قتل وحرق وأنهار من الدم ..هكذا استبيحت بغداد على يد المغول

         

مأساة اجتياح جيش المغول بغداد من أكبر الكوارث في تاريخ المسلمين

 الجزيرة:طه العاني:مع دخول قوات جيش المغول بقيادة هولاكو بغداد، كانت عاصمة الخلافة العباسية على موعد مع واحدة من أبشع المذابح في تاريخ البشرية، إذ استباحت هذه القوات طرق المدينة وقتلوا معظم أهلها.

وتعد مأساة اجتياح جيش المغول للمدينة في يوم الأربعاء 9 صفر 656هـ الموافق 14 فبراير/شباط 1258م، وتدمير معالم الحضارة الإسلامية فيها وقتل أهلها؛ من أكبر الكوارث في تاريخ المسلمين.

ضعف المستعصم
ويقول أستاذ التاريخ العباسي طه خضر عبيد إن احتلال بغداد على يد المغول يعد أكبر نكبة وأعظم مذبحة في التاريخ عندما استبيحت بغداد عاصمة الخلافة العباسية.

ويضيف عبيد للجزيرة نت أن الخليفة العباسي المستعصم بالله كان المسؤول الأول عن المسلمين في ذلك الوقت، وكان عليه أن يعد العدة الكافية بما يمتلكه من سيادة روحية على جميع المسلمين؛ فهو المسؤول عن أرواحهم، ولم تكن غائبة عن الخليفة تلك الأفعال الشنيعة التي ارتكبها المغول في بلدان ومدن المسلمين.

ويشير عبيد إلى أن الخليفة العباسي أخطأ عندما توقع معاونة كل القوى الإسلامية له، لا سيما في بلاد الشام من الأيوبيين والمماليك في مصر، وتوقع أن الهجوم على بغداد سيؤدي إلى تمرد تلك القوى الإسلامية ضد المغول، ومناصرة الخليفة، وأخطأ في ذلك التقدير إذ انشغلت تلك القوى بمشاكلها الداخلية حينها.

ويضيف أن تقدم المغول إلى بغداد استمر وحاصروها واصطدموا بالجيش العباسي، الذي اندحر بالأساليب التي استخدمها المغول في القتال، كإغراق شرق بغداد بالمياه، والفنون القتالية المختلفة التي لم يعرفها العباسيون من قبل، وكذلك محاولة إشاعة إعطاء الأمان مما أدى إلى اندحار الجيش وتقدم المغول.

ويلفت إلى أن المستعصم بث من خلال مراسلاته أنه إذا قتل الخليفة وسال دمه ستقوم القيامة؛ لذلك لما دخل المغول بغداد وحجزوا الخليفة قتلوه بوضعه في كيس، ورفسوه حتى مات، وبذلك لم يخرج الدم منه بل قتلوه خنقا.

أنهار الدم

ويبين أستاذ التاريخ العباسي أن المغول استباحوا بغداد ونهبوا أموالها، واستمر النهب والتدمير والقتل 40 يوما، ولم يبق فيها مسجد ولا دار ولا شجر إلا واشتعلت فيها النيران كعادة المغول في كل مدينة يحتلونها، وألقيت الكتب والمصاحف في ماء النهر الذي تغير لونه وأصبح بلون الحبر من كثرتها، وبذلك زال مشعل العلم الذي كانت تحمله بغداد العظيمة.

وعن تفاصيل تلك المذبحة يقول عبيد إن عدد قتلى سكان بغداد على يد المغول بلغ أكثر من مليون، حتى أن مؤرخ المغول "رشيد الدين الهمذاني" ذكر أنهم 800 ألف قتيل من خيرة الرجال والنساء والعلماء والأدباء، لا بل إن بعض الناس اختفوا في الآبار وماتوا فيها، وكانت المذابح بالجملة، فكانت تقتل العائلة كلها دفعة واحدة، وكبار السن لم يسلموا منهم، وكان همهم أيضا قتل الأطفال.

وينوه إلى أن المغول استخدموا كل الطرق الوحشية في قتل وتعذيب وإهانة سكان بغداد، وكان همهم سلب الناس حليهم وسرقتها. ومن أغرب ما يروى أن أحد جنود المغول شاهد امرأة مخمرة ابتلعت لؤلؤة لتخفيها، فقام ببقر بطنها لإخراج اللؤلؤة، وانتشر ذلك بين جنودهم، فزهقت أرواح النساء، خاصة الحوامل ظنا منهم أنها مملوءة بالجواهر، بل إن الناس ظنوا أن الساعة قد قامت، حتى إن المؤرخ ابن الأثير يقول "لو قال قائل إن العالم مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم إلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقا".

نزيف الحبر
ويقول المترجم والكاتب حسين نهابة إن من الجرائم التي لا تغتفر بحق الإنسانية وبحق الثقافة حرق المغول مكتبات بغداد التي سهر على إنشائها أعظم العلماء والمؤلفين والمترجمين من كل أنحاء العالم لعشرات الأعوام.

ويبين في حديثه مع الجزيرة نت أن ماكينة هولاكو دمرت أعظم المكتبات على وجه الأرض آنذاك، حيث تعددت الروايات بشأن مقدار السموم التي بثت للإجهاز على حضارة التمدن، ومنهم من قال إن نهر دجلة صار ماؤه أسود بسبب مداد الكتب التي أتلفت ورميت فيه، وقيل إن ماءه أصبح ذا لون غامق بسبب اختلاط مداد الكتب بدماء المدافعين عنها.

وعن أبرز العلوم التي طالها الإتلاف، يشير المترجم إلى أنها شملت مختلف العلوم، حيث إن الخلفاء العباسيين أنفقوا كثيرا من أجل رفعة المكتبات التي اشتهرت بها بغداد، فكان يفد إلى المدينة العلماء والمترجمين من جميع أنحاء العالم، لأجل استمرار شعلة التأليف والترجمة والابتكار في مختلف العلوم والآداب.

وعن موقف العلماء آنذاك يؤكد نهابة أن كل مؤلف أو مترجم أو عالم مثقف متفان ومخلص يرتضي أن يجرح جسديا ويتألم جراء هذا الفعل، لكنه يرفض رفضا قاطعا أن ينتقص من علمه أو يحرق عمله أمام ناظريه، فكانت الحشود ثائرة ضد هذا العمل الوحشي الذي قام به هولاكو وجيشه، بيد أن الحقيقة التي لا مناص منها أن الجريمة الأكبر كانت في نهب بعض خزائن الكتب العلمية، ونقلت سرا إلى أماكن غير معروفة بحجة الحفاظ عليها، وهذا ما أثار حفيظة العالم الإسلامي أكثر.

كنوز نفيسة
ويلفت الدكتور محمود شمس الدين الخزاعي إلى أن البعض يحاول إنكار ما حصل بحق الكتب النفيسة والمجلدات المهمة والضخمة والمكتبات التي كانت خزائن للعلم والمعرفة في بغداد في ذلك الوقت، ولكن المنقولات التاريخية تكاد تكون متواترة على أن الكتب قد ضاعت، والسبب يعود إلى الانشغال في ذلك الوقت بالمعارك، والشوارع كانت مليئة بالدماء والجثث.

ويؤكد الخزاعي للجزيرة نت أن مكتبات بغداد كانت مليئة بالكنوز العلمية، ولا يمكن حصر هذه العلوم في فن واحد أو فنون محدودة، فهذه المكتبات أنشئت في عهد الخليفة هارون الرشيد، ثم ازدهرت بعد مجيء الخليفة المأمون، حيث كانت حركة الترجمة على أوجها، ولم تقتصر على المؤلفات العربية بل الكتب المترجمة، وجمعت المكتبات مختلف علوم الفقه والتفسير والحديث والأدب والطب والهندسة والفلك والكيمياء والفيزياء والجغرافيا والسياسة والاقتصاد وغيرها.

وينوه إلى أنه عندما سقطت بغداد بيد المغول فإنهم انتقموا من كل ما فيه صورة مشرقة للحضارة، لذلك لم يكن السيف المغولي يعمل على قتل البشر الذي يقف أمامه فقط، وإنما كان إلى جانب سيوفهم مشاعل النار التي تحرق المخطوطات وتغرقها في النهر حتى تغير لونه.

بعد الفاجعة

ويشدد أستاذ الحضارة العربية الإسلامية لطيف خلف الدليمي على أن بغداد لم تسقط آنذاك، ولكن نظام الخلافة العباسية هو الذي سقط.

ويضيف الدليمي للجزيرة نت أن المسلمين تجاوزا فاجعة انتهاء خلافة بني العباس بعد انتصار المماليك على المغول في معركة عين جالوت، التي تمكّن المسلمون فيها من كسر شوكة المغول وتحطيم تلك الصورة المبالغ فيها عن قوتهم العسكرية واجتياحهم العالم الإسلامي بهذه السرعة.

ويتابع إن كثيرا من العلماء الذين فروا إلى مصر وبلاد الشام رجعوا إلى بغداد من أجل تعليم الناس ومساعدتهم في إعادة الثقة في نفوسهم ليثبتوا أمام هذه الهجمات وتحمل نتائجها.

ويذكر أنه بعد بسط المغول سيطرتهم على بغداد بدأ الناس الخروج إلى مناطقهم ولملمة جراحاتهم من الآثار الوحشية التي تركها المغول، لذلك بدأت الحياة تزدهر من جديد وتوج ذلك باعتناق السلطان "أباقا خان" الإسلام، مما شجع المغول على الدخول في الإسلام، وهذا أدى بدوره إلى انصهارهم في المجتمع العربي الإسلامي وبدؤوا يتطبعون بطباع العرب المسلمين في بغداد.

ويختم الدليمي بتأكيد أن لسقوط الخلافة العباسية أثرا بالغا على انفراط وحدة العالم الإسلامي؛ إذ تجزأ منذ ذلك الحين إلى عدة دول، ولم تستطع كل المحاولات التي ظهرت لاحقا إعادة تكوين خلافة جامعة لكل المسلمين.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1388 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع