التيار المتطرف في البعث ودوره في إفشال اتفاقية آذار ١٩٧٠
لاحظت مديرية الأمن العامة في العراق والتي كان مديرها العام اللواء (ناظم گزار) ومن خلال وكلائها وجود شاب سوري كردي لاجئ في العراق ويقيم في بغداد واسمه (إبراهيم گاباري) وتدارست إمكانية الاستفادة منه وتسخيره لعمل يستهدف حياة قائد الحركة الكردية (الملا مصطفى البارزاني) من خلال ملاحظتهم كثرة تردد الموما إليه على مقر الفرع الخامس للحزب الديمقراطي الكردستـاني في بغداد وسفراته بين فترة وأخرى إلى كردستان العراق، حيث كان أحد طلاب الجامعة المستنصرية/ قسم العلوم السياسية في عام 1970 وجرى قبوله فيها عن طريق تدخل المرحوم (إدريس البارزاني) لدى المرحوم (سامي عبد الرحمن) وزير شؤون الشمال عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني بعد أن كان اسمه مدرجاً ضمن قوائم أسماء الطلاب المقبولين في جامعة السليمانية.
المرحوم الملا مصطفى البارزاني
ومن أجل التحضير والمباشرة في ما قررت السلطات الأمنية العراقية القيام به من عمل إرهابي يستهدف حياة قائد الحركة الكردية المرحوم (الملا مصطفى البارزاني) اتصل (باسل حمدي الأعرجي) رئيس لجنة اللاجئين العرب في بغداد والذي كان يشغل في نفس الوقت مهمة رئيس قسم العمليات الخاصة في مديرية الأمن العامة باللاجئ (إبراهيم گاباري) وأبدى اهتمامه به وحاوره وشجعه على التعاون معهم وكان رد الأخير استعداده وجاهزيته لأي عمل يكلف به وكان ذلك خلال شهر آب من عام 1971.
ناظم گزار مدير الأمن العام العراقي
استمرت اللقاءات بينهما للتداول في مجالات التعاون لحين إدراك المسؤول الأمني العراقي وصوله الى المرحلة التي تمكنه من الإفصاح لهذا اللاجئ بحقيقة العملية الأمنية المزمع تكليفه بها وتقديمه لمدير الأمن العام (ناظم گزار) والذي رحب به وتحدث معه مطولاً عن مهمته وأبدى إعجابه به ووعده بمكافئة كبيرة ومكانة خاصة لدى قيادة السلطة في العراق وحثه وشجعه على القيام بهذه المهمة والتي ستكون محل تقدير واهتمام القيادة العراقية، في نهاية الجلسة طلب السيد (إبراهيم گاباري) من مدير الأمن العام (ناظم گزار) إمهاله مدة لغرض السفر الى كردستان ودراسة الوضع من كافة جوانبه ميدانياً وإعطاء الرأي الأخير بشأن إمكانية تنفيذ العملية بنجاح وافق المذكور على اقتراحه وطلب منه أن يلتقط صورة مع قائد الحركة الكردية (الملا مصطفى البارزاني) عند سفره ولقائه به, وكان غرضه من ذلك هو التأكد من مصداقية أقواله في حجم علاقاته مع القيادة الكردية وشخص قائدها.
كانت العملية المخطط لها تتمثل في سفر المكلف بها إلى مقر القيادة الكردية في قرية (ناوپردان) التابعة لقضاء جومان وأن يضع في ممر المنزل الذي يستقبل فيه المرحوم (الملا مصطفى البارزاني) زواره حقيبة ملغومة بعد الموافقة وتحديد موعد اللقاء بينهما.
سافر السيد (إبراهيم گاباري) إلى محافظة أربيل ومنها إلى قرية (ناوپردان) وفيها تمكن من لقاء السيدين (ادريس ومسعود مصطفى البارزاني) وأعلمهما بخطة السلطات الأمنية العراقية وما كلفته به من دور رئيسي في مؤامرة الاعتداء على حياة المرحوم (الملا مصطفى البارزاني) وكافة تفصيلات العملية، شكره المذكوران على موقفه الوطني واخلاصه وطلبا منه الاستمرار معهم في أداء دوره المكلف به بشكل جدي مع الحذر من انكشاف أمره وإعلامهما قدر الإمكان عن مستجدات أحداث هذه المؤامرة، ومن ثم قاما بتقديم (إبراهيم گاباري) لوالدهما وشرحا له تفاصيل المعلومات التي قدمها لهما كما وبادر المرحوم (إدريس البارزاني) لالتقاط صورة للمذكور مع والده ومعهما حسب طلبه.
الصورة التي التقطها إدريس البارزاني والتي تجمع الملا مصطفى البارزاني وإبراهيم كَاباري
فورعودته إلى بغداد التقى (باسل حمدي الاعرجي) عن طريق النقيب (باسم الحديثي) والذي كان مكلفاً بالتنسيق بين الطرفين وكان حلقة الوصل بينهما وهو من ضباط مديرية الأمن العامة حيث شرح له نتائج وتفاصيل سفره ولقائه مع قائد الحركة الكردية المرحوم (الملا مصطفى البارزاني) وولديه (إدريس ومسعود البارزاني) وإبراز الصور التي التقطها ليثبت للمذكور والمسؤولين الآخرين المشتركين في التخطيط والتنفيذ لهذه العملية متانة علاقته بالقيادة الكردية وبشخص قائدها وقدرته على تنفيذ ما سيكلف به، بعد ذلك التقى مدير الأمن العام (ناظم گزار) والذي بدوره قدمه إلى وزير الداخلية (سعدون غيدان) والذي كانت لديه فكرة مسبقة عن المذكور والمهمة المكلف بها حيث شكره على موقفه الوطني واستعداده للتعاون مع السلطات في تنفيذ هذه المهمة ونجاحها يصب في مصلحة العراق في استقراره وتقدمه ضد القيادة الكردية وعلاقاتها المشبوهة مع الحكومة الإيرانية، كما وأضاف من أنه لا بد من التخلص من ( الملا مصطفى البارزاني).
وفي نفس الوقت اظهر (إبراهيم گاباري) للوزير اندفاعه وجاهزيته لتنفيذ المهمة بكل جرأة والمزايدة على الوزير وتطمينه من نجاحه في تحقيق النتيجة المرجوة بسبب علاقاته الواسعة مع القيادة الكردية وعدم الشك به خلال تحركاته وتصرفاته في المنطقة التي تخضع للحركة ومركز قيادتها بالذات.
سعدون غيدان وزير الداخلية العراقي
في نهاية اللقاء ودع المذكور من قبل وزير الداخلية والذي رجى له النجاح في مهمته التي أوعز للتحضير لها والبدء بتنفيذها وكان ذلك في شهر حزيران من عام 1972، حيث سلم (باسل الأعرجي) حقيبة ملغومة للمكلف (إبراهيم گاباري) بعد أن كان قد درب من قبلهم على كيفية استعمالها وإعدادها للتفجير...
أوعز إليه بالسفر بتاريخ 15 تموز 1972 بعد تأمين كافة المستلزمات المطلوبة له من واسطة نقل وحماية لغاية الخط الفاصل بين المناطق التي تحت سيطرة الحكومة العراقية والمناطق التي تسيطر عليها الحركة الكردية، بعد وصول المذكور إلى أول نقطة سيطرة للبيشمرگه في منطقة برزيوه وكان فيها النقيب (صابر) وبعد أن كشف له عن هويته وبأنه يريد إيصاله بالسيد (مسعود البارزاني) هاتفياً ليتحدث معه في أمر هام إلا أن الموما إليه اعتذر عن تلبية طلبه بسبب وجود خلل في خط الهاتف وبعدها سمح له بمغادرة نقطة التفتيش بعد أن أوضح له بأنه قد جاء بمهمة عاجلة وهو ضيف لدى السيد (مسعود البارزاني).
وهنا جاء دورنا لنترك الحديث للسيد (إبراهيم گاباري) ليحدثنا عن بقية فصول الحكاية المتبقية حيث يذكر ما نصه:
((تركت سيطرة برزيوه ووصلت إلى قضاء جومان وفيها طلبت من مأمور بدالة القضاء إيصالي بالسيد (مسعود البارزاني) والذي قابل طلبي بالرفض إلا أنه قبل توصيلي بـ (فرنسو الحريري) القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني والذي أوصلني بالمذكور بعد أن أوضحت له مهمتي وما جئت من أجله، وعدني السيد (مسعود البارزاني) بالحضور فوراً حيث كان في منطقة (حاج عمران) وفرح جداً عندما استفسر عن حالي وأجبته على ضوء الشفرة السرية المتفق عليها بيننا (زور باشه) وهي للدلالة على نجاحي في مهمتي.
عند حضوره عانقني ورحب بي وهنأني على سلامة الوصول ومن ثم أوعز للبعض من مرافقيه لاستلام السيارة المحملة بالعبوة الناسفة بعد أن أوصاهم بالحفاظ عليها وعدم العبث بها ومن ثم سلمته الشيك الذي صرفه لي مدير الأمن العام (ناظم كَزار) بحضور (باسل حمدي الأعرجي) مكافئة لي وبمبلغ (50000) خمسون ألف دينار عراقي أي ما يعادل في ذلك الوقت (200000) مائتي ألف دولار أمريكي، وأبقيت الشيك عندي ولم أصرفه لكي يبقى دليلاً مادياً قوياً من ادلة هذا المخطط الإجرامي.))
عقدت قيادة الحركة الكردية اجتماعاً عاجلاً أصدرت بعده بياناً نشرته من خلال صحيفة التأخي اليومية التي كانت تصدرها في بغداد باللغة العربية تضمن اتهامها للأجهزة الأمنية العراقية بمحاولة التعرض لحياة قائد الحركة الكردية (الملا مصطفى البارزاني) من خلال إرسالها لأحد عملائها محملاً بعبوة ناسفة والاستحواذ على كافة الأدلة التي تدين تلك الأجهزة على تخطيطها ومحاولة تنفيذها لهذه الجريمة النكراء كما فاتحت الحكومة العراقية بتفاصيل المحاولة وأشخاصها والأدلة المتحصلة عن طريق العميل المزدوج (إبراهيم گاباري)، كعادتها أنكرت السلطات العراقية علمها وأي دور لها في هذه العملية واعتبرته حادثاً مختلقاً وبعد التشاور تم تشكيل لجنة تحقيقية مشتركة من السادة المذكورين أدناه: -
1- المرحوم عبد الخالق السامرائي: عضو القيادتين القومية والقطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي وعضو مجلس قيادة الثورة
2- المرحوم مكرم الطالباني: الحزب الشيوعي العراقي / وزير الري
3- الدكتور محمود عثمان: عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني
4- المرحوم سامي عبد الرحمن: وزير شؤون الشمال
5- المرحوم عزيز شريف: عضو لجنة السلم والتضامن العالمي
6- المرحوم حبيب كريم: سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني .
انتقل (ولا زال الكلام للسيد إبراهيم گاباري) رئيس وأعضاء اللجنة التحقيقية إلى قصر السلام في جومان وبدأ التحقيق معي والذي استغرق ثماني ساعات متواصلة وهنا يجدر الإشارة بأن النقيب (باسم الحديثي) عندما التقيته قبيل سفري من بغداد إلى كوردستان للمرة الأولى رجاني لأجلب له كمية من العسل الجيد لكونه يعاني من قرحة المعدة وتحدثت بذلك للسيدين (إدريس ومسعود البارزاني) وبدورهما جهزاني بصفيحة من العسل الجبلي الجيد سلمتها للمذكور عند عودتي إلى بغداد حيث شكرني على ذلك ومن الطريف ذكره انكار النقيب (باسم الحديثي) عند التحقيق معه من قبل اللجنة التحقيقية في بغداد أية صلة له بي وتأكيده بعدم معرفته لأي شخص بهذا الاسم وبهذه المواصفات، وعندما استفسر منه عضو اللجنة التحقيقية (مكرم الطالباني) عن أسباب اصفرار لونه؟ وهل هو خائف؟ رد عليه بأنه غير خائف وان سبب اصفرار لونه يعود إلى كونه مصاب بداء قرحة المعدة، عندها تبادل رئيس وأعضاء اللجنة التحقيقية النظرات فيما بينهم.
لا زلنا والحديث للسيد (إبراهيم گاباري): ((لقد حاولت الحكومة العراقية نقل التحقيق إلى محافظة بغداد بذريعة كون أغلب المتهمين الواردة أسمائهم في هذه المحاولة يتواجدون فيها إلا أن المرحوم (الملا مصطفى البارزاني) رفض وبإصرار توجهي إليها لغرض الحضور أمام اللجنة التحقيقية خوفاً من انتقام السلطات العراقية مني.))
نترك الحديث مع السيد (إبراهيم گاباري) ونسترسل في إكمال فصول القضية حيث توصلت اللجنة المذكورة إلى قناعة كاملة في مسؤولية الأجهزة الأمنية العراقية بشخص وزير الداخلية (سعدون غيدان) ومدير الأمن العام (ناظم گزار) في التخطيط ومحاولة تنفيذ هذه الجريمة المستهدفة لحياة قائد الحركة الكردية إلا أن نتائج التحقيق كسابقاتها أهملت من قبل الحكومة العراقية وحفظت في أدراج مكاتب مسؤوليها دون أية نتيجة بسبب مسؤوليتها المباشرة عن هذه العملية.
ومن أجل توثيق ذلك رأينا من الصواب أن نعرج على ما كتبه السيد (مسعود البارزاني) في كتابه (البارزاني والحركة التحررية الكردية) حول هذه المرحلة من فصول التحقيق ونص ما ذكره:
((أقبلت اللجنة إلى (ناوپردان) فوضعنا كل ما حصلنا عليه من الدلائل بتصرفها وأحضرنا (إبراهيم گاباري) فاعترف بكل شيء مبدئاً باليوم الأول لاتصاله بـ (ناظم گزار) حتى أخر مرحلة وذكر أسماء بعض الضباط الذين شاركوا في المؤامرة كالمقدم (باسل الأعرجي) ما أن نطق باسم (باسل) حتى انبرى (عبد الخالق السامرائي) وطلب منه أن يصفه له، فأجابه عمره 35 سنة وشعر رأسه كستنائي وعيناه زرقاوان وفي وجهه ندوب تشبه آثار الإصابة بالجدري أو شبيه بها، وأعطاه وصفاً دقيقاً لساعة المعصم التي رآها في يده والخاتم الذي يزين إصبعه، وعند وصوله هذا الحد من الوصف أسكته (عبد الخالق) قائلاً: ((بس... بس إن وصفاً كهذا لا يمكن أن يكون من وحي المخيلة فأنا الذي ضممت (باسلاً) هذا إلى الحزب وانا متأكد الآن بأن (إبراهيم) صادق في أقواله وسأعود وأضع هذه الحقائق أمام قيادتنا ولا أدري ماذا سيفعلون بها، ولكن يبدو أنهم ينحدرون إلى الهاوية)).
ويضيف السيد (مسعود البارزاني): ((لم يقوموا باتخاذ أية إجراءات حتى قيام (گزار) بمحاولته الانقلابية وعند ذلك اعترف النظام بأن مؤامرة 29 أيلول 1971 ومؤامرة 15 تموز 1972 كانت من تدبير (ناظم گزار) وبدفع من الخارج وأنه كان بالأصل من الخونة)).
من اجل زيادة الفائدة فيما نتحدث عنه وفي حديث ذو صلة ورد في كتاب (شامل عبد القادر) المعنون بـ (اتفاقية الجزائر والأسرار الكاملة لانهيار الحركة الكردية المسلحة في آذار 1975) على لسان السيد مسعود البارزاني وهذا نصه: ((جرت محاولة أخرى في 15 تموز 1972 لاستهداف حياة البارزاني الأب أيضاً والتي كشفها مواطن كردي سوري يدعى (إبراهيم گاباري) الذي حقق معه (عبد الخالق السامرائي) منذ قدومه ضمن اللجنة الحكومية وكان (السامرائي) مقتنعاً كما يؤكد الأستاذ (مسعود البارزاني) أن الحكومة وراء هذه العملية)).
بالإضافة إلى ما ورد في نفس المصدر حيث يقول السيد (مسعود البارزاني): ((ذكرني جلال الطالباني بأنه في العام 1983 عندما كان في بغداد يتفاوض سمع من (صدام) أن محاولة اغتيال الوالد في يوم 29 أيلول 1971 كان بعلم منه وباعترافه هو نفسه وأنه أبدى أسفه لأن العملية بائت بالفشل ولم يصب البارزاني بسوء كما كان مأمول)).
المرحوم جلال الطالباني
الجدير ذكره هو اعتقال رئيس اللجنة التحقيقية (عبد الخالق السامرائي) بعد عام من هذا الحادث حيث اتهم بمؤامرة (ناظم گزار) في تموز 1973 وحكم عليه بالإعدام والذي لم ينفذ بحقه تحت ضغوط داخلية وخارجية لمكانة المذكور وعلاقاته الواسعة واتصافه بالاعتدال في مواقفه حيث استبدل الحكم بالسجن المؤبد وبعد أن قضى ست سنوات منه في سجن انفرادي في غرفة في مبنى عمارة الحياة التابعة للمخابرات العامة بالقرب من القصر الأبيض، وفي تموز من عام 1979 وبعد تولي (صدام حسين) السلطة زج اسمه فيما يسمى بمؤامرة (محمد عايش) عندما نهض (علي حسن المجيد) في قاعة الخلد وذكر بأن المؤامرات لن تنتهي والعراق لن يستقر و (عبد الخالق السامرائي) يتنفس، ورد عليه الرئيس العراقي السابق (صدام حسين) والذي كان جالساً على منصة القاعة بعد أن مسك شاربه على طريقة العادات والتقاليد العشائرية قائلاً: ((أبشر من هذا الشارب أخذه))، أعدم رمياً بالرصاص في يوم 8 آب 1979 مع بقية القيادات الحزبية من الذين نفذ بحقهم حكم الإعدام الصادر من محكمة حزبية شكلية.
في الختام أرجو أن ينال مقالي هذا رضا القراء الأعزاء وغايتي كشف بعض الأحداث والوقائع السياسية التاريخية التي مر بها العراق في سبعينيات القرن الماضي والتي كانت لها علاقة بالقضية الكردية والحلول السلمية لها على ضوء بيان الحادي عشر من آذار 1970 الموقع والمتفق عليه بين الحكومة العراقية والحركة الكردية والمشاكل والمعوقات التي طرأت على هذا الاتفاق ووصول الحالة إلى القطيعة بين الطرفين وهنا لا بد لي من أن أشير إلى تساؤل البعض عن الطرف المسبب في فشل هذا الاتفاق ووصول الأمور إلى الوضع الذي الجأ الحكومة العراقية ممثلة في شخص نائب الرئيس العراقي (صدام حسين) للاتفاق مع شاه إيران في عام 1975 في الجزائر وتنازلها عن نصف شط العرب وبعض المناطق البرية الحدودية من أجل وضع نهاية للحركة الكردية وانهاء نشاطاتها المعادية لها.
في خطوة غير موفقة تسببت في الأضرار بمصالح العراق السياسية والاقتصادية والدخول لاحقاً في حروب وصراعات كلفت الشعب العراقي الكثير من الضحايا من القتلى والمصابين والمفقودين بالإضافة إلى الخسائر المادية التي لحقت بالعراق وإعادته سنين كثيرة إلى الوراء لقد كان الأجدر بالحكومة العراقية أن تركن إلى حكم العقل وتلجأ إلى الحوار والتفاهم في حل مشاكلها مع شعبها الكردي وهي بتصرفها غير العقلاني هذا ينطبق عليها المثل الشعبي العراقي الدارج: ((لا حظت برجيلها ولا خذت سيد علي))
لا أجانب الصواب عندما أذكر عدم تبرئة الطرفين من عوامل التقصير وسوء النوايا وانعدام الثقة لاحقا إلا انني لا بد لي أن أشير إلى مسألة تعود إلى طبيعة النظام العراقي السابق الحاكم وسلطة حزب البعث فيه وعدم تقبله لصيغة الديمقراطية في الحكم عملياً واقتصار ذلك على الشعارات فقط وبالتالي عدم قبوله بمشاركة أي جهة أو حزب أو فئة معه في السلطة مشاركة فعلية وحقيقية واقتصار المشاركات مع تنظيمات تابعة له أو وهمية كارتونية حيث لم يتمكن من استساغة أي طرف معه وهذا ما حصل مع الحزب الديمقراطي الكردستاني ولاحقاً مع الحزب الشيوعي العراقي وحتى مع التنظيمات والشخصيات الممثلة للتيار القومي العربي.
كاتب المقال مع السيد إبراهيم گاباري
مسك الختام شكري وتقديري للسيد (إبراهيم گاباري) على إتاحته الفرصة لنا في الحديث معه عن هذه الحكاية التي عاش فصولها متمنيين له الصحة والسلامة، كما أودع قرائي الأعزاء الذين أثقلت عليهم من خلال إطالتي الحديث معهم، ودعائي لهم بالنجاح والتوفيق في حياتهم ... الله من وراء القصد.
مصادر المقال:
1- مسعود البارزاني- البارزاني والحركة التحررية الكردية - الجزء الثالث- مطبعة وزارة التربية - أربيل2002
2- كريس كوتشيرا- مسيرة الكرد الطويلة - دار آراس - أربيل 2014
3- شامل عبد القادر- اتفاقية الجزائر والأسرار الكاملة لانهيار الحركة الكردية المسلحة في آذار عام 1975 - دار المجلة - بغداد 2016
4- مقابلتي مع السيد إبراهيم الكَاباري في مدينة أربيل بتاريخ 9 مايس 2018
2752 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع