مفخرة من بلادي - إبراهيم فوزي الحاج ذياب
ترك العراقيون بصمتهم أينما حلوا وارتحلوا ويُشهد لهم بالكفاءة والإخلاص والتفاني بالعمل وامتازوا بالتفوق على جميع اقرانهم ومن خالطهم اوعمل معهم منذ غابر العصور والى يومنا هذا. بالأمس القريب كانت الدولة العثمانية باسطة سيطرتها على العراق والعراقيين فكانت القيادة والادارة بيد العثمانيين وكان المنتسبون والمراتب من العراقيين وجنسيات أخرى لكن نبوغ العراقيين كان هو السائد لما يتمتع به العراقي من ثقافة عالية وفكر منفتح على الثقافات الأخرى وحب العراقيين بالسليقة للعلوم والفنون والاداب ونبوغهم في جميع تلك المضامير. وليس خافياً نبوغ القادة العسكريين في حروب الدولة العثمانية في البلقان والقرم وقيامهم بتأسيس الدولة العراقية لاحقاً مع المدنيين الذين عملوا في سوريا والحجاز والعسكريين الذين عملوا مع الجيش العربي أمثال جعفر باشا العسكري و نوري باشا السعيد وطه الهاشمي ورؤوف البحراني وياسين باشا الهاشمي وجميل المدفعي وعلي جودة الايوبي و رستم حيدر والمدنيين أمثال مولود مخلص ورؤوف الكبيسي وتحسين قدري وغيرهم من الأسماء اللامعة التي التحقت بالجيش العربي وأسست الدولة العراقية بمعية المغفور له الملك فيصل الاول. وكان للمدنيين دورهم في التفاعل مع الحياة العامة بكل مفاصلها والتأثير في مجريات الأمور وكانوا منارات للفخار الذين يعتز بهم العراق لخدماتهم في تأسيس الكيان العراقي.
ومن هؤلاء الضباط الاميرآلاي إبراهيم فوزي الحاج ذياب وهو من مواليد بغداد - جامع عطا – سوق الجديد سنة ١٨٧١ وقد تخرج من المدرسة الرشدية العسكرية في الكرخ سنة ١٨٨٦ وقد اهلته هذه الشهادة للعمل في الدواوين العثمانية المختلفة. لودققنا النظر في المنهاج الدراسي قبل ١٤٠ سنة لرأينا قوة ورصانة العلوم التي يتم تدريسها للطلاب في ذلك الزمان ومنها اجادة اللغات الأجنبية مثل الفرنسية والفارسية اضافة للعربية والتركية كذلك الحسابات ومسك الدفاتر فأين أجيال اليوم من رجالات ذلك الزمن.
شهادة المدرسة الرشدية العسكرية وترجمتها العربية
هذه الشهادة اهلت حاملها العمل في الجيش العثماني والتدرج في الرتب ووصوله لرتبة عقيد بعد ذللك اصبح قائداً لفرقة الخيالة في الجيش السادس والعشرين زمن وزير الحربية محمود شوكت باشا.
التحق إبراهيم فوزي بالجيش العربي في الشام عام ١٩١٨ وبعدها عين رئيس ديوان المحاسبة في وكالة الحربية في الحجاز ورفع الى رتبة اميرآلاي.
إبراهيم فوزي بالزي العسكري العربي عند التحاقه بالجيش العربي بقيادة الشريف حسين بن علي في الحجاز برتبة اميرآلاي (عميد) وبالزي العثماني برتبة عقيد مقلداً الاوسمة وانواط الشجاعة
في زمن السلطان عبد الحميد الثاني اعلن الدستور العثماني الذي اعده مدحت باشا عام ١٨٧٦ وعمت الفرحة أوساط المدن التركية وجرت الاحتفالات ابتهاجاً بهذه المناسبة.
احتفال اعلان الدستور في طرابزون ويظهر في الوسط إبراهيم فوزي الثالث من يمين الصف الأول مع رجالات الدولة
الخبر المنشور في جريدة القبلة التي تصدر في مكة المكرمة العدد ٣٢٢ في ١٣-٩-١٩٢٠
عاد الى بغداد وعين معاون مهندس الاشغال العمومي بتاريخ ٨-١٢-١٩٢٠ لحين طلبه الإحالة على التقاعد نهاية عام ١٩٢٤.
مع الملازم توفيق المختار الذي كان نائباً عن المنطقة الثامنة في الكرخ ابان العهد الملكي اثناء التحاقهم بالجيش العربي بالحجاز
إبراهيم فوزي يتوسط المهندسين في دائرة مهندس الاشغال العمومية للواء بغداد
في الوقت الذي كان العراق يلفه ظلام الجهل والتخلف في مرحلة الحكم العثماني برزت عقول متنورة وشخصيات مخلصة همها بناء الدولة العراقية على أسس علمية متينة لتضاهي بقية الأمم وبالارادة المخلصة والتضحية بالغالي والنفيس تم لهم تحقيق حلمهم ببناء الدولة العراقية وإبراهيم فوزي احد هؤلاء الذين ساهموا في بداية الانشاء اذ كان المدني الوحيد بين مجموعة المهندسين البريطانيين العسكريين الذين اسسوا "دائرة مهندس الاشغال العمومية" والعراقي الوحيد بين هذا المجموعة للاستفادة من خبراته التي اكتسبها ابان الالتحاق بصفوف الدولة العثمانية وكان همه منصباً على تقييم السبل التي من شأنها درء خطر الفيضانات التي تحدث سنوياً في العراق وتتلف الزراعة وتؤثر سلباً على الاقتصاد العراقي وكان محط فخر واعتزاز مدير دائرة ري بغداد.
شهادة تقدير من مدير دائرة ري بغداد
مهندسو وفنيو دائرة مهندس الاشغال العمومية للواء بغداد الإنكليز (عسكريون) في بداية تأسيسها ويظهر إبراهيم فوزي معتمراً الطربوش وهو العراقي الوحيد (اداري مدني) الذي ساهم في تأسيس هذه الدائرة الفنية
بعد موسم الحج في القاهرة سنة ١٩٢٣
تزوج من السيدة شفيقة الشيخ امين وله منها ولد اسمه خليل وبعد وفاتها تزوج من عائشة القصاب شقيقة المرحوم عبد العزيز القصاب وله منها بنت اسمها لميعة.
وهو جد السادة الاماجد الدكتور ليث والمهندس مازن والدكتور فائز والسيدة سندس أبناء المرحوم الأستاذ فالح القصاب لامهم.
ساءت حالته الصحية وسافر الى باريس للعلاج بعدها عاد الى بغداد وتوفي في عام ١٩٢٦ ودفن في مقبرة الشيخ معروف الكرخي في بغداد.
عاش إبراهيم فوزي حياة حافلة بالإنجازات والعطاء المستمر وكان مفخرة لابناء العراق الذين رفع اسمهم عالياً في جميع المحافل التي عمل فيها مما جعل للعراقي اليد الطولى في المناصب لافضليته على غيره لكفاءته واخلاصه وجده في عمله وهذه الصفات بقيت موروثة بفضل ذلك الجيل والاجيال التي سبقته لتكون ميزة يمتاز بها العراقي عن غيره من الشعوب وليس ذلك بغريب فان العراقي قدم للبشرية كنوز المعرفة والمدنية منذ الازل وسيظل هذا ديدن العراقيين على مر الزمان مهما اختلفت العصور.
هذه السيرة العطرة لواحد من بناة الدولة العراقية الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل البناء والارتقاء بالعراق الى مصاف الدول الراقية وتحقق حلمهم نتيجة جهدهم وتضحيتهم وايثارهم مصلحة البلد على مصالحهم الخاصة ولتكون هذه السيرة نبراساً يقتدي به الجيل الجديد ويشعروا بانتمائهم لبلد عظيم هو العراق.
صورة تذكارية في نهاية القرن التاسع عشر مع بعض وجهاء الكرخ من اليمين عبد الرحمن التكريتي من وجهاء سوق الجديد وامين القصاب من وجهاء سوق حمادة يتوسطهم إبراهيم فوزي
علي غالب البصام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصور من أرشيف المهندس الأستاذ مازن القصاب
855 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع