بارك ازادي (حديقة الحرية ) من معتقل وحامية عسكرية الى منتزه ترفيهي

                                                          

                  

    

بارك ازادي (حديقة الحرية ) من معتقل وحامية عسكرية الى منتزه ترفيهي:

كنت على موعد مع صديقي الشيخ في حديقة الحرية (بارك آزادي ) ، جلسنا فوق احدى المصطبيات ، حدثني بنبرة حزينة قائلا : انه قضى فترة زمنية سجينا فوق هذه الارض التي كانت قبل الانتفاضة عام 1991  تسمى الحامية العسكرية أو موقع معسكر السليمانية الواقعة في منتصف المدينة على مساحة واسعة تقدر 176 دونما ويحيطها سياج عالي بارتفاع ثلاثة امتار مشيد من الحجر و فوقه اسلاك شائكة بارتفاع متر ، على هذه الارض كان يوجد مجموعة من الابنية العسكرية منها قاعات لنوم الجنود وأبنية للمراتب العسكرية ومطبخ كبير بالإضافة الى اسطبلات لبغال الوحدة الجبلية وساحات للتدريب الجنود ولا ننسى السجون التي كانت داخل هذه الحامية التي تفتقد كل مقومات حقوق الانسان ، وقرب السياج الشمالي كانت ساحة لرمي الشهداء . ولهذه الحامية مدخلان الاول الرئيسي من جهة محلة العقاري وعند المدخل كانت تقع ابنية دوائر الاشغال العسكرية والمستشفى العسكري وابنيه الحزب العائد للنظام السابق والمدخل الثاني باب صغير يقع على الجهة اليمنى من الحامية .
تناوب الكثير من القادة العسكريين على الاشراف على هذه الحامية منهم العقيد مصطفى   آمر حامية السليمانية الذي القى القبض على الشيخ محمود الحفيد وعلى اعوانه وشخصيات بارزة شاركت في اعلان حكومته وساندته . بعدما  تسلم الشيخ محمود رسالة من الحاكم المدني العام البريطاني الاعتراف بإدارته ، ومنحه حق تمثيل سلطته وعلى اثرها أرسل الشيخ الى كركوك وسيق الى مجلس عرفي عسكري أصدر عليه حكما بالموت خلال جلسة واحدة .
لكن في  18  / 11  /  1918 وصل الرائد نوئيل موفد من حكومة بريطانيا الى السليمانية ، في اليوم التالي أمام سراي المدينة قال : باسم الحكومة البريطانية والحاكم المدني العام في العراق اتحدث اليكم ، انتم الآن احرار ، تحررتم من الأسر والشيخ محمود هو حكم دار كردستان ، وأنا أزف اليكم هذه البشارة باسم الحاكم المدني العام .
استمر تناوب القادة العسكريين على إدارة والإشراف على الحامية ، لكن قبل انقلاب الثامن من شباط عام 1963 وعد الانقلابين القيادة الكردية بتحقيق الحكم الذاتي ،وافقت القيادة الكردية على وقف القتال واستعدادها للمباحثات بين الطرفين وانتقلوا الى بغداد على ارفع المستويات وأسفرت اللقاءات والاجتماعات عن شبه اتفاق والمشاركة في الحكم الجديد وبعد الاطاحة بحكم عبد الكريم في 8 شباط اتخذوا مواقف واضحة ومحددة حول المسائل المثارة واتسم موقف قادة الانقلاب بعد نجاحهم بأسبوعين بالمراوغة والتهرب من اعطاء اجوبة  للقيادة الكردية ، واعتبروا  الحديث عن الحكم الذاتي لكردستان بمثابة الانفصال عن العراق ، وكانت القيادة الكردية تدرك نوايا الانقلابيين واستعدائهم لشن حرب جديدة على الشعب الكردي ، واعتبرت الحكومة الجديدة ما قدمه الاكراد من مطالب تعجيزية ووصفوها بالانفصالية، وفي ايار 1963 وصلت المفاوضات بين الحكومة والوفد الكردي الى طريق مسدود وصعب .
في 20 ايار 1963 اعتبرت كردستان العراق منطقة عمليات عسكرية بعد صدور قرار من الحاكم العسكري ، وفي 9 حزيران اعتقلت الحكومة الوفد الكردي المفاوض ، وفي ليلة 9 ـ 10 حزيران اعطيا للثوار الاكراد مهلة (24) ساعة للاستسلام وإلا سوف لن تقوم لهم قائمة ، جاء ذلك اثناء مؤتمر صحفي عقده وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء والمسئول الاول في حزب الحاكم في العراق في حينه ، كان بمثابة إعلان الحرب على الاكراد ، وصدر امر يمنع بموجبه استعمال الانارة  في كركوك واربيل والسليمانية وفي الاقضية التابعة لها من المساء وحتى الصباح ، ومنحت صلاحيات للحاكم العسكري في تشكيل محاكم عسكرية في مناطق عملياتهم للتنكيل بالأكراد وإصدار احكام الموت بحقهم من قبل مجلس قيادة الثورة ، واستأنفت الحكومة في بغداد القتال مع الاكراد وشنت السلطات العسكرية حملة اعتقالات للكوادر الحزبية من الحزب الديمقراطي الكردستاني في انحاء العراق .
في صباح يوم 9 حزيران  1963  وقبل ان تنتهي مهلة الـ(24) ساعة ، بدأت السلطات العسكرية في السليمانية تطلق النار في الشوارع لإرهاب مواطني السليمانية وأعلنت السلطات منع التجول في المدينة ، وبدأت بحملة واسعة من تفتيش المنازل واعتقالات الكثير من سكان المدينة من الشباب والشيوخ والمعلمين والمدرسين والأطباء والموظفين وبأشراف من امر اللواء العشرين الزعيم صديق مصطفى ، تم حجزهم في اسطبلات حامية السليمانية وبقوا عدة ايام بلا طعام.  ثم سيق قسم منها الى وادي بالقرب من الحامية العسكرية وأطلق الرصاص على المعتقلين ، وسمي بعدها الوادي باسم (وادي الموت) حيث طلب منهم قبل رميهم بالرصاص ان يشتموا القيادة الكردية وكان بين الذين استشهدوا رميا بالرصاص مجموعة من خيرة التدريسيين ومنهم اكفأ مدرسي الفيزياء في السليمانية حاجي باقي ، أنور سعيد دارتاش ، الاستاد ياسين ، علي الحداد ، رفيق كونجريني، لطيف نقار ، وآخرين بالإضافة لعشرات من المواطنين قتلتهم القوات العسكرية ودفنتهم في (وادي الموت) ، ويمكن القول انها المجزرة الاولى بحق الاكراد بعد رمي الكثيرين منهم بالرصاص ، ودفنوا جميعاً في حفرة داخل الحامية ، وزج الاخرون في سجون الحامية من مسلمين ومسحيين .
انتهز عبد السلام عارف الفرصة واستولى على السلطة وابعد حزب البعث وفي 18 تشرين الثاني 1963 بدء التفاوض مع القيادة الكردية ، في 10 شباط 1964 اسفرت تلك المفاوضات عن اتفاقية لوقف اطلاق النار ، وفي اذار  1964 تم اخراج جثث الشهداء من وادي الموت . تعرض مئات المواطنين الاكراد الى اعتقال وتصفيات جسدية وشهدت اقبية الحامية اقسى انواع التعذيب والقتل من عام 1963 حتى انتفاضة اذار مارس عام 1991 وتم دفنهم احياء وأموات في هذه الحامية.
في عام 2000 تحولت الحامية الى منتزه بعد استثمارها من قبل بعض التجار من ارض مهجورة الى متنزه للأطفال بعد ان تم استثمار 25 دونما فقط من مساحته الاصلية من قبل اربعة تجار اكراد ارادوا فقط زرع البسمة على وجوه الاطفال هذا ما ذكرته الصحف وأصبح المنتزه يعبق برائحة الحرية ممزوجة برائحة الزهور بعدما كانت تفوح منه رائحة الموت ، ثم استرسل الشيخ بالكلام :

    

لو نظرت الى هذا المنتزه الذي يزوره عشرات الزوار لم تشاهد عاملا يعمل ولم تشاهد فلاحا يزرع شتلة او زهرة ، دعوتك الى المنتزه عل امل ان نشرب قدح شاي او فنجان قهوة لكن مع الاسف الكافية مغلق ولا اعلم لماذا ؟
شعرت أن الشيخ منزعج سألته: ماذا تتمنى أن يكون في هذا المنتزه .
قال بنبرة حزينة اتذكر الايام التي قضيتها مسجونا في غرفة مساحتها متر ونصف مربع وانفرادي وكل الذنب الذي اقترفته انني كردي عراقي ، وفي بعض الاحيان يضعون في هذه الغرفة عدد من الرجال بحيث كنا نبقى واقفين . اتمنى ان يبنى متحف صغير توضع فيه صور الشهداء وسيرة حياتهم وأسماء المسجونين بدون ذنب مع بعض من ملابسهم ومقتنياتهم الشخصية او تماثيل لهؤلاء الشهداء مع نصب كبير يمثل يوم التاسع من حزيران 1963 .
اما ما يحتاجه المنتزه برأي الشخصي لو عمل جناح خاص للأنفال و بانوراما لتمثل ذكريات لا تمحى من تاريخ الاكراد على مر التاريخ ، وتبقى على مرور الأيام والأعوام .
وكذلك بانوراما للهجرة المليونية عام 1991 وجناح خاص لتمثل كيف بدأ النزوح الجماعي للعوائل الكردية نحو الحدود الدولية لكردستان وسار الجميع نحو المجهول تاركة أرضها وسكنها وما تملك ، هائمة على وجوهها سيراً على الاقدام ، في ارض جبلية وعرة يعانون من البرد والجوع والخوف من الموت الذي يلاحقهم والمصير المجهول ، سقط الكثيرون من هؤلاء الناس وماتوا نتيجة الظروف القاسية التي مرّوا بها ، وقدمت لهم بعض الدول والمنظمات الانسانية مساعدات من اغذية وخيام وعلاج طبي .
اما الان فلابد من عمل شيء للنزوح الجماعي للايزيدين والمسحيين وبقية الاقليات التي نزحت من بعد استيلاء المسلحين على قراهم ومدنهم على سبيل المثال تمثال او متحف للصور .
قلت له : هل لديك ما تريد ان تضيفه ؟
ابتسم وقال : اليوم يصادف العشرون من الشهر الحادي عشر من عام 2014 وهناك نباتات شتوية يمكن زراعها في المنتزه لكي تعطي زهورا في الربيع انظر الى هذه الاماكن الخالية من الزراعة وكذلك الثيل الذي يحتاج الى سقي ماء .
اما الاجهزة الرياضية المتعطلة والمتكسرة لو كان هناك عمال مراقبين لما حصل هذا التلاعب وكذلك ملاعيب الاطفال التي تحتاج الى صيانة سآخذ بعض الصور لكي تبقى ذكرى .
ثم قال لي : انظر الى تلك الزاوية كان هناك تمثال للعاشقين الذي يمثل رمز للجمال والحريات حرقوه في ليلة ،

    

وفي تلك الزاوية كان هناك ضريح لقبر الشاعر الكردي شيركو بيكس تعرض لهجوم من قبل مجهولين وحطموا الضريح . هذا دليل على ثقافة الجهل والظلام عند بعض الحاقدين لاستهدافهم المعالم الجميلة في مدينة ثقافية ومجتمع متحرر ، وهذه حملة هوجاء غايتها الإساءة لتراث وثقافة وتاريخ مدينة عريقة وحضارية كمدينة السليمانية .
خرجنا من المنتزه نشكر الله على  تحويله من معتقل وحامية عسكرية الى منتزه ترفيهي حيث باتت ملاذ الاسر في المدينة للسياح القادمين اليها من محافظات الجنوب ، وزرعت الاشجار في زوايا الحامية التي تحمل ذكرى اليمه و هناك بحيرة صغيرة ونافورة ماء وأماكن للعب ولهو الاطفال والكبار .
نلتقي في شوارع المدينة وموضوع جديد .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 تسلم الشيخ محمود الحفيد أمر الاعتراف بإدارته برسالة من الحاكم المدني العام البريطاني يوم الانسحاب منها ، ومنحه حق تمثيل سلطتهم . لم ينشر القرار علنا في بغداد إلا ان امره افتضح حيث قام احد وجهاء كركوك بإبلاغ الجنرال خليل باشا القائد الجديد للجيش ال6 التركي بان الشيخ محمود اتصل بالسلطات البريطانية وانه اعلن حكومة في السليمانية ، فآمر العقيد مصطفى آمر حامية السليمانية الجديد بإلقاء القبض عليه وعلى اعوانه وشخصيات بارزة شاركت في حكومته وساندته . وأرسل الشيخ الى كركوك وسيق الى مجلس عرفي عسكري أصدر عليه حكما بالموت خلال جلسة واحدة

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

3275 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع