"سمفونية المحبة نينوى التي ألفها اهلها في زمن الآشوريين، هي نبع العاطفة والمحبة لدى كل العراقيين"
كما هو معروف ومتأصل لدى العراقيين والأنسانية فأن الموصل هي مدينة السحر والجمال والحضارة وهي التي تتمتع بكل جوانبها وألقها بنسيج اجتماعي وانساني رائع لم يعرف التاريخ مثالا له في العطاء والالفة والمحبة والتقدير، مدينة فيها عذوبة الماء، ولطف الهواء، وذكاء ورقة سكانها، إضافة إلى أهمية المكان والجغرافيا، والأهم من ذلك كله أنها كانت الوريثة لأهم الحضارات الكبرى المتعاقبة في بلاد ما بين النهرين، هي سحر الشرق وعنوانه وشامة الدنيا وزينتها،، وبذلك أصبحت مفتاحاً للمبادلات بين بلاد الرافدين وبين سورية وفلسطين ومصر ومن ثم بين الشرق والغرب
تعد الموصل من المدن القديمة ولا تزال مأهولة في التاريخ، إذ يذكر العدد. تشتهر المدينة بتراثها المتعدد وتفخر بآثارها، حيث يوجد فيها تل "قينجوق" وهو تل أثري يحيط بمدينة نينوى الأثرية وسط الموصل ويضم بوابات شمش ونركال وغيرها، ولها الفخر لكونها موطنا لكثير من الانبياء والمدفونين فيها، ومنهم النبي يونس وشيت ودانيال وجرجيس، مزروعة بالأديار والكنائس منها ما يعود إلى القرن الرابع والخامس والسادس والسابع. كذلك تزيّن المدينة جوامع ومبان ذات قيمة دينية وفنية ومعمارية كبيرة تعود بتاريخها للقرن لثاني عشر الميلادي، ومنها منارة الجامع النوري المائلة، والتي تمثل أقدم طبقة محفوظة بشكل جيد عن عمارة تراث الموصل، كما تفخر الموصل بمتحف التراث الحضاري في الموصل الذي تم افتتاحه عام 1951، ويعد ثاني أقدم وأكبر متحف عراقي بعد المتحف الوطني بطابع معماري جميل، وفيها ، والتي تمثل أقدم طبقة محفوظة بشكل جيد عن عمارة تراث الموصل ، كما وُجدت فيه آثار تعود إلى فترات زمنية مغرقة بالقدم، وفق مصادر تاريخية. مرت على المدينة أغلب الحضارات الإنسانية، إذ تشير المصادر التاريخية إلى أن أغلب الأمم التي عُرفت قبل الميلاد سكنت في نينوى، بذلك أصبحت مفتاحاً للمبادلات بين بلاد الرافدين وبين سورية وفلسطين ومصر ومن ثم بين الشرق والغرب.
اقام الاشورين مملكتهم في شمال البلاد في نينوى وصادف قيام السلالة الكشّية نمو المملكة الآشورية في القسم الشمالي من العراق. فبدؤوا ينازعون الكشيين زعامة البلاد السياسية، والآشوريون فرع من الأقوام الجزرية التي هاجرت في الأصل من شبه جزيرة العرب، وهناك نظرية أخرى مفادها أنهم جاؤا من جنوب العراق من أرض بابل وحلوا في شمالي بلاد الرافدين في زمن لعله في العهد الأكدي ومما يدعم ذلك أنهم يتكلمون بلهجة من اللهجات البابلية، ويرى غالبية المختصين أن اسمهم مشتق من اسم معبودهم الإله آشور.
تقع نينوي على الضفة الشرقية لنهر دجلة، في مملكة آشور القديمة، على الضفة المقابلة لمدينة الموصل الحديثة، أُقيمت مستوطنات في نينوي للمرة الأولى بحلول عام 6000 قبل الميلاد تقريبًا، بدأ الآشوريون في هذا العهد ببناء مملكة قوية موحدة مستقلة، وبحلول عام 2000 قبل الميلاد، صارت المدينة مركزًا لعبادة إلهة الخصوبة عشتار، ظهر منهم ملوك أقوياء مثل (إيلو – شوما) الذي عاصر مؤسس سلالة بابل الأولى وكذلك شمشي أدد الأول (1814 – 1782 ق.م.) الذي بلغت المملكة في زمنه من القوة ما مكّنها من فرض سلطانها على القسم الشمالي من بلاد بابل
ودأب الآشوريون على تنمية كيانهم السياسي, تعرضوا فيه إلى سلسلة من الامتحانات والمصاعب بسبب ضغط الدول والأقوام التي كانت تجاورهم, خرجوا من كل ذلك أشداء أقوياء إذ خلقت منهم قوة عسكرية رهيبة فرضت سلطانها على شعوب العالم القديم لعدة قرون تلت.
ويعد شلمنصر الأول (1266 – 1243ق.م.) من أعظم ملوك هذا العهد سيما في حقل التوسع والفتوح الخارجية بعد أن توطدت شؤون المملكة الداخلية في عهده، حوَّل سنحاريب (الذي حكم في الفترة ما بين 704-681 قبل الميلاد) نينوي إلى مدينة عظيمة عن طريق إنشاء الشوارع والميادين وشق قناة جديدة داخل منطقة مسوَّرة، كما شيّد قصرًا فسيحًا وفخمًا، ولقد تدهورت الأوضاع الآشورية في أواسط القرن الثامن قبل الميلاد انتهت بثورة قامت بها مدينة (كالح) الآشورية على الملك (أشور– نراري) الخامس, فقتل وتولى زمام الأمور تيجلاتبليزر الثالث (745-727ق.م.) الذي بدأ عهدا جديدا في تاريخ الآشوريين تكونت فيه آخر وأعظم إمبراطورية آشورية حيث صارت فيه مجددا سيدة الشرق القديم، وكان من أعظم إنجازاتها توحيد بلاد بابل وآشور في مملكة واحدة.
يعد الملك سرجون الثاني (727 – 705 ق.م.) واحدا من أعظم ملوك هذه الحقبة ليس فقط بسبب إنجازاته الفنية والمعمارية العظيمة والتي كان منها تشييد عاصمة جديدة قرب نينوى أطلق عليها اسم (دور شروكين) أي مدينة سرجون والتي تعرف خرائبها بـ (خرساباد) في الوقت الحاضر، كما عرف بفتوحاته الخارجية العظيمة منها القضاء على المملكة اليهودية الشمالية (السامرة) بسنة 721 قبل الميلاد وترحيل الكثير من سكانها إلى أماكن أخرى داخل حدود الإمبراطورية الآشورية. وكذلك قضاؤه على التحالف بين الفراعنة والدويلات الصغيرة في فلسطين وسوريا، وكان المصريون قد أرسلوا جيشا قويا لمساعدة قوات التحالف، فتصادم الجيشان قرب مدينة رفح تمخضت عن اندحار قوات التحالف وفرار القائد الفرعوني.
آشوربانيبال(668-626ق.م.) فيعد من أكثر ملوك هذا العهد ثقافة فقد أغرم بالأدب والمعرفة فجمع الكتب من أنحاء البلاد وخزنها في دار كتب وطنية خاصة شيّدها في عاصمته نينوى جمع فيها مختلف أصناف العلوم والمعارف التي بلغتها حضارة العراق والتي عّرفتنا بنواحي الحضارة العراقية القديمة المختلفة.
ولكن اهلها المسيحيين في القرون من 2 إلى 6 للميلاد، انتقلوا إلى الضفة اليمنى من نهر دجلة لكي يأمنوا على ارواحهم من غزوات الفرس الساسانيين، وفي الكتابات التي خلدها المسيحييون كانت تسمى بنينوى فمار اسحاق النينوى ولد وترعرع في نينوى الغربية واليوم نرى بقايا الكنائس والاديرة على ضفتي النهر، وفيها يقع اقدم دير، وهو دير مار متى، الذي بني فوق قمة جبل عال.
لم يكن احد يعرفها باسم الموصل، حتى جاء العرب وسموها بالموصل فالمعالم الحضارية لنينوى الاشورية باقية في الضفة اليسرى ومعالمها المسيحية تقع في الضفة اليمنى واليسرى أيضا، ويشير الباحث يونس الى ان «القبائل العربية هي التي بنت ووسعت الموصل، كما ان الولاة في العصر الاسلامي كانوا اول ما يبنوه هو المسجد ودار الامارة، وهكذا بدأت هذه المدينة تتطور في العهد الاموي ومن ثم العباسي اذ بلغت ذروتها وحافظت على هويتها كمدينة علم وترجمة وتأليف لكثرة شعرائها وعلمائها». ويقول ان "مدينة حلب" كانت تابعة الى الموصل، والمدينتان كان يحكمهما وال واحد منذ عصر صلاح الدين الايوبي»، مشيرا الى ان «الجيش المغولي وصلها بعيد سقوط بغداد في 1258 واستباحوا المدينة.
ومن أبرز الملاحم البطولية التي سطرها أهالي الموصل ملحمة التصدي لجيوش شاه قولي الصفوي الذي عرف بعد ذلك "نادرشاه"، ففي 26ايلول 1742م وصل نادرشاه مشارف الموصل بجيش قوامه(150)الفاً، وخيّم يارمجة بالقرب من الموصل واتخذها مقراً له بغية التقدم لاحتلال الموصل، وبعد اجتماع شعبي حماسي كبير نظمه أمراء وعلماء المدينة يتقدمهم حسين باشا الجليلي، أجاب أهالي الموصل الحدباء بخطاب شديد اللهجة، جاء فيه:
" فما وعيدكم عندنا إلا كصرير باب ، أو كما طن في لوح الهجير ذباب ، أفرأيتم أن القصاب يقهره كثرة الغنم، أو الأسد الغشمشم يدهشه تراكم النعم، كلا ستعلمون ثم كلا ستعلمون الرقاع بالقراع، ونحن الأسود الضارية، والسباع الكواسر العادية، أسيافنا صقيلة، وسطوتنا ثقيلة، وحلومنا رزينة، وقلوبنا كالحديد متينة، وبلدتنا بحمد الله حصينة .. فلا سمعا ولا طاعة وأهلا بالسعادة والشهادة، هذه الساعة، فما بيننا إلا ما صنع الحداد من سيوف حداد ورماح مداداً"، وبعد ثلاثة ايام نصب نادرشاه جسراً على نهر دجلة لعبور قواته الى جانب المدينة، وامر ببناء(12)برجاً، زودت هذه الابراج بالمدافع الضخمة التي بدأت بقصف المدينة بشكل مكثف ومن كل الجهات، وعلى الرغم مما احدثته هذه القنابل من التدمير في بعض جوانب السور الا ان اهالي المدينة سرعان ما اعادوا بناء ما تهدم من السور، وامام هذه المقاومة الباسلة التي ابداها اهالي هذه المدينة، صعّد نادرشاه من قصفه للمدينة ومن جميع الجهات، ولمرة ثانية ولمدة خمسة ايام وبدون انقطاع، حتى قدر ما القى على هذه المدينة من قنابل باربعين الف قنبلة، ومائة الف قذية، الا ان تأثير هذه القنابل كان قليلاً لان مفعولها كان يبطل بفعل ابار الخندق القائمة خلف السور، او انها تنفجر في الهواء وبعضها تسقط بين البيوت دون ان تنفجر، فلجأ اهالي المدينة الى جمعها واستعمالها مرة اخرى ضد الجيش الفارسي.
وامام فشل خطط نادرشاه لجأ الى انتهاج سياسة جديدة قائمة على فرض حصار على المدينة، فأمر بتحويل احدى شقتي نهر دجلة عن الموصل، وسد جميع الطرق الموصلة الى المدينة، كما هاجم القرى المحيطة بالمدينة،كما انزل جام غضبه على اليزيدية في سنجار وقتل كثيراً منهم، كما بعث بعض قواته الى التون كوبري التي رفعت راية الاستسلام حال اقتراب القوات الفارسية منها، بعد ان نهب نادرشاه القرى المحيطة بالمدينة وفتك باهلها عاد الى الموصل ليحفر انفاق تحت سور المدينة لنسفه بالبارود، على ان هذه المحاولة هي الاخرى سرعان ما فشلت بسبب عدم انفجار الالغام بسبب الرطوبة، اذ لم ينفجر من الالغام الا اثنان الحقا بالقوات الفارسية ضرراً اكثر مما الحقا باهالي المدينة، بعد حصار للموصل دام أكثر من أربعين يوما، ثبت لنادر شاة أن المدينة عصية على السقوط بيده ويئس منها، لا سيما بعد نفاد مؤنه ، وتكبد قواته خسائر فادحة ، فأنسحب في 4رمضان 1156هـ / 22 تشرين الأول 1743، خاسئا مدحورا بقواته إلى الوسط، ولكن بعد أن كانت تلك القوات قد أفرغت حقدها وعاثت فسادا ، ونشرت الخراب والدمار في قرى الموصل.. وهكذا انتصر اهل الموصل كما عرفهم التأريخ، فقرر نادرشاه فتح باب المفاوضات مع حسين باشا الجليلي والتي انتهت بالتوقيع على الصلح، لقد كان دفاع الجليليين عن الموصل مدعاة الى رفع مكانتهم لدى السلطان العثماني محمود الاول الذي كافأ حسين باشا بتمليكه قرية(قره قوش)، وجاء البريطانيون وهكذ، فالدول الاجنبية والاقوام تعاقبت على احتلاله الواحدة تلو الأخرى دون ان يكون ثمة تغيير يذكر في طبيعة الحياة والحضارة فيه.
الحضر وتقع جنوب غرب مدينة الموصل وهي من المناطق التأريخية انشأت في القرن الاول ق.م كحصن منيع في الجزيرة لحماية القوافل التجارية وكان اول حكامها امير عربي يدعى "سنطروق" وهو ابن الكاهن الاعظم في عهده اكمل بناء معبد شمس.
برطلة بلدة آشورية كبيرة شرقي الموصل تحتل منزلة مرموقة في تاريخ الكنيسة السريانية، بما انجبته من بطاركة ومفارنة ومطارنة، ورهبان وعلماء وأدباء وشعراء، وخطاطين عززوا مكانتها بين الملأ ورفعوا شأنها عاليا، ذكرها كثير من المؤرخين، مدينة الكنائس لكثرة اديرتها وكنائسها أهلها من المسيحين السريان الارثدوذكس والكاثوليك كما يسكن باطرافها الشبك، بعشيقة تقع على بعد12 كيلومتر شمال غرب الموصل، تفيد المصادر التاريخية بأن كلمة "بعشيقة" أو "بحشيقة" آرامية الأصل ومركبة من كلمتي" بيث" و" شحيقي"بيت المنكوبين" ، لها نهر جار يسقي بساتينها، ولها دار إمارة، ويشق النهر وسط البلد، والغالب على شجر بساتينها الزيتون والنخل والنارنج، ولها سوق كبير، وفيه حمامات وقيسارية، وبه جامع كبير، توجد في بعشيقة أكبر المكونات العرقية والإثنية والدينية في العراق من مسلمين وإيزديين ومسيحيين، تشتهر بعشيقة بأشجار الزيتون مما جعلها تتميز بصناعة الصابون وزيت الزيتون، كما تشتهر بزراعة البصل الذي يحمل اسمها باعتباره نوعية مميزة، وتكثر فيها معامل السمسم والطرشي، كما اشتهرت أيضا بصناعة الخمور وأهمها "عرق بعشيقة" الذي يصنع في أكثر من 500 معمل منزلي ولقد تذوق اكثر العراقيين الذين يتعاطون الخمر عرق بعشيقة.
تضم بعشيقة عددا من الآثار التاريخية منها "سي دري" التي تعني في اللغة الكردية الأبواب الثلاثة، كما يحوي جبل مقلوب من جهة بعشيقة معالم قصر ومنحوتات صخرية أيضا تسمى "قصر راست" أي قصر العدالة، وكهف شيخو بكر. ويوجد حول المنطقة حوالي سبعة تلال، قسم منها نقب فيه، والباقي لم يصلها التنقيب بعد، ويقدر عمر هذه الكهوف بأكثر من 700 سنة قبل الميلاد.
الإيزيديون طائفة دينية تنتمي عرقيا إلى اصول عربية او كردية، يتركز تواجدهم في العراق وسوريا، ويعيش أغلبهم قرب الموصل ومنطقة جبال سنجار ، ديانتهم فريدة من نوعها، فهي مزيج من ديانات عدة مثل اليهودية والمسيحية والإسلام والمانوية والصابئة وتختلف معتقداتهم ورموزهم الدينية عن الديانات السماوية الثلاث، فهم يعتبرون الله ربهم ولكنهم يؤمنون بأن الملك على الأرض هو الطاووس الذي يعتقدون بأنه يحكم الأرض بمعية سبعة ملائكة خاضعة للرب الأعلى، ولديهم طقوس خاصة بهم ويشتهرون بصناعة الكحول والحلويات المنزلية، وبسبب معتقداتهم غير المألوفة، غالباً ما يشار إليهم بغير وجه حق على أنهم "عبدة الشيطان"، الشخصيتان الأساسيتان في الديانة الإيزيدية هما: عدي بن مسافر، و"طاووس ملك" الذي ينظر إليه أنه المقابل للشيطان في الديانات الأخرى، في صورة العالم عند الإيزيديين، خلق الله العالم، وهو الآن تحت إشراف سبعة من الملائكة الذين يسمّون "السبعة الأخفياء"، أكبرهم هو "الملك طاووس" الذي يؤمن الإيزيديون أنه ليس مصدر الشر، ولكن مصدر الشر يكمن في قلب الإنسان، تشير المعلومات التأريخية إن الإيزيديين تعرضوا عبر التاريخ لـ72 إبادة جماعية، جعلتهم منزوين عن العالم متقوقعين اجتماعيا، وبات الخوف من الغرباء سمة أساسية في مجتمعاتهم، وكان آخرها من قبل داعش.
تلعفر عريقة بتاريخها واصيلة مشهورة ببسالة رجالها وهم من التركمان تركمان العراق، التي تعتبر البوابة الرئيسية للتركمان، تبعد تلعفر عن مدينة الموصل حوالي 60 كيلومترا الى جهة الحدود السورية وتعتبر تلعفر مركز استراتيجي لكونها قريبة على الحدود السورية من جهة والحدود التركية من جهة اخرى، وتمتلك المساحات الشاسعة من الاراضي الزراعية التي تحيط بها مما يجعلها مركزا زراعيا وتجاريا مهما.
آه يا نينوى الموصل"المدينة العظيمة" التي اطلقها الله عندما خاطب نبيه يونس، قد فاض قلبي من الشوق والحنين لك، ارجعتني الايام والسنين عندما كنا نزورك، حب مدى عمري له، تاخذني ذكراك في كل ان وحين، ارى شذى عطرك ينثر على أرجاء معمورتك، آه يا نينوى الموصل التأريخية التي انجبت وانتجت قادة وافكار، انك دوما تميلين الى التفوق والبروز في اي حقل في الاجتهاد ولأبتكار.
يا محلى الموصل الربيعين وانت النموذج المتفتح بأوراده وزهوره لعراق مصغر من حيث تعايش القوميات العربية والكردية والتركمانية والديانات الاسلامية والمسيحية والإيزيدية، ويا محلى رجالها في العلم والمعرفة والموسيقى، يامجلا رجالها الاقوياء والشجعان الذين ذكرهم التاريخ وما الجيش العراقي الا نمودجا لكثرة ابطاله منها، نذكر منهم الوزراء عبد العزيز العقيلي وعبد الجبار شنشل وسلطان هاشم، وقادة اكفاء قادوا المعارك للدفاع عن العراق وخصوصا في القادسية اثتاء الحرب العراقية الايرانية.
آه يا نينوى وانت رائدة في الموسيقى والمقام، حيث تعتبر موسيقى نينوى ثاني أقدم موسيقى في التاريخ بعد موسيقى رأس شمرا ...حيث يتجاوز عمرها 3500 سنة حيث وجدت هذه الموسيقى مكتوبة على ألواح من الحجر في اوغاريت السورية وأخذت اسم نينوى بعد فك شيفرة النوتة وعزفها، موسيقى " ني نوى " اُشتهرَت وعُرفَت باسم معزوفة نينوى، حيث (ني ) تعني باللغة العربية الناي و (نوى ) تعني مقام النوى (الحجاز كرد ) احد مقامات الموسيقى المعروفة فاذا نينوى تعني عزف ناي على مقام النوى، وبالفعل فإن هذه الموسيقى هي لعبة ناي بامتياز، قامت الفرقة السيمفونية الفرنسية بعزفها على آلات شرقية وغربية تمازج فيها عزف الكمان وتداخل مع الناي الحزين الذي يسحر بنغماته الرقيقة الحزينة كل من يسمعه،وانت يا نينوى انتجت اسحاق الموصل الذي كان من أشهر المغنيين والموسيقيين خلال العصر العباسي والذي بلغ أعظم المنازل وأعلى الرتب عند ستة من خلفائهم، وانتجت تلميذ اسحاق الفتى البارع والموهوب أبو الحسن علي بن نافع، ولقب ب زرياب بسبب سواد لونه وفصاحة لسانه وعذوبة صوته مما دفع البعض بمناداته بـ الزرياب تشبيهاً له بطائر الزرياب الأسود اللون والعذب الصوت، الشحرور، ويعتبر زرياب كذلك أول من وضع قواعد علم الصول فيج وتربية الصوت والسمع والقراءة الموسيقية، وأول من افتتح الغناء بالنشيد قبل البدء بالنقر والعزف، وكما أنه كان يتمتع بقدرة هائلة على حفظ الألحان والأغاني، فيُقال إنه كان حافظاً لعشرة آلاف مقطوعة بغنائها وألحانه، كما ادخل الشطرنج للاندلس وهو صاحب مقولة ( الشاه مات ) اي مات الملك والتي تستعمل الى الان في اوربا والعالم، الشاه بالكوردي تعني الملك.
آه يا نينوى يامن اشتهرت باغانيك التراثية الجميلة والتي يرددها كل العراقيين، والتي تتميز بكونها تغنى في الاعراس وحفلات الزفاف وهي:
اغنية يردلي
يردلي يردلي سمرة قتلتيني...خافي من رب السما وحدي لا تخليني
مريتو من بابها قتنقش الوردي...راس ابرتها من ذهب وابريسما هندي
ادع من رب السما ليلة غدا عندي... وافرش فراش الهنا ومخدتها وردي
واغنية قضيب البان
ياقضيب البان احفظلي حميتي...لأطبخ الكشكا واغلق باب بيتي
لاخذ الزملي على ارض السلق...طعمي طيبي تنجمع بيها الخلق
مخللا وطرشي مع بيض السلق...اكلي طيبي دشتهيها الكنتي
آه يا نينوى الموصل الحدباء التي انجبت وزراء كانت لهم بصماتهم وقدرتهم المتوهجة فيسلم دولة العراق نذكر منهم: الدكتور عبد الجبار الجومرد والاستاذ شاذل طاقة والدكتور عبد الرزاق الهاشمي والاستاذ قاسم العريبي والاستاذ عصام الجلبي والاستاذ عبد الوهاب الصباغ والدكتور عبد القادر عز الدين والدكتور فهد الشكرة، وهناك من الباحثين الذين رأسوا جامعات وعمداء كليات، والعلماء والمهندسين في وزارة النفط والطاقة والصناعة والتجارة والصحة وباقي مرافق العراق، والأطباء والاعلاميين والفنانين والموسيقيين الذين رفعوا اسمك عالياً.
آه يا نينوى التي لا تنسى علماء آثارها وتراثها الانساني الذين سطروا بعلمهم وثقافتهم اروع مساهمة للحفاظ على تراثنا الآثاري منهم :
الدكتور بهنام ابو الصوف والدكتور دوني شمعون..
أتعلمين يا نينوى بأنه ليس هناك على كوكب الأرض من بحث عن تاريخها وآثارها ولغتها والقاب عوائلها ومهنها ورجالاتها وطبيعتها وعاداتها وطبيعتها الا وكانت (نينوى) محطة تستوقف الباحثين والمؤرخين والعلماء في الأدب والاجتماع والحكمة والفنون والفلسفة والتاريخ والعلوم، كونها امتلكت كل مكونات الحضارة ومقوماتها في أعظم انجاز خلده تاريخك البهي نذكر منهم:
ابن المستوفي الاربيلي وياقوت الحموي وعبد اللطيف البغدادي والسمعاني والعز بن عبد السلام وابن صلاح الشرخاني وابن بطوطة وامين العمري والقس سليمان الصائغ وزينفون وجان موريس وسعيد الديوجي
والاستاذ ازهر العبيدي والدكتور مجيد خدوري والدكتور ابراهيم العلاف والاستاذ يوسف حمودي
آه يا نينوى الموصل وياعيني على اكلاتك الطيبة والشهية، الكبة الموصلية التي اجادعملها المسيحيين والتي انتقلت بفضلهم الى اوريا وامريكا واستراليا وكندا، ويقال ان كل ناحية وقضاء لها ميزة في الطعم والجودة، والى الدولمة والكشكا والبرغل والعروك والطرشي والمخللات، والباسطرمة بنوعيها القيصرية والعادية، وخبز الرقاق اللذيذ مع القيسي والقيمر والجبن، يا محلى طعم زيتونك الشهي، والراشي مع الدبس، وكرزاتك المتنوعة وقلائد التين...
آه يا نينوى عروسة دجلة ومدينة الانبياء، واغلب العراقيين كانوا يصطافون بديارك طيلة فترة الحصار التي استمرت لثلاث عشر سنة، وكذلك قضاء شهر العسل للمتزوجين في ربوعك الجميلة.
الا يحق لي ان افتخر واكتب عنك وكأنني مصلاوي، بل انه واجب لكل العراقيين الذين لديهم الحس والايمان الوطني ان يكتب عنك في هذه الايام وهو يدعوا الله عز وجل "براً وسلاما لك ولناسك ولارضك الطيبة"، انت يا نينوى الموصل وكغيرك من المحافضات كبغداد وديالى والانبار، أكتويت بشكل ممنهج بسيادة منهج التمييز والإقصاء العرقي والطائفي وظلم الناس لفترات طويلة الذي مورس عليك وعلى اناسك الاخيار بعد الاحتلال، في كل مجال من مجلات الحياة في العراق بدءا من الأجهزة الأمنية إلى الدوائر إلى المؤسسات إلى البعثات إلى الكلية العسكرية إلى المعاملة مع الإنسان العادي الإنسان البسيط، وهناك تمييز واضح وسياسة ظالمة تنطلق من منهج طائفي، وما جرى على يد داعش الارهابي الذي سيطر على الموصل في حزيران2014، بعد فرار القوات الحكومية بعد ترك أسلحتها، ونتيجة الفساد المستشري في حكومة المالكي التي تكاد تتحول لمافيا تدير سياسة طائفية تمييزية أدت لاستفحال الاحتجاج ضدها في المناطق التي شهدت انتفاضة واسعة، ولفساد الجيش المعتمد على الولاء والطائفية بدل الكفاءة والمهنية مما سبب انهياره في الموصل رغم ما صرف عليه من مليارات الدولارات
، وجاء داعش بثقافة تهجير اهلنا المسيحيين واستباحة البنات الايزيديات، وهدم المواقع الأثرية لكونها "كفر وإشراك"، نازعا بذلك عدة مواقع من عقد الآثار العراقية، وهادماً آثار متحف بابل، بما فيها الثور المجنح، ومدينة الحضر، ومدينة نمرود الأثرية، وسرقة النفائس الآثارية وتشويه معالم المدينة وتعليمها وطريقة حياته، وهكذا ايضاً اكتوى الموصليين بظلم وفضاعة اعمال داعش، أن الذين يريدون تقسيم محافظة نينوى بعد تحريرها من سيطرة داعش بحجة حماية الاقليات، هم يشاركون في تمزيق النسيج الاجتماعي والجغرافي لمحافظة نينوى التي عاش اهلها آلاف السنين متآخين وموحدين، لم يفرقهم دين او مذهب او عرق، وهم يشاطرون الآراء التي انطلقت من العاصمة الأمريكية واشنطن بحجة حماية الأقليات الدينية في العراق، اللهم احفظ اهل الموصل وبردا وسلاما عليهم، وستنهض نينوى كالعنقاء عالية، مثل ما نهضت في السابق نتيجة الحروب والمحن التي اصابتها، ومن الله التوفيق
سرور ميرزا محمود
1406 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع