صقر من بلادي ... يرويها احد الصقور
كان لنا في قواتنا المسلحة والقوة الجوية خاصةَ في حربنا مع ايران (1980 – 1988 ) بطولات نادرة ومميزة أطرها ابطالها منذ الايام الاولى للحرب رغم الفارق التسليحي الهائل بين ايران والعراق وقد ساهم ابطال سلاح الجو مع قواتهم المسلحة في تركيع الجبروت والعنجهية الايرانية بمنازلات عادلة في ميادين القتال لترجح الدفة بين البلدين وتتحول موازين القوى الاستراتيجية لصالح العراق في نهاية هذه الحرب .
قصتنا لهذا اليوم لاحد طياري الهجوم الارضي سوخوي /22 النقيب الطيار(ع ع م) بصحبة الملازم الاول الطيار الشهيد علي عبد الله سحاب ( الذي استشهد بمهمة اخرى لاحقا) في مهمة معالجة زوارق بحرية ايرانية تقوم بنقل تعزيزات لتشييد احد الجسور على شط العرب قرب مدينة الفاو المحتلة ، وقد اصيبت طائرته بمقذوفات الدفاع الجوي الايراني ومحاولته الجادة في الوصول بها الى اقرب نقطة عراقية ثم القذف بواسطة كرسي الطائرة واليكم قصة هذا الصقر .
في الساعة 1130 يوم الجمعة 28اذار 1986 بعد معركة احتلال الفاو ، كلف تشكيل من طائرتين سوخوي/ 22 من السرب /19 قاعدة الوحدة ( الشعيبة)الجوية بقيادة النقيب الطيار (ع ع م ) يصاحبه الملازم الاول الطيار علي عبد الله سحاب بمهمة معالجة زواق بحرية إيرانية تنقل معدات تجسير يراد نصبها على شط العرب لتعزيز الاحتلال الايراني لهذا الجزء العزيز من بلادنا , تسليح الطائرتين صواريخ جو ارض C5K بحمولة قصوى لكل طائرة 128 صاروخ, تم ايجاز الطيارين وانيط تنفيذ المهمة بقاطع الدفاع الجوي الثالث بغرض تامين حماية التشكيل الى اقرب نقطة على الحدود العراقية الايرانية ....
اقلع التشكيل وتسلق الى ارتفاع 3000 متر باتجاه الاهداف المتواجدة في مياه الخليج العربي قرب السواحل الايرانية ، كان الجو هادئ ومدى الرؤيا جيد , بعد وصول التشكيل الى منطقة الهدف دون اعتراض من طيران العدو ... بعد استطلاع منطقة الاهداف ومشاهدة الزوارق البحرية القريبة من الساحل الايراني والبالغ عددها خمس زوارق تروم نقل قطع الجسر المشار اليه آنفاً اوعز قائد التشكيل اخذ الوضع القتالي للهجوم وتهيئة الاسلحة للقصف , تم معالجة ثلاث زوارق بهجومين وتدميرها بالكامل , لم يشعر قائد التشكيل باي تعرض معادي في المنطقة وعليه قرر القيام بهجوم ثالث لتدمير الزورقين الاخرين (كون هذا النوع من الصواريخ غير كافي لاغراق هذا العدد من الزوارق ) ، في الهجوم الثالث وعند الانقضاض على الزورق الرابع كانت الدفاعات الجوية الايرانية قد تحفزت بعد هجوميين جويين مؤثرين ( نحن في العادة ننصح الطيارين بعدم تكرار الهجومات الجوية تحسباً من تدخل الدفاعات الجوية المعادية ويبدوا ان قائد التشكيل تحفز لتدمير كافة الزوارق بعد ما اطمئن بعدم تدخل الدفاع الجوي المعادي ...) بعد الانتهاء من الهجوم الثالث شعر قائد التشكيل ان طائرته اصيبت في جناحها الايسر وهناك حريق قد شب فيه واضيئت لوحات التحذير امامه منذرة بوجود حريق رافقه عطل منظومة الهيدروليك المسيطرة على اسطح قيادات الطائرة (بودي ان اوضح ان الدفاع الجوي الايراني كان ضعيف بدرجة كبيرة لاسباب منها ان طائراتنا اثناء قيامها بمهامها في العمق الايراني غالباً ما ترافقها طائرات تحسس للاشارة اللاسلكية المنبعثة من رادارات الكشف والتوجيه الايرانية تقوم بتدميرها بواسطة اسلحة الخمد التي تحملها عندما تفتح هذه الرادارات اجهزتها لمعالجة التهديد الجوي المعادي ولكن هناك من الاسلحة ارض – جو حرارية يطلق عليها سترلا او ريد آي محمولة على الكتف تتبع الانبعاث الحراري من الطائرة هي التي استمرت فاعليتها قامت باسقاط العديد من طائراتنا اثناء تعرضها للاهداف الايرانية ) .
كاجراء روتيني فوري بمثل هذه الحالة قام قائد التشكيل بالتسلق بما يتيسر لديه من السرعة وتحويلها الى ارتفاع حتى بلوغه 2500 متر وبدأ في البحث عن مخرج لحالته هذه قد يتمكن من اتخاذ اجراء معين يسعفه للوصول الى اقرب نقطة قريبة من حدودنا البحرية او البرية ولكن شعر ان قيادات الطائرة قد توقفت تماماً عن عملها بعد مضي اربع دقائق من الطيران بهذه الحالة ومن ثم توقف محرك الطائرة عن العمل واصبح بوضع لايمكن اعادة تشغيله مرة اخرى (jam) لكي يمكنه الوصول الى مينائي البكر والعميق ، استمر قائد التشكيل بهذا الوضع والطيران شراعياً بطائرته ولكن بفقدان ارتفاع شديد جداً لحين وصل ارتفاعه بمستوى يجب مغادرة الطائرة وقرر القذف فوراً .
بعد انفصال كرسي القذف عن الطيار وانفتاح مظلة الطيار ( البرشوت) ترائى له ميناء البكر والعميق عن بعد وهو في حالة هبوط منتظم مع المظلة وشبه مطمئن ان قارب النجاة المربوط مع حقيبة ارزاق الطوارئ سيكون قد سبقه في الوصول الى مياه الخليج العربي , كانت الرياح شمالية غربية ابعدت الطيار مسافة ليست بالقصيرة عن المينائين .
بعد ملامست قدم قائد التشكيل الماء وتخلصه من المظلة كاجراء روتيني بات يبحث عن القارب المفروض يكون بوضع جاهز لاستقباله ولكن يبدوا ان الامور تسير في غير صالحه فالقارب غير موجود اساساً سوى حقيبة الارزاق اسباب ذلك هو تنقل مفرزة من السرب 109 من قاعدة الحرية(كركوك) الجوية بطائرات السرب المذكور الى قاعدة الوحدة ( الشعيبة) الجوية ولم يكن بالحسبان رزم القارب وذلك لعدم الحاجة له في قاعدة الحرية شمال العراق (وهذا طبعاً خطأ يحاسب عليه آمر السرب المعني ومهندس مهمات النجاة بالطائرة طالما الطائرة اصبحت في منطقة هي بامس الحاجة لهذا القارب ) ومع ذلك فنحن نجهز الطيارين العاملين بالمناطق البحرية بسترة النجاة يرتديها الطيار في كل الاحوال كبديل للقارب مثل الذي حصل مع بطلنا قائد التشكيل (ع ع م) .
كانت مياه الخليج هادءة فعلى الطيار ان يحدد مساره باتجاه اقرب نقطة توصلة للمينائين اللذان يبعدان حوالي 7 كلم واستمر بالسباحة باتجاههما ، كانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشر ظهراً وطائرة رقم 2 ومعها الطائرات المتصدية تحوم حوله وقد الحقت بهما طائرة سمتية من قيادة القوة البحرية , لقد انهك التعب بطلنا قائد التشكيل لكنه سمع منادي ينادي للصلاة فصلى صلاة الظهر وهو عائم بمياه الخليج وحمد الله على ما وصل اليه الحال سائلا العزيز القدير ان يهيئ له من امره مخرجاً, وبعد (40) دقيقة وهو يحاول الوصول الى المينائين حتى اصبح قريباً منهما شاهد زورق متجها باتجاهه وحين وصول الزورق بالقرب من قائد التشكيل قفز احد المقاتلين الابطال من زورق الانقاذ وهو (النائب الضابط علي كاظم من قيادة القوة البحرية) واحتضنه ووضعه بالزورق واتجه به الى قاعدة الخليج العربي البحرية حيث كانت طائرة سوبر فرلون سمتية بانتظارة نقلته الى قاعدة الوحدة الجوية , وهناك استقبل استقبال الابطال ممن نذروا انفسهم من اجل رفعة وسلامة العراق العظيم..
في حينها امر السيد قائد القوة الجوية الفريق الاول الطيار حميد شعبان بنحر عدد من الضحايا وتوزيعها على منتسبي القاعدة مهنئاً بسلامة احد صقور الهجوم الارضي سوخوي /22 الابطال الذين كانوا مشاريع استشهاد واسر وفقدان طيلة حربنا ضد العدو الايراني الغادر كما تم تكريمة بنوط الشجاعة .
هذه احدى قصص ابطالنا الطيارين الكثيرة يعجز القلم عن تاطيرها بالاطار الذي تستحقه فهي التي اكسبت بلدنا وشعبنا العراقي الابي قوة ومنعة ضد كل قوى الشر من اميركان وفرس صفويين كان ديدنهم تدمير صرح العراق الاشم الذي شيده الاجداد وسار على دربهم الابناء ولكن دروب السياسة مع الاسف قد لاتعي ذلك جيداً وتاخذها العزة بالاثم فكان حصة التدمير الاقصى بعد حصار دام ثلاث عشر سنة لقواتنا المسلحة وجوهرها الثمين سلاحنا الجوي بعيدة عن هذه الممارسات لكنها تواقة الى التنفيذ وهذا هو التزام منها ولكن هل يعي ذلك السياسيون ، مع تقديري .
631 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع