شاعر العرب الكبير الجواهري و ثورة 14 تموز 1958 وزعيمها عبد الكريم قاسم
عند اندلاع ثورة تموز عام 1958 كانَ الجواهري يعمل في مزرعته في قضاء "علي الغربي" التابع لم...دينة العمارة , وما أن سمعَ الجواهري بذلك حتى تركَ مزرعته والتوجه إلى بغداد, وإذا بهَ يرى على واجهة السيارة صورة لزعيم الثورة عبد الكريم قاسم , عندما تأملها جيداً عرفَ صاحبها و أعادة ذاكرته إلى عام 1947 في لندن , كان الجواهري ضمنَ وفد إعلامي عراقي , لبى الجواهري دعوة الحكومة البريطانية .. لم ينسجم الجواهري مع الوفد فانفصلَ عنهُ , وأثناء ذلك أُصيبَ في ألم في أسنانه فراجع السفارة لهذا الغرض , وتطوع ضابط شاب لمرافقته إلى طبيب أسنان بريطاني شهير , كانَ هذا الضابط يدعى عبد الكريم قاسم .
كان للجواهري الدور في دعم ثورة تموز 1958 وزعيمها عبد الكريم قاسم في أول أيامها , فكان معها روحاً وإبداعاً , كانَ (أول بيت زارهُ الزعيم عبد الكريم قاسم منزل الجواهري , وإذا كان عبد الكريم قاسم زعيم السلطة السياسية والعسكرية , فإن الجواهري كانَ زعيم السلطة الثقافية والفكرية الموازية , إذا جازَ القول) (2) , وكانَ للجواهري الدور الريادي في مجال الشعر والصحافة , فقد أنتخبَ نقيباً للصحفيين بعدَ ثورة تموز 1958 , بعد أن أدرجت لوحة لترشيحات أسماء المرشحين , وكان يتصدر اللوحة اسم الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري وبعد الاقتراع بصورة سريعة كانت النتائج كما يلي :
1- محمد مهدي الجواهري (نقيباً ) 2- محمد السعدون ( نائباً) 3- جلال الطالباني ( عضو) 4- عبد الرحيم شريف ( عضو) 5- لطفي بكر صدقي (عضو) 6- محمد الجندي( عضو) 7- فاضل مهدي ( عضو) 8- محمد شوكت ( عضو) , وفاز بعضوية لجنة الضبط كل من " فائق بطي , علي الخليل , محمد كريم , منعم الجادر"
وقد عقدت النقابة مؤتمرها الثاني برعاية الزعيم عبد الكريم قاسم في قاعة الشعب في بغداد .
يذكر الجواهري أول لقاء مع الزعيم قاسم بعد توليه قيادة الثورة في ج2 من مذكراتي : ( دخلت وزارة الدفاع لأجد في القاعة الأوسع والأفخم فيها صاحبي القديم ( الزعيم) الذي تلقاني بكل ترحاب وطوقني بذراعيه واصعدني إلى المنصة وأجلسني بجانبه لأرى القاعة مليئة بصور متلاحمة ... هي صور أعضاء مجلس الوزراء) .
من هذه الذكريات والتي تؤكد مدى العلاقة المتواصلة بين الزعيم والجواهري , فكان الزعيم يزور الجواهري في داره ويستمع إليه , وكان يحسب الجواهري على التيار اليساري الداعم للجمهورية الفتية , لكن عندما دبً الخلاف بين الزعيم قاسم وحلفاءه , كان موقف الجواهري مع الصف الثاني وكرس جريدته لشّن حملات قاسية على الزعيم وحكومته ومنها ما حصل في ( الميًمونة) التابعة لمدينة العمارة , وقد صدرت جريدة ( الرأي العام) بافتتاحية ( ماذا في الميمًونة) , وكان نص الافتتاحية ما قامت به الشرطة من عمليات اعتقال بصفوف الشيوعيات في الميًمونة , وعند أول لقاء بين الشاعر الجواهري والزعيم قاسم في اتحاد الأدباء بعد هذه الافتتاحية , فما كان إلا العتاب من قبل الزعيم للجواهري على تلك الافتتاحية , كان رد الشاعر بعصبية على الزعيم مما أفقد الزعيم توازنهُ لهذا الردّ الغير متوقع من صديق قديم وعزيز , كانت جريدة (الرأي العام) تعرض ما يحصل من تجاوزات على الحريات العامة, وقد عادت الشرطة ورجال الأمن في زمن الجمهورية إلى نفس الأساليب التي كانت تستخدم اتجاه العناصر الوطنية والتقدمية , فكانت تمثل نفس التشابه في العهدين الملكي والجمهوري.
بهذه المقالات المنتقدة للتصرفات الغير مسؤوله من قبل رجال الشرطة ودائرة الجنايات العامة , مما بدأت المضايقات للشاعر حيث وصلت حدّ اعتقاله لساعات , مما اضطره للاغتراب عن بلده ِ لعدة سنوات تاركاً بغداد ليستقر في براغ.
بالرغم من كل هذه المواجهات والنزاعات بين الجواهري والزعيم قاسم , لكن الشاعر الجواهري قد أنصف الزعيم بفصل كامل في الجزء الثاني من ذكرياته (ص161-ص281) فكان الشاعر الجواهري يؤكد بأن الزعيم : ( كان نظيفاً , وطنياً حققَ إجراءات وطنية وإصلاحات للعراق وللعراقيين , لكنهُ اعتمدَ على أناس غير مؤهلين ليكونوا في عداد الساسة )
بقلم نبيل عبد الأمير الربيعي
812 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع