الملك غازي (١٩١٢ - ١٩٣٩)
هو غازي بن فيصل بن حسين بن علي بن محمد بن عبد المعين المتصل نسبه بالحسن بن علي بن ابي طالب.
امه حزيمة كريمة الشريف ناصر باشا بن علي شقيق الشريف حسين.
وُلِدَ غازي في مكة المكرمة يوم 21 اذار 1912 وكان ابوه يوم ميلاده يقود حملة عسكرية في عسير لتاديب محمد بن علي الادريسي امير عسير الذي شق عصا الطاعة على الدولة العثمانية ولهذا سمي (غازي) تيمنا بتلك الغزوة الموفقة.
اما جده الشريف حسين فقد سماه عونا على اسم جد الاسرة الهاشمية (عون بن محسن) وظل جده يناديه بهذا الاسم ويناديه والده وافراد الاسرة باسم غازي. حيث عاش في كنف جده الحسين مدة طويلة من الزمن لان والده كان كثير السفر والترحال والابتعاد عن عائلته واهله فكان جده يرعاه ويرعى امه واخواته.
جاء الملك فيصل الاول الى العراق سنة 1921 وحيدا وترك عائلته في الحجاز ثم انتقلت الى شرق الاردن وصارت تعيش في كنف الامير عبد الله شقيق فيصل وامير شرق الاردن.
ولما وضع الدستور العراقي سنة 1924 قرر فيه ان يكون عرش العراق وديعة جلالة الملك فيصل الاول وانه ينتقل الى الاكبر فالاكبر من ابنائه على خط عمودي وقرر عندها الملك فيصل استقدام عائلته الى العراق فارسل في طلب الامير غازي ولي العهد واهله .
جاء الملك غازي الى العراق مزودا بتقاليد البيت الهاشمي وآدابه ودينه من جده وبصفاء الذهن ودوام الحركة وحرية العمل من البادية التي احتضنت طفولته وفي هذه الثقافة ذخر ثمين لملك مما جعل غازيا محبوبا لشعبه الذي اخلص له كل الاخلاص. فتعلق الشعب به وعني بشؤونه الخاصة والعامة فكان الناس على اختلاف طبقاتهم يتتبعون اخباره في حياته الاعتيادية والرسمية ويقيمون له الدعوات والولائم.
ففي يوم 10 تشرين الاول1924 اقيمت للامير غازي دعوة خاصة في سينما الوطني في الدور الثاني واعدت منهاجا حافلا فوق العادة احتفاءا به. كما دعت المدرسة الجعفرية الى حفل توزيع الجوائز على المتفوقين من طلابها حيث توافد عليها العديد منهم الشيخ محمد رضا الشبيبي وزير المعارف وناجي شوكت متصرف لواء بغداد وساطع الحصري مدير المعارف ورشيد الخوجة امين العاصمة.
حيث وصل الامير غازي بصحبة رستم حيدر رئيس الديوان الملكي وسكرتير الملك الخاص والقى الملا عبود الكرخي قصيدة من الشعر العامي رحب فيها بالامير غازي في بغداد كما جاءت وفود من خارج بغداد للترحيب بالامير غازي فمن البصرة جاء وفد برئاسة الشيخ صالح باش اعيان وزير الاوقاف الاسبق ومعه عبد القادر باش اعيان ويوسف البدر ومحمد سعيد آل عبد الوهاب مدير شرطة البصرة.
اخذ الملك فيصل يتشاور مع ياسين الهاشمي رئيس الوزراء حول اتخاذ الوسائل الناجحة لاعداد الامير غازي اعادا علميا وتهيئته بشكل يمكنه الدخول الى المدارس العراقية والاهتمام بصحته وبناء شخصيته بناءا سليما فاصدر الملك فيصل الارادة الملكية الى رئيس الوزراء باتخاذ التدابير اللازمة وبالفعل بوشر يوم 24 تشرين الثاني 1924 بتدريس الامير غازي المواد التدريسية وفق المنهج المقرر الذي يتضمن اللغة العربية والعلوم الدينية حيث اختير منير القاضي لذلك ومحمود شكري لمبادىء التاريخ وعزالدين علم الدين لمعلومات المحيط اي جسم الانسان واعضائه والظواهر الزراعية والحيوانية وابراهيم دباس للرياضة البدنية والخط وتولت مربية انكليزية (المس فيرلي) مهمة العناية به وتدريبه على اللغة الانكليزية والالعاب اليدوية والميكانيكية والخشبية الانكليزية وكسب الاصدقاء بمجاملاته ولطفه .
وطلب مجلس الوزراء الى العقيد طه الهاشمي في 12 كانون الثاني 1925 ان ياخذ الامير غازي لزيارة المدارس من حين الى آخر ودعوة الهاشمي بعض الاطفال المقاربين له في العمر الى البلاط الملكي للاشتراك معه في العاب الرياضة والاهتمام باوقات فراغه وكيفية قضائها بعد ساعات العمل وقد وجدت اللجنة من المناسب ان يعين له مرافقا لمراقبته والاهتمام به واخذت اللجنة تنمي بالامير غازي روح العمل الجماعي وحب الالفة والصداقة مع الشباب..
واقترحت ان يشارك في فرق الكشافة وتقرر تشكيل فرقة كشافة ينضم اليها الامير غازي.
كما اقترح طه الهاشمي على مجلس الوزراء ان يرتاد الامير غازي المسارح ودور السينما بصحبته ليتعرف على احوال المجتمع العراقي ويقف على مجريات الحياة اليومية وان يحضر الحفلات الرسمية والمناسبات الوطنية التي تقام تحت رعايته وان يقوم بسفرات الى مناطق مختلفة من العراق ليحتك بالمواطنين بشكل مباشر وان يزور المعامل والمصانع ويتعرف على مصنوعاتها الوطنية. وعلى هذا الاساس صاحب الامير غازي والده في سفراته الى الالوية والمدن العراقية فذهب الى كربلاء والنجف والشامية والحلة والديوانية وزار العتبات المقدسة واطلع على الاماكن الاثرية.
وخلال وجود الملك فيصل في انكلترا عام 1925 جرى الاتفاق على ان يدخل غازي (مدرسة هارو العامة ومدرسة ايتن ) من ارقى المدارس الانكليزية في التربية والتعليم انذاك حيث وصلها غازي في 10 نيسان 1926 حيث اظهر هناك ذكاءا واضحا في الهندسة وتحسن لغته..
في تشرين الاول 1928 استدعى فيصل ولده غازي من لندن وادخله الكلية العسكرية الملكية في بغداد ..
اذ كانت رغبة والده ان يتخرج ابنه فيها ضابطا خيالا فطلب الى وزير الدفاع ان تبذل العناية لتدريبه على ركوب الخيل والتمرن على الفروسية اذ كان يرى في جسم غازي الصغير يتلائم مع الفروسية وطلب وجوب اعتباره كبقية التلاميذ ومعاملته بنفس الطريقة التي يعامل بها التلاميذ دون تمييز في الدروس والمأكل والمنام لغرض ان يعتمد على نفسه وأمر أن لا يلقب بالقاب الامارة بل باسم الشريف غازي وقد ادت هذه الملاحظات الى اندماج غازي مع التلاميذ وقد هيأت المدرسة العسكرية له دروسا خصوصية باللغة العربية واللغة الانكليزية والرياضيات وكان يقوم بتدريسه تلك المواد فاضل الجمالي كما تولى الحاج سليم والد الفنان جواد سليم اعطاء غازي دروسا في الجغرافية وكذلك احمد حامد الصراف الذي كان يحدثه عن تاريخ الامويين والعباسيين وكذلك سيرة الامام علي بن ابي طالب واستشهاد ابنه الحسين رضي الله عنهما اضافة الى الشعر.
وقد تاثر بافكار الضباط القوميين انذاك ومنهم محمود سلمان الذي اشرف على تدريب غازي اذ كان هناك تنظيم سياسي بين صفوف الضباط ويدعى بالميثاق القومي العربي بقيادة صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد ومحمود سلمان وكامل شبيب وقد اظهر غازي خلال وجوده في العسكرية جرأة ونشاطا ملحوظين في الالعاب الرياضية والضبط العسكري فحاز على تقدير اساتذته واعجاب رفاقه.
وقد تخرج في المدرسة العسكرية في تموز 1932 برتبة ملازم ثان خيال حيث كان الاول في الفروسية فتسلم من ابيه الجائزة الاولى في طفر الموانع وقرر بعد ذلك تعيينه مرافقا له للاطلاع على اساليب الادارة والتعامل مع مختلف القضايا.
اعتلاء العرش
لقد اثارت وفاة الملك فيصل في 8 ايلول 1933 جملة تساؤلات على الصعيد الرسمي على اعتبار انه كان يلعب دورا اساسيا في سياسة الدولة العراقية خصوصا في ايجاد التوازن السياسي بين المصالح البريطانية والمطامح الوطنية او بين الساسة العراقيين انفسهم فقد اعتبرت وفاته في نظر البعض خسارة جسيمة لابد ان تعيق تقدم العراق لانها جاءت في وقت اصبح العراق فيه احوج الى خدماته اكثر من اي وقت مضى في حين عكف قسم اخر على اظهار وجوه المقارنة بين غنى تجربته وقلة خبرة خليفته غازي مما كان يوحي بالقلق على مستقبل البلاد.
اقسم غازي وريث الملك فيصل الاول الذي ارتقى العرش يمين الاخلاص الرسمي وتبادل البرقيات مع الملك جورج الخامس ، كما تقبل استقالة وزارة رشيد عالي الكيلاني.وكلفه بتشكيلها مرة ثانية.اعقبه جميل المدفعي الذي شكل وزارة جديدة ضمت كلا من جمال بابان للعدل ونوري السعيد للخارجية وناجي شوكت للداخلية ورستم حيدر للاشغال ونصرت الفارسي للمالية وصالح جبر للمعارف. وشرعت وزارة المدفعي باجراء تغييرات اعتيادية بين كبار الموظفين . كما استطاع المدفعي ان يجري الترتيبات اللازمة لاعلان خطوبة الملك غازي على اول مولودة لعمه علي هي الاميرة عالية وذلك في اليوم الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني /يناير 1934 .وبعد عام توفي في بغداد الملك علي والد الملكة عالية والامير عبد الاله وذلك في الثالث عشر من شباط 1935 وشيع باحتفال الى مرقده في المقبرة الملكية حضره شقيقه عبد الله امير شرق الاردن . ثم توفيت والدة الملك غازي الاميرة حزيمة في شهر اذار/مارس 1935 .وبعد شهرين اي في الثاني من ايار/مايو 1935 رزق الملك غازي والملكة عالية بمولودهما الاول فيصل الثاني.
بقي الملك غازي وفقا للنصح الذي قدم اليه يرفض اجراء انتخابات عامة وذلك هو الشرط الذي قد يستعيد الاخائيون به الوزارة. وبدلا من ذلك رأى غازي ان من الحصافة ان يستدعي جميل المدفعي مرة اخرى الى تاليف الوزارة التي استبعد فيها كل من نوري السعيد ورستم حيدر وناجي شوكت وصالح جبر واختار بدلا منهم كلا من ناجي السويدي وعباس مهدي ورشيد الخوجة وجلال بابان والطبيب عبد الله الدملوجي لاول مرة والذي كان وزيرا للخارجية خلال سنتي 1930- 1931
كان الملك غازي انذاك في الحادية والعشرين من عمره، فتى نشطا ووطنيا متحمسا ومحبوبا وكان يتمتع بالشعبية من لدن الجماهير ومن ضباط الجيش الذين درس معهم في كلية "هارو" لفترة غير ناجحة. لكن مع ذلك كان ينقصه الاعداد الذهني والاهتمام بالشؤون العامة. وهذا النقص بالاضافة الى تكريس وقته للمرح والالعاب قد اضعف الامل في البرهنة على كماله بالنهوض بوظائف الملكية في العراق.
فمن جهة نظروا الى الملك الجديد على انه لا يمتلك تدريبا ولا تجربة تمكنانه من فهم عقلية الناس بحيث يستطيع ان يؤدي دور والده في التعامل بصورة خاصة مع رؤساء العشائر فتضطرب الاوضاع ومن جهة اخرى توقعوا ان قلة تجربته وحداثة سنه لن تجعلاه قادرا سواء بالاقناع او بالضغط على ممارسة نفوذ مؤثر على وزرائه وبالتدريج ستنتقل السلطة الفعلية الى الوزراء.
اما الموقف الشعبي فقد تجددت الامال بتولي غازي العرش في ان يكون عهده بداية جديدة لسياسة تطمئن تطلعاته في ازالة كل معالم النفوذ ومواصلة السير بخطوات اكثر سرعة لتحقيق الاهداف الوطنية وذلك استنادا الى السياسة الحازمة التي انتهجها في مواجهة تمرد الاثوريين عندما كان وليا للعهد وتوسمت الصحف فيه خيرا . وهكذا وفي احتفال حضره رئيسا مجلسي الاعيان والنواب ورئيس الوزراء والوزراء ادى غازي يمين القسم وتوج ملكا على العراق وكان
غازي قد تولى العرش عمليا بالنيابة عن والده مرتين اثناء غياب والده الاولى في 5 حزيران الى 2 آب 1933 والثانية في 1ايلول الى 8 منه عام 1933 بالرغم من ان الملك فيصل كان يرى ان غازي لم يكن مؤهلا بعد للقيام بمسؤوليات ملك في العراق وان تولي غازي العرش مؤقتا من اجل الدخول في تجربة فعلية تصقل مداركه وتضعه وجها لوجه امام القضايا المختلفة وتعطيه فرصة لاختبار النفس .كان الملك غازي لايرتاح للسفير البريطاني في بغداد ولا للسياسة البريطانية في العراق وقد بدا ذلك واضحا في مذكرات السفير البريطاني لحكومته حيث
يقول السفير البريطاني في بغداد( السر موريس بيترسن ) 1938 و1939 كانت طبائع الملك غازي مشكلة ليس لها حل وكان يجيد التحدث بالانكليزية فقد درس في هارو ولم تخل تصرفاته من الجاذبية التي اتصف بها والده فيصل. ولكنه كان ضعيفا ومترجرجا وكانت نزواته مضافة الى اختياره اصدقائه من الضباط الشبان الطائشين وحتى من بين خدمه في القصر قد جعلت السيطرة عليه مستحيلة والتاثير فيه عسيرا كما جعلت منه خطرا على الجميع.وخاصة على نفسه وكانت هوايته المعقولة الوحيدة هي الطيران وهو موضوع الّم به الماما صحيحا ويلذ له التحدث فيه وكان يمتلك في مطاره الخاص على بعد اميال قليلة شمالي بغداد عدة طائرات خاصة ويجيد قيادتها بنفسه وكان شديد الكلف بذلك على الرغم من التعليمات الدائمة التي تمنعه عن قيادتها.
ويضيف السفير البريطاني لقد بذلت جهدي لاخراج الملك غازي من تلك الحلقة الضيقة التافهة من الاصدقاء الذين احاط نفسه بهم وكان كثير الاحجام عن الظهور في الاماكن والمناسبات العامة ولم يفعل الا في اندر الاحوال ولكني سمعت انه مارس لعبة التنس زمنا والححت عليه مرارا ان ياتي ليلعب في السفارة حيث كانت عندي ساحتان واخيرا جاء ولعب اربع لعبات او خمسا من التنس المزدوج وتناول الشاي وغادر بنفسية مرحة ولكن علامات عدم الرضى التي ارتسمت على وجوه الضباط والموظفين الصغار الذين رافقوه دلتني على صعوبة تكرار التجربة . في الواقع تملص الملك مني على الدوام كلما حاولت دعوته مرة اخرى.
اراد الملك غازي ان يتزوج الانسة (نعمت) اصغر بنات ياسين الهاشمي حيث كانت هناك صداقة بين بنات الهاشمي وبنات الملك فيصل الاول شقيقات الملك غازي وربما تكون اخوات الملك قد حبذن لاخيهن الاقتران باحدى بنات ياسين الهاشمي .
وصار هذا الخبر يتردد في الاوساط وعندما سمع نوري السعيد هذا الخبر طار صوابه واسرع يوحد جهوده ومساعيه مع جعفر العسكري لافشال تلك الزيجة اعتقادا منهما انها اذا تمت فسوف تتيح لياسين الهاشمي مركزا خاصا يقضي به على طوحهما السياسي. وقد سافر نوري السعيد الى الاردن واتصل بالملك عبد الله من اجل الاسراع بتزويج الملك غازي بالاميرة عاليا ابنة عمه الملك علي .ويؤكد ذلك ناجي شوكت فيقول دعيت لاجتماع مجلس الوزراء ولما وصلت وجدت نوري السعيد في حالة هياج شديد وهو يقول(هاي عايزة يصبح ياسين عم الملك) وليس من المستبعد ان يكون نوري السعيد وبقية افراد العائلة المالكة والمقربين منهما اقنعوا الملك غازي بالتخلي عن فكرته وهكذا اتخذت التدابير المستعجلة لانجاز هذا القرار.
وتمت الخطوبة والملكة عاليا في الاستانة بعد وفاة الملك فيصل بعشرة ايام وكلف الامير عبد الاله بالذهاب اليها واحضارها فجاءت الى بغداد في يوم 2 كانون الاول 1933.
وفي الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم 2 ايار/مايس 1935 رزق الملك غازي بولي عهده الامير فيصل الثاني.
وفي سنة 1936 انشأ الملك غازي اذاعة صغيرة جعلها في دار ملاصق لقصر الزهور واسماها باذاعة قصر الزهور وكانت تبث الاغاني والاخبار والمحاضرات العسكرية .
وقد اهتم الملك غازي اهتماما كبيرا بامر الاذاعة فاخذ يطورها ويحسنها بشكل مستمر وفي 20 يناير كانون الثاني 1937 امر غازي بنصب محطة ثانية بعد ان وجد في المحطة الاولى لا تفي بالغرض وفي 10 نيسان 1938 امر بنصب محطة ثالثة حصل لها على موجة دولية من اتحاد البث اللاسلكي العالمي واصبحت المحطة مسموعة في عدد من الاقطار المجاورة ولا سيما الكويت وفي عام 1939 زيدت محطات الاذاعة الى خمس محطات.
يقول السفير البريطاني في بغداد ان محطة اذاعته الخاصة في القصر والتي كانت مبعثا للقلق منذ مدة طويلة قد اصبحت لهجتها ضارة بصورة متزايدة وخاصة تجاه شيخ الكويت جار العراق الملاصق في راس الخليج والحاكم الذي كانت صلته وثيقة بالحكومة البريطانية . ان الاتجاه الذي اتخذته الاذاعة هو ان الشيخ حاكم اقطاعي مستبد من طراز بال وان حكمه المتاخر مناقض لنظام الحكم المستنير القائم في العراق وان الكويت ستكون في وضع افضل اذا اندمجت في جارتها الشمالية.
وكان القصر الملكي يتلقى يوميا العديد من الرسائل التي يبدي فيها مرسلوها اعجابهم بسياسة الملك غازي واعجابهم به . ويقول السفير البريطاني كان لابد لمراسلات القصر ان تغلق ولكن اي حكومة من الحكومات العراقية المتعاقبة التي تعاملت معها لم تكن مستعدة للقيام بذلك زاعمة انه سيجعل من الملك ضحية مبدأ . على ان نوري السعيد اتخذ خطوة واحدة مفيدة حين وافق على فرض رقابة على المراسلات الخاصة المعنونة الى القصر وكان المعروف ان هذه المراسلات تضمنت رسائل من المعجبين تداعب غرور الملك وتستفزه وكان من شان ذلك زيادة عدم اتزانه وتقوية اللهجة الاستفزازية للاذاعة التي كان يشرف عليها شخصيا.
الملك غازي وانقلاب بكر صدقي
تميزت فترة الحكومة الهاشمية الثانية ببروز الجيش على الساحة ودخوله المعترك السياسي وذلك نتيجة ما قام به من اعمال لقمع التمردات العشائرية وقبلها تمرد الاشوريين هذه الميزة التي اسفرت عن الانقلاب العسكري الذي قاده الفريق بكر صدقي واطاح بحكومة ياسين الهاشمي في 29 تشرين الاول 1936 وادى الى مقتل وزير الدفاع جعفر العسكري على يد اتباع صدقي. ومما ساعد الانقلاب الاشاعات التي ترددت عن نية الهاشمي ازاحة الملك غازي واعلان الجمهورية ووصلت تلك الاشاعات الى مسامع الملك غازي الذي تحدث مع صفوت العوا الذي شغل وظيفة ناظر الخزينة الملكية الخاصة واخبره بان ياسين يدبر مؤامرة ليكون رئيسا للجمهورية. لذلك قيل ان الملك غازي لم يعترض على انقلاب بكر صدقي ليتخلص من ياسين الهاشمي بل ان الملك غازي كان يخشى من فشل انقلاب بكر صدقي وعودة ياسين الى الوزارة مما يعني انتقامه من الملك الذي فكر في ان يتوجه بالطائرة الى الاردن في حال فشل الانقلاب اذ يقول حفظي عزيز طيار الملك الخاص انه كان قد استدعاه الملك قبل يوم من وقوع الانقلاب وبادره بالسؤال ( هل الطائرة جاهزة وهل تستطيع ان تصل الى عمان دون الوقوف في الرطبة؟)
في هذا الوقت كانت حكومة ياسين الهاشمي مستعدة لمقاومة الانقلاب فكان وزير الداخلية رشيد عالي الكيلاني مقيما في الوزارة ويتصل بالمتصرفين ليستعينوا بالعشائر . بل ان احمد المناصفي سكرتير وزير الدفاع اتصل بالملك غازي واخبره ان القوات المسلحة مستعدة تحت امرة امين العمري للمقاومة وهي تنتظر اوامركم . فاجابه الملك ( لا) سرح القوات لقد استقالت الوزارة.وانا ساحاول دون دخول بكر بغداد.الا ان بكر صدقي لم يسمح للملك غازي بالتدخل في شؤون الجيش بصورة تمس سلطاته او تشاركه في السيطرة على الضباط فعندما تدخل الملك لياخذ ذلك الاتجاه لم يتورع بكر بان يبين للملك بواسطة قائد القوة الجوية محمد علي جواد ( انك ملك غير مسؤول بجب الا تتدخل فنحن طوع امر بكر صدقي فهو الذي يسير الامور). لقد اراد غازي ان يكون قائدا اعلى للجيش العراقي نظريا وواقعيا بينما كان بكر يهدف ان يجعل منه رمزا فقط.
لقد ترك انقلاب بكر صدقي في نفوس الكثيرين من اقطاب السياسة العراقية نقمة كبيرة تجاه الملك غازي ورجال الانقلاب بما فيهم جميل المدفعي الذي كان يعد من اقرب المقربين للملك فاخذ يرى بسبب اضطهاده من قبل حكومة الانقلاب وهربه الى سوريا ان من الانسب لمصلحة العراق ابعاد الملك غازي عن العرش وابداله بولده الصغير تحت نظام الوصايا او بالامير عبد الاله واتفق في ذلك مع ناجي السويدي وتوفيق السويدي اما رشيد عالي الكيلاني وناجي شوكت فقد اتفقا مع نوري السعيد على ضرورة التخلص من غازي بابعاده الى الخارج واحلال شخص مناسب مكانه فقد برز نوري السعيد اكثر حقدا على الملك ورجال الانقلاب ليس بسبب اضطهادهم له فقط بل وبسبب مقتل زوج شقيقته جعفر العسكري فقد خرج نوري من العراق ناقما على الملك غازي ومتهما اياه بالتواطؤ مع الانقلابيين حيث عاش نوري السعيد في القاهرة وضعا ماليا صعبا وسيئا اجبره على طلب مساعدة الامير عبد الله وحين اراد السفر الى الاردن اعترض الملك غازي على ذلك وفسر سفره بانه محاولة للتامر على العراق.
كان الملك غازي يعلم بما يبيته له نوري السعيد من غدر فقد كان خال الملك ( الشريف علي بن ناصر) الذي ظل مقيما في القاهرة احد الذين يزودون الملك بتحركات نوري ضده وضد الحكم في العراق وبعد اغتيال بكر صدقي اكد الشريف علي بن ناصر على الملك في رسالة بعثها اليه في 15 آب 1937 بان يحذر نوري السعيد كما انذره قائلا( دبر امرك بنفسك وكن دائما حذرا منه ومتنبها للحوادث) ولذلك ظهر على الملك عدم الارتياح بمجرد ان شاع في ايلول 1938 خبر وصول نوري الى العراق.
حاول الملك غازي ايجاد تكتل ملكي خاص به لمناهضة التكتل الملتف حول طه الهاشمي فقرب حكمت سليمان الذي كان يثير الملك على نوري ويخبره بانه سوف يزيحه عن العرش وكذلك العناصر العسكرية المحسوبة على بكر صدقي كجواد حسين احد المشتركين في اغتيال جعفر العسكري وجعله طياره الخاص والعقيد علي رشيد رئيس المرافقين بواسطة مرافقه فؤاد عارف الذي كان ينقل حكمت بالسيارة الى قصر الزهور وقد علم جميل المدفعي بتلك الاتصالات فارسل الى فؤاد عارف واخبره بانه على علم بما يجري كما تناقش المدفعي مع السفير البريطاني واعرب عن قلقه من تقريب الملك لهؤلاء . السفير البريطاني من جانبه اكد انه اخذ يرى تحاشي الملك مقابلته .
تكتل الملك هذا دفع بكتلة الضباط القومية في الجيش الى ان تتوجس خيفة من ازدياد نفوذ خصومها فاتجهت الى الضغط على جميل المدفعي فطالبته بان يطهر الجيش والبلاط من العناصر( الفاسدة جماعة بكر) وان يبعد حكمت سليمان الى الخارج الا ان المدفعي لم يوافقهم فاخذوا يفكرو برستم حيدر وصادق البصام وتحسين علي ومولود مخلص . وقد تضاعف قلق الكتلة القومية بعد ان اشيع ان الملك غازي بتحريض من حكمت سليمان ومن رئيس مرافقيه رشيد علي ضرب كتلتهم القومية خاصة بعد شاع خبر تبديل الفرقة الاولى فرقة امين العمري المرابطة في بغداد بالفرقة الثانية فرقة امين زكي الموجودة في كركوك واعتزام غازي احالة العمري الى التقاعد فحاولت التقريب بين الملك ونوري السعيد اولا واشراكه في الوزارة ثانيا وكذلك حاولت تقريب طه الهاشمي اليه كما قررت القيام بانقلابها في 24 كانون الاول 1938 حين حشدت قواتها في معسكر الهنيدي( معسكر الرشيد) وارسلت العقيد عزيز ياملكي للاتصال برئيس الوزراء المدفعي ومطالبته بالاستقالة الذي اعلنها فورا وقد ادرك الملك غازي ان هذه الحركة تعني اعادة نوري السعيد وطه الهاشمي وفرضهما عليه الا ان الكتلة القومية هددت بخلع الملك اذا لم يوافق على تكليف نوري السعيد بتشكيل الوزارة فذعن الملك غازي للامر وكلف السعيد بتشكيل الوزارة.
الملك غازي والكويت
شهد عهد غازي جدلا واسعا بين انصار ضم الكويت الى العراق من العراقيين والكويتيين وبين الجهات الرسمية الكويتية التي فسرتها بانها تدخل في شؤون الكويت وطالبت الحكومة العراقية بوضع حد لها وقد حاولت الصحافة العراقية ان تحصل خلال ذلك على تاييد الحكومة العراقية للدعوة بتجسيدها للمشاكل التي اخذت تظهر بين امارة الكويت والحكومة العراقية كمشكلة تهريب الشاي والقهوة وفسائل النخيل والاسلحة من الكويت الى العراق وتاثيرها المباشر في الاقتصاد العراقي وخصوصا تهريب الاسلحة الى العشائر العراقية في الفرات الاوسط التي فسرتها الصحافة بانها لغاية اثارة المشاكل في وجه الحكومة العراقية هذا في الوقت الذي حاول امير الكويت انذاك الشيخ احمد الجابر تعزيز العلاقات مع الحكومة العراقية والملك غازي فقام بزيارة بغداد في 10 ايلول 1935 التي مكث فيها ثلاثة ايام اجرى خلالها مباحثات مع الملك غازي والحكومة العراقية حرصا خلالها على تجنب كل ما يعكر صفو العلاقات الاخوية بين البلدين. ثم قام الشيخ احمد بزيارة ثانية لبغداد عام 1936 بحث خلالها مسالة التهريب وموضوع الجدل حول ضم الكويت حيث كان الملك غازي قد اقام اذاعة في قصر الزهور تثير همم الشباب الكويتي وتخاطب فيهم مشاعرهم الوطنية والقومية وتحثهم على الثورة على اميرهم من اجل الانضمام الى ( الوطن الام – العراق).كما امر بمصادرة املاك شيخ الكويت في البصرة. وكان نوري السعيد قد شجع الملك غازي على الاندفاع في الدعوة لضم الكويت . وقيل ان نوري اراد الانتقام من غازي بذلك لانه سيزيد نقمة الانكليز عليه ورغبتهم في التخلص منه. وقد وضع غازي خطة لاحتلالها عسكريا وتظاهر بانه ترك التفكير فيها ولكنه ظل في الحقيقة يتحين الفرصة لاحتلالها حتى مماته.
وفاة الملك غازي
في يوم 4 نيسان 1939 فوجىء العراقيون بنبا مصرع الملك غازي في حادث سيارته الخاصة ونعت حكمومة نوري السعيد الوفاة في بيان اذاعته كما اطلقت 27 اطلاقة مدفع تمثل سنوات عمر الملك..
ورتبت الحكومة مراسم نقل الجثة من الحارثية الى المقبرة الملكية في الاعظمية حيث يرقد والده فيصل الاول وعمه الملك علي فيما تجمع المواطنون بعشرات الالاف معلنين اتهامهم للانكليز ولنوري السعيد بافتعال الحادث تخلصا من الملك غازي وقد عمت التظاهرات عموم مناطق العراق حيث قام المتظاهرون بقتل القنصل البريطاني في الموصل
يقول السفير الالماني في بغداد انذاك( الدكتور غروبا في مذكراته ) في ساعة مبكرة من صباح يوم 4 نيسان 1939 جاءني خادميّ في حالة هياج واضطراب قائلين ان الانكليز قتلوا ملكنا. وعلمت بعد قليل ان الملك غازي الذي كان مولعا بالميكانيك ومعنيا بمحطة اذاعته الخاصة في قصر الزهور قتل في حادث سيارة وهو في طريقه الى دار الضيافة في الحارثية . وقيل ان الملك اراد ان يجلب من دار الضيافة بعض الادوات الاحتياطية لاصلاح خلل ميكانيكي في محطة الاذاعة .كما ان السيارة التي كان يقودها بنفسه من ماركة – بيويك- وكانت جديدة لا تزال في الفترة التي لا يجوز السير بها بسرعة تزيد على اربعين كيلومترا . ولما كان الملك معتادا الاسراع في السياقة فلعله تجاوز تلك السرعة . وكان في السيارة سائقه ابراهيم واذيع ان احد عبيد القصر واسمه عبد سعيد وملاحظ اللاسلكي علي بن عبد الله كانا مع الملك غازي في السيارة جالسين في المقعد الخلفي وان عبد سعيد اصيب برضوض او كسور نقل على اثرها الى المستشفى ولم يعرف احد بعد ذلك ماذا جرى له وكذلك كان امر الشخص الاخر).
ويضيف غروبا( وهنا لابد ان تكون السيارة قد حادت عن الطريق واصطدمت بعمود كهربائي فسقط على سيارة الملك واصابه في راسه اصابة قوية مات على اثرها في قصر الضيافة بعد بضع ساعات.)
ويقول غروبا ( كان الملك غازي قد اثار الانكليز وازعجهم باذاعته من محطة قصر الزهور وكان يحرّض اهل الكويت على الثورة على شيخها والانضمام الى العراق كما كان يحمس الثوار العرب في فلسطين ويحث العرب الذين يحاربون الفرنسيين في سوريا على مواصلة كفاحهم مؤكدا ان لهم في العالم العربي اصدقاءا واعوانا).
https://www.facebook.com/watch/?v=359962969578134
لقد ساد الشعب العراقي الحزن والهياج حين سار موكب جنازة غازي في الشارع العام من البلاط الملكي الى المقبرة الملكية في الاعظمية وغص جانبا الطريق بالناس وركعت النسوة باكيات منتحبات ينثرن التراب على رؤوسهن . كما شارك في التشييع اعضاء الحكومة واعضاء السلك الدبلوماسي العربي والاجنبي في بغداد فيما اصطف الجنود على جانبي الشارع يتصدون الناس عن كسر طوقهم والهجوم على الضيوف البريطانيين الذين حضروا للاشتراك في التشييع وقد اغلقت جسور دجلة لوقف تدفق الجماهير في الخارج وكان هياج الشعب وتاثيره في مدن العراق الاخرى بنفس القوة . ففي الموصل سارت الجماهير الى القنصلية البريطانية واحرقت سيارة كانت امام دارها ولما خرج القنصل ( مونك ميسن) الى الشرفة لتهدئة الجمهور هاجمه من الخلف احد المتجمهرين الذين تدفقوا الى القنصلية واهوى على راسه بفاس فقتله واتهم الانكليز الالمان بانهم هم الذين بثوا الدعاية بان الانكليز وراء مقتل غازي.
وفي بغداد قام طلاب المدارس يوم 6 نيسان بالتظاهر وحاولوا عبور الجسر للوصول الى السفارة البريطانية في جانب الكرخ وتعالت الهتافات ضد نوري السعيد والانكليز كما وزعت منشورات تتهم نوري السعيد بتدبيره مقتل الملك غازي وقد افاد بعض الطلاب الذين اوقفتهم السلطات انهم اشتراكيون وطنيون وهو اسم الحزب الذي اسسه هتلر مما حمل نوري السعيد على اتخاذ الاجراءات ضدهم فطرد من العراق الدكتور (يوليوس يوردان) المستشار في مديرية الاثار . وفيما بعد اتضح ان اليهود في العراق هم الذين اختلقوا هذه الاشاعات كما يقول الدكتور سامي شوكت الذي كان وثيق الصلة بنوري السعيد وذلك لزعزعة مكانة المانيا وايطاليا في العراق بعد الحملة التي شنها هتلر ضد اليهود وان الطلاب اليهود في المدرسة الثانوية قدموا اخباريات ووشايات بالمدرسين الالمان الذين يدرّسون في هذه المدرسة وقالوا ان المدرسين يقومون خلال واجباتهم بث الدعاية للاشتراكية الوطنية وان اليهود استغلوا الى ابعد الحدود هياج الشعب بعد موت غازي ومقتل القنصل البريطاني للتحريض على الالمان.
اختيار الامير عبد الاله وصيا للعرش
بعد مناقشات طويلة لاختيار وصيا على العرش باعتبار فيصل الثاني ما يزال قاصرا فقد اختير الامير عبد الاله وصيا للعرش حتى بلوغ فيصل الثاني سن الرشد اي 18 عاما اذ كانت بعض الاراء تفضل الامير زيد بن الشريف حسين لذلك الا ان الاختيار في الاخير وقع على الامير عبد الاله حسب ما قالته الملكة عاليا زوجة الملك الراحل غازي من انها سمعت الملك يرشح عبد الاله للوصايا فيما لو تعرض لاي حادث مفاجىء.
كان الشعب العراقي قد احب الملك غازي الذي اثبت انه مدافع شجاع عن القضايا العربية وانه لما اناب عن والده الذي كان في سويسرا في تموز 1933 كانت له مناقشة حامية مع القائم بالاعمال البريطاني (اوغليفي – فوربس) اذ جهز البريطانيون الاثوريين بالدبابات والعتاد فراى الشعب في الملك غازي رجلا وقف في وجه الانكليز بالحقائق..
1143 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع