الرؤيا التي قتلت عبد الستارالعبوسي
كثيرة جدا المصادر التي وثقت بالتفصيل أشنع جريمة أرتكبت في القرن العشرين ، تلك هي مجزرة قصر الرحاب في 14 تموز 1958 والتي راح ضحيتها ملك العراق فيصل بن غازي وخاله عبد الأله بن علي الوصي السابق على العرش ، ووالدته الملكة نفيسة و شقيقته الأميرة عبدية ، وبعض خدم القصر وحراسه ، والقاتل الوحيد لهذه العائلة هو الرئيس ( النقيب عبد الستار سبع العبوسي ).
أحاول في هذا المقال تسليط الضوء على شخصية العبوسي ، والأسباب التي دفعته للقيام بهذه الجريمة النكراء مع ملاحظة أني وجدت رتبة الموما اليه العسكرية تختلف من مصدر لأخر ، فبعضها أورد رتبة رئيس أول (رائد) ، بينما ورد في تقرير الموما اليه عن الحادث رتبة ( ملازم أول) ، لكن الغالب الشائع هي رتبة رئيس والتي سوف أعتمدها.
كوابيس الطفولة ؟
ولد عبد الستار سبع العبوسي عام 1930 في بغداد – محلة باب الشيخ ، القريبة من ضريح الشيخ عبد القادر الكيلاني ، والتي كان يسكن فيها (خلف الخزرجي – سائق الوصي عبد الأله).
كان لعبد الستار العبوسي شقيقان : ألاول جواد , وكان ضابطا أستشهد في واجب وطني ، أما الثاني : رشيد فكان طالبا يدرس علم الأحياء في الولايات المتحدة الأمريكية ، قتل في حادث غامض ، قيل أن الوصي عبد الأله كان وراءه بسبب نشاطه الوطني المعادي للحكم الملكي ، بينما يرى آخرون أن مقتله كان من قبل المخابرات الأمريكية حيث كان متقدما بتفوق في دراسته وقدمت له عروض أمريكية للتخلي عن العراق والبقاء في الولايات المتحدة الأمريكية، وبسبب رفضه تلك العروض تمت تصفيته جسديا.
هذا الحادث ترك في نفسية عبد الستار العبوسي أثرا بالغا ، وضمر الحقد والكراهية على الوصي عبد الأله وعلى العائلة المالكة في العراق .
حادث آخر أثر في نفسية عبد الستار ، حين كان صبيا ، مر من باب وزارة الدفاع عائدا من مدرسته عام 1945 ، ورأى جثة العقيد صلاح الدين الصباغ معلقة في المشنقة بعد تنفيذ حكم الاعدام به أثر فشل حركة مايس عام 1941 التي قادها العقداء الأربعة.
في خريف عام 1947 ، كان العبوسي طالبا في الأعدادية المركزية ، في الميدان ، والتي تزينت يومها بالزينة بمناسبة أفتتاح الدورة الجديدة لمجلس الأمة والتي كان من المقرر حضور الأمير عبد الأله هذه الجلسة ، وقف عبد الستار العبوسي في باب المدرسة واخذ يهتف ( يسقط الأستعمار ، يسقط الأنكليز ، يسقط عبد الأله ، يسقط نوري السعيد) ، وما لبث أن تجمع حوله عشرات الطلبة وحملوه على الأكتاف وانطلقوا به الى شارع الرشيد وهم يرددون الشعارات السابقة ، بينما كان الأستاذ ( علاء الدين ) يركض خلفهم ويصرخ بأعلى صوته طالبا منهم العودة الى المدرسة ( طلاب أرجعوا ، الى أين أنتم ذاهبون ؟ ، هيا أرجعوا الى المدرسة هل أنتم مجانين ؟).
كانوا فعلا مجانين حين ظنوا أن بأمكانهم أعتراض موكب الوصي على العرش وهو ذاهب الى قاعة البرلمان ، وحين وصلوا الى كهوة خليل في الحيدرخانة توقفوا وأصبحوا في مواجهة موكب الوصي ، الذي كان جالسا بلباسه الرسمي في عربة المراسم تجرها الخيول و تتقدمها كوكبة من رجال الحرس الملكي على صهوة خيولهم وهم يطلبون من المتظاهرين فسح المجال ليمر الموكب ، رمى عبد الستار بنفسه على عبد الأله وحاول سحبه من بدلته ، فأسرع الضباط المحيطون بالعربة ، و سحبوه وألقوا به بعيدا، كان يتمنى في تلك اللحظة لو كانت معه أي قطعة سلاح أو حتى سكينا ، ليقتل عبد الأله ويخلص الشعب منه ومن ظلمه.
نهض عبد الستار من على الأرض وركض بسرعة قبل أن يتم القاء القبض عليه ، وسلك أقرب دربونة ليختفي في أحد بيوتها حتى أنتهاء مسيرة الموكب.
بعد عدة شهور من هذه الحادثة تخرج عبد الستار من الثانوية ، وأنخرط طالبا في الكلية العسكرية التي لطالما كان يحلم أن يكون أحد طلابها.
يذكر بعض زملائه في الكلية العسكرية بأنه كان مزاجيا عصبيا ومريضا نفسيا تنتابه حالات من الهستيريا بعض الأحيان.
لغز تصفية الملك ؟
كانت قيادة تنظيم الضباط الأحرار قد أعدت الخطط اللازمة لتنفيذ حركة 14 تموز 1958 و الأطاحة بالنظام الملكي العراقي و أعلان الجمهورية العراقية ، وكانت ترفض أعدام أو قتل الملك وتصفية العائلة المالكة ، بل أن يتم العمل بهدوء تام ويتم نقل الملك وعائلته الى منفى خارج العراق ، بالضبط كما حصل مع الملك فاروق في مصر. وكانت هناك عدة آراء حول طريقة التعامل مع الملك فيصل الثاني ، فالرأي الأول كان بالأبقاء على حياته وأظهاره على شاشة التلفزيون يعلن تأييده للثورة ، كما حدث مع والده الملك غازي أثناء أنقلاب بكر صدقي عام 1936 .
أما الرأي الآخر فيرى بوجوب تصفية طاقم الحكم الملكي برمته ، كون العراق قد أرتبط قبل أشهر بوحدة هاشمية مع الأردن وأن الملك فيصل الثاني أصبح ملكا على عرش الدولتين ، الأمر الذي قد يؤدي الى تدخلات من خارج الحدود لأفشال الثورة وخاصة بريطانيا.
الرأي الثاني كان يصطدم بمعارضة شديدة من قبل مؤيدي الرأي الاول الذين أصروا على الأبقاء على حياة الملك فيصل وعائلته وأجباره على التنازل عن الحكم ، وتتم تصفية كلا من الأمير عبد الأله ونوري السعيد ومن يقف ضد الحركة من خلال محكمة خاصة.
وتشير محاضر تنظيم الضباط الوطنيين الأحرار والمقابلات الصحفية اللاحقة لبعضهم انه في صباح يوم 11 تموز 1958، وقبل ثلاثة أيام من تنفيذ الحركة عقد اجتماع هام لأبرز قادة اللجنة العليا للتنظيم ضم كل من العميد عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام عارف والعقـيد عبد اللطيف الدراجي، والسيد رشيد مطلك، أحد المقربين من عبد الكريم قاسم وتباحثوا في مصير الثلاثة الكبار والرموز المهمة من اركان النظام الملكي، الملك فيصل الثاني وعبد الإله ونوري السعيد، وكانت تسيطر على بحث هذا الموضوع مخاوف أن يفلت الثلاثة الكبار وبعض رموز النظام الملكي ويتمكنوا من استعادة السلطة كما حدث فيما بعد ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941م، وتقرر في هذا الاجتماع اعتقال الأمير عبد الإله بن علي ونوري السعيد وأحالتهما للمحاكم أو تصفيتهما في حالة قيامهما باي عمل معادي للحركة.
أما مصير الملك فقد ظل معلقاً حيث اقترحت كتلة عبد السلام عارف في التنظيم المكونة منه ومن اخيه عبد الرحمن عارف والعقيد عبد اللطيف الدراجي ، أستشارة بعض السياسيين الوطنيين من المدنيين ومنهم زعماء الأحزاب قبل اتخاذ أي قرار بشأن مصير الملك حيث تم استشارة السيد كامل الجادرجي الذي كان يتزعم الحزب الوطني الديمقراطي والذي كانت لدية وجهة نظر تؤمن بالحقوق المدنية تميل إلى الاحتكام إلى القوانين بعيدا عن القتل العشوائي حيث ابدى رأيه بالموضوع بان تكون الحركة بعيدة عن مشاهد القتل ودون اراقة الدماء لأي من الثلاثة الكبار وأركان حكمهم. ويبدو أن كتلة عبد الكريم قاسم في التنظيم المكونة منه ومن صديقه المقرب رشيد مطلك أتفقوا على ضرورة قتل الملك، حيث كان عبد الكريم قاسم من المتحمسين لقتل الثلاثة الكبار: الملك فيصل الثاني وعبد الإله بن علي ونوري السعيد.
اما اللغز المحير بقرار قتل الملك وافراد أسرته كما حدد واقعا ، فبقي لحد الآن لا يعرف مصدره ، فهل قرار تصفية الملك مع افراد اسرته تم بقرار منفرد من قبل عبد الكريم قاسم الذي عرف بمناوراته وممارساته في قتل معارضيه بعد توليه الحكم، من خلال إعطاء الاوامر للضباط المنفذين للسيطرة على القصر الملكي. أم ان عملية التصفية تمت بقرار انفعالي انفرادي من قبل المجموعة المكلفة بالسيطرة على القصر. أم ان سوء تفاهم حدث جراء إطلاق نار عفوي من قبل الحرس الملكي ورد عليها المهاجمون في الوقت الذي كان فيه الملك وعائلته قد تم إخراجهم إلى الحديقة تمهيدا لنقلهم واعتقالهم ليكونوا تحت تصرف الحكومة الجديدة.
لا تقتلوه هذا حفيد نبيكم:
كان عبد الستار العبوسي ضابط خفر مدرسة تدريب المشاة ليلة 13- 14 تموز 1958 والواقعة في معسكر الوشاش ( متنزه الزوراء حاليا) ، والقريبة من قصر الرحاب ، ولم يكن من ضمن المكلفين بتنفيذ ( الثورة ) ولا من المبلغين بها ، وكان برتبة ( رئيس ) آمر دورة ، وبعد سماعه أنباء تحرك الجيش ونداءات العقيد عبد السلام عارف من خلال الراديو يدعو فيها الشعب للتوجه الى قصر الرحاب وأسقاط النظام الملكي ، توجه عبد الستار العبوسي إلى مقر العائلة المالكة في قصر الرحاب و أطلق ثلاثة قنابل بازوكا من المدفع الذي جلبه معه من معسكر الوشاش عيار 106 ملم باتجاه القصر بهدف إستسلام من بداخله، وقد تصاعد الدخان في الطابق العلوي للقصر وأهتزت المنطقة لقوة الأنفجار وتصاعدت ألسن النيران من النوافذ التي تحطم زجاجها ومن الشرفة المطلة على الحديقة الأمامية ، فتجمع جميع من في القصر في غرفة مجاورة للمطبخ في الطابق الأرضي وأعلنوا أستسلامهم للقوة المهاجمة.
دخل الرئيس عبد الستار العبوسي و معه بعض الضباط والجنود للغرفة الخلفية في قصر الرحاب المجاورة للمطبخ وحين إجتاز باب الغرفة أصابه الذهول وإرتجفت يداه التي تحمل إحداهما الغدارة ، نعم لقد ذهل وصعق حين وقعت عيناه على أفراد العائلة المالكة وعلى رأسهم الملك فيصل الثاني وهم جالسين امامه ، هل هو في حلم أم حقيقة ؟ هل هو فعلا في حضرة ملك العراق وأفراد أسرته؟ أهذا الذي هو أمامه عبد الأله الذي حاول الأعتداء عليه وقتله قبل أحد عشر عاما ؟ أهي الفرصة تعود من جديد بعد أن عجز عن تنفيذها عام 1947 ؟
هل هو على موعد مع القدر حيث أختاره الله سبحانه وتعالى ليكون منقذ و مخلص العراق من هذا الرجل بالذات ؟ هل جلبه القدر من وحدته العسكرية ليكون قائدا للثورة كلها !!!!!
كانت كل هذه الأفكار تتزاحم في مخيلة عبد الستار ، ولم يفق منها الا على صوت زميله الرئيس مصطفى عبد الله وهو يصرخ بالجالسين : أطلعوا بره ... يله أطلعوا بره.
رد الملك فيصل بهدوء : ليش العصبية يا أخي ؟ وليش توجه سلاحك علينا و دتشوف ماكو واحد بينا مسلح ؟
عاد الرئيس مصطفى يصرخ بأعلى صوته : يله أطلعوا بره يا خونه.
يله قوموا ... الم تسمعوا الأوامر ؟
هيا أطلعوا بره يا كلاب ؟
جنود طلعوهم بره ؟
نهض الجميع وبدأوا بالخروج بنسق متسلسل من القصر بأتجاه حديقته ، حيث شارفت الساعة على الثامنة صباحا ، الملك فيصل والأمير عبد الأله وأمه الملكة نفيسة ثم أخته الأميرة عبدية ثم الأميرة هيام زوجة الوصي عبد الأله ، ثم خادمتها رازقية فالطباخ التركي.
كان الجميع يمشي بصمت ألا ألأميرة عبدية التي كانت تبكي وتصرخ : يا ألهي ما هذا الذي يحصل لنا ؟ الى أين تأخذوننا ؟
ولا مجيب على تساؤلاتها غير صراخ مصطفى عبد الله : الى مصيركم الذي تستحقوه يا كلاب.
و ما أن خرج الملك فيصل من القصر حتى تقدمت خلفه وبسرعة جدته العجوز الملكة نفيسة وقد رفعت المصحف فوق رأسه وتتلفت يمينا ويسارا وتقول لمن يحيط بهم من الضباط والجنود : لا تقتلوه ... هذا ملككم ... لا تقتلوه هذا حفيد نبيكم ... لا تقتلوه.
وبعد تجمع الأسرة المالكة في زاوية من حديقة القصر، أحاطت بهم القوة المهاجمة للقصر بشكل نصف دائري ، وقف عبد الستار ينظر اليهم ويفكر ما الذي سيفعله قادة الثورة بهؤلاء ؟ هل سيتم سجنهم أم يتم تسفيرهم خارج العراق ؟ وماذا لو تدخل الأنكليز وأعادوهم الى الحكم ، ماذا سيكون مصيري ، الأعدام طبعا كما أعدم الصباغ من قبل ، عندها سوف لن ينفعني أيا من قادة الثورة ، لذا علي التخلص من هؤلاء حتى لن يكون هناك أي أمل بعودتهم الى الحكم مجددا.
قرر عبد الستار الذي أصبح في وضع هستيري أبادة العائلة المالكة عن بكرة أبيها ، وعلى حين غره سحب أقسام غدارته و فتح النار عشوائيا على الجمع الملكي بدون أي أمر من أي ضابط أرفع منه رتبة ، لقد سحب عبد الستار أقسام غدارته ولم يدر في خلده أنه قد سحب أقفال أبواب جهنم علي العراق ، والتي سيكتوي بنيرانها العراقيين جميعا ولأجيال قادمة.
وما أن سمع الجنود والضباط الواقفين صوت اطلاق النار حتى فتحوا جميعهم النار نحو الجمع الواقف أمامهم ، فقتل الملك فيصل بأطلاقتين في رأسه ورقبته ، والوصي عبد الأله بأطلاقات في صدره وظهره ، كما قتلت الملكة نفيسة والأميرة عبدية والطباخ التركي وعدد من ضباط ومراتب الحرس الملكي ، وجرحت الأميرة هيام في فخذها وكذلك جرحت الخادمة رازقية.
ومن القوة المهاجمة أصيب النقيب مصطفى عبد الله بطلقة نارية في صدره ، وأصيب النقيب حميد السراج بطلقة في كعب قدمه وقتل ضابط صف برتبة رئيس عرفاء.
أن الحقد والكره الذي كان يضمره عبد الستار في نفسه تجاه العائلة المالكة ، أضافة الى الخوف والهستيريا التي سيطرت عليه ساعتها قد أنسته وهو ضابط مشاة ومعلم في مدرسة المشاة ، أهم قواعد وأصول الرمي وهو أن لا ترمي على العدو من جهتين متقابلتين ، وهذا ما فعله هذا الأرعن عندما سقط عددا من أفراد القوة المهاجمة بين قتلى وجرحى بنيران غدارته.
كان يطلق النار ويده ترتجف وترتعش من شدة الخوف ، فتباينت أصاباته ما بين أصابة في الرأس وأخرى في الأقدام ، ما يدل على أنه لم يكن مسيطرا تماما على غدارته.
ما بعد المذبحة :
سقطت العائلة المالكة مضرجة بدمائها ، منها من فارق الحياة فورا ، واخرى ترتجف على الأرض تلفظ أخر أنفاسها كالطير المذبوح ، أقترب عبد الستار من الجثث يتفحصها واحدة تلو الأخرى ، ألتفت الى الجنود وصاح بهم : جنود توقفوا عن أطلاق النار ، وعليكم أن تتأكدوا من أنهم ماتوا جميعا.
ثم أمر بسيارة عسكرية لنقل جرحى القوة المهاجمة الى المستشفى ، وبينما هم منشغلين بذلك تمكنت الأميرة هيام والخادمة رازقية من الزحف الى منطقة أشجار الياس والأختباء تحتها حتى لا ينكشف أمرهما بأنهما لازالتا على قيد الحياة.
تقدم ضابط برتبة ملازم أول من القوة المهاجمة وقال لعبد الستار : سيدي ماذا نفعل بالجثث؟
أجابه : لا أدري
رد الضابط : ماذا تقصد سيدي ؟ ألم يخبرك الذي أصدر لك الأمر بقتلهم بكيفية التصرف بالجثث؟
قال عبد الستار : ليس هناك من أصدر لي الأمر بقتلهم.
صرخ الضابط : ماذا تعني سيدي هل قتلناهم جميعا بدون أي أمر؟
أرتبك عبد الستار لما سمع هذا الكلام فقال له : أنهم مجرمون ويستحقون القتل ، وكان قادة الثورة سيقتلوهم عاجلا أم آجلا ، نحن نفذنا ما سيقوم به القادة.
رد الضابط : أن الأوامر التي صدرت لي هي بأعتقال العائلة المالكة وأن لا نقتل أحدا منهم ألا أذا قاوموا الأعتقال أو دفاعا عن النفس وهذا لم يحدث أطلاقا ، لأنهم أستسلموا لنا ولم يطلقوا علينا طلقة واحدة فلماذا قتلناهم ، سيدي أننا أصبحنا الآن مجرمين وقتله ، أعذرني يا سيدي فأنا مضطر لأبلاغ العقيد عبد السلام عارف بما جرى كي لا أتحمل مسؤولية قتل العائلة المالكة فأنا عسكري والتزم بالأوامر العسكرية التي تصدر لي من قائدي ولا أتصرف من كيفي.
بدأ الأرتباك والخوف يسري في وجه عبد الستار وبدأ يتلعثم بكلامه وقال : حسنا قم بما تراه مناسبا ، ولكن عليك أولا جلب سيارات من سرية الحرس الملكي بالخلف وارفع الجثث وخذوها الى مستشفى الرشيد العسكري أو الطب العدلي ثم أطلب من الجنود غسل المنطقة جيدا وأزالة الدماء التي تملأ المكان.
- حاضر سيدي.
لقد أدرك عبد الستار بعد هذا النقاش جسامة العمل الذي قام به وبشاعة الجريمة التي أرتكبها ، فأخذ يصيح بمن يحيط به : هيا يا جنود أرفعوا الجثث بسرعة وأجلبوا خراطيم المياه وأغسلوا المنطقة من الدماء لا أريد أن يبقى أي أثر لما جرى.
هرع الجنود لغسل المكان ، و أحضرت سيارتان من ثكنة الحرس الملكي وضع في السيارة الأولى نوع (فان) وكانت مخصصة للتسوق اليومي ، جثة الملك فيصل والأمير عبد الأله والملكة نفيسة والأميرة عبدية ، وأنطلقت مسرعة خارج القصر، أما السيارة الثانية نوع (زيل) وضعت فيها جثة الطباخ التركي وجنود الحرس الملكي.
راودت عبد الستار فكرة يخفي من خلالها معالم جريمته ، فأمر الجنود بفتح أبواب القصر للجماهير التي أحتشدت في الخارج لتشارك بدورها في صنع (الثورة) ، وما أن فتحت أبواب القصر حتى دخلت الجماهير راكضة بأتجاه السيارة الزيل وسحبوا جثة الطباخ التركي منها وركضوا بها باتجاه بوابة القصر الخارجية ليسحلوها في الشارع العام.
ثم قام آخرون بسحب وسحل بقية الجثث دون أن يعرفوا جثة من هذه.
قام الملازم الأول بالأتصال بقائده العقيد الركن عبد السلام عارف وهنأه بتنفيذ الواجب الذي كلفهم به. وأخبره بأن ضابط من مدرسة المشاة أسمه الرئيس عبد الستار العبوسي قام بقتل العائلة المالكة حيث أنضم الى القوة المهاجمة بعد سماعه بيان الثورة ولقد ساندناه بما فعل ظنا منا أنه يحمل أمرا من سيادتكم.
رد عبد السلام عارف : أنا لا أعرفه شخصيا ولم أصدر له أي أمر بذلك ، وعلى كل حال مبروك عليكم هذا الأنجاز ، وعليكم أكمال السيطرة على القصر وأنتظروا أوامري ، وأخبر هذا الضابط أن يأتي الى الأذاعة فورا.
- أمرك سيدي.
هرع الملازم الأول الى عبد الستار و أخبره بضرورة الذهاب الى الأذاعة فورا لمقابلة العقيد الركن عبد السلام عارف حسب طلبه.
أستقل عبد الستار سيارة جيب عائدة الى سرية الحرس الملكي وأنطلق بها الى الأذاعة في الصالحية ، ومقابل معسكر الوشاش شاهد جثة الطباخ التركي يسحلها جمع من الغوغاء وبطريقة تقشعر لها الأبدان وقد تمزقت أوصالها على الأسفلت ، بل أن منهم من كان يحمل أجزاءا مما تناثر من الجثة بيديه ويهتف بها.
وحينما وصل الى دار الأذاعة الذي تحول الى مقرا لقيادة الثورة يعج بالضباط والجنود ، سأل عن العقيد عبد السلام عارف الذي طلب مقابلته ، فكان الجواب أنه مشغول جدا وعليه الأنتظار حتى يفرغ.
جلس على مصطبة خشبية ينتظر ، بينما كانت الأنباء تتوارد عما يجري في بغداد خاصة والبلد عامة ، وسمع من بعضهم أن الجماهير سحلت جثة عبد الأله في الشوارع ثم علقت على بوابة وزارة الدفاع ، الأمر الذي جعله مطمئنا وأن ما قام به صحيحا.
طال أنتظار عبد الستار، وفي ساعة متأخرة من بعد الظهر دخل على عبد السلام عارف ، وأدى له التحية العسكرية.
قال عبد السلام عارف : أهلا ريس عبد الستار ، لقد تم أخباري بما فعلت اليوم ، عفارم عليك ، وهذا الذي ننتظره من كل ضابط وطني شريف مثلك ، أنا أشكرك وأهنئك على عملك الرائع ، ويمكنك العودة الى وحدتك العسكرية وأنتظر الأوامر . كما أرجو منك أن تكتب أفادة كاملة تدون فيها كل ما حدث صباح اليوم فقد تم تشكيل مجلس تحقيقي للنظر بما جرى في قصر الرحاب ومصير العائلة المالكة ، لأن الموضوع يجب أن يسوى قانونيا وقد أصدرت الأوامر بأعتبار كل ما جرى هذا اليوم هو جزء من أحداث الثورة وسوف لن نحاسب أي شخص على ما فعله.
- حاضر سيدي سوف أعد الأفادة التي طلبتموها.
(ملحق مع المقال : نص أفادة عبد الستار العبوسي المحفوظة في وزارة الدفاع)
مصير الجثث :
وصلت جثث العائلة المالكة الى دائرة الطب العدلي في الباب المعظم حيث دفنت جثث النساء في المقبرة المجاورة ، أما جثة الأمير عبد الأله فقد تم سحلها في شوارع بغداد ، ثم علقت لمدة ثلاثة أيام على باب وزارة الدفاع في منطقة الميدان في نفس المكان الذي أصدر أوامره بأعدام العقداء الأربعة في ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 ، ثم أنزلت الجثة وأحرقت ثم تم رمي بقاياها في نهر دجلة.
أما جثة الملك فيصل الثاني فقد نقلت الى مستشفى الرشيد العسكري للتأكد من وفاة الملك، وفي مساء اليوم نفسه تم حفر حفرة قريبة من المستشفى وأنزلت الجثة فيها وأهيل التراب عليها ووضعت بعض العلامات الأستدلالية التي تدل عليها ، ثم نقلت الجثة بعد ذلك وبشكل خفي الى المقبرة الملكية في الأعظمية خوفا من الغوغاء والعابثين من نبش القبر والتمثيل بالجثة.
هلا بستوري السبع :
خرج عبد الستار العبوسي من غرفة العقيد عبد السلام عارف ، منكسرا مخذولا وقد أصيب بخيبة أمل كبيرة ، فقد أدرك صغر حجمه وضآلة مكانته بعد أن كان يحلم بأن يكون ذا شأن أو ربما أحد قادة هذه الثورة ، فأذا بقائد الثورة يأمره بالعودة الى وحدته العسكرية وكأن شيئا لم يكن.
و الأنكى من ذلك أنه سيعامل كمتهم في المجلس التحقيقي وعليه تدوين أقواله ، بعد أن كان السبب الرئيسي والمباشر في نجاح الثورة بقتله الملك وخاله الوصي.
كان يحلم بأنه سيدخل محلة باب الشيخ ويجد أبناء المحلة يستقبلونه بالأهازيج والهتافات: هلا بستوري السبع صفى الملك وأعوانه.
وسوف تتزاحم وكالات الأنباء العالمية عليه وهو يروي لهم كيف أستطاع بمفرده من الأطاحة بالنظام الملكي في العراق ، وسوف يتدافع أبناء محلته لألتقاط الصور التذكارية مع هذا البطل.
لكنه وجد شوارع المحلة خالية من ناسها ، فمنهم من ذهب ليشارك ويستمتع بمنظر سحل الوصي في شوارع بغداد ، والباقون لبثوا في بيوتهم هربا من حرارة تموز اللاهبة.
دخل عبد الستار بيته ، وأستقبلته زوجته (وهى شقيقة العقيد قاسم امين الجنابى مرافق عبد الكريم قاسم) ، وبدأ يقص عليها ما جرى لحظة بلحظة ثم طلب منها أن تعد له الطعام لأنه لم يأكل شيئا منذ ليلة أمس ، و دخل الحمام ليغتسل ، وما أن فتح دوش الحمام حتى بدأ يصرخ بأعلى صوته : دم دم يصب علي من كل جانب ، هرعت زوجته الى الحمام وهي تصيح : ماذا بك يا عبد الستار لماذا الصراخ؟
- دماء دماء ألا ترين الدماء؟
- أين هي الدماء .... هذا ماء يا عبد الستار
- يا ألهي ما الذي جرى لي ، فقبل قليل كنت أرى الدماء تسقط علي من دوش الحمام
- أنت متعب يا عزيزي بسبب ما شاهدت اليوم ، أخرج وتناول غداؤك وأسترح.
خرج عبد الستار من الحمام ، وتناول غداؤه ، ثم جلس يستريح وقد فتح الراديو يستمع الى بيانات الثورة وأخبارها ، وبعد منتصف الليل بقليل حان موعد نومه وقد سبقته زوجته والأطفال بالصعود الى سطح الدار كي يناموا.
توجه عبد الستار الى السطح لينام ، ولما فتح باب السطح صرخ صرخة شديدة وبأعلى صوته ، أستفاقت زوجته على صراخه وهرعت اليه وهي تقول : ماذا جرى يا عبد الستار ؟ لماذا الصراخ ؟
- الجثث الجثث
- أين هي الجثث يا عبد الستار ؟
- هناك ترقد على الأسرة ، هذه جثة الملك وتلك جثة عبد الأله وهناك جثتي نفيسة وعبدية ... ألا ترينها ؟
- يا عبد الستار لا يوجد على الأسرة غيري أنا وأطفالك ... أنت متعب وأصبحت تتخيل أشياءا لا وجود لها.
نظر نظرة أخرى ، فرأى أولاده يرقدون في فراشهم ، فهدأت نفسه وأضطجع على سريره ، بينما راحت زوجته تقرأ له الآيات القرانية فأرتاح قليلا وغفى.
وبينما هو مستغرقا في نومه ، رأى نفسه واقفا على باب نفق مظلم وعميق وكأن قوة ما تسحبه الى الداخل ، ووجها بعيدا ينادية من مؤخرة النفق يكبر كلما تقدم منه حتى أتضحت معالمه جيدا ، أنه وجه الملك فيصل مخضبا بدمائه كما رآه صباح اليوم .
كان الوجه يناديه : ستار ... لماذا قتلتني يا ستار ؟ سأبقى ألاحقك حتى ألاقيك يا ستار ... أتعلم أنك فتحت أبواب الجحيم على العراق بفعلتك هذه؟
وبينما هو كذلك ، دفعه ذلك الوجه الى بئر عميق مملوء بالدماء ، فسقط فيه وهو يصرخ : أغيثوني ... أدركوني ، حتى أستفاق من نومه على يد زوجته توقظه وتهدأ من روعه.
ظلت الأحلام والكوابيس تطارد عبد الستار سنوات عديدة ، يتخيل الدماء تنزل من حنفية الماء كلما فتحها ، وظل يرى نفس الرؤيا في منامه ، وفي كل مرة يرى وجه ضحية من ضحايا غدارته ، فتارة يرى عبد الأله ، وأخرى يرى نساء القصر وهن متشحات بالسواد ، وأخذ أبناء محلته ينظرون اليه نظرة أحتقار و أزدراء على ما فعل.
وبشر القاتل :
تدرج عبد الستار العبوسي في الرتب العسكرية ، وعين بعد تموز 1958 معاونا لمدير سجن الموقف ، الذي كان يقبع فيه كبار شخصيات العهد الملكي ، ثم عين معاونا للملحق العسكري في موسكو.
وبعد 8 شباط 1963 عين العقيد عبد الستار العبوسي قائدا للقوة البحرية.
في شباط عام 1972 ، وبعد حوالي اثنا عشر عاما من يوم المجزرة ، راوده طيف الملك فيصل الثاني وهو يبشره بأن لقائه بضحاياه بات قريبا جدا ، وليس هناك من راد لهذا الموعد أو مؤجل له.
نهض صباح اليوم التالي في وحدته العسكرية في البصرة وهو في حالة كآبة شديدة ، ثم تخيل دخول أطياف ضحاياه عليه دفعة واحدة وقد أحاطوه من كل جانب ويقولون له : هيا يا ستار ...الآن ستأتي معنا ... الآن يا ستار فقد حانت الساعة وحان اللقاء.
ومن غير وعي ، سحب درج مكتبه وأخرج مسدسا نمرة (5) ، وجهه الى رأسه ، وأطلق رصاصة منه ، فسقط أرضا والدماء تتدفق من أم رأسه ، بينما راحت أطياف الضحايا تسحب بجثته معرجة بها الى السماء ، حيث لا عدالة ألا عدالة السماء ، ولا حكم غير حكم الخالق الجبار .
شيعت جنازته في الحضرة الكيلانية في محلة باب الشيخ ، وسير بالجثمان من أمام بيت خلف الخزرجي سائق الوصي ، ودفن في مقبرة الغزالي ، بقي أبناء المحلة يتذكرون زمنين مختلفين : فهذا بيت سائق الوصي ... وذاك بيت قاتل الوصي .
(من أجل ذلك كتبنا على بني اسرئيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد بالارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما احيا الناس جميعا) ... صدق الله العظيم
10 تموز 2018
الملحق
(( نص افادة الملازم اول عبد الستار العبوسي ))
كنت آمرآ لدورة تدريب المشاة الاساسية في مدرسة المشاة وكان موجود دورتي ( 18 ) ضابطا و68 ضابط صف وكانوا منتخبين من وحدات الجيش المختلفة .
كان التدريب مبكرآ حيث تبدأ ساعة التدريب الاولى بالساعة السادسة صباحآ,
وقد كنت ضابط خفر ليوم 13 تموز 1958 وفي صباح يوم 14 تموز 1958 حوالي الساعة الخامسة والنصف حضر أحد الضباط المعلمين وأخبرني بوجود انقلاب في بغداد .
أمرت بجمع الدورة ضباطا وضباط صف وطلبت منهم أن يستلموا البنادق العائدة لهم رغم أن التدريب في ذلك اليوم كان تدريبا على العصا وقبل الساعة السادسة سمعت أصوات رمي مستمر من ناحية قصر الرحاب وأخبرت الرئيس ( النقيب ) حميد السراج والرئيس محمد علي سعيد وطلبت رأيهم و رأي الضباط التلاميذ الباقين حول مساعدة القوة القائمة بالهجوم على القصر , فاخبروا ضباط الدورة بالموضوع لمعرفة رأيهم ومقدار تأييدهم للثورة بحضوري فأيد الضباط كافة عدا ضابط واحد وهو الملازم فالح زكي حنظل وطلبت منهم استلام غدارات ( استرلنك ) وأخبرتهم بأنني سأذهب مع الرئيس محمد علي سعيد الى قصر الرحاب لمعرفة احتياج القوة القائمة بالهجوم , وعند وصولنا شاهدنا جنودا ممتدين على الرصيف وقسم منهم أمام السياج المحاذي للرصيف وكانوا منبطحين من الباب الوسطي للقصر حتى الجهة الغربية من بغداد , الا أنني لم اعرف كافة مواضع القوة في المحلات الاخرى فسألت الجنود المنبطحين عن احتياجاتهم لأنني لم أشاهد معهم ضابطا , فقالوا ( بأننا نحتاج الى عتاد على وشك النفاذ ) هذا حسب قول أحد الجنود فأستصحبت معي أحد نواب الضباط الذين صادفتهم بسيارة كبيرة . وعند وصولي المدرسة كسرت مستودع ضابط الاعاشة الخاص بالعتاد لعدم وجود المفتاح لدي وطلبت من ضباط الصف أخراج عتاد 106 ملم وتحميل مدفع 106 ملم في أحدى سيارات الجيب بأقصى سرعة ممكنة لضيق الوقت كما طلبت من ضباط صف أخرين أخراج عتاد الغدارات أولا وتهيئة عشرة مخازن مملوءة فورا وأخراج بقية العتاد للبنادق تناولت الغدارة المرقمة 5384 من مشجب جناح ضباط الصف , كما أستلمت ثلاثة مخازن مملوءة وسلمت 3 غدارات لضباط صف كانوا بقربي وتوجهت الى رحبة المدافع بعد أن - القيت كلمة صغيرة في ضباط صف الدورة بغية تشجيعهم على القيام بعمل فعال وطلبت من الرئيس سامي مجيد أن يشرف على العتاد وعلى أركاب ضباط الصف وارسالهم خلفي و ركبت في سيارة اللندروفر مع المدفع مع ضباط صف عدد 2 وثلاثة ضباط صف حاملي غدارات واربع طلقات 106 ملمتر وتقدمنا بأقصى سرعة وعند وصولنا الى الرحاب وضعنا المدفع على الرصيف مقابل الباب الرئيسية يسار الجنود الممتدين على الرصيف و وضعنا الاربعة اطلاقات التي معنا بجانب المدفع , كنت أسمع اصوات الرمي من جهات مختلفة مما أضطر ضباط الصف على الامتداد على الشارع المبلط العام , كما تراجع الجنود الى نفس المحل و قد طلبت من ضباط الصف أن يملأ أحدهم المدفع , فلم أسمع الا صياحهم ( سيدي أمتد لا تموت ) وظلوا في اماكنهم فأضطررت الى أن أخرج أحدى الاطلاقات بنفسي من غلافها وملأت المدفع وتحولت الى الجهة اليسرى بغية الرمي , وكانت امنيتي الوحيدة أن اكمل رمي الاطلاقة ثم بعدها مرحبا بالموت لكثرة ماكنت اسمعه من دوي الرصاص , فصوبت على الطابق العلوي و رميت الاطلاقة فأختفى القصر كله عن انظاري لكثرة الغبار والدخان وقد ملأت أطلاقة ثانية فورآ بالاستفادة من ذلك وانتظرت لحظة فشاهدت الرئيس ثابت يونس يخرج من الباب وبيده علامة بيضاء محاولا التقدم نحو جنودنا , فتناولت الغدارة التي اندثرت في التراب و وجهتها نحوه وطلبت منه أن يقف والا كان الموت جزاؤه وقلت له :
أنني لا اريد منك أن تستسلم , بل اريد استسلام القوة كلها وأنني آمرك بالرجوع فورآ لأنني كنت أخشى أن يؤثر على الجنود القريبين مني .
فرجع فورآ الى الداخل وعدت الى مدفعي و وجهت الى الطابق العلوي أيضا و رميت الاطلاقة الثانية وملأت الثالثة فورآ , فشاهدت بعدها العقيد طه البامرني آمر اللواء يخرج من الباب الوسطية ويصيح ( أننا مستعدون للتسليم ) فقلت له نحن حاضرون لأستلامكم تفضلوا فعاد الى الداخل ليجلب الجنود .
وقد انتظرت بعض الوقت و ظننت أنه لم يكن جادأ في قوله , فرميت الاطلاقة الثالثة على الطابق الاسفل وملأت الاطلاقة الرابعة وعولت أن لا أرميها لأنها الاخيرة وبعد قليل شاهدت من ناحية اليسار العقيد طه البامرني وخلفه رتل من الجنود يحملون أسلحتهم بوضع أفقي وكانوا يسيرون على الشارع المحاذي لسور الرحاب , فأخذت غدارتي وأثنين من ضباط صفي و سرت بأتجاههم فطلبت من الجنود أن يلقوا بسلاحهم وعتادهم على الارض فورآ ويتجمعوا بالقرب من السور المحاذي للجدار , وأخرجت ثمانية جنود منهم وطلبت منهم أن يجمعوا العتاد في قطع القماش الكبيرة التي كانوا يحملونها , وبعد ذلك طلبت من ضباط الصف أن يأخذوا هؤلاء و يوزعوا العتاد على سرية المشاة القريبة منا والتي أتت الى الرحاب لأحتلاله وطلبت من باقي الجنود أن يتحركوا الى الحديقة المحاذية للشارع العام و وضعت عليهم بعض الجنود حرأسآ عليهم , وفي هذه الاثناء شاهدت مدرعتين تتقدمان على الشارع المحاذي للسور بأتجاه الباب فطلبت من أحدى المدرعتين تتقدمان على الشارع المحاذي للسور بأتجاه الباب فطلبت من أحدى المدرعتين أن تدخل من باب السور وتقوم بالرمي ثم تتقدم الاخرى بغية الاستتار خلفها , وعند وصول المدرعة الى الباب الداخلية تأكدنا بأن الرمي قد انقطع من الداخل , فتقدمت الى الباب الداخلية فشاهدت الرئيس ثابت يونس وسألته عن الملك وعبد الاله , فأقسم لي بأنه لا يعلم شيئا عنهم وكنت متأكدا بأنه كاذب في قسمه وفي هذه الاثناء شاهدت الرئيس سامي مجيد و محمد علي سعيد والرئيس حميد السراج والرئيس عبد الله الحديثي والرئيس مصطفى عبد الله والملازم الاول عبد الكريم رفعت والملازم الاول حبيب شبيب , فدخل بعضهم الى داخل القصر وكان لوجودهم أثر كبير في تقوية معنوياتنا وقد عدت الى الباب الرئيسية لأنني كنت أشعر بوجود خدعة تدبر ضدنا وبينما كنت أسير وأذ بأحدهم يصيح ( جو , جو ,جو ) فألتفت فجأة الى الخلف فشاهدت عبد الاله والى يساره الملك وكان على يمين عبد الاله والى الخلف أمرأة تلبس فستانآ أخضر وكانت بيضاء تميل السمره وشعرها أصفر وكان خلفهم عدد من حاشيتهم وخلفهم بعض الضباط و بينما تقربوا مني سمعت أطلاقات نارية أتجاهي فأجبت عليها بالمثل بصورة غير ارادية و على اثرذلك سقط عبد الاله والملك والمرأة على الارض وطلبت من العقيد البامرني أن يتقدم معي للذهاب الى فوج الحرس الملكي في قصر الزهور , فأخبرني بأنه توجد ثلاث سرايا بكامل اعتدتها وأسلحتها وآلياتها فمن المستحسن أن تسمح لي بأن اتصل بالمساعد لكي يستلم الاسلحة والاعتدة لكي لاتحدث مذبحة , فوافقت على ذلك بعد أن هددته بالقتل أذا آمر بعكس ذلك , فأقسم بشرفه العسكري بأنه سيعمل لمساعدتنا , فأتصل بالمساعد من غرفة حرس الرحاب فأخذ المساعد بتسليم السرايا والاسلحة والعتاد ثم طلبت منه أن يصعد بسيارة اللاندروفر ثم صادفت المقدم العمري و زودني بمدرعتين و كان الملازم الثاني الاحتياط محمد جواد غصيبة يرافق هذه المدرعات و وعدني بأرسال غيرها خلفي بعد حركتنا و ركب سيارة اللاندروفر في الخلف مع بعض ضباط الصف حاملي الغدارات و وجهت غدارتي صوب العقيد طه البامرني و تقدمنا الى قصر الزهور وخلفي أحدى المدرعات , وأعتقد بأن المدرعة الثانية ذهبت من الشارع الثاني المؤدي الى الفوج , وعند وصولنا الى منتصف الطريق شاهدت أحدى الدبابات قد عقبت المدرعة , فطلبت من سائق سيارة اللاندروفر أن يقف حتى تصل الدبابة , اجتازت الدبابة المدرعة حتى وصلت أمام المدرعة و وقفت على مسافة 50 ياردة من سيارتي , فأستغربت من وقوفها ونزلت من السيارة لأرى السبب ! , فشاهدت ضابطا برتبة رئيس أول في الدبابة , فسألته عن عدم تقدمه ؟ فهمس في أذني عند صعودي الدبابة بأنه ليس عنده عتاد وأنه ينتظر وصول العتاد الان , فقلت له : تقدم ( للهيبة ) وتقدمت بسيارتي وأعقبتني الدبابة والمدرعة وعند وصولنا الى مسافة 100 ياردة شاهدت حرس قصر الزهور يصوبون بنادقهم نحونا , فأقترح العقيد أن يترجل هو بنفسه اليهم وكنت أسير على مسافة عشرة ياردات منه , فأخذ يصفر اليهم ويطلب منهم ألقاء سلاحهم , فتقدمت مع ضباط الصف وجردت الحرس من أسلحتهم وعتادهم وأبدلتهم بحرس من ضباط صف المشاة , ثم دخلت الفوج بعد أن دخلت أمامي الدبابة , استلمت المشاجب ومفاتيحها و وضعت جماعة حرس عليها وبعد قليل والعقيد نوري الراوي آمر اللواء الجديد وسلمته المفاتيح والفوج و رجعت للمدرسة ثم الاذاعة --وأخبرت -العقيد عبد السلام محمد عارف بما حصل- فأجابني ( عافرم زين سويت )
في الختام أود أن اضيف بأن ضباط وضباط صف دورة تدريب المشاة مراتب مدرسة المشاة كان لهم أثر كبير في انجاح الهجوم على الرحاب أقسم بالله العظيم وبرسوله بأن كل كلمة في هذا التقرير صحيحة و دقيقة وقد توخيت من هذا التقرير أن اذكر دوري والاشخاص الذين صادفتهم خلال -عملي- في الهجوم ويجوز أن يكون هنالك بعض الاشخاص الذين قاموا بأعمال أخرى لم اصادفهم في طريقي لذلك اقترح أن يكتب كل شخص عن دوره لكي تكون القصة كاملة .
التوقيع م .أول عبد الستار سبع العبوسي
607 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع