محاكمات موسكو و" التطهيرات الستالينية الكبرى"
في التسعينات من القرن الماضي تسنى للباحثين بفضل "الثورة الأرشيفية" الوصول إلى الوثائق، التي كانت غير متاحة لهم في السابق. فقد رفعت السرية عن العديد من المواد ذات الصلة المباشرة بالممارسات القمعية الوحشية للنظام البلشفي. وبفضل ذلك حدث انعطاف جوهري باتجاه الدراسة الأكثر تعمقاً ودقة لخفايا الملاحقات وأعمال التنكيل من جانب السلطة السوفيتية وخاصة أثناء ما يُعرف بالتطهيرات الستالينية الكبرى.
استغل ستالين حادثة اغتيال سيرغي كيروف عضو المكتب السياسي وسكرتير الحزب في مقاطعة لينينغراد للانقضاض على المعارضة السياسية واستئصالها كلياً، ولاسيما أن نشاط تروتسكي المبعد إلى الخارج (تركيا ثم فرنسا والدانمرك والنرويج وأخيراً المكسيك) كان يقض مضجع زعيم الكرملين لما لخصمه اللدود مؤسس الجيش الأحمر والأممية الرابعة من شعبية كبيرة في أوساط الشيوعيين بأوروبا وأمريكا الشمالية.
وقد ألصق ستالين بكامنيف وزينوفييف على الفور تهمة التورط في اغتيال كيروف رغم اعتراضات وزارة الداخلية. ولكن بعد إعادة النظر في التحقيق بإيحاء من ستالين "توضحت" الأمور وزُعِم أن هناك مركزين معاديين للثورة يقع الأول في لينينغراد والثاني بموسكو. وفي كانون 2/ يناير عام 1935 بدأت محاكمة مجموعة مركز لينينغراد (77 متهماً) وأدين 14 منهم بالضلوع على نحو مباشر في عملية اغتيال كيروف. وحكم بالسجن كلّ من زينوفييف ( 10 سنوات) وكامنيف (خمس سنوات). وبعد عدة أسابيع صدرت في لينينغراد أحكام بالسجن لمدة ثلاثة أو أربعة أعوام بحق 663 شخصاً من أنصار زينوفييف.
ولكن موجة الاعتقالات والمحاكمات هذه لم تقتصر آنذاك على أعضاء الحزب والمعارضين السابقين، بل إنها شملت فئات عديدة من المجتمع حيث أن الكولاك والنبلاء ومالكي المصانع السابقين ورجال الدين وأعضاء الأحزاب المعادية للسوفيت تعرضوا مجددا للنفي أو الإعدام نظراً لأنهم كانوا، في نظر السلطات، يشكلون خطراً على السلطة السوفيتية إذ ساد آنذاك اعتقاد مفاده أنه كلما اقترب الاتحاد السوفيتي من إنجاز بناء الاشتراكية يزداد الصراع الطبقي حدّة.
وقبيل اغتيال كيروف ببضعة أشهر انعقد المؤتمر السابع عشر للحزب في جو مشحون بالاستياء من سياسة ستالين القمعية وفشل عملية الكلخزة، التي أدت، في واقع الأمر، إلى تصفية طبقة الفلاحين وتعميق الأزمة الاقتصادية في البلاد، ناهيل عن هلاك ملايين المواطنين السوفيت. ولذلك فإن نتائج الانتخابات الحزبية الفعلية كانت تدل على فوز كيروف في منصب السكرتير العام رغم عدم رغبته في شغل هذا المنصب. ولكن كاهانوفتش المقرب لستالين عمد إلى غشّ النتائج لدى فرز الأصوات بحيث تكون لصالح ستالين، الذي لم يهدأ باله، فيما بعد، حتى نكّل بأكثر من نصف مندوبي المؤتمر المذكور، إذ أن الاقتراع كان سرياً. وحسب تقرير خروشوف للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي فقد جرى خلال العامين 1937-1938 إعدام 98 عضواً في اللجنة المركزية للحزب ومرشحاً لعضويتها المنتخبين في المؤتمر السابع عشر وذلك من أصل 139 عضواً ومرشحاً أي 70% من قيادة الحزب آنذاك.
وفي إطار محاكمات موسكو الترهيبية المكشوفة جرت في آب/ أغسطس عام 1936 محاكمة الأشخاص المرتبطين بما يسمى "المركز التروتسكي الزينوفييفي الإرهابي". وكان كامنيف وزينوفييف في مقدمة المتهمين الستة عشر حيث وجدا نفسيهما ثانيةَ في قفص الاتهام مع طائفة جديدة من الاتهامات. وأدين كلاهما بتهمة المشاركة في قتل كيروف والتحضير لاغتيال ستالين وعدد كبير من قادة الحزب والدولة. وكان نصيبهما هذه المرة الإعدام، الذي نفذ بلا تمهّل. وقد تم تقسيم المتهمين إلى فئتين. وكانت الفئة الأولى تمثل مجموعة زينوفييف من المعارضة الحزبية في العامين 1926-1927. أما الفئة الثانية فقد تضمنت مجموعة من الشيوعيين الألمان. وشملت التهم الموجهة أموراً كثيرة منها مثلاً العمل بموجب تعليمات تروتسكي على اغتيال كيروف وستالين وكاهونوفتش وفوروشيلوف وجدانوف وغيرهم من كبار المسؤولين.
وقد أدار المرافعات رئيس المحكمة العسكرية العليا فاسيلي أولريخ ومثّل الادعاء العام المنشفي السابق أندريه فيشينسكي، الذي كان في صيف عام 1917 قد أصدر أمراً باعتقال لينين عقب انتفاضة تموز/يوليو البلشفية الفاشلة. وقد أشرف على عملية التحقيق كلّ من وزير الداخلية هنري ياغودا (يهوذا) ونائبه نيكولاي ييجوف. ورافق المحاكمات حملات دعائية واسعة ضد المتهمين شارك فيها بعض الكتاب ومن بينهم ميخائيل شولوخوف، الذين طالبوا بإنزال أقصى أشكال العقوبات بالمتهمين ومسحهم من على وجه الأرض.
وفي حزيران/ يونيو عام 1937 بدأت المرحلة الثانية من سلسلة محاكمات موسكو حيث تمّ البت في قضية المركز التروتسكي الموازي المعادي للسوفيت، التي شملت 17 شخصية سياسية معروفة من ممثلي الرعيل القديم المناهضين لنهج ستالين ضمن صفوف المعارضة الحزبية في النصف الثاني من العشرينات. ومن بين الاتهامات الموجهة لهم -تنظيم مركز سري في عام 1933 بتوجيه من تروتسكي، وإقامة اتصالات مع الدول الأجنبية للعمل المشترك ضد الاتحاد السوفيتي، وتسليم معلومات سرية بالغة الأهمية للاستخبارات الأجنبية، والقيام بأعمال تخريبية في السكك الحديدية، والتحضير لعمليات إرهابية ضد رجالات الدولة. وقد صدرت بحقهم أحكام بالإعدام ومن ضمنهم شخصيات حزبية قيادية سابقة مثل غيورغي بياتاكوف وكارل راديك وغريغوري سوكولوف ونيكولاي سريبريكوف. وقد أعطى هؤلاء إفادات ضد بوخارين وريكوف استخدمت فيما بعد لتقديمهما إلى المحاكمة. وخلال الأعوام 1986- 1988 قامت السلطات القضائية السوفيتية بإعادة الاعتبار لهذه المجموعة.
أما محاكمة الدفعة الثالثة في قضية التكتل التروتسكي اليميني، التي جرت في آذار/ مارس عام 1938، فإنها ضمت 21 من كبار الشخصيات الحزبية والحكومية السابقة.
وتصدر قائمة المتهمين ألكسي ريكوف، الذي خلف لينين في رئاسة الحكومة السوفيتية، وكذلك رئيس الكومنترن نيكولاي بوخارين (محبوب الحزب، بحسب قول لينين) فضلاً عن رئيس الحكومة الأوكرانية السوفيتية خريستيان راكوفسكي، ووزير الداخلية السابق منظّم المحاكمة المسكوفية الأولى في عام 1936 هنري ياغودا (يهوذا)، ومجموعة كبيرة من مرؤوسيه المشرفين على اعتقال ومحاكمة وتنفيذ الأحكام الصادرة بمجموعة عام 1936.
وتجلت التهم الرئيسية في خيانة الوطن والتجسس والتخريب والإرهاب والعمل على نسف الجبروت العسكري للاتحاد السوفيتي. أما خطط هذه المجموعة ونشاطاتها فهي تكمن، حسب تقديرات المحكمة، في اغتيال زعماء الحزب والدولة وإعادة النظام الرأسمالي وفصل بعض الجمهوريات الاتحادية عن الاتحاد السوفيتي، وعقد صلات مع ألمانيا النازية (بصورة مباشرة أو عن طريق اليهودي تروتسكي!)، والتحضير لعدوان مسلح ضد البلد ،وتلقي المساعدات من الحكومات الأجنبية والمهاجرين الروس (البيض)، والقيام بنشاط تخريبي في المنشآت الصناعية والزراعية، وتدبير انتفاضات وفتن في الخطوط الخلفية للجيش الأحمر بمشاركة الكولاك وذلك في حال اندلاع الحرب. كما اتهم هؤلاء بمحاولة اغتيال لينين في عام 1918، والتعجيل بموت رئيس جهاز الأمن السياسي الأسبق فياتشسلاف ميجينسكي. كما وجهت تهمة قتل مكسيم غوركي وابنه مكسيم بيشكوف إلى ياغودا ونيكولاي كروتشكوف (سكرتير مكسيم غوركي والمسؤول الأمني) وإلى الأطباء ليف ليفين وإغناتي كازاكوف ودمتري بليتنيوف. وصدر الحكم بإعدام جميع أعضاء المجموعة باستثناء خريستيان راكوفسكي وسيرغي بيسونوف ومكسيم بليتنيوف، الذين أعدموا فيما بعد بمدينة أوريول عام 1941 لدى اقتراب القوات الألمانية من هذه المدينة. وفي العامين 1963 و1988 أعيد الاعتبار لجميعهم باستثناء ياغودا.
وأخيراً فمن أصل 24 زعيماً بلشفياً قادوا انتفاضة أكتوبر عام 1917 بقي ستالين وحده عام 1940على قيد الحياة حيث أن سبعة أعضاء فارقوا الحياة بشكل طبيعي و11 عضوا أعدموا وضمنهم تروتسكي، الذي اغتيل في المكسيك. كما قتل 3 أعضاء على أيدي أعداء الثورة وانتحر عضو واحد (ميخائيل تومسكي).
وخلال العامين 1938- 1939 تعرضت شريحة كبيرة جداً من ضباط الجيش الأحمر إلى حملة اعتقالات وإعدامات واسعة النطاق جرى خلالها تسريح 37 ألف ضابط (منهم 25 ألف لاعتبارات سياسية). ولكن بعد الهجوم النازي على الاتحاد السوفيتي أعيد إلى الخدمة في الجيش حوالي 13 ألف. وقد أعدم 5 آلاف معظمهم من الضباط الأمراء أي الذين برتبة مقدم وأعلى (حسب الرتب المتعارف عليها عالمياً). وبعد وفاة ستالين أشار كبار القادة العسكريين السوفيت مثل جوكوف وفاسيليفسكي وكونيف إلى الخسارة الفادحة، التي ألحقت بالقوات المسلحة نتيجة تسريح وإعدام هذا العدد الضخم من الضباط. وقد سبقت هذه الحملة محاكمة مجموعة من قادة الجيش ومسؤولي وزارة الدفاع وذلك في قضية التنظيم السري العسكري التروتسكي. وبدأت هذه المحاكمة في حزيران/ يونيو عام 1937 حيث تصدّر النائب الأول لوزير الدفاع المارشال ميخائيل توخاتشيفسكي قائمة المتهمين، الذين وجهت إليهم تهمة التخطيط لانقلاب عسكري في 15 أيار/ مايو عام 1937.
وقد جلس في قفص الاتهام مجموعة من كبار القادة العسكريين السوفييت مثل المارشال فاسيلي بلوخير والجنرالات ميخائيل بيلوف وبافيل ديبنكو وياكوف آلكسنيس ونيكولاي كاشيرين وغيرهم. وحُكِم على هؤلاء بالإعدام . وكما هو متبع في تلك الحقبة التاريخية تعرضت أسرة توخاتشيفسكي إلى التنكيل حيث جرى نفي قسم منهم (الأم والشقيقات وغيرهن) وأعدم القسم الآخر(الزوجة والشقيقان). وفي عام 1956 أعلنت النيابة العسكرية العامة ولجنة أمن الدولة للاتحاد السوفيتي (الكي جي بي) أن التهم الموجهة إليهم كانت ملفقة، وصدر قرار بإلغاء الحكم الصادر بحقهم وأعيد اعتبارهم.
ومن اللافت أن العلاقات بين وزير الدفاع السوفيتي فوروشيلوف ونائبه الأول توخاتشيفسكي لم يكن يسودها الود والتفاهم بل أنها في الأشهر الأخيرة كانت متوترة نظراً لاختلاف مستوى الخبرة والتأهيل العسكري بينهما إلى حد كبير لصالح توخاتشيفسكي. ولكن فوروشيلوف كان يتمتع بدعم وحماية ستالين ويتقن فن المداهنة والتعظيم ولا يتحمل الانتقادات من جانب مرؤوسيه. وتحت إشرافه المباشر تعرض للملاحقة والتنكيل عشرات الآلاف من النسقين الأعلى والمتوسط للجيش الأحمر. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي تم الكشف في أرشيف الهيئة الفدرالية للأمن (الكي جي بي سابقاً) عن أكثر من 300 موافقة موقعة باسم فوروشيلوف على اعتقال القادة العسكريين البارزين. وقد أعدم ستالين ثلاثة من أصل خمسة مارشالات الجيش الأحمر وهم ميخائيل توخاتشيفسكي والكسندر يغوروف وفاسيلي بلوخير. ولقي المصير ذاته 15 قائداً للجيوش من أصل 16 و60 قائداً للفيالق من بين 67 وكذلك 136 قائداً للفرق العسكرية من بين 199. ولعب فوروشيلوف دوراً رئيسياً في حملة تسريع وإعدام قادة وكبار ضباط الجيش الأحمر خلال العامين 1937-1938. ففي أيار عام 1937 بعث رسالة إلى ستالين جاء فيها"... أرجو عزل م.ن. توخاتشيفسكي و ر.ب. ايديمان و ر.ف.لونغيف ون.آ. يفيموف وايه. ف. آبوغ من قوام المجلس العسكري لدى وزير الدفاع باعتبارهم مفصولين من صفوف الجيش الأحمر". ويتبين من نص الوثيقة أن فوروشيلوف صحح كلمة "مفصولين" واستبدلها بكلمة "مُسرَّحين". وبعد بضعة أيام بعث فوروشيلوف رسالة أخرى بهذا المضمون أدرج فيها أسماء بقية أعضاء المجلس المذكور ومنهم ياكير وأوبوروفتش وغوربوتشيف وكازانسكي وكوتياكوف وفيلدمان وغيرمانوفتش وسانغورسكي إلخ. ولم يشعر وزير الدفاع السوفيتي بأي إحراج من أن المجلس العسكري قد أصبح بقوامه الكامل متهماً بـ "التجسس" و"الفاشية".(أوليغ سوفينيروف. مأساة الجيش الأحمر 1937- 1938. موسكو، دار نشر"تيرا"،1998).
وفي آب/ أغسطس عام 1937 شرعت الأجهزة الأمنية السوفيتية بتنفيذ الأمر رقم 00247، الذي أعطى الإشارة الأولى لانطلاق حملة اضطهاد وتنكيل واسعة النطاق سميت فيما بعد بـفترة "الإرهاب الأعظم" أو "التطهيرات الستالينية الكبرى". وقد شكلت هذه الموجة علامة فارقة في تاريخ الشعب الروسي وبقية شعوب الاتحاد السوفيتي السابق بدون استثناء. وكانت هذه الموجة العارمة قد بدأت منذ أواخر العشرينات بنزع ملكية الفلاحين المقتدرين (الكولاك) والشروع في عملية الكلخزة حيث زجّ بملايين الفلاحين في جمعيات تعاونية زراعية وأجبروا على العمل فيها، مما دفع معظمهم إلى مقاومة هذه العملية بوسائل شتى. وحسب القرار، الذي أصدره مجلس الدوما في 2 نيسان / أبريل عام 2008، أدت هذه المجاعات، التي جرت خلال العامين 1932-1933 والتي اجتاحت الجمهوريات السوفيتية المذكورة، إلى هلاك أكثر من 7 ملايين شخص.
وخلافاً لمرحلة الحرب الأهلية فإن الملاحقات وأعمال الاضطهاد لم تقتصر على رجال الشرطة والدرك من العهد القيصري وكبار موظفي الجهاز الحكومي والاقطاعيين ورجال الأعمال السابقين، إذ أن قسماً كبيراً من ضحايا هذه الاضطهادات كان من أعضاء الحزب البلشفي وضمنهم عدد غفير من الشخصيات الحزبية والحكومية والعسكرية، فضلاً عن الأجانب من رعايا العديد من الدول المجاورة وغيرها. وكان يجري إرسال زوجات المعتقلين والمنفذ بهم حكم الإعدام إلى معسكرات اعتقال خاصة بينما ينقل الأطفال إلى دور الأيتام. وقد قضى ستالين في الفترة المذكورة على مؤسسي التشيكا وجلادي الإرهاب الأحمر البارزين مثل مارتين لاتسيس وياكوف بيتيرس وأرتور أرتوزوف (خريستيان فراوتشي) وغليب بوكي.
وعلى نفس المنوال كان يتم اعتقال ومحاكمة ممثلي العديد من القوميات غير الأصلية والمقيمين أو الوافدين حديثاً نسبياً من بولونيا وألمانيا ورومانيا ودول البلطيق بالإضافة إلى الأفغان والإيرانيين والأكراد والآشوريين وغيرهم ناهيك عن الشيوعيين الأجانب حيث شملت هذه الحملة الألوف منهم في ظل أجواء مشحونة بالتوجس والشكوك وخاصة تجاه الأجانب الذين اتهموا بالتجسس لصالح أوطانهم الأصلية. وقد شكل ممثلو " القوائم القومية" مجموعة خاصة من ضحايا الإرهاب الأعظم. وبلغ تعداد هؤلاء الضحايا حوالي ربع المليون. وعلى سبيل المثال جرى تصفية 110 آلاف بولندي بناء على أمر وزارة الداخلية( إن.كي. ده. في) رقم 00485 الصادر في 11 آب/أغسطس عام 1937.
وعلى نحو مواز للتطهيرات الستالينية الكبرى اجتاحت جمهورية منغوليا الشعبية الحليفة للاتحاد السوفيتي موجة قمع وتنكيل جماعية في أواخر الثلاثينات شملت طائفة واسعة من السكان بما في ذلك كبار مسؤولي الحزب الشعبي الثوري الحاكم ورجال الدين والمثقفين. وأصبح ضحايا هذه الموجة 5 بالمئة من أهالي البلد (10 بالمئة من السكان الذكور). وقد قاد هذه الأعمال المارشال خورلوخين تشويبالسان تحت إشراف نائب وزير الداخلية السوفيتي ميخائيل فرينوفسكي وذلك طبقاً لتعليمات ستالين حيث جرى تصفية 10 من أعضاء المكتب السياسي للحزب الحاكم. ولم يبق في هذه الهيئة الحزبية العليا سوى عضو واحد وهو تشويبالسان نفسه.
وقد بدأ صراع تشويبالسان مع رئيس الحكومة المنغولية غيتوين بعد أن رفض الأخير مرابطة القوات الأجنبية في الأراضي المنغولية واعترض على شن أعمال الاضطهاد الجماعي ضد رجال الدين والرهبان البوذيين على غرار ما حدث في الاتحاد السوفيتي.
وتحت إشراف ستالين كان يجري إعداد القوائم الخاصة باعتقال وإعدام عشرات الألوف من المسؤولين الحزبيين والحكوميين والاقتصاديين السوفيت. وتدل الوثائق والمواد الأرشيفية المختلفة، التي رفعت عنها السرية في أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات، على أن ستالين كان يتفحص بنفسه قوائم الأشخاص المطلوب إلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم ثم تصفيتهم.
ويتضح من هذه الوثائق أنه خلال العامين 1937-1938 أرسل وزير الداخلية نيكولاي يجوف إلى ستالين 383 قائمة بأسماء المعتقلين من عداد كبار المسؤولين وأفراد عائلاتهم. وقد تضمنت القوائم المذكورة آلاف الأشخاص. وكان الزعيم الشيوعي يضع أمام اسم المعتقل إما الرقم 1 أي الإعدام أو الرقم 2 أي الاكتفاء بالسجن.
وحسب المعطيات، التي توصلت إليها لجنة بوسبيلوف الحزبية قبيل انعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي(عام 1956)، اعتقل خلال العامين 1937- 1938 مليون و548366 شخصاً أُعدم منهم 681692 شخصاً. ومن أصل 1944 موفداً لمؤتمر الحزب السابع عشر اعتقل 1108 مندوبين وأعدم منهم 848 مندوباً.( فسيفولود تسابلين. إحصائيات ضحايا الستالينية في الثلاثينات. مجلة "قضايا التاريخ"، 1989).
كما شملت التطهيرات الستالينية الكبرى قيادات جهاز الأمن السري السوفيتي في "ان. كي.في.دي" بما في ذلك فرع الاستخبارات الخارجية. وقد جرى، بالدرجة الاولى، تصفية مؤسسي التشيكا (التسمية الأولى للجهاز الأمني المذكور آنفاً) وهم غليب بويكي وياكوف بيترس ويوسف اوتشليخت وفيودور ايخمانس إلخ.
أما بالنسبة لرجال الدين الأرثوذكس فتشير معطيات لجنة إعادة الاعتبار لضحايا القمع السياسي لدى رئيس روسيا الاتحادية إلى أنه جرى في عام 1937 لوحده اعتقال 139 ألفاً و900 شخص قتل منهم 85 ألفاً و300 شخص. ويدخل ضمن هذا العدد أفراد عائلاتهم والرهبان والأشخاص النشطاء من عامة المؤمنين.
وهكذا فقد أتمّت التطهيرات الكبرى في الثلاثينات اغتصاب ستالين للسلطة المخطط له منذ وقت طويل والمنفذ تدريجياً. والجدير بالذكر أن دكتاتورية ستالين الانفرادية لم يكن لها سابقة في التاريخ قبله. فقد كان يتمتع في غضون العشرين سنة الأخيرة من حياته بسلطة لم يكن يمتلكها أحد من قياصرة روسيا أو الحكام الدكتاتوريين في الألف عام الماضي. فهو لم يقبض بيده على كامل السلطة السياسية والعسكرية فحسب بل وكان بوسعه دون أي رادع التصرف على هواه بمقدرات البلد المادية والبت في كافة مسائل البلد الأساسية للسياسة الخارجية والحياة الداخلية حتى عندما كان الأمر يتعلق بالعلوم والأدب والفن ومراقبة العديد من مؤلفاتها. وبوصفه زعيم الحزب كان ستالين ينتهك القواعد المتعارف عليها في الحزب سابقاً الواحدة تلو الأخرى حتى تسنى له في المطاف الأخير أن يطرحها جانباً بصورة تامة.
ورأى العديد من المؤلفين الغربيين والمهاجرين البيض في سيطرة ستالين المطلقة على مقاليد الأمور قطيعة تامة مع الاشتراكية والثورة البلشفية. واعتبروا ذلك انقلاباً على الثورة والحزب، بينما ذهب معظم المؤرخين السوفيت حتى مرحلة البيريسترويكا إلى أنه لم تحدث خلال الثلاثينات أي تغييرات خاصة في النظام السوفيتي، وإنما كانت تتطور في تلك السنوات الاشتراكية وفقاً للنهج اللينيني. وحسب اعتقاد هؤلاء لم تستطع ظاهرة عبادة الفرد تبديل طبيعة النظام الاشتراكي أو زعزعة الأسس اللينينية للحزب.
في معرض وصفه لشخصية ستالين أشار المؤرخ المعاصر روي مدفيديف إلى أن الدكتاتور السوفيتي "كان يخشى المؤامرات حتى أنه كان يتوجس من الدائرة المحيطة به. ولذلك وُضِع تحت الرقابة بناء على طلبه جميع أعضاء المكتب السياسي وغيرهم من كبار المسؤولين". "روي مدفيديف. حول ستالين والستالينية. موسكو، دار نشر"بروغريس"، 1990").
ولتسهيل مراقبة هؤلاء وصل الأمر بالزعيم السوفيتي إلى تشييد مبنى ضخم قرب الكرملين بموسكو لسكن كبار المسؤولين الحزبيين والحكوميين وقادة القوات المسلحة. وقد كان رجال الأمن يجلسون في كل مدخل لتتبع حركات الساكنين وضيوفهم.
ومن جهة أخرى فقد احتوت بيوت ستالين الاصطيافية عدة غرف نوم ذات مخرجين حيث لم يكن أحد يعرف في أي منها سيبيت. وكانت كافة هذه البيوت تقع تحت حراسة مشددة على مدار السنة بغض النظر عما إذا كان ستالين هناك أم لا. كما كان يجري تفتيش الزوار القادمين للقائه تفتيشاً دقيقاً.
خطط ستالين على نحو متقن للقضاء على الحرس القديم والكوادر الحكومية والعسكرية. وقد كان يعاني منذ نعومة أظفاره من عقدة نقص قد يكون مبعثها ظروف طفولته وتصرفات والده الإسكافي المدمن على الخمر. ولم تكن علاقته بوالدته طبيعية، إذ من المعروف أنه لم يدعها لزيارته في موسكو وقد التقى بها ثلاث مرات فقط خلال ثلاثين عاماً. كما أنه لم يحضر جنازتها. ومن الأسباب المحتملة لعقدة النقص هذه وجود بعض العيوب الجسدية لديه والتي تجلت في ذراع ضامرة، وتشوهات في الوجه من جراء عدوى الجدري، والتصاق اثنين من أصابع قدمه ببعضهما. وكان يمشي مشية البطة. وقد اتسم طبعه بالغرور والتعجرف والحسد والضغينة. ورغم أنه لم يكمل دراسته في المدرسة الكهنوتية، ولم يحصل على تعليم منظم ومنهجي، ولم يتقن أي لغة أجنبية فلم يكن بوسعه بعد أن أصبح عام 1917 عضوا في حكومة وصفت بأنها حكومة مثقفين إلا أن يشعر بعقدة نقص كشخصية حزبية وسياسية وسط أناس يتمتعون بمواهب قوية وعقول نيرة ومقدرة خطابية ممتازة ناهيك عن أنه كان يتحدث بلكنة جورجية ملحوظة.
غير أنه، من جهة أخرى، لم يحتمل البقاء في الأدوار الثانوية. وكان كل حزبي مثقف يثير لديه مشاعر الحسد والضغينة وفضلاً عن ذلك فإنه لم يكن يرغب في الحصول على سلطة مطلقة فحسب، بل كان أيضاً يتطلع إلى بلوغ مجد غير محدد ويرى أنه لا ينبغي لأحد غيره أن يلعب أي دور بارز في مسرح التاريخ. ولهذا فليس معاداة السلطة السوفيتية وإنما، على العكس من ذلك، كانت المآثر الكبيرة أمام الحزب والثورة تجعل الكثيرين من الأشخاص أعداء شخصيين لستالين.
وقبل الثورة لم يكن ستالين ينتمي إلى نواة القيادة الحزبية البلشفية المحيطة بلينين. وقد أُدرج ضمن قوام اللجنة المركزية غيابياً بالتزكية في عام 1912، وحال نفيه إلى إقليم توروخان دون متابعة العمل الحزبي النشيط. وفي واقع الأمر كان دوره أقل مما أشارت إليه لاحقاً الرواية السوفيتية الرسمية بخصوص عمله في منظمة البلاشفة بجورجيا وأذربيجان. غير أنه كان، بالطبع، يسعى إلى تمجيد نشاطه الماضي. وقد دخلت الأسطورة حول ستالين في تناقض واضح مع تاريخ الحزب فأوحى بضرورة تزويرها. غير أن المشاركين معه في أحداث فترة الصبا والشباب، الذين بقوا على قيد الحياة، شكلوا حجرة عثرة في طريق أسطورته. فعلى سبيل المثال كان هؤلاء يعرفون أن ستالين لم يكن مؤسس مطبعة باكو الشهيرة، كما ادعى بيريا في كتيبه، وإنما كان متورطاً هناك في عمليات سطو وابتزاز أثرياء النفط.
في عام 1904 تزوج ستالين من كاترين سفانيدزه، التي أنجبت له ياكوف، ولكنها توفيت بعد ولادة ابنها بثلاث سنوات أثر إصابتها بمرض السل الرئوي. وقد ترك موتها أثراً عميقاً في نفسه. وفي خضم نشاطه الثوري كان الشاب جوغاشفيلي يستخدم أسماء حركية كثيرة مثل" قوبا" و" نيجيرادزه". ولكن استقر رأيه في عام 1912 على أن يستخدام بصورة دائمة الاسم الحركي " ستالين" أي الرجل الفولاذي.
وفي ربيع عام 1918 تزوج ستالين من نادييجدا آليلويفا ابنة الثوري البلشفي سيرغي آليلويف والتي أنجبت له طفلين وهما سفيتلانا وفاسيلي. ولم يكن الوفاق سائداً بين الزوجين وخاصة في أواخر العشرينات ومطلع الثلاثينات نظراً لتصرفاته الفظة معها ولانزعاجها من أساليب القمع والتنكيل، التي يستخدمها زوجها مما دفعها في نهاية الأمر للانتحار في عام 1932.
وتجري الإشارة في العديد من أقوال المعاصرين إلى قوة إرادة ستالين المدهشة. وقد كتب أحد زعماء الثورة وهو فيودور راسكولنيكوف في مفكرته عام 1939، بعد إحجامه عن العودة إلى الاتحاد السوفيتي، ما يلي :" إن السمة السيكولوجية الأساسية لستالين، التي رجّحت كفته، تتجلى في قوة إرادته الخارقة. فقد كان ستالين يعرف ما يريد ويصل إلى مبتغاه بعد سعي حثيث. وكان بوسع هذه الإرادة تحطيم الهوية الفردية للأشخاص، الذين يقعون تحت تأثيره. وهو ليس بحاجة إلى مستشارين وإنما يلزمه فقط منفذون. ولهذا فإنه يتطلب من مساعديه القريبين الخضوع التام والانضباط العبودي. فهو لا يحب الأشخاص، الذين لديهم رأيهم الخاص المستقل، ويبعدهم عنه بفظاظته المعهودة. ولكنه مع ذلك يفتقر إلى بُعد نظر كاف. فعندما يتخذ خطوة ما يكون، في الوقت نفسه، غير قادر على حساب العواقب".
وفي معرض تناوله لشخصية ستالين أشار بوريس باجانوف في كتابه "مذكرات السكرتير السابق لستالين" أن الزعيم البلشفي " كان هادئ الطبع ورابط الجأش وخبيثاً للغاية. وكان يسعى قدر الإمكان إلى إخفاء مشاعره. كما كان حقوداً انتقامياً إلى أقصى حد، حيث لا يصفح لأحد من رفاقه أبداً عن قول أو موقف ما، وبوسعه الانتقام ولو مضى على ذلك 20 عاماً.
ومن المفارقة بمكان أن العامل الرئيسي في صعود ستالين إلى السلطة كان يتجلى في عيوبه أكثر مما يتجلى في محاسنه. ففي حينه قرر لينين، بعد خدمات مادية عديدة قدمها ستالين للحزب، إدخاله في قوام اللجنة المركزية ضمن مجموعة الأكثرية التابعة له دون أن يخشى أي منافسة محتملة من جانبه، إذ رأي فيه شخصاً قليل الثقافة وضئيل الأهمية السياسية. ولهذا السبب بالذات جعله فيما بعد سكرتيراً عاماً للحزب، مع أنه في نهاية المطاف ندم على ذلك. كما أن زينوفييف وكامنيف اعتبرا ستالين شخصاً لا يُعتد به سياسياً ولمسوا فيه مساعداً مناسباً وليس منافساً محتملاً على الإطلاق".
ويعزو بعض الباحثين والمؤرخين الروس والأجانب قيام ستالين بتصفية عدد كبير من مسؤولي الدولة اليهود أثناء" التطهيرات الكبرى" إلى اندلاع موجة جديدة من معاداة السامية، بينما كان ذلك يعود، في واقع الأمر، إلى انخراط اليهود قبل الثورة في صفوف الأحزاب والحركات الاشتراكية الروسية لتحقيق مطالبهم السياسية والاجتماعية مما جعلهم يلعبون دوراً مهيمناً في ثورة أكتوبر والحرب الأهلية ويتزعمون، في نهاية المطاف، الحزب الحاكم والجيش وجهاز الأمن السياسي والهيئات الحكومية. كما أنهم كانوا يسيطرون طيلة عشرات السنين على ميادين الحياة الثقافية والعلمية حيث حلوا محل الانتليجنسيا الروسية نظراً لاضطرار أغلبية ممثليها للهجرة إلى خارج البلاد أثناء الحرب الأهلية وبعدها ونتيجة إبادة ونفي جزء لا يستهان به منها. وتدل إحصائيات عام 1939، مثلاً، على أن عدد اليهود في معسكرات الاعتقال السوفيتية بلغ 19728شخصاً وبالمقابل كان عدد الروس المعتقلين هناك 830491 شخصاً. أما بالنسبة لعمليات القمع والملاحقات في الأعوام 1948- 1953 فقد كانت بالفعل ذات طابع معادِ لليهود على نحو سافر (قضية" اللجنة اليهودية المعادية للفاشية" و"قضية الأطباء" إلخ.).
وعلى العموم فإن التطهيرات الستالينية في الأعوام 1936- 1938 طالت بالدرجة الأولى شخصيات بارزة من المسؤولين الرئيسيين عن موجة " الإٍرهاب الأحمر" أثناء الحرب الأهلية والمحرضين على الحملة الشعواء المعادية للكنيسة (إغلاق آلاف الكنائس والأديرة واضطهاد مئات الألوف من رجال الدين والرهبان ومصادرة الأيقونات والنفائس من الذهب والفضة والأحجار الكريمة) وقمع الانتفاضات الفلاحية وعملية الكلخزة. وقد قُدِّم هؤلاء على مذبح المصالح القومية قبيل الحرب الشعبية المقبلة. وهكذا فإن الثورة البلشفية التهمت أبناءها كما جرى في أيام الثورة الفرنسية. وقد استُبدلت الشريحة القديمة الحاكمة بشريحة جديدة بعيدة عن الإطار الحزبي الضيق والتطلعات الأممية.
وبهذا الصدد يشير سولجنتسين في كتابه " أرخيبلاخ غولاغ" إلى أن التروتسكيين كانوا في سنوات الثورة الأولى "يراقبون بلامبالاة تامة سقوط غير الحزبيين في براثن أجهزة الأمن. وهاهم الحزبيون الآخرون يراقبون سقوط التروتسكيين بكل ابتهاج وشماتة. وهكذا لكل حسب دوره ليتبع ذلك تدفق اعتقالات واسعة النطاق للمعارضة اليمينية غير الموجودة في واقع الأمر. ثم لحق القمع والتنكيل بحزبيين آخرين عضو تلو الآخر وتدحرجت في نهاية الأمر كافة الرؤوس"(الكسندر سولجنتسين. أرخيبلاغ غولاغ". موسكو، دار نشر"أو-فاكتوريا"، 2006).
وعلى خلفية صعود النازية بمغالاتها القومية ونزعتها العنصرية ظهرت الحاجة في الاتحاد السوفيتي إلى الإيديولوجية القومية. وقد لوحظ أن السلطة السوفيتية، التي تجاهلت سابقاً العهود القيصرية واعتبرتها عصور رجعية واستغلالية، بدأت، وللمرة الأولى بعد ثورة أكتوبر، بتوجيه أنظار المواطنين إلى نضال الشعب الروسي ضد الغزاة والمحتلين الأجانب وكذلك إلى جهود القياصرة لبناء الدولة الروسية وتوسيعها. كما أصبحت تُقام احتفالات رسمية مكرسة لذكرى وفاة أو ميلاد الكتاب والشعراء الروس الكلاسيكيين..
(على سبيل المثال إحياء الذكرى المئوية لوفاة الكسندر بوشكين). كما جرى إخراج فيلمين سينمائيين تاريخيين وهما " ايفان الرهيب" و" الكسندر نيفسكي"). ولم يعد الفكر الاشتراكي لوحده قادراً على جمع ورص صفوف الشعب، إذ ظهرت حاجة ماسة إلى الإيديولوجية القومية. ولهذا الهدف استعاضت السلطة عن "نشيد الأممية" الرسمي بوضع نشيد وطني جديد تؤكد كلماته على وحدة شعوب الاتحاد السوفيتي تحت قيادة ستالين "الحكيمة". كما أزيل شعار" يا عمال العالم اتحدوا!" من الصحف العسكرية.
2047 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع