نواب السليمانية في عهد الوصي عبد الاله والملك فيصل الثاني - الجزء الرابع
صدرت إرادة ملكية تقضي بحل مجلس النواب في التاسع من حزيران سنة 1943 والشروع في الانتخابات العامة لمجلس جديد ، بعد أن أكمل المجلس النيابي دورته الانتخابية التاسعة ، أصدر صالح جبر وزير الداخلية بعد عدة أيام تعليماته إلى متصرفي (محافظي) الألوية كافة ، ومنها لواء السليمانية ، للاستعداد لإجراء انتخابات جديدة ، في أواخر شهر آب 1943 تم انتخاب الناخبين الثانويين ثم تم انتخاب النواب في الخامس من تشرين الأول من العام نفسه وعلى هذا النحو جرت انتخابات المجلس النيابي للدورة الانتخابية العاشرة ،
إذ تعاون نوري السعيد مع وزير الداخلية صالح جبر لإعداد قوائم المرشحين ولم تخلو انتخابات المجلس النيابي للدورة العاشرة من السلبيات التي رافقت الانتخابات النيابية ، وتمكنا الاثنان من إستحصال موافقة السفارة البريطانية على قوائم المرشحين .
أما الوصي أصدر تعليمات تقتضي بعدم السماح للوزراء وكبار الإداريين باختيار أقاربهم ، وفوجئا بوجود قائمة مستقلة أعدها الوصي بنفسه ، ضمت أسماء خمس من الشخصيات المعارضة لوزارة ولشخص صالح جبر ، وكاد إصرار الوصي أن يؤدي إلى وقوع أزمة وزارية لو لم يتدارك نوري الموقف بتنازله أمام رغبات عبد الإله.
كانت نتيجة الانتخابات متوقعة والذين فازوا عن لواء السليمانية كان اغلبهم من نواب الدورات السابقة ممن حظوا بتأييد الوصي والحكومة وتزكيتها ، وهم :
احمد مختار بابان ، محمد أمين زكي ، احمد توفيق ، عزت عثمان ، احمد حمه آغا، روؤف الشيخ محمود وقد تم انتخابه بالتزكية لانتمائه إلى أسرة الشيخ محمود الحفيد.
بعد مرور أربعة أيام على انتخابه ، بدأ المجلس الجديد دورته بعقد اجتماع غير اعتيادي ،أي في التاسع من تشرين الأول 1943 ، واستمرت جلساته حتى 31 تشرين الثاني من العام نفسه ، وبلغ عدد جلساته ثماني جلسا ت ،فيما بدأ الاجتماع الاعتيادي الأول في الأول من كانون الاول 1943 ، واستمرت جلساته حتى الحادي والثلاثين من أيار 1944 ، وبلغ عدد جلساته 29 جلسة ، ثم تلاه الاجتماع الاعتيادي الثاني الذي بدأ في الثاني من كانون الاول 1944 ، واستمر حتى الحادي والثلاثين من أيار 1945 ، وبلغ عدد جلساته ثلاث جلسات ، وبدأ الاجتماع الاعتيادي الثالث في الأول من كانون الأول 1945 ، واستمر حتى الحادي والثلاثين من أيار 1946 ، عندما صدرت الإرادة الملكية بحله ، وبذلك بلغ عدد جلساته ( 41 ) جلسة ، مما يعني أن مجموع جلسات المجلس في دورته الانتخابية العاشرة بلغ مائة وثلاثة وعشرين جلسة.
أما انتخابات الدورة الحادية عشرة ( 17 آذار 1947 ـ 22 شباط 1948) والتي جرت في عهد الوزارة السعيدية التاسعة 12 تشرين الثاني 1946 ـ 29 آذار 1947 ، فقد جرت طبقًا لأحكام قانون انتخاب النواب الجديد ، والذي بموجبه أصبح اللواء أكثر من دائرة انتخابية بموجب قانون الانتخاب الجديد رقم ( 11 ) لسنة 1946 ، و أصبح لكل (100) شخص ناخب ثانوي بدلا من(250 ) ناخب ثانوي واحد، كما أصبح القضاء دائرة انتخابية بدلا من اللواء في القانون السابق ، ويجري الانتخاب على أساس الترشيح ، وكل من يرغب في ترشيح نفسه نائبًا عن منطقة انتخابية عليه أن يقدم طلبا بذلك إلى الموظف الإداري لتلك المنطقة ، ويعد جميع المرشحين منتخبين بالتزكية إذا كان عددهم لا يتجاوز عدد النواب الذين يجب انتخابهم في الدائرة الانتخابية ، وفي هذه الحالة لا يجري التصويت وأبقى القانون
على مبدأ الانتخابات غير المباشرة ، كما حدد صلاحية الحاكم ، ومنع القانون الجديد نواب الاقليات من ترشيح أنفسهم في وحدات ادارية غير الوحدات الثلاث (بغداد ، البصرة ، الموصل) ، إلى جانب اعتماده أسس جديدة كالترشيح والتزكية ، فضلا عن زيادة عدد المقاعد النيابية من ( 115 ) مقعد إلى ( 138 ) مقعد ، نتيجة الزيادة الحاصلة في عدد سكان العراق إذ ارتفع عدد الأفراد من ( 3.380.533)استنادًا إلى إحصاء عام 1934 ، إلى
( 4.816.185 ) استنادًا إلى إحصاء عام 1947 ومن الطبيعي أن الزيادة المذكورة شملت لواء السليمانية ، إلا أن عدد مقاعد نواب السليمانية بقيت على حالها ولم تشملها الزيادة ، كما في الدورتين السابقتين ، ومما يلفت النظر في انتخابات الدورة الحادية عشرة أنها عاصرت وجود أحزاب معارضة علنية أجيزت في الثاني من نيسان 1946 تنفيذا للسياسة التي أعلنت في خطاب العرش ، ببعث الحياة الحزبية إلى العراق هذه الأحزاب هي: الاستقلال ، الوطني الديمقراطي ، الشعب ، الاتحاد الوطني ، الأحرار.
إلا انه لم يلاحظ صدى وجود هذه الأحزاب في السليمانية وتأثيرها في الناخبين ، وفي غضون الاستعدادات للانتخابات الجارية،أكد وزير الداخلية أن الحكومة تستهدف من الانتخابات النيابية أن يكون مجلس النواب الجديد ممثلا لطبقات الأمة تمثيلا صحيحا ، وأنه ينبغي العمل وفق أحكام القانون لتحقيق هذه الغرض ، وذلك بإفساح المجال لكل من له حق الانتخاب أن يمارس هذا الحق بحرية. كما أكد على منع الأمور التالية :-
1.التزوير والغش في عمليات الانتخاب.
2.استعمال القوة في التحديد أو النفوذ للتأثير على الانتخاب ، واعتداء فئة على فئة أخرى ، والضغط عليها لغرض حملها على الانصياع لرغباتها ، أو الامتناع عن إبداء رأيها في أي من شؤون الانتخاب ، وإقامة المظاهرات والاجتماعات العامة خلافًا لأحكام القانون.
3.استعمال سلطة الدولة في تأييد أو معاكسة شخص في الشؤون الانتخابية خلافًا لأحكام القانون ، إلا أن ذلك لا يمنع الموظف ممارسة حق الانتخاب كسائر المواطنين .
ومع ذلك لم تلتزم الحكومة بتعهداتها ، فعندما باشرت الحكومة بإجراء الانتخابات الأولية في الخامس والعشرين من كانون الثاني سنة 1947 بدأت بالتدخل في مرحلة الترشيح ، وهذا ما حدث للمرشح علي كمال الذي كان يروم الترشيح للانتخابات والذي أكد قائلا : " فوجئت بمعارضة الحكومة ليحين ما علمت (الحكومة) أنني سأكون الفائز الأول في الانتخابات فقررت بان انسحب من الترشيح خشية إراقة دماء الشباب "، وبسبب التدخل الحكومي المكشوف في الانتخابات قرر الحزبان الوطني الديمقراطي ، والأحرار الانسحاب من الوزارة والانتخابات ، بعد أن تبين لهما أن الوزارة خرقت الشروط التي تم الاتفاق عليها عند موافقتهما على الاشتراك في الوزارة.
وبدوره وقف الحزب الديمقراطي الكردي موقفًا معارضًا من الانتخابات ، وأعلن عن ذلك في صحيفته الرسمية (رزگارى) ، في عددها 13 والصادر في أيلول عام 1947 : " إن الانتخابات كانت مزورة فلم ينتخب الشعب نواب هذا المجلس ، بل عينوا فيه تعينًا خاصًا من قبل نوري السعيد وهكذا كان للحكومة الدور البارز في ترشيح وفوز مرشحيها في اللواء وفاز في هذه الدورة عن لواء السليمانية كل من: ( جمال بابان ، بهاءالدين نوري ، أنور جميل الجاف، بابا علي الشيخ محمود الحفيد ، سليم محمد عبدالله بشدري ، عبدالحميد الجاف).
في السابع عشر من آذار 1947 بدأ الاجتماع غير الاعتيادي للدورة الحادية عشرة ، واستمرت جلساته حتى العشرين من تموز من العام نفسه ، وبلغ عدد جلسات المجلس أربعة وأربعين جلسة.فيما بدأ الاجتماع الاعتيادي الأول من الدورة الانتخابية الحادية عشرة في الأول من كانون الأول 1947 واستمر حتى الثاني والعشرين من شباط 1948 ،عندما صدرت الإرادة الملكية بحله ، بعد أن عقد اثنتا عشرة جلسة فقط ، ويكو ن بذلك مجموع جلسات المجلس في دورته الانتخابية الحادية عشرة قد بلغ ستة وخمسين جلسة.
وكان السيد محمد الصدر الذي ألف الوزارة بعد يومين من سقوط وزارة صالح جبر في السابع والعشرين من كانون الثاني قد اضطر الى حل المجلس النيابي بعد طعن الأحزاب السياسية في شرعية انتخابه وفي هذا الصدد نددت مجلة نزار الكردية ، في عددها الرابع ، الصادر في 15 ايار 1948 بالمجلس النيابي المنحل ، وأفسحت عن أمانيها في رؤية مجلس نيابي حقيقي في ظل حكومة الصدر قائلة : " أما الآن وقد أنخذل الاستعمار ومؤيده وانتصر الشعب في انتفاضته المجيدة ووثبته المباركة ، وتم دفن المجلس النيابي المزيف وأهيل على قبره التراب ، وان الشعب يريد أن لا تتكرر الماسي السابقة وان لا تمثل المهازل العهد البائد مرة أخرى ... آما إذا كانت الانتخابات صورة طبق الأصل من الانتخابات السابقة فسيكون المجلس حتمًا ومن دون شك نسخة مكررة من مجالس العهد البائد... إن الأمة تريد أن تجرب نفسها بممارسة حقوقها الدستورية في انتخاب النواب وتريد أن تكون هذه الانتخابات خالية من كل شائبة بعيدة عن كل تدخل فأنها لأول مرة في حياتها تريد أن تمارس حقها هذا بحرية تامة فهل ستحقق هذه ألاماني، وهل سيكون المجلس المنتظر وفق ما يطلبه الشعب وحسبما تريده الأمة ، وهذا ما نتركه الآن للمستقبل لتدل عليه الأيام القادمة وليبرهنه المجلس المرتقب ".
وعلى غرار الانتخابات السابقة تفننت الحكومة في استخدام الأساليب التي من شأنها إبعاد المرشحين غير المرغوب فيهم ، عن طريق رفض استلام التأمينات خلال المدة القانونية ، فضلا عما رافقت الانتخابات من أساليب ضغط وتهديد وشدة ومصادمات دموية أودت بحياة الكثيرين ، والتي يعتقد المؤرخ عبد للرزاق الحسني صاحب الوزارات العراقية ، إن أصابع الاتهام موجهة إلى الوصي عبد الاله الذي كان وراء تلك الحوادث ، مما دفع وزير التموين محمد مهدي كبة (رئيس حزب الاستقلال ) إلى تقديم استقالته ، احتجاجًا على تدخل الحكومة في الانتخابات المذكورة ، ومرة أخرى جاء تعليق مجلة نزار في عددها الصادر في الثلاثين من حزيران 1948 صورة حقيقية إلى ما آلت إليه نتيجة الانتخابات ، والظروف التي رافقت العملية الانتخابية بقولها : " ولا نود الإطالة في الكتابة على كيفية إجراء الانتخابات وموقف الحكومة منها لان هذا الموقف وتلك الطريقة كانتا مكشوفتين للجميع ولكننا نقول لأننا لا ي مكننا أن نبرئ موقف الحكومة السلبي عن مسؤولية المقومات الدموية التي وقعت في بعض المناطق الانتخابية مما أدى إلى قتل بعض الأبرياء وجرح الكثيرين دون أن نجن من ذلك غير إضعاف الإيمان بحرية الانتخابات وتشجيع بعض المرشحين على التزوير واستعمال وسائل وطرق بوليسية مخ زية جدًا للفوز على خصومهم ، فاضطر بعض المرشحين إلى الانسحاب من المعركة الانتخابية لأنهم لا يقبلون لأنفسهم مواجهة خصومهم بمثل هذه الوسائل البعيدة كل البعد عن روح الديمقراطية والتي لا يمكن فسح المجال بأتباعها إلا في البلاد المتأخرة جدًا في الحياة الديمقراطية ".
لم يختلف الأمر في لواء السليمانية عن بقية الألوية الأخرى ، ومما يؤكد تدخل الحكومة هو دعمها للمرشح بهاء الدين نوري عندما طلب وزير الداخلية مصطفى العمري من وكيل متصرف السليمانية بالقيام بما يلزم للمرشح المذكور ، رغم كونه من سكنة بغداد ، وفعلا فاز المرشح في انتخابات الدورة الثانية عشرة ( 21 حزيران 1948 ـ 30 حزيران 1952 ) بعد تدخل حكومي لصالحه ،وفاز في هذه الدورة الانتخابية عن لواء السليمانية كل من: إبراهيم رشيد، احمد برزنجي ، علي كمال ، بهاء الدين نوري، حسن الجاف، عبد الحميد الجاف.
في الواحد والعشرين من حزيران 1948 بدأ الاجتماع الاعتيادي الأول للدورة الانتخابية الثانية عشرة ، واستمرت جلساته حتى التاسع والعشرين من تشرين الثاني 1948 ، وبلغ عدد جلساته سبعا وعشرين جلسة.فيما بدأ الاجتماع الاعتيادي في الأول من كانون الأول العام نفسه ، وانتهى في الثلاثين من حزيران 1949 ، وبلغ عدد جلساته سته وخمسين جلسة ، ثم تلاه الاجتماع الاعتيادي الثاني في الأول من كانون الأول 1949 ،واستمر حتى الخامس عشر من تموز 1950 ، وبلغ عدد جلساته اثنتان وخمسين جلسة ، فيما بدأ الاجتماع الاعتيادي الثالث في الثاني من كانون الأول 1950 ، واستمرت جلساته حتى الحادي والثلاثين من آيار 1951 ، وبلغ عدد جلساته ثماني وخمسين جلسة ، ثم تلاه الاجتماع الاعتيادي الرابع في الأول من كانون الأول 1951 ،واستمرت جلساته حتى الثلاثين من حزيران 1952 ، وبلغ عدد جلساته اثنتين وأربعين جلسة ، مما يعني أن مجموع جلسات المجلس في دورته الانتخابية الثانية عشرة بلغ مائتين وخمسة وثلاثين جلسة،وبذلك تسجل هذه الدورة الرقم القياسي في عدد جلساتها في تاريخ المجلس النيابي العراقي في العهد الملكي.
أما انتخابات الدورة الانتخابية الثالثة عشرة ، فقد بدأ التحضير لها في أواخر عام 1952 في عهد وزارة نور الدين محمود العسكرية وتم في السابع من كانون الثاني 1953 ، في ظل الأحكام العرفية المعلنة ، ووفق مرسوم الانتخاب المباشر الجديد (مرسوم رقم 6 لسنة 1952) وشهدت تدخلات حكومية باستخدام أساليبها المعروفة السابقة ، ولاسيما انه لم يرد في المرسوم ما يشير إلى أن الطعن في النيابات بعد تصديق المضابط الانتخابية ، على انه جرما يلزم العقاب من هنا جاءت نتيجة الانتخابات بفوز الحزب الدستوري بأغلبية المقاعد النيابية ، ولاسيما بعد مقاطعة الأحزاب المعارضة الوطنية الثلاثة (الحزب الوطني الديمقراطي،حزب الاستقلال،وحزب الأمة) للانتخابات .
في الرابع والعشرين من كانون الثاني 1953 بدأ الاجتماع الاعتيادي الأول للدورة الانتخابية الثالثة عشرة ، واستمر جلساته حتى الثالث والعشرين من تموز من العام نفسه ، وبلغ عدد جلساته أربعين جلسة .ثم تلاه الاجتماع
الاعتيادي الثاني في الأول من كانون الأول 1953 ، واستمرت جلساته حتى الثامن والعشرين من نيسان 1954 ، وبلغ عدد جلساته إحدى وثلاثين جلسة ، عندما صدرت الإرادة الملكية بحل المجلس. مما يعني إن عدد جلسات المجلس في الدورة الانتخابية بلغ إحدى وسبعين جلسة ، ومثلّ لواء السليمانية في هذه الدورة كل من : إبراهيم سعيد ، حسن الجاف ، علي كمال ، عمر خدر ، ماجد مصطفى ، عبدالحميد الجاف.
النواب في عهد الملك فيصل الثاني
أما انتخابات الدورة الرابعة عشرة (26 تموز 1954) فقد جرت على عهد وزارة أرشد العمري الثانية ، والذي ألفها في ( 29 نيسان 1954 ـ 3 آب 1954 )، بعد استقالة وزارة محمد فاضل الجمالي الثانية في ا لتاسع من نيسان ، فكانت باكورة أعمالها هو حل المجلس النيابي في أول أيام تشكيلها ، وقد واجهت حكومة أرشد العمري معارضة واسعة من قبل القوى الوطنية ، لاسيما بعد إعلانها عن إجراء انتخابات جديدة في حزيران 1954 على أساس إن " تاريخ رئيسها وأقطابها زاخر بالأعمال ا لاستفزازية ضد الشعب وحرياته " وقد استغلت الأحزاب المعارضة العلنية منها والسرية هذه الفرصة للإعلان عن مشاركتها فيها ، و تمكنت هذه الأحزاب (الاستقلال ،الوطني ، الشيوعي ،وبعض المستقلين) من صياغة برنامج عمل سياسي مشترك أعلن عنه في الثاني عشر من أيار 1954 ، والذي أصبح فيما بعد أساسا " لميثاق الجبهة الوطنية " الانتخابية ، ومن المفيد الإشارة إلى أن الجبهة المذكورة تجاهلت الحزب الديمقراطي الكردستاني ، كما انه جاء خاليا من الإشارة إلى الحقوق القومية للشعب الكردي وكشفت الحوادث والوقائع على إن هذه الانتخابات لم تخل بدو رها من مداخلات غير مشروعة من قبيل التزوير والتوجيه الحكومي ، ولا سيما كان من المقرر أن تسفر الانتخابات عن أكثرية تأتمر بأمر البلاط وتسير وفق توجيهاته ، إذ تصاعدت المقاومة الحكومية لمرشحي الجبهة الوطنية في مختلف مناطق البلاد ، وفي السليمانية ألقت الشرطة القبض على إبراهيم احمد وعمر مصطفى وستة عشر شخصًا آخرين ولم تطلق سراحهم إلا بعد انتهاء الانتخابات.
كان الحال كذلك في سائر أنحاء البلاد أجريت انتخابات الدورة الرابعة عشرة في موعدها في جميع المناطق العراقية في التاسع من حزيران 1954 ، و فازت المعارضة ( الجبهة الوطنية) بأحد عشر مقعدًا ، وعلى أثرها وردت إلى وزير الداخلية عدة شكاوى حول التدخلات الحكومية وصفت الانتخابات "بالغير الحرة " ومتهمة الحكومة "بالتدخل السافر"، واتهامها بإيقاف ومطاردة بعض وكلاء المرشحين على الصناديق ، رغم وجود وكالات مصدقة لديهم فضلا عن تعرض بعض المرشحين للضغوطات من قبل السلطات الحكومية ، كذلك وجدت بعض اللجان الانتخابية عند فتحها للصناديق إنها مملوءة بالأوراق قبل وقت الانتخابات ، وتعرض بعض وكلاء المرشحين للاعتداء بالضرب ، مثلما حدث لوكيل مرشح الجبهة الوطنية عبد الكاظم عبد الرضا في الديوانية ، وعلى ما يظهر فان الانتخابات في لواء السليمانية كانت تجري دائمًا وفقا لإرادة الحكومة التي كانت تسيطر على مجرياتها بشكل كامل وفاز في هذه الدورة الانتخابية كل من:
إبراهيم سعيد ، احمد محمد صالح ، با بكر حسن ، جلال عبد الحميد ، ماجد مصطفى ، وعلي كمال.
جرى افتتا ح المجلس النيابي بتاريخ 26 تموز 1954 ، للاستماع إلى خطاب العرش ، وانتخاب ديوان رئاسة المجلس ، وقد ظهر إن عدد المعارضين للمجلس بلغ 32 نائبًا أحد عشر نائبًا من الجبهة الوطنية ، فضلا عن عدد آخر من المعارضين ، وهم الذين صوتوا ضد مرشح الحكومة لرئاسة المجلس عبد الوهاب مرجان ،وهو من مواليد الحلة (1964 ـ1909 ) من أسرة معروفة تتعاطى تجارة الحبوب ، خريج كلية الحقوق انتخب نائبا عن لواء الحلة في اذار 1947 وعام 1948 ، وتكرر انتخابه في جميع الدورات النيابية إلى ثورة 14 تموز 1958 وعهدت إليه حقائب وزارية عدة ،وتولى رئاسة مجلس النواب اربع مرات ، وألف وزارة واحدة في 15 كانون الاول 1957 ـ 12 اذار 1958 .
كان هذا الاجتماع هو الأول والأخير ، إذ صدرت الإرادة الملكية بتعطيل مجلس الأمة حتى أواخر تشرين الثاني من العام نفسه ، ولم تمض أيام قلائل على تأليف نوري السعيد وزارته الثانية عشرة ، حتى صدرت الإرادة الملكية بحل مجلس النواب تمهيدا لانتخاب مجلس جديد له ،وهكذا فان هذا المجلس لم يعقد سوى جلسة واحدة فقط هي جلسة الافتتاح ، أصدرت وزارة الداخلية أمرا بالشروع في انتخابات الدورة الخامسة عشرة في الثاني عشر من أيلول 1954 ، فقاطعتها بعض الأحزاب السياسية حزب الأمة الاشتراكي ، الحزب الوطني الديمقراطي ، وقرر الاشتراك فيها البعض الأخر (حزب الاستقلال) ومنذ البداية ظهر تدخل السلطة في هذه الانتخابات وبشكل سافر حيث اخذ الموظفون الإداريون يتدخلون في أمر لجان التفتيش ، وفي اختيار المحلات لها وقد حدث في السليمانية في الثالث عشر من أيلول إضراب عام احتجاجًا على نتائج الانتخابات فيها ، وكان يبدو إن هذا الإضراب سينتهي بسلام عندما عاد الناس إلى مزاولة أعمالهم ، ولكن وبعد مرور ثلاثة أيام أي في السادس عشر من أيلول ، عادت المظاهرات من جديد مما اضطرت قوات الأمن إلى أن تتصدى للمتظاهرين ، فسقط عدد من القتلى والجرحى من الجانبين ال شرطة والأهالي وقد القت الحكومة كعادتها ذلك الأمر على مجرمين هاربين من وجه العدالة ، جرت انتخابات الدورة الخامسة عشرة ( 16 أيلول 1953 ـ 27 آذار 1958 )، وفاز معظم النواب بالتزكية ، الأمر الذي وصفه محمد حديد "بمهزلة لم يشهد لها العراق مثيل "، وبذلك لم يكن ا لمجلس الجديد بأفضل من المجالس السابقة ، ولا انتخاباته بأفضل من انتخاباتها ، حسب رأي سياسي آخر معاصر للانتخابات وقد فاز في هذه الدورة الخامسة عشرة ستة نواب من لواء السليمانية من مجموع مائة وخمس وثلاثين نائبا ، إذ فاز بالتزكية عن قضاء شهربازار النائب إبراهيم الشيخ سعيد الحفيد كونه المرشح الوحيد لتلك المنطقة ، وهو العدد الذي يساوي لما هو مخصص من مقاعد لمجلس النواب لذلك القضاء ، والأمر نفسه ينطبق على كل من:عبد الحميد الجاف ، وحسن فهمي علي الجاف ، اللذين فازا بالتزكية عن قضاء حلبجة ، بعد أن انسحب المرشح الأخر عز ت محمد صالح واسترد تأميناته ، وبذلك أصبح عدد
المرشحين يساوي عدد نواب المنطقة. كما فاز بالتزكية أيضا رسول حسن عن المنطقة الانتخابية لقضاء بشدر بعد انسحاب احمد حمة آغا ، وبذلك أصبح المرشح الأول الوحيد لتلك المنطقة الانتخابية ، وهو يساوي العدد المخصص لمقاعد مجلس النواب لذلك القضاء دون خوض الانتخابات كما فاز نائبان عن مركز قضاء السليمانية وهما: سعيد قزاز ، وعلي كمال ، وحصل الأول على 92 بالمائة من الآراء الصحيحة ، فيما حصل الثاني على 80 بالمائة من الآراء الصحيحة في المنطقة الانتخابية قضاء مركز السليمانية بعد انسحاب عزيز ياملكي من الانتخابات في تلك المنطقة الانتخابية في السادس عشر من أيلول 1954 بدأ الاجتماع غير الاعتيادي للمجلس ، وقد أنتهى هذا الاجتماع بعد جلسة الافتتاح مباشرة ، فيما بدأ الاجتماع الاعتيادي الأول للدورة الانتخابية الخامسة عشرة في الأول من كانون الأول 1954 ، واستمر جلساته إلى الحادي والثلاثين من أيار 1955 وبلغ عدد جلساته تسعا وثلاثين جلسة ، ثم تلاه الاجتماع الاعتيادي الثاني الذي بدأ في الأول من كانون الأول 1955 ،واستمر جلساته إلى الحادي والثلاثين من أيار 1956 ، وبلغ عدد جلساته أربعا وأربعين جلسة .
وفي الأول من حزيران 1956 بدأ الاجتماع غير الاعتيادي ، واستمر إلى الثالث عشر من الشهر نفسه ، وبلغ عدد جلساته أربع جلسات ، فيما بدأ الاجتماع الاعتيادي الثالث في الأول من كانون الأول 1956 ، واستمر إلى الثلاثين من حزيران 1957 ، وبلغ عدد جلساته واحدا وعشرين جلسة ، ثم تلاه الاجتماع الاعتيادي الرابع في الأول من كانون الأول 1957 ، واستمر إلى السابع وعشرون من آذار 1958 ، وبلغ عدد جلساته سبع وعشرون جلسة ، مما يعني إن مجموع جلسات المجلس في الدورة الانتخابية الخامسة عشرة بلغ مائة وستة وثلاثين جلسة ، وقد أصدرت وزارة نوري السعيد الرابعة عشرة ( 3 آذار 1958 ـ 19 أيار 1958 ) إرادة ملكية بحل المجلس في اليوم التالي ، بسبب قيام الاتحاد الهاشمي بين العراق والأردن في السابع عشر من آذار 1958 ،مما استوجب تعديل الدستور العراقي وحل مجلس النواب ، وعلى اثر ذلك أصدر سعيد القزاز وزير الداخلية بيانا حدد فيه يوم الخامس من أيار 1958 موعدًا لإجراء الانتخابات العامة للدورة الانتخابية السادسة عشرة في جميع المناطق الانتخابية في العراق ، ولم تتميز هذه الانتخابات عن سابقاتها ، إذ فاز فيها بالتزكية(118) نائبا من اصل ( 48 ) نائبا ومن الملاحظ ان عدد مقاعد المجلس النيابي قد زاد في غضون هذه الفترة نتيجة الزيادة الحاصلة في عدد سكان العراق ، إذ بلغ (6.339.960) مليون نسمة استنادًا إلى إحصاء عام 1957 ، ومن الطبيعي أن تشمل هذه الزيادة عدد سكان لواء السليمانية ، إذ ارتفع عدد سكانها من 226.400 نسمة استنادًا إلى إحصاء عام 1947 إلى (304.895 ) نسمة ، استنادًا إلى إحصاء عام 1957 ، أي أن الزيادة بلغت ( 78.495 ) نسمة ، ويلاحظ بان الزيادة الحاصلة في عدد السكان قد أثرت أيضا على زيادة عدد المقاعد المخصصة للواء السليمانية ، حيث زاد العدد من ستة إلى سبعة مقاعد أي بزيادة مقعد واحد. وقد مثلّ لواء السليمانية في هذه الدورة كل من: سعيد قزاز وعلي كمال عن مركز قضاء السليمانية ، وجلال عبد الحميد الجاف وحسن علي بك الجاف عن قضاء حلبجة ، أما إبراهيم سعيد الحفيد فقد مّثل قضاء شهر بازار، في حين مثل كل من بايز بابكر قضاء بشدر، وسامي فتاح عن قضاء رانية ، وقد فاز الجميع بالتزكية، يظهر مما تقدم إن تدخل الحكومات العراقية في سير العملية الانتخابية ، وخلال ستة عشرة دورة انتخابية وفي جميع الألوية العراقية ، ومن ضمنها السليمانية ، جعل من السهل على تلك الحكومات المتعاقبة ترشيح نوابها في المجلس ، الأمر الذي ترك أثرا سيئًا على الحياة النيابية في العراق ، وغدا المجلس عرضة للحل من قبل الحكومة التي أقدمت على حل المجلس ثلاثة عشرة مرة ، كما يظهر إن العملية الانتخابية في العراق الملكي كانت في تراجع مستمر ، وعلى عكس التجارب الديمقراطية في الدول الديمقراطية ، حيث انه من الطبيعي أن تتقدم التجربة البرلمانية من سيء إلى الحسن فالأحسن. ولكن في العراق الملكي كانت الآية معكوسة ، ولعل وصف الأستاذ الدكتور كمال مظهر احمد للتجربة البرلمانية في العراق الملكي يغنينا عن الدخول في تفاصيل أخرى ، كما ويعطينا صورة واضحة عن سمات الحياة السياسية في العراق الملكي ، حيث يقو ل" في الواقع إن اكبر خطأ قاتل ارتكبه النظام الملكي في العراق يكمن في موقفه من الديمقراطية ، فعلى العكس من منطق الأشياء سار الخط البياني لتطور الديمقراطية في العهد الملكي من الأعلى إلى الأسفل ، لا من الأسفل إلى الأعلى ، ويتحمل الجميع وزر ذلك ، ولكن بدرجات متفاوتة " . وكانت التدخلات والخروقات المتعلقة بالمؤسسة البرلمانية قد تجلت بشكل صارخ في الأساليب التي استخدمتها الحكومات لتمرير مرشحيها.
المصدر: دور نواب السليمانية في المجلس النيابي من رسالة الماجستير التي قدمها (سالار عبد الكريم) .
عبد الرزاق الحسني ، تأريخ الوزارات ..ج 10 ،ج 7 .
جمال بابان، مذكرات علي كمال عبدالرحمن، بغداد، 2001
2178 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع