اختفاء جثة صاحب الفخامة (جعفر باشا العسكري)
تيسرت لديّ رواية مُحَّققة باعتبار خبر الآحاد عن مقتل الفريق جعفر العسكري، ومن اجل عرضها على القراء الاعزاء لا بد من تقديم موجز بالروايات الاخرى التي سردت الحادث والتي انتزعتها من كتاب (جعفر العسكري) لمؤلفه علاء جاسم، وكتاب (ذكريات) للواء الركن ابراهيم الراوي، وكتاب (تاريخ الوزارات العراقية) لمؤلفة عبد الرزاق الحسني .
وابدأ بقولي ان الفريق جعفر العسكري كان اول وزير دفاع في العراق الحديث ، وقد شارك في تأسيس الجيش العراقي ووضع لبناته الاولى في 6 / 1 / 1921م ، وسعى في تطويره وحرص على نقائه واهتم بمشاكل منتسبيه ، وقد رفض اية فكرة باستخدام الجيش في اية مهمة سوى الدفاع عن البلاد .
عُيّن العسكري يوم 29/12/1934م عضوا في مجلس الاعيان ولم يلبث طويلا فيه اذ اسندت اليه وزارة الدفاع في وزارة ياسين الهاشمي الثانية التي تشكلت في 17/ 3/1935.
اطاح الانقلاب العسكري الذي جرى في 29/10/1936م بقيادة الفريق بكر صدقي بوزارة الهاشمي الثانية ، وكان اول انقلاب من نوعه في تاريخ العراق الحديث استغل فيه الفرق بكر صدقي قائد الفرقة الثانية تعيينه وكيلا لرئيس اركان الجيش طه الهاشمي الذي سافر بمهمة رسمية الى خارج العراق في 29 / 7 / 1936م ،
وحين سمع الملك غازي بوقوع الانقلاب استدعى كل من ياسين الهاشمي ونوري السعيد وجعفر العسكري والسفير البريطاني الى قصر الزهور ، وقبل وصول العسكري الى القصر كلّف كل من النقيب عبد المطلب الامين، والنقيب حسين الربيعي بنقل اوامره المكتوبة الى قادة الوحدات والتشكيلات لإيقاف الزحف على بغداد ، كما حمّل حسيب الربيعي رسالة خاصة الى الفريق بكر صدقي المعروف بطموحه . وعندما كمل نصاب المؤتمرين في قصر الزهور الملكي قرر الملك غازي ان يذهب العسكري لمواجهة رجال الانقلاب وايقاف زحف الجيش نحو العاصمة عن طريق بعقوبة – بغداد وذلك لإنقاذ شرف الجيش مما يسبب الاضطرابات والفوضى وسفك الدماء غير المبرر . استقل العسكري سيارة ومعه كتاب الملك غازي الى بكر صدقي يطالبه بإيقاف اية حركة تضر بسمعة الجيش ومستقبل البلاد ، وقبل وصوله منطقة خان بني سعد بثلاثة اميال اوقفته مفرزة مسلحة بامرة الرئيس (النقيب) اسماعيل عباوي الذي قام بتجريد الفريق جعفر العسكري من سلاحه واركبه سيارة عسكرية ورافقه فيها إحكاماً للسيطرة عليه، وقبل هذه الساعة كان قد وصل النقيب حسيب الربيعي برسالة العسكري الى بكر صدقي، فلما قرأها تجهم وغضب وانتزع منه سائر الرسائل وطفق يقرأها بوجه محمر ويدين مرتجفتين،وبعدها مباشرة وصل موفد عباوي الى بكر صدقي يعلمه بوصول جعفر العسكري وبموقع حجزه. ازداد هياج بكر صدقي بقدوم العسكري الى المنطقة التي هو فيها، فجمع ثلة من الضباط وصرخ بهم: من يقتل العسكري؟.. لم بنبس احدهم ببنت شفة ونكسوا رؤوسهم فاضطر ان يختار منهم اربعة ، هم : المقدم جميل فتاح ، والرئيس الاول ( الرائد ) لازار برودروموس ، والملازم الاول الطيّار جواد حسين ، والملازم جمال جميل ، وأمرهم بالذهاب لقتله في منطقة حجزه . ووصل الضباط الاربعة الى موقع حجزه ، فوجدوه بصحبة اسماعيل عباوي، فتقدم الملازم جمال جميل نحو الفريق جعفر العسكري واطلق عليه النار فارداه قتيلا . وفي رواية مزدوجة للواء عبد المطلب امين قائد الفرقة الاولى،واللواء خليل جميل أن النقيب حسيب الربيعي هو الذي نفّذ عملية القتل بنفسه وان بقية الضباط الاربعة اطلقوا عليه النار وهو جثة هامدة امتثالا لأمر بكر صدقي. والرد على التقولات الآنفة وغيرها مما شاع هو ما أثبتته التحقيقات التي جرت عام 1937م من انّ الذين قتلوا الفريق جعفر العسكري وزير الدفاع هم الضباط الاربعة الذين اختارهم حصرا الفريق بكر صدقي ، فضلا على الرئيس (النقيب) اسماعيل عباوي خامسهم .
وختاما بعد هذا العرض الموجز لإطار الحادث المنجز انتقل الى الرواية المفصّلة المحققة بشهادتين والخاصة بخبر الاعتراف كما سمعتها يوم 24 / 9 / 1995م في الموصل الحدباء من العقيد المتقاعد محمد نايف، حيث قال:
روى لي الرئيس (النقيب) اسماعيل عباوي – المعروف باسماعيل توحلة – كيفية قتل الفريق جعفر العسكري وزير الدفاع فقال:
استدعانا الفريق بكر صدقي انا والمقدم جميل فتاح والرئيس الاول ( الرائد) لازار برودروموس ، والملازم الاول الطيار جواد حسين،والملازم جمال جميل ، وقال : من منكم يقتل جعفر العسكري؟.. فلم يتقدم احد من الاربعة ، فتقدمت وقلت : انا يا سيدي ، فقال : اذهب واقتله...
فذهبت واستقبلته واديت له التحية فنزل من السيارة ومشى وانا اصحبه فاطلقت عليه النار من مسدسي في صدغه (في رأسه عند الزلف من خده) فسقط على الارض ثم ارسلت نائب العريف فحل فزع برسالة الى آمر سرية الرشاشات ماجد سليم طلبت منه ان يزوده بمشمّع واداة حفر ، فأتى بهما فلففنا القتيل بالمشمع وحفر فحل فزع حفرة لطمر الجثة ، ولمّا اتمّها نظر اليّ والشرر يتطاير من عيني – حقا كنت اريد قتله ودفنه مع جعفر – فانهزم مسرعا وولى مدبرا ولم يعقب. وبعد مدة قصيرة وصل الموقع الذي فيه الجثة الضباط الاربعة ، جميل ولازار وجمال وجواد الطيار فاطلقوا عليه النار وهو ميّتا ، ووضعنا الجثة في الحفرة ودفناها وتركنا حافة المشمع بارزة كدلالة من اجل ان ناتي ليلا فننقل الجثة الى مكان مجهول،ولكن لمّا اتينا ليلا لم نجد الجثة في مكانها بفعل فاعل مجهول لدينا!! .
ضريح الباشا / جعفر العسكري في المقبرة الملكية ببغداد
واردف العقيد المتقاعد محمد نايف :
ذلك ما رواه لي شخصيا الرئيس (النقيب) اسماعيل بالتفصيل، وبعد مرور بضع سنوات صار نائب العريف فحل فزع رئيس عرفاء في الفوج الذي انا آمره فسألته عن الحادثة ذاتها فأكد لي ما قاله لي الرئيس (النقيب) اسماعيل عباوي ، وكذلك ايضا التقيت الضابط ماجد سليم فقصّ عليه القصة ذاتها ، فصار اسماعيل راويا لا يُدان، اما هذان الشاهدان فداعمان لروايته، ومع كل هذا التبيين فالتاريخ ضنين.
المصدر: المدى/ عبد القادر التحافي
984 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع