محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم/تشرين الاول 1959
بقلم/ صديق المجلة ـ بغداد
بعد ان نجح الانقلاب العسكري صبيحة يوم 14 تموز 1958 على يد امر وضباط لواء المشاة العشرين واستثمار النجاح من قبل عبد الكريم قاسم في وقت لاحق قبل منتصف النهار بقليل ولم ينقضي الشهر الاول للانقلاب حتى بدأت بوادر صراع على المستوى القياده وعلى مستوى الشعب وسبق ان تطرقت في مقالات سابقه ان ماحصل صباح 14 من تموز كان بعلم وتوجيه القوى الخارجيه التي كانت تهيمن على العراق والمنطقه ولابد ان تتم عمليات تصفية الحسابات بعد ان يستلم السلطه من قبل القائمين بالتغيير وهذا ما حصل فعلا...
عبد الكريم قاسم .. وقد بين العديد رايهم فيه سلبا وايجابا كان قد تسبب في انقسام حاد في السلطه ادى الى تسلق الشيوعيين الى المناصب الحساسه وتسيد المقاومه الشعبيه على الشارع العراقي الذي بات تحت رحمة المليشيات الحمراء التي تتخذ من المليشيات الروسيه مثالا لها وما احدثته في اكتوبر عام 1917 وعلى الصعيد الاخر انقسم الشعب العراقي الى قسمين..
احدهما موالي لقاسم يقوده الحزب الشيوعي العراقي برآسة ( سلام عادل ) والقسم المعارض لسياسه قاسم يقوده القوميون وله رؤوس متعدده منها:
( فائق السامرائي ) و( فؤاد الركابي ) واتخذت الحاله لبوسا طائفيا مغلف بالسياسه فكان السنه عموما مع المعارضه وكان الشيعه مع قاسم والشيوعيين وهناك بعض الاستثناءات لهذه الحاله في كلا الجانبين .
لقد كانت اهم الاسباب التي دفعت الطرفين الى الاقتتال في معارك شبه حرب اهليه مسيطر عليها هو دعم الحكومه طرفا ضد الطرف الاخر كما حصل بعد الاحتلال الامريكي للعراق 2003 ولحد الان....
وكأن التاريخ يكرر نفسه ويعيدها وكانت السجون مليئه بمكون واحد من القوميين والبعثيين والشارع متروك لتصرفات المقاومه الشعبيه تصول وتجول براحتها اضافة الى الاحداث الجسام التي حصلت في الموصل وكركوك وبغداد من قتل وسحل وتهديد ومحكمة القصاب والمهداوي شاهده على ذلك وساعد على زيادة المعارضه للنظام احالة العديد من الضباط العروبيون والقوميون على التقاعد واعتماد قاسم على العناصر الشيوعيه وقد ذكرت ان ذلك النهج لم يكن لكون قاسم شيوعيا او يميل اليهم ولكن كان ذلك فخا وقع فيه الشيوعيون وكشفوا عن مالديهم من سلبيات وتم تسقيطهم سياسيا على الصعيد الشعبي والاقليمي وايضا ذلك لايعني ان قاسم كان يبغي التحالف مع التيار القومي بل بالعكس كان من الد اعداء القوميه العربيه ولاسباب كثيره لامجال للخوض فيها ..ولكن في تقييم لما حدث في تموز 1958 كان ردا على عبد الناصر في مصر ونجاحه في تخطي وافشال العدوان عام 1956 وامتصاص غضب الشارع العراقي ولكنه لم يقدم شيئا للعروبه والوحده بل كان حكما دكتاتوريا موجها زرع الفرقه بين الشعب وفي القوات المسلحه ..
من كل هذه العوامل التي حفزت قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي التفكير باغتيال قاسم بالرغم من ممانعة القياده القوميه للحزب واعتبار ذلك تعريض الحزب وكوادره للخطر ولكن القياده العراقيه برأسة امين سر القطر ( فؤاد الركابي ) صمم على المضي قدما في تنفيذ العمليه انتقاما لشهداء البعث والاعمال الوحشيه التي ارتكبها نظام قاسم او من قبل مواليه من الشيوعيين وهكذا اتخذ القرار ولابد من الاشاره الى ان تنظيم حزب البعث في العراق كان لايزال فتيا واعضائه اكثرهم من الشباب العروبي الذي لايمتلك خبره سياسيه وميدانيه . لذلك صنف الشيوعيون هذه العمليه بانها من صنع امريكي وان البعث امريكيا امبرياليا بالرغم من ان القياده البعثيه رفضت هذه العمليه جملة وتفصيلا قبل تنفيذها وبعده .
وهنا لااريد الدفاع عن البعثيين ولا ان اذم الشيوعيين فأن لكلاهما مواقف تناقش في مواضع ومقالات اخرى سلبية كانت او ايجابيه....
عقد اجتماع للقياده القطريه في 1 \ 10 \1959 وتم فيه القرار على الخطه وتسمية المتطوعين الذين كانوا قد نفذوا تدريباتهم في منطقة الرضوانيه ( قصر الزيبق ) وهي مزرعه عائده لبيت الزيبق قبل التنفيذ بثلاث اسابيع وتم اختيار المجموعه التي تالفت من :
عبد الوهاب الغريري
عبد الكريم الشيخلي
سمير عزيز النجم
حاتم حمدان العزاوي
سليم عيسى الزيبق
صدام حسين ..و .. أحمد طه العزوز
مخطط العملية / أياد سعيد ثابت
وكانت الخطه تقتضي ان ينفذ الاغتيال اربعه من حملة الغدارات التي تم قطع جزء من سبطاناتها لتصغير حجمها وتسهيل اخفائها واثنان منهم كأحتياط ليكملوا العمليه في حالة حدوث طارىء والسابع لقيادة السياره واعتراض سيارة الزعيم واجبارها على التوقف اما تفاصيل التنفيذ فكانت ان تتواجد الخليه في عيادة الدكتور حازم البكري الواقعه في رأس القريه وان يكون هناك عنصر رصد عدد اثنان احدهم في ساحة الميدان لمراقبة خروج الزعيم قاسم من وزارة الدفاع والثاني في الباب الشرقي لمراقبة قاسم في حالة عودته من البيت الى وزارة الدفاع ..
وكان من المعتاد ان يسلك قاسم شارع الرشيد في الذهاب والاياب وهنا يؤخذ عليه وهو العسكري المحترف سلوك طريق واحد يوميا ولفتره طويله وعدم تغيير الطريق بين الحين والاخر وهذه من ابسط القواعد الامنيه . والاخبار يتم عن طريق الهاتف بكلمه سريه ( شاكر ) وتعني من جهة باب المعظم وكلمة ( محمود ) تعني من جهة الباب الشرقي ..
في يوم 7 تشرين الاول 1959 وفي تمام الساعه السادسه مساءا تجمعت الخليه واتخذت اماكنها حسب الخطه التي كانت تقضي ايضا قيام احد الاعضاء (سليم عيسى الزيبق ) بقيادة سياره عائده لبيت الزيبق وهي من نوع بلايموث 1955 تقوم بالخروج من شارع الفرعي لبيت لنج من شارع النهر باتجاه شارع الرشيد لاعتراض سيارة الزعيم قاسم ولكن حدث ان تكون السياره قد توقفت بسبب عطل احدى السيارات امامها مما ادى الى عدم تنفيذ هذه الفقره وتحول المرحوم سليم الى عناصر الهجوم والتنفيذ بعد سماعه صوت الاطلاقات هرع مسرعا اذ يقول :
وجدت الزعيم ممددا على ارضية السياره اسفل الكرسي الخلفي وهو مضرجا بالدماء ومغمى عليه والمرافق على الارض يئن والسائق صامت ولم اطلق رصاص الرحمه عليهم ولاادري اسباب عزوفي عن ذلك سوى اني تصورت ان الزعيم قد مات.
اول من اطلق الرصاصه الاولى لبدء العمليه هو عبد الوهاب الغريري من الجانب الايمن للشارع اتبعها بقنبلة دخان لتغطية العمليه ثم باشر الاخرون بالرمي وان عبد الوهاب قتل برصاص سمير عبد العزيز النجم وعبد الكريم الشيخلي كما روى ذلك المرحوم سليم الزيبق وان صدام حسين قد اصابته رصاصه طائشه ايضا من رمي الخليه حيث كان متواجدا على الجانب الايسر من الشارع قريبا من عكد النصارى ..
تركت جثة عبد الوهاب الغريري ملقاة على الرصيف وحملته الشرطه لاجراء التحقيق حيث تبين انه عضو فعال في تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي ومنه بدأت عمليات الاعتقالات العشوائيه التي طالت الاعظميه والكرخ والفضل والكراده ..
هربت المجموعه بكاملها الى الوكر الحزبي في الصليخ وكان بانتظارهم قرب سوق الغزل سياره مرسيدس اقلتهم الى الوكر الذي كان متواجدا فيه المرحوم عادل عبد الله وكان هناك جريحان هم ( سمير عزيز النجم وصدام حسين ) وتمكن صدام حسين من الهروب الى تكريت ثم سوريا ومنها الى مصر والقصه معروفه ..
تم نقل الزعيم قاسم الى مستشفى دار السلام في شارع 52 بواسطة سيارته العسكريه بعد تكفل احد الاشخاص بقيادتها وبوشر بعلاجه فورا ولم تكن اصابته خطيره بل شخصها الاطباء انها متوسطه وكذلك عولج المرافق الجنابي ..
في اليوم التالي كلف قيس عيسى الزيبق شقيق المرحوم سليم بجلب السياره التي لم يتعرف احد على واجبها وسبب تواجدها وعاد بها الى البيت في المسبح
ذكر بعض الكتاب امور غير حقيقيه منها ان سيارة الزعيم استيشن سوداء والحقيقه هي سياره شوفرليت ستيشن بلون خاكي وقد تم عرضها في باحة وزارة الدفاع حتى سقوط الحكم في شباط 1963 .
عقدت القياده القوميه لحزب البعث العربي الاشتراكي اجتماعا طارىء لمناقشة التداعيات بعد الحادث واعتبرت ان العمليه خارج موافقتها واعدتها تمردا على تعليمات الحزب وعوقب امين سر القطر العراقي ( فؤاد الركابي ) بالفصل من الحزب وتوجيه عقوبة التنبيه والتجميد لباقي الخليه ..
بهاءالدين نوري
يعتبر الكثيرون من ان الحادث اجبر الزعيم قاسم على تبديل سياسته تجاه الشيوعيين وبدأ عملية اقصاء البعض منهم وتحجيم اخرين وهنا لايفوتني ان اذكر ان الحزب الشيوعي العراقي قد عقد اجتماعا للجنه المركزيه حضره (سلام احمد وبهاء الدين نوري وملا مهدي ) الذي قال انها فرصه ذهبيه لاستلام السلطه ولكن سلام عادل رد عليه قائلا:
لم يمضي علينا شهر عندما اطلقنا اسم ( ابن الشعب البار) عمي .. روح روح ياسلطه يابطيخ هذا كلام ملالي ونسيتم ان عزيز الحاج ابتكر مصطلح ( الزعيم الاوحد ) ؟؟ السوفيت ارادوا قاسم وعلينا التنفيذ وخلص ..!!
يقول عضو اللجنه الحزبيه لمنطقة رأس القريه وهو شيوعي :
كنت انتظر مسؤولي الحزبي في محلي ( الخياط احمد خماس ) ,, ويقع بجوار المصور بابل على المتفرع الى شركة بيت لنج بجوار مكتبة مكنزي ,, وانقل اليكم نصه كما ورد على لسانه :
كان مسؤولي الحزبي ينتظر (كنتُ عضو اللجنة الحزبية في شارع الرشيد ـ منطقة رأس القرية ) مني اتصالاً تلفونياً حسب إتفاق سابق وذلك بعد ظهريوم 7 / 10 / 1959م . وفي محل عملي ، محل ( أحمد خماس ). بمجرد أن درتُ قرص الهاتف وقبل أن يرن جرس الهاتف المقابل انقطع خط الهاتف وسمعنا صوت انفجار قنبلة ، كانت دخانية ، ورأينا الدخان في شارع الرشيد رأس القرية ، ومن ثم طلقات متعددة من الأسلحة الأتوماتيكية . بعد لحظات انتهى إطلاق الرصاص . هرعتُ الى الشارع وأنا أرتدي قميصا أبيض وسروالا أسود وأنتعل ( نعل ). بمجرد أن ظهرتُ من باب المحل ، رأيتُ شرطي مرور يركض ويطلق الرصاص ودخل الشارع الفرعي لشركة ( بيت لنج ) البريطانية يصرخ ويقول :أغتيل الزعيم عبدالكريم قاسم .
في الجهة المقابلة لمحلنا ، باتجاه الباب الشرقي وعلى مسافة أقل من 20 متراً سيارة ( عبدالكريم قاسم) واقـفـة الـى جانب الرصيف تماماً، لقد إنحرفت السيارة عن مسارها ووقفت بالإتجاه المعاكس لمسارها نتيجة الضرب ومقتل السائق . ركضت حافي القدمين باتجاه السيارة . كنتُ أول من دخل سيارة الزعيم . فوجئ الزعيم معتقداً انني أحد أفراد الاغتيال . كان خائفاً مرعوباً بدرجة لا تصدق .
كان المرافق ( جاسم العزاوي ) ممتدا على أرض الشارع بجوار الباب الأمامي مباشرة ومن الجانب الأيمن . يبدو انه قد حاول الهرب لكنه جرح . وعبدالكريم قاسم ، كان نصف جسمه تحت المقعد الأمامي .وخلال لحظات تجمع المواطنون مندهشين .. سحبته الى مقعده ، قلت ماذا نفعل يا سيادة الزعيم ؟
قال: الى مستشفى ( دار السلام )
طلبنا من المواطنين من باستطاعته قيادة السيارة .. تبرع الكثير . كان رأس سائق الزعيم يستند على مقود السيارة . أُنزل من السيارة ، وجهه مهشم جراء اصابات عديدة . تم تغطية وجه السائق بجريدة .. وتحركت السيارة باتجاه الباب الشرقي وصولاً الى مستشفى ( دار السلام )، ثم أخذ ( العزاوي ) بسيارة أخرى الى مستشفى ( المجيدية ) في باب المعظم.
تجمع المئات من المواطنين . حضر أربعة من رفاقي وهم من المقاومة الشعبية حاملين المسدسات . قيل لنا ، هناك في مدخل الزقاق قتيل يراد سحله . ركضنا باتجاه القتيل ، وفعلاً كان الحبل مربوطا على رقبته . منعناهم بقوة السلاح عن عملية السحل . لاحقاً حضرت مجموعة من الانضباط العسكري وأخذوا الجثة ثم تبين انها جثة ( عبدالوهاب الغريري).
صرخت النساء من شرفات بيوت عقد النصارى : هناك ( جريح ) يسير باتجاه شارع ( الكفاح) تابعتُ السير مع رفاقي الأربعة المسلحين بالمسدسات ، نتعــــقب آثار الدم قبل الوصول الى شارع الكفاح ..
رأينا شابا طويل القامة وهو يلتفت يميناً ويساراً ، يسير وينزف دماً . بمجرد أن رآنا سحب رشاشته من نوع (بور سعيد ) وصرخ : ( خطوة أخرى أرميكم )..
توقفنا وقلت : روح الله معك، كانت بانتظاره سيارة مرسيدس موديل 1956 رصاصي اللون وسقف السيارة ابيض. خاطبني الرفاق وقالوا: ماذا فعلت يا رفيق انه أحد المجرمين لماذا جعلته يذهب ؟
أجبت: لن أضحي بأحدكم مقابل هذا المجرم ؟؟؟؟؟
الى هنا ينتهي كلام الرفيق الشيوعي ..
صديق المجله ـ بغداد
1446 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع