قصة حب خلدت الانفتاح الثقافي للعراقيين
الباريسيون والباريسيات على موعد مع العرض الجديد لـ"عندليبي بغداد" الذي يروي قصة حب بين اثنين من قامات وعمالقة الغناء العراقي الأصيل.
العرب/ عبدالناصر نهار:الموسيقى لا تتوقف في باريس عن عزف أجمل الألحان العربية، فالعاصمة الفرنسية تواصل على مدار العام استضافتها للعديد من الموسيقيين والمغنين والفرق الفنية من مختلف أنحاء العالم العربي. وللفن العراقي الأصيل مساحة ملحوظة بالطبع في فيلهارموني باريس ومعهد ثقافات الإسلام في شهر مايو الحالي، من خلال فضاءات ثقافية يلتقي فيها المستقبل بالماضي والحاضر.
وبالتزامن مع تثبيت الربيع الفرنسي أقدامه بقوة هذا الشهر أخيرا، وجّهت وكالة أستازا الفنية الفرنسية الدعوة للباريسيات والباريسيين لحضور العرض الجديد لـ”عندليبي بغداد” الذي يأتي في إطار فعالية “بغداد حبيبتي” في معهد ثقافات الإسلام بالدائرة الباريسية الثامنة عشرة، وذلك مساء يوم السبت المقبل.
وهو أول إنتاج فني للوكالة الفرنسية الموهوبة، ويعرض قصة موسيقية مُصوّرة تتناول العصر الذهبي للموسيقى العراقية، ما بين سليمة مراد وناظم الغزالي.
كتبت القصة وتؤدّيها كولين هوسه، الأكاديمية والإعلامية المختصة في الشأن الثقافي، ومؤسّسة وكالة أستازا في باريس، والتي تقول إنّ عرض “عندليبي بغداد” يروي قصة حب بين اثنين من قامات وعمالقة الغناء العراقي الأصيل، هما سليمة مراد وناظم الغزالي وقد اشتهرا في أوائل القرن العشرين في فترة ما بين العشرينات والستينات بمدينة بغداد التي تميزت حينها بالرهف الموسيقي وحياة الفن، والمقام العراقي المعروف بسلمه الموسيقي العربي الأصيل.
وقد جسّد هذا الزواج الأسطوري حينها بين شاب عشريني من عائلة مسلمة، وامرأة تكبره سنّا بكثير تنحدر من عائلة يهودية، الانفتاح الثقافي للبلد والتسامح الديني الذي كان سائدا آنذاك.
حكاية هوسه، التي تتخللها فواصل موسيقية على العود لسلام إسماعيل، وعرض صور أرشيفية، إنما ترسم أيضا صورة العصر الذهبي الموسيقي للعراق آنذاك.
يُذكر أنّ “معهد ثقافات الإسلام” تأسس عام 2006 في باريس وهو يسعى للتعريف بالثقافات التي لها علاقة بالحضارة الإسلامية، وذلك بهدف بناء جسر ثقافي بين مختلف الديانات.
ويستضيف المعهد مساء كل يوم سبت من شهر رمضان الروائية والمسرحية الفرنسية من أصل لبناني ليلى درويش، لتقصّ على جمهور باريس حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة.
وهي الفنانة التي استهوتها قصص النساء المُبادرات وحاملات شعلة الحياة، وحتى الضعيفات منهنّ، مُستمدّة قوّتها كما تقول من القصص التقليدية الشرقية ومن ذاكرتها العائلية، لتحثّ الخطى نحو لقاء جمهورها وتلج به إلى عالم مُخيف وخلاب في ذات الوقت حول حياة شهرزاد.
أما فيلهارموني باريس فتواصل من جهتها تنظيم معرض “الموسيقى” الضخم والفريد من نوعه إلى غاية 19 أغسطس 2018، والذي يحتفي بأصوات موسيقية من العالم العربي ضمن برنامج حافل، وذلك احتفاء بثراء وإبداع الموسيقيين العرب بين الأمس واليوم، وبهدف تقديم إبداعات فنية وثقافية عربية خالدة للجمهور الغربي والجاليات العربية في باريس.
ولا يبدو العراق بعيدا كذلك عن هذا الحدث المُميّز الذي افتتحه الفنان والموسيقار العراقي نصير شمّه، ويضمّ معرضا لوثائق تاريخية تستعيد الذاكرة المنسية للموسيقيين العرب في العراق، وبشكل خاص من خلال كتاب معرض الموسيقى الذي أخرجته مُنسّقة الحدث فيرونيك ريفيل، الناقدة الفنية المُتخصّصة بفنون الشرق الأوسط والقارة الأفريقية. وهي أيضا من أسست وأدارت معهد ثقافات الإسلام، قبل أن تُدير المعهد الفرنسي للإسكندرية.
وهذا المعرض، الذي هو استكشاف للأشكال الموسيقية التقليدية والحديثة، الأسطورية والدنيوية والشعبية والناشئة، يُعدّ برأيي ريفيل مظهرا من مظاهر الحفاظ على التراث الثقافي الذي يبدو أنّه في خطر اليوم، ويُمثل كذلك شهادة على الحيوية الاستثنائية للإبداع الموسيقي المُعاصر في العالم العربي.
639 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع