قصة مصرع عبد الله الصانع مدير الداخلية العام
قصة مصرع الاستاذ عبد الله بك الصانع المدير العام في وزارة الداخلية العراقية في اواخر العشرينات من القرن الماضي بسبب رغبته في الزواج من فتاة من ال السعدون وهم من بني هاشم أشراف العرب ، قصة محزنة لها ابعادها التاريخية والاجتماعية وكان لها صدى كبيرا ليس في العراق وانما في كل الوطن العربي وفي مصر ولبنان خاصة .
كتبت مجلة (اللطائف المصورة ) القصة وذكرتها بالتفصيل مع الصور .كما كتبت الكاتبة اللبنانية الشهيرة الاستاذة مي زيادة مقالا عنها .
واهتمامي بهذا الموضوع والكتابة عنه جاء بسبب سؤال وجهه لي الاخ المهندس محمد أحمد الصانع عبر البريد الخاص في صفحتي الفيسبوكية وقال لي انه لايعلم شيئا عن عبد الله الصانع ولايعلم عنه الا انه كان متصرفا للواء الموصل في عشرينات القرن الماضي وانه كان احد اعضاء لجنة ترسيم الحدود العراقية –التركية وانه ( توفي ) تقريبا سنة 1933 وقال انه عبد الله بك بن احمد باشا بن عبد العزيز الصانع من ال الصانع في البصرة .
عدت الى ارشيفي الشخصي ، وانا اعرف ان عبد الله بك الصانع كان متصرفا للواء الموصل من 20 آب سنة 1927 الى 11 نيسان سنة 1930 ، فوجدت ان ثمة تقارير تشير الى ان ال الصانع اسرة بصرية معروفة وليس كما قيل انها اسرة فقيرة متواضعة ولد في البصرة وعندما احتل الانكليز البصرة سنة 1914 دخل في خدمتهم فعينه الانكليز معاونا للحاكم السياسي في البصرة .
كانت اسرة الصانع تشتغل بصنع حذوات الحصان ونسميها نحن في الموصل (النعلبندية ) ولدينا عدة أسر كانت تمتهن هذه المهنة .
وبعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة سنة 1921عين – لخبرته في الادارة – متصرفا في عدة الوية عراقية منها لواء الديوانية ولواء الكوت ولواء العمارة ( 1 تشرين الاول 1924 ) ولواء الموصل ولواء بغداد ثم عين مديرا عاما في وزارة الداخلية وكان يحمل شهادة كلية الحقوق وكان ذكيا واداريا حازما ، فأحبه الملك فيصل الاول ملك العراق الاسبق 1921-1933 وقربه واعتمد عليه واحدا من العناصر التي بنت الادارة المدنية في العراق المعاصر .
مشكلته التي كانت وراء مصرعه ، هي انه اراد ان يقترن بإبنة عبد المحسن السعدون رئيس الوزراء العراقي الذي انتحر سنة 1929 وقصة انتحاره معروفة .
الذي يهمنا ان نذكر ان ابنة عبد المحسن السعدون التي اراد عبد الله الصانع الزواج بها،ذهبت بعد انتحار والدها للعيش مع والدتها التركية الاصل في سوريا .
البعض يحاول ان يقلل من شأن عائلة الصانع ، ويقول انها لم تكن بمستوى ال السعدون من ناحية العرف العشائري، لكني ارجح ان ثمة عداء وتنافس كان بين زعماء ال السعدون وال الصانع، وليس كما قيل ان ال السعدون الذين كانوا يمثلون النخبة في الارستقراطية القبلية العربية وجدوا حرجا في ان يزوجوا ابنتهم لرجل من ال الصانع كل ما عنده من مزايا ان مركزه السياسي كان قويا .
وقد يكون لموقف وتعاون الصانع مع المحتلين الانكليز وممالئته المبكرة لهم منذ احتلالهم البصرة دور كبير في قتله حيث كان الرجل من اوائل معاونا للحاكم السياسي في البصرة ، وهي وظيفة خطيرة ومؤذية في نظر الوطنيين العراقيين الذين كانوا ينظرون الى الانكليز كمستعمرين وطأت جيوشهم ارض البصرة وعاثت فيها تدميرا وفسادا .ومن هنا جاء رفضهم لتزويجه ابنتهم رفضا قاطعا .
وتتضح لنا اهمية هذه الملاحظة اذا علمنا ان ال السعدون شيوخ المنتفك كان لهم دور ريادي ، ومتميز –كما يقول الصديق الدكتور حميد حمد السعدون – في كتابه : ( حكايات عن المنتفق ) في معارك الجهاد ضد القوات البريطانية المحتلة التي نزلت البر العراقي في مدينة الفاو في تشرين الثاني سنة 1914 مفتتحة مشروعها الاحتلالي للعراق وكان نصف الذين احتشدوا في الشعيبة من المجاهدين الذين قدر عددهم ب(18 ) ثمانية عشر الف مقاتل من رجال المنتفك تحت قيادة المجاهد عجمي باشا السعدون الذي غدا مضرب الامثال في الشجاعة والشهامة الوطنية والقومية العربية .
ومعنى هذا ان نظرتهم الى عبد الله الصانع وهو يعمل مع الانكليز كانت سلبية وكانوا يكرهونه لهذا السبب .
لكن لابد من الاشارة الى ان عبد المحسن السعدون نفسه كان متزوجا من إمرأة تركية متحضرة وانها كانت تتـأفف من اهله وتكره زيارتهم حتى ان احد اسباب انتحار السعدون هو موقف زوجته من زيارة اهله واستنكافها منهم ومن عاداتهم القبلية .
مهما يكن الامر ؛ فإن عبد الله الصانع ، استطاع وبدعم وتأييد من الملك فيصل الاول ان يخطب الفتاة من امها ، وقد وافقت وحدد موعد الزفاف والزواج ، لكن ال السعدون او لنقل عدد من زعماءهم سارعوا لمنع الزواج وارسلوا وفدين الى الملك فيصل الاول ليطلبوا منه التدخل .فشل الوفد الاول في مهمته .وكان الوفد الثاني بقيادة الشيخ ثامر بك السعدون و الشيخ ضاري بك السعدون وقد استقبلهم الملك لكن المقابلة شابها بعض الغلظة في الكلام وسمع الملك كلمات عدها تهديدا بالقتل للصانع وللبنت فغضب الملك وانهى اللقاء واتهمهم بتحدي السلطة والتطاول عليها .
في المرة الثانية كان الشيخ عبد الله الفالح بك بن ناصر بن راشد بن ثامر السعدون متألما مما حدث . وقد وقر في ذهنه ان شرف ال السعدون في خطر ، لذلك دعا أخيه عجمي السعدون وكان في تركيا واخاه الاخر سعود السعدون ان يحضرا اليه وقد حدث اجتماع بين الثلاثة وقرروا ضرورة القيام بعمل يحول دون اتمام الزواج واتفقوا على قتل عبد الله الصانع المدير العام في وزارة الداخلية وتفاقم الامر عندما سمعوا اخبار عقد القرآن وان الابنة تهيئ نفسها للسفر الى سوريا حيث يتم الزواج هناك .
ويقال ان الشيخ عبد الله الفالح السعدون عاد الى البيت ونادى زوجته بغضب ولم ترد عليه فلما قال لها لماذا لاتردين وانا زوجك اجابت انها لم تعد زوجته ولاتعود الا بعد ان يبشرها بقتل عبد الله الصانع وهكذا اخذ مسدسه وغادر الدار وتوجه بسيارته الى بغداد ودخل وزارة الداخلية والتقى عبد الله الصانع الذي استقبله بكل ادب واحترام ، وسأله عن سبب زيارته فأجاب وقد رفض شرب القهوة انه جاء لمنع الزواج وشهر مسدسه واطلق النار على عبد الله الصانع وارداه قتيلا في الحال ثم بقي جالسا الى ان دخلت الشرطة واعتقلته معترفا بجريمة القتل .
وقد سمعت رواية تقول :" أن الشيخ عبد الله الفالح السعدون سافر الى بغداد ودخل على عبد الله الصانع وظن الصانع أن الشيخ عبدالله جاء للتهنئة.وتكلم الشيخ قائلا : وأخبره ألم انهك عن هذا الزواج ياصانع وجرت ملانسة بين الاثنين وسحب الشيخ مسدسه وقتل الصانع" .
وقد طلب الملك فيصل الاول محاكمته وتولى قاض انكليزي محاكمته واصدر عليه حكم الاعدام لكن تدخلات شيوخ الخليج العربي والعراق وعمان واليمن والملك عبد العزيز ال سعود ملك المملكة العربية السعودية اجبرت الملك على التوصية بتخفيض الحكم الى (20 ) سنة ثم بعد ذلك عاد بقرار استرحام فخفض الحكم ثانية الى سنة واحدة واطلق سراح عبد الله الفالح السعدون وعاد الى البصرة واستقبل هناك من ال السعدون بحفاوة شديدة .
وقد سمعت ايضا رواية تقول :" أنه نظرا لمركز الشيخ عبد الله وكبر سنه فقد أصدر الملك فيصل الاول عفوا خاصا بعد قضائه مدة يسيرة في السجن وصدور تقرير طبي من لجنة طبية بان حالة الشيخ عبدالله الفالح السعدون الصحية لا تسمح له بالبقاء فيْ السجن" .
فيما يتعلق بتخفيض الحكم هناك حكايات لرواة سمعتها يقولون :" ان وفدا من عشائر المنتفك والسعدون وفي مقدمتهم الشيخ ثامر سعدون المنصور وكبار السعدون والمنتفك والشيخ زامل المناع كان معهم دخلوا علئ الملك فيصل الاول وقام الشيخ زامل بشق ثوبه امام الملك حين دخوله فقال الملك إستر علئ حالك ياشيخ زامل ، فرد الشيخ زامل الله لا يستر عليك تريد تعدم الشيخ عبدالله الفالح ... وتكلم الشيخ ثامر فقال له يا جلالة الملك حتئ ازلامنا واولادنا يسالونا لو نعدم الشيخ عبدالله الفالح منين ناخذ الثار فرد عليه الملك يابيك ثامر انته جاي تهددني قالوا لا ولكن انقل لك واقع الحال... وبعدها اصدر العفو الملكي على الشيخ عبدالله الفالح السعدون وعند وصوله لكتيبان حيث يسكن نزل من السيارة وأزلامه تنثر زعفران وهيل وعبدالله الفالح يمشي عليها..." . ولااعلم دقة وصحة هذه الرواية .
انتقدت الكاتبة اللبنانية مي زيادة الحادثة ومصرع عبد الله الصانع وكتبت مقالا رثت فيه حال المرأة العربية التي كانت التقاليد والارث العشائري يؤثران على مسقبلها وخياراتها .
كما غطت (مجلة اللطائف المصورة ) في عددها الصادر في مطلع سنة 1933 وهي مجلة مصرية تهتم بالجرائم والقتل تأسست سنة 1915 وصاحبها اسكندر مكاريوس الحادث في صفحة مصورة كاملة وبعنوان ( مأساة بغداد – عراقي يقتل عراقيا ليثأر لأسرته ) ، اظهرت ان الجاني الشيخ عبد الله بك الفالح السعدون (توفي سنة 1952 ) وهو شيخ عشائر المنتفك انذاك كان جالسا في غرفة مدير الداخلية العام بعد ارتكاب الجريمة وان الشرطة قد دخلوا لاعتقاله. كما نشرت صورة لعبد الله الصانع .ويعد هذا العدد من المجلة مصدرا مهما من مصادر هذا الحدث التاريخي المهم في تاريخ العراق المعاصر .
3272 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع