تأريخ الإحتفال بذكرى تأسيس الجيش العراقي
بعد أيام قليلة تمر علينا ذكرى عزيزة على قلوبنا ذكرى تأسيس الجيش العراقي الباسل.
تنويه:إستلت هذه المعلومات من كتاب (صفحات من تأريخ العراق المعاصر 1914- 1958) مذكرات الفريق الأول الركن صالح صائب الجبوري المبينة صورته أدناه وهو برتبة فريق أول ركن سنة 1949
الذي شارك في الحرب العالمية الأولى ضمن الجيش العثماني في مختلف جبهات القتال وخاصة جبهة القفقاس ضد الجيش الروسي وهو أحد الضابط الذين لهم الشرف بتأسيس الجيش العراقي الباسل سنة 1921 وشغل عدة مناصب قيادية وأخرها منصب رئيس أركان الجيش العراقي الباسل للفترة من (25 كانون الأول 1944 لغاية تموز 1951) والشخص الذي قام بتحقيق هذه المذكرات غني عن التعريف وهو اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس أطال الله في عمره ومَنً عليهِ بالصحة والعافية.
يعتبر يوم تأسيس الجيش العراقي من أيام الأعياد الوطنية التي يحتفل بها العراق كل عام ، وقد بدأ هذا التقليد عام 1946 كما بين صاحب المذكرات ، فقد كان أول من أمر الإحتفال بهذا اليوم ، وإستمر الإحتفال بعد ذلك سنوياً تحت مسمى يوم الجيش ، وأعتبر من الأعياد الرسمية ، حتى يومنا هذا.
في 25 تشرين الثاني-نوفمبر 1920 تألفت الوزارة النقيبية الأولى ، وفي 6 كانون الثاني-يناير 1921 شرع وزير الدفاع ، الفريق جعفر العسكري في تأسيس دوائر مقر وزارة الدفاع ، وقد أعتبر هذا اليوم تاريخاً لتأسيس الجيش العراقي ، وحين حل عام 1946 إنتهز( ر أ ج ) هذه الفرصة ، فرصة مرور ربع قرن على تأسيس الجيش ، أوعز بالإحتفال بهذه المناسبة ، التي سميت (اليوبيل الفضي) ، وقد أتخذت إجراءات كثيرة لهذا الإحتفال ، فقد تكلم عدد كبير من السياسيين وقادة البلد، وكتابه وأدبائه ، سواء في دار الإذاعة العراقية التي خصصت برامج خاصة لهذه المناسبة ، أو في الصحف ، كما أقامت النوادي العسكرية في العاصمة والمدن الأخرى التي توجد فيها قطعات عسكرية أو قيادات إحتفالات مماثلة .
جرى كل هذا تجاوباً مع الشعور العام الذي كان متبادلاً بين الجيش والشعب.
وقد تم طبع كتاب سجل فيه تأريخ صنوف الجيش العراقي ومواقفها الحميدة بأقلام قادتها وآمرائها ، إلى جانب كلمات وتحيات الأدباء والسياسيين والكتاب.
وإستمرت عادة الإحتفال بذكرى تأسيس الجيش العراقي في كل عام ، إلى أن أصبح هذا التاريخ يوم عطلة رسمية في البلاد.
إستعراض طلاب الكلية العسكرية في 6 ك2 1965
فيما يلى نص الخطاب الذي أذاعته الإذاعة العراقية في بغداد في يوم 6 كانون الثاني-يناير 1946 بمناسبة اليوبيل الفضي للجيش:
" يوم الجيش "
(( نحتفل اليوم باليوبيل الفضي للجيش العراقي لمناسبة مرور ربع قرن على تأليفه ، فهذا اليوم من أيام الشعب العراقي الغراء ، ويجب علينا أن نذكره بحفاوة وإجلال ، إذا ما تذكرنا بأن الجيش للأمة الفتيه الناهضة هو عمادها ، ودعامة عزها ، ورمز مجدها ، ومرتكز كيانها ، وقد تعلمنا من أحداث التأريخ ، ومن ماضيه الغابر، وأمسه الدابر، وحاضره الراهن ، بأن سعادة الشعوب والأمم ، وتمتعها بالحرية ، لا تتأتى إلا إذا إستندت إلى القوة، وأن كفاح الشعوب وصراعها ، من أقدم العصور إلى يومنا هذا، كان قائماً لصد العدوان ، وصيانة الحقوق ، وإيقاف الظلم عند حده ، وإستتباب الأمن ونشر الحق والعدالة والحرية بين البشر.
ولقد كان القول الذي أخذ للزمن أهبته وللطوارئ عدته ، دائما أبداً، هو المنتصر الظافر، ينعم برفد الحياة ويهنأ بالعز والمجد.
إن الجيوش في العالم من حيث كيانها وأهميتها وأثرها في الفتوح والدفاع عن حياض الوطن وصد العدوان، ذات علاقة وثيقة بكيان الشعوب التي تؤلفها ، ولقد مر زمن على الأمة العربية الخالدة ، كان لها جيشها الضخم الرائع ، الذي إهتزت من صولاته متون الزمن ، وإرتعدت من فتوحاته فرائص التأريخ ، وإرتدت أمامه عوادي الظلم، وإنتشرت تحت ظل راياته العدالة والأمن والحرية والسلام ردحاً من الدهر غير قصير، حتى دار الزمن دورته ، وقلب لهذه الأمة العزيزة ظهر المجن، وكان ما كان من تأخرها وتردي شئونها، كما يحز إستذكاره في نياط القلب، ويؤلم نفوس المؤمنين الأحرار، وبعد أن تشتتت تلك الإمبراطورية العربية العتيدة ، وتقطعت أوصالها، وتلاشى كيانها وإستسلمت لكوارث الزمن، وإستكانت لطغيان القوة الغاشمة تحت كابوس بغيض، فترة غير قصيرة، عاودتها الحياة، وشعرت بثقل الوطأة ، فإنتفضت من كابوسها الخادع إنتفاضة الحي الذي لا يقوى الزمن على إهلاكه وإبادته ، ففتحت عيونها للنور، ووقفت على أقدامها الضعيفة المرتعشة تستنشق نسيم الحياة والحرية لتستعيد قوتها ونشاطها.
وكان العراق من بين أجزاء تلك الإمبراطورية العربية التي تطلعت للحياة والحرية ، أفاق من غفوته ونهض بعد كبوته، وأخذ يدرج ويترعرع ويتلمس أسباب المدنية ووسائل الحضارة ، ليعقب مواكب الأمم الناهضة التي تسير أمامه في ميادين الحياة ، ومجالي القوة والنشاط ، ليستعيد عزه المندثر ومجده الغابر.
إن أول ما فكر به، باني مجدنا العراقي، وواضع أول حجر أساسي في بنائه الجديد المغفور له الملك فيصل الأول، هو الجيش ، فقد فطن بثاقب فكره، وحصيف رأيه، ونافذ بصيرته، أن المملكة العراقية لا تتكون إلا إذا إرتكزت على دعائم من القوة ، وإن كل أمر لا يرتكز على القوة فمصيره إلى التلاشي والإضمحلال ، فشمر جلالته وصحبه المخلصون البرره عن ساعد الجد ووضعوا الحجر الأساسي لكيان الجيش العراقي ، فكان هذا الجيش شأنه شأن أي كائن حي في البداية، صغيراًً ضعيفاًً لا يزيد عدده عن بضعة أفواج، أما عدته ووسائله فكانت بسيطة محدودة ، وقل كذلك عن صنوفه ووسائط تكوينه وتنشأته وتدريبه ، ثم أخذ الملك الكريم وأعوانه المخلصون، يبذلون كل غال من المال ومجد من الأعمال، في سبيل تنشيط هذا الجيش، الناشيء وتقويته وتشجيعه، وساعدهم على ذلك أبناء الشعب العراقي، وتشجيعهم أياه وهم يرقبون نشوءه ونموه بكل غبطة وبِشر حتى إشتد ساعده وصلب عوده وقويت شكيمته وتنوعت قابلياته وزاد عدده وتفرعت صنوفه وتوسعت آفاقه وتجددت وإستكملت أسبابه، وظهرت لياقته وإزدهرت ثقافته وإستبانت مزاياه وتجلت لأعين الوطنيين الغيارى مقدرته ففرحوا وإغتبطوا وإستبشروا.
ولا حاجة هنا لتفصيل ما قام به من أعمال مجيدة في إستتباب الأمن وحفظ الكيان ونشر النظام والإنتظام، لقد أصبح جيشنا الآن بعد التطورات التي مرت عليه لايستهان به من حيث العدد، وهو آخذ بالإزدياد وبما تتطلبه الظروف والأحوال، والجهود مبذولة لتكملة حاجاته من الأسلحة والمعدات الضرورية ليضاهي بسلاحه، بالنسبة إلى حاجته، جيوش الأمم الحديثة، فلم يعد الجيش كما كان أول نشأته مؤلفا من المشاة والخيالة والمدفعية ، وإنما دخلت تكوينه كل صنوف الخدمة العسكرية، كالقوة الجوية، والقوة النهرية، وهندسة الميدان، والمخابرة، بأنواعها المختلفة ووسائطها المتنوعة، والوحدات الميكانيكية، والآلية والصنوف المعاونة والخدمات الإدارية الأخرى.
وخطا الجيش في هذه الحقبة خطوات خطيرة أخرى، وذلك في تأسيس الكليات والمدارس العسكرية ، فقد تأسست الكلية العسكرية الملكية لتنشئة الضباط سنة 1924 م ، وطبق للتدريب فيها منهجاً عصرياً حافل بالدروس العسكرية، والنظرية، والتطبيقات والتمارين العملية، فخرجت هذه الكلية الافاً من الضباط . ولما تقدم الجيش، ومست الحاجة إلى ضباط يقومون بواجبات الأركان العامة، تأسست كلية الاركان سنة 1928 ، فإنتسب اليها عدد غير قليل من الضباط النابهين ، وتلقوا المحاضرات النظرية والتمارين العملية والجولات الميدانية، على أيدي أساتذة مهرة متخصصين، فعادت خدماتهم بعد تخرجهم منها إلى الجيش بأتم الفوائد وأطيب النتائج.
وغير هاتين الكليتين، عشرات من مدارس مهنية إختصاصية وفنية ، هذا فضلاً عن الدورات التي تفتح من آن إلى آخر لتنمية قابلية المنتسبين إلى الجيش بمختلف صنوفهم وأعمالهم مما تضيق هذه العجالة بذكرها وشرح مناهجها وأعمالها، وذلك علاوة على البعثات العسكرية الموفدة لمختلف المدارس والصنوف الفنية.
ويضيق هذا العرض السريع كذلك عن تبيان المعامل العسكرية التي تأسست بقدر ماسمحت به الظروف المالية والإعتبارية الأخرى .
ومن الفوائد الجلّى، والنتائج الباهرة التي عادت على المجتمع العراقي من تأسيس الجيش ووجوده بين ظهرانيهم، فضلاً عن كونه حامياً لتخوم الوطن وحارساً أميناً لشرفه و منعته وداعياً إلى هيبة المملكة ومداعاة لعزها وفخرها، إن الجيش كان ولايزال مدرسة ضخمة لتعليم سواد الشعب وتهذيبهم، فلا يخفى على كل عراقي ماكانت عليه حالة العراق بسبب تفشي الأمية والجهل بين الطبقات العامة قبل خمس وعشرين عاماً، وإن العدد الهائل من الأفراد الذين إنخرطوا في سلك الجيش خلال هذه المدة، فضلاً عن كونهم تدربوا على الأعمال العسكرية والقيام بواجباتهم خير قيام ، فقد أصبحوا بعد أن إنتهت خدماتهم وتسرحوا، أعضاء نافعة عاملة ، فقد تعلموا القراءة والكتابة، والمعلومات العامة، بعد أن كانوا أميين، وتطبعوا على النظافة وتعودوا النظام والطاعة والأمانة والإستقامة في إداء الواجب وطبعوا على الإخلاص والتضحية في سبيل الوطن والعرش ، كما أن معظمهم تسرح من الجيش وبيده صنعة نافعة تعينه على العيش وتجعل منه عضواً مفيداً في المجتمع، كل ذلك كان يتم بمنهج خاص، وساعات معينة، كانوا يتلقون أثناءها الدروس والمحاضرات والنصائح والإرشادات.
هذه لمحة خاطفة عن نشأة الجيش العراقي ونموه وتدرجه نحو الكمال نسردها مغتبطين لمناسبة الإحتفال بيوبيله الفضي.
لقد برهن هذا الجيش في مختلف الظروف والأحوال، بأنه حارس الوطن الأمين وحامي حمى العرش.
إن هذا الجيش الذي أسسه الملك الباني، المغفور له فيصل الأول، قام بأعمال وطنية جبارة مشرفة، سجلها التأريخ بالفخر والمباهاة، وسيظل دائماً على أهبة الإستعداد للتضحية في سبيل الوطن والعرش، تحت ظل صاحب الجلالة، شبل الأسود، فيصل الثاني المفدى ، لاسيما وله من سمو الوصي الأمين، وولي عهد المملكة، الأمير عبدالإله خير ظهير، وأكبر نصير، وأعظم مشجع. ولايسعنا إلا أن نطمئن الإطمئنان كله بأن الجيش العراقي سيبقى كالطود الأشم، لا تزعزعه أعاصير الدعايات الدخيله، مادام يلقى من سمو الأمير النبيل، والغيارى من أبناء الوطن العزيز كل تشجيع وتقدير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)).
هوامش وملاحظات المحقق
(1) اليوبيل هو تعريب للكلمة الانكليزية Jubilee أي الذكرى أو الأبتهاج. وجرت العادة ( الغربية) والتي أصبحت عالمية،على تقسيم اليوبيل إلى الأقسام الأتية: اليوبيل الفضي ويكون بمرور 25 عاما على المناسبة، واليوبيل الذهبي بعد 50 عاماً على المناسبة، واليوبيل الماسي بعد مرور 75 عاماً، أما اليوبيل البلاتيني فيكون بعد مرور100 عام. وهكذا كان إحتفال العراق بحلول الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس جيشه الباسل وسياجه المنيع يوم 6/ كانون الثاني-يناير / 1946 إحتفالاً بيوبيله الفضي. وكانت تلك هي المرة الأولى التي يحتفل بها العراق بهذه الذكرى ، والتي أصبحت ممارسة تتكرر سنويا ، إلى أن أُتخذ يوم 6 كانون عيداً وطنياً في ما بعد وإعتبر عطلة رسمية .
استعراض بعض قطعات الجيش العراقي بشارع الرشيد يوم 6 كانون الثاني- يناير عام 1946 بمناسبة يوم الجيش وتبدو بعض سيارات القوة الآلية للجيش حينذاك.
معرض الخيل الملكي من الفعاليات الرياضية المحببة في عراق العهد الملكي يشارك به كل محبي الفروسية والخيول عسكريون أم مدنيون والصورة لقصاصة من احدى صحف بغداد لسنة 1946 تبين شرحا للمهرجان المذكور ويرى صاحب المذكرات واقفا خلف ملك البلاد فيصل الثاني الذي لم يكن قد توج بعد.
3270 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع