كانت الكتابة باللغةِ الفصحى ، وكتبتها على التوالي ( إشتغيتو ، تخربطو ، تعربطو ، قلتو ) وذلك بعد عرضها على بعض الأصدقاء الذين يتكلمون بلهجاتٍ عراقيةٍ مختلفةٍ فوجدت صعوبة لفظهم لها عند تداخلها ببقية مفردات الجملة إذا كُتِبتْ كما وردت في المخطوطةِ ، ولمعرفتي من إنّ الكتابة باللهجاتِ العاميةِ ( المحليةِ ) لا تخضع للقواعد اللغوية والإملائية في أغلبِ الأحيانِ ، لذا سمحتُ لنفسي بالتصرفِ لتسهيل الأمر على القرّاءِ . أمّا في البيت قبل الأخير فأرتأيتُ إبقاء الكلمات ( إصطغحتُ ، خلصتُ ، حلفتُ ) كما وردت تماماً في مخطوطةِ المنلوجِ وهي الأصح إملائياً .
1012 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع