التدخل السري للولايات المتحدة في العراق خلال الفترة 1958-1963
جذور تغيير النظام في العراق الحديث بدعم من الولايات المتحدة
وليم زيمان
ترجمة/ عبد الجليل البدري
أطروحة قدمت إلى كلية الجامعة البوليتكنيكية في ولاية كاليفورنيا، بومونا، للحصول على درجة الماجستير في التاريخ في عام 2006 قسم التاريخ
اللجنة المشرفة على الاطروحة
الدكتور محمود ابراهيم
رئيس لجنة النظر في الاطروحات
قسم التاريخ
الدكتور جون مور
قسم التاريخ
الدكتور جون لويد
قسم التاريخ
الفهرس
شكر وتقدير. 5
ملخص البحث.. 6
مقدمة المترجم. 7
الفصل الأول. 9
المقدمة. 9
الفصل الثاني. 13
تاريخ تدخل الولايات المتحدة السرية في العراق من 1958 الى 1963. 13
الفصل الثالث.. 22
ردة فعل الولايات المتحدة على انقلاب 1958. 22
الفصل الرابع. 29
قلق متزايد من الشيوعية في العراق.. 29
الفصل الخامس... 36
محاولة الاغتيال واتصالات السي آي أي بالبعث.. 36
الفصل السادس... 43
تدخل الولايات المتحدة الخفي قبل الانقلاب.. 43
الفصل السابع. 47
انقلاب البعث ـ السي آي أي في 1963. 47
الفصل الثامن. 55
بعد الانقلاب.. 55
الفصل التاسع. 62
التداعيات.. 62
الملاحق.. 67
الملحق رقم 1. 67
سرية تدخل الولايات المتحدة الخفي. 67
الملحق رقم 2. 71
لماذا ليكلاند ليس من عناصر السي آي أي وغالبية العالم العربي ترى عكس ذلك. 71
المصادر والمراجع حسب ورودها في متن الاطروحة. 76
تقدير وشكر
لقد أسدى الكثير من الاساتذة والاصدقاء المساعدة في إنجاز عملي. ولذا فإن واجب الوفاء يدعوني إلى أن أتوجه إليهم بأسمى آيات الشكر والثناء والتقدير، وبالاخص رئيس اللجنة الدكتور محمود ابراهيم الذي كان لمحاضراته حول الشرق الاوسط الحديث دوراً هاماً في اعداد هذه الاطروحة، ناهيك عن مساعدته القيمة في الحصول على الدراسات والمصادر التي تخص الاطروحة وقراءته للنص وتصحيحه. كما يسعدني ان أشكر عضوي اللجنة وهما كل من الدكتور جون لويد John Lloydوالدكتور جون مور John Moore اللذان توليا قراءة النص وتصحيحه وتزويدي بالملاحظات الهامة.
كما يسعدني ايضاً ان أن أتوجه بالشكر للدكتور زويوي وانغ Zuoyue Wang الذي تولى تزويدي بالمصادر وتصحيح بعض الامور الهامة. كما أمضى صديقي الكريم بيتر اتوودPeter Attwood ساعات طوال لتصحيح النص مرة تلو الأخرى، وابداء ملاحظاته. واستخدمت تري ستوكس Terri Stocks مهاراتها البحثية للوصول الى بعض الأشخاص من ذوي العلاقة لاجراء الحوارات الشفهية معهم، وقيامها بأعمال الترجمة من اللغة الفرنسية، فلها مني التقدير والاحترام.
ويسرني ان اشكر الباحث السيد سعيد ابو ريش الذي زودني بالمعلومات القيمة والمصادر المهمة حيث أمضى ساعات طويلة لمساعدتي وتسهيل مهمتي، إلى جانب السيد بيل ليكلاند Bill Lakelandالذي كان هو الاخر كريماً وعوناً لي في عملي، هذا حيث زودني بوثائق ومعلومات قيمة مكرساً ساعات عديدة للحديث معي هاتفياً عارضاً إمكانياته فضلا عن فتح أبواب بيته. أخيرا وليس آخراً، يسعدني أن أشكر زوجتي دايان Dianeوأولاديَّ فكتور Victorوغرانت Grantلوقوفهم إلى جانبي و تحملهم ساعات غيابي الطويلة عنهم في سنوات اعداد هذا العمل.
مع الود
المؤلف
ملخص البحث
هذه الاطروحة عبارة عن ثمرة مشروع بحثي في التاريخ المنقول شفاهاً على امتداد ثلاث سنوات بهدف توثيق التدخل السري الذي مارسته الولايات المتحدة في العراق ابتداء من ثورة 14 تموز/يوليو 1958 وحتى انقلاب حزب البعث الذي أطاح بحكومة قاسم في 8 شباط/فبراير 1963 وما تلاه.
ويركز البحث بدرجة رئيسية على الاهتمام بنشاطات وكالة المخابرات المركزية (سي آي أي) وما قدمته من مساعدة الى حزب البعث وغيره من العناصر المناوئة للنظام، بمن فيهم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر شخصياً، وكذالك المساهمات غير المحدودة من قبل دولة الجمهورية العربية المتحدة والتي سنذكرها لاحقاً. ويقدم هذا البحث أدلة قوية على ضلوع وكالة المخابرات المركزية بدور كبير، ولكنه أقل من تدخلها الشامل في ايران عام 1953 وفي شيلي عام 1973.
لقد قيّم علم التاريخ الكثير من الكتاب الذين أشاروا إلى ضلوع وكالة المخابرات المركزية في العراق الحديث في بداياته الأولى، وربما كان على آخرين القيام بذلك. لقد اعتمد النص على كتب صادرة ومقالات في الصحف والمجلات، كما استند البحث بشكل كبير إلى الوثائق الحكومية، ولا سيما وثائق "العلاقات الخارجية للولايات المتحدة" Foreign Relations of the United States، وبحوث متوفرة في المكتبات الرئاسية. وعندما تحتوي هذه على بيانات ذات صلة غير منشورة، فيتم تضمين نسخة منها. كما يشير البحث إلى محاولة وكالة المخابرات المركزية باستمرار التعتيم على نشاطاتها ضد حكومة قاسم. لقد أماط التاريخ المنقول شفاهاً اللثام عن معلومات جديدة حول الانقلاب، ومن ضمنها معلومات لم تُنشر من قبل عدد من المسؤولين المتقاعدين في وزارة الخارجية مثل بيل (ويليام) ليكلاند وجيمس ايكنز، James Akins والمسؤولين السابقين في وكالة المخابرات المركزية مثل أد كاين Ed Kane و أرتشيبولد روزفلت Archibald Roosevelt وآرت كالاهان ArtCallahan، ومن الانقلابي والوزير في حكومة حزب البعث هاني الفكيكي.
مقدمة المترجم
هذه الاطروحة هي عبارة عن مجموعة من المقابلات والأحاديث والوثائق جمعها الباحث ويليام زيمان ووثقها على مدى ثلاثة اعوام حول الاحداث التي رافقت انقلاب 8 شباط / فبراير 1963 في العراق، وما واكبها من متغيرات واحداث متعددة بمساندة ومؤازرة العديد من المستفيدين منها والذين سعوا الى تسمية هذا الانقلاب بعروس الثورات، ومن الذين وردت اسمائهم في فصول هذه الأطروحة.
ونذكر من بين هؤلاء شاه ايران الذي ناصب العداء للعراق بعد ثورة 14 تموز بسبب انسحاب العراق من حلف بغداد وانهيار هذا الحلف بعد فترة من خروج العراق منه، إضافة الى بريطانيا ومصر جمال عبد الناصر وسوريا التي كانت تشكل الاقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة والكويت، وزد على ذالك المتضررين من الثورة من اقطاعيين ورجالات النظام السابق وبعض رجال الدين وفئات وصولية اخرى.
وتسلط هذه الاطروحة الضوء على التعاون الوثيق بين حزب البعث ووكالة المخابرات الامريكية (سي.آي. أي) للاطاحة بحكومة قاسم وتصفية منجزاتها وخاصة بما يعرف بالقانون رقم 80 الذي سحب امتيازات التنقيب عن النفط على الأراضي العراقية من الشركات النفطية الأجنبية خارج عن ما كانت تستثمره فعلاً. وقد تأكد وجود هذا التعاون بالوثائق والتصريحات الشفهية للمسؤولين ألأمريكان...
إضافة الى تصريحات بعض القياديين في حزب البعث من أمثال علي صالح السعدي، الذي أفضى لمجلة الطليعة المصرية في منتصف الستينات بتصريح قال فيه:" نحن جئنا الى السلطة بقطار أمريكي". كما أكد على ذلك أيضاً الوزير والقيادي السابق في حزب البعث هاني الفكيكي وآخرون من كوادر حزب البعث.
إن هذه الاطروحة تسلط الأضواء على واقع الاحداث وحقائقها آنذاك، وتقدم للقارئ العربي توضيحات مهمة حول الاحداث التي رافقت انقلاب شباط 1963، استناداً إلى الوثائق الرسمية وإلى تصريحات بعض المسؤولين فيها خلال تلك الفتره، والتي تكشف عن دور الوكالات الاجنبية ولاسيما وكالة المخابرات الامريكية في التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية والدول المجاوره.
ويدوّن مؤلِف هذا البحث الاحداث التي مر بها العراق منذ عام 1958 وحتى عام 1963 بشكل سرد تاريخي لها وكما حدثت على ارض الواقع، ويشير إلى كل الشخصيات التي لعبت دوراً في التخطيط لهذا الحدث او الاحداث. كما حاول المؤلف ان يكون موضوعياً في سرد الأحداث التاريخية وحاجته إلى الإحاطة بالعلاقات الأسرية لبعض الشخصيات التي وردذكرها في هذا البحث.
كلي أمل ان يشكل هذا العمل مساهمة جادة في ايضاح الحقائق التأريخية عن حقبة مهمة من تأريخ العراق الحديث والمنطقة العربية، والممتدة من 1958-1963 ولفترات طويلة بعدها.
كما آمل أن تسد ترجمة هذه الأطروحة فراغاً مهماً بالمكتبة العربية حول علاقة حزب البعث العراقي بالأطراف الخارجية سواءً كانت عربية أم أجنبية، خاصة بعد أن حكم العراق لأكثر من خمسة وثلاثين سنة، أستطاع خلالها وبحكم الأمكانية المالية الكبيرة للبلد، من تسخير مختلف الأقلام لغرض تزوير التاريخ وكتابته وفقاً لرغباته، وتشويه ثقافة ومعلومات الأجيال التي واكبت تلك الحقبة الزمنية وبعدها. وأتقدم بالشكر الجزيل للصديق كريم السبع لجهده الثمين في مراجعة وتدقيق الترجمة العربية.
عبد الجليل البدري
الفصل الأول
المقدمة
في 14 تموز/يوليو 1958 قاد الزعيم الركن عبد الكريم قاسم مع مجموعة من الضباط إنقلاباً عسكرياً أطاح بحكم التبعية البريطانية الذي تولى مقاليد السلطة في العراق منذ نهاية الحرب العالمية الأولى. وسرعان ماتحول الأنقلاب الى ثورة شعبية عارمة غطت جميع مناطق العراق تقريباً. وأُصيبت واشنطن بالذهول. وعلى امتداد اسبوع، ظلت الثورة النبأ السائد فعلى صفحات صحيفة "نيويورك تايمز".
وفي وقت سابق من ذلك العام نجح الزعيم العربي ذي الشعبية الواسعة الراحل جمال عبد الناصر رئيس مصر، الذي اشترى اسلحة من الاتحاد السوفيتي، في توحيد بلده مع سوريا واقامة الجمهورية العربية المتحدة في ذروة مد القومية العربية. لذلك اعتبرالكثيرون في المؤسسة الاستخباراتية الامريكية إن تلك الثورة تشكل تطوراً كارثياً لايطاق بالنسبة لهم.
ومما زاد من قلق المؤسسة الاستخباراتية الاميركية، ومايصطلح عليه بـ"سي آي أي" في آذار/مارس عام 1959، إستعانة قاسم بقوى شيوعية لقمع تمرد قومي عربي في الموصل. ففي نيسان/ابريل، أوضح الن دلاس Allen Dulles مدير وكالة المخابرات المركزية (سي آي أي) في شهادته امام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بأن الوضع في العراق هو "أشد الأوضاع خطورةً في العالم، وان القوى الشيوعية على وشك السيطره على العراق بشكل تام"(1). لقد احتدمت النقاشات المحمومة حول العراق في وكالة المخابرات المركزية ومجلس الأمن القومي وبلغت ذروتها القصوى. واقتُرح أن تُتَخذ إجراءات عديدة خلال السنوات الاربع اللاحقة، ومن بينها على أقل تقدير غزو العراق، كما هو مدوّن في الوثيقة الرسمية المنشورة.
ان موضوع الخلاف يدورحول فيما إذا قدمت وكالة المخابرات المركزية الدعم لحزب البعث في انقلابهم الناجح ضد عبد الكريم قاسم في 8 شباط/فبراير عام 1963. إن هذا البحث يهدف إلى تبيان حقيقة الدعم المادي الذي تلقاه حزب البعث من وكالة المخابرات المركزية سواء قبل و بعد الانقلاب، أو في فترات مختلفة خلال السنوات الخمس من حكم قاسم، وقيام الوكالة بعمليات سرية ضد العراق.
نشر ويليام بلوم William Blum، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الامريكية عام 1968 كتابه الموسوم الـ"سي آي أي: التاريخ المنسي"The CIA: A Forgotten History، والذي جرى تنقيحه وتوسيعه عام 1995 ليُنشَر بعنوان "قتل الأمل: التدخلات العسكرية والمخابراتية للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية"Killing Hope: US Military and CIA Interventions Since World War II. لقد استقال بلوم من وزارة الخارجية في عام 1967 احتجاجاً على السياسة الاميركية في فيتنام. ويعد كتابه هذا مؤلف موسوعي بطبيعته، حيث تمكن الكاتب أن يعدِّد ويفصِّل باسلوب اكاديمي كل عملية كبيرة نفذتها وكالة المخابرات المركزية منذ عام 1945. ولكن الغائب على نحو لافت للنظر من قائمته التي تشمل 55 بلدا هو تدخل الولايات المتحدة في "العراق" خلال الفترة الممتدة من 1958 الى 1963. إن بلوم يتسم بالدقة ويبدو انه لم يترك حجراً إلا وبحث ما يوجد تحته. فهل كان ذلك مجرد إغفال ناجم عن غياب الأدلة، أم أن الأدلة مخفية جداً أو متناثرة بحيث غدا من الصعب على الكاتب تكريس فصل للعراق في كتابه. ويسعى هذا البحث الى الاجابة عن هذا السؤال. فهل هناك توثيق تاريخي سليم يسند الزعم القائل بأن الاميركان تدخلوا في العراق خلال السنوات الخمس الاولى من استقلاله الحقيقي، أم ان ذلك مجرد شائعات لا أساس لها؟. والآن ومع وجود الجنود وغيرهم من الأفراد الأمريكان في العراق ولعدة سنوات قادمة، تُطرح مهمة هي الأشد الحاحاً في الوقت الحالي والمتعلقة بدراسة تاريخ جذور تدخل الولايات المتحدة الخفي في العراق الحديث .
بالطبع، لقد صدر الكثير من الكتب وكتبت المقالات عن صدام حسين وحزب البعث وتاريخ العراق الحديث منذ عام 1958. ولكن القليل منها فقط تأتي على ذكر تدخل الولايات المتحدة السري في الفترة الممتدة من عام 1958 الى عام 1963. وقد يعود السبب في شحة المادة المتعلقة بنشاط وكالة المخابرات المركزية في المراحل الاولى من العراق الحديث إلى ان نشر مثل هذه المادة يثير عدم الارتياح سواء لدى عراق البعث أو للولايات المتحدة منذ عام 1963 وحتى الوقت الحاضر. فحزب البعث كان يصوُّر نفسه كحزب قومي عروبي مناهض للغرب ومعادي لاسرائيل. فمن شأن تحالفه النفعي السري مع وكالة المخابرات المركزية سيئة الصيت أن يلحق ضرراً فادحاً بصورته في الداخل فضلاً عن صورته في عموم العالم العربي.
لقد كانت وكالة المخابرات المركزية ضالعة بصورة مباشرة في محاولات اغتيال استهدفت عبد الكريم قاسم عام 1960، وربما حتى في عام 1959(2)، وجاء حزب البعث الى السلطة في عام 1963 على حد قول قول أحد الوزراء على متن "قطار أمريكي"(3). وما كان حكام البعث في العراق ليسمحوا باطلاع الرأي العام على هذه الحقائق ولا على تعاونهم مع الولايات المتحدة. كما ان الولايات المتحدة هي الاخرى لم يكن لديها سبب للاعتراف علنا بتواطئها في إيصال حزب البعث الى السلطة. فالعمليات الخفية، ولا سيما الاغتيالات، هي عمليات سرية للغاية ولا يعلم بها الكثير من عملاء وكالة المخابرات المركزية والمسؤولين الرسميين الكبار ولا يعتقدون ان الوكالة ضالعة في هذه العمليات(4). ويُستخدَم التضليل المتعمد في الاجتماعات الرسمية بصورة روتينية لأغراض الحفاظ على السرية من خلال تحريف المحاضر وإيهام المسؤولين الكبار بأن وكالة المخابرات المركزية لا تلجأ الى الاغتيالات أو غيرها من اْعمال العنف(5). إن هذا الاسلوب في ممارسة " الدعاية البيضاء" على كل المستويات جعل من الصعوبة بمكان إعادة بناء هذا التاريخ وكتابته كما حدث فعلاً.
تبين دراسة المراحل المبكرة من تاريخ حزب البعث العراقي إلى أن المسؤولين في العراق وفي الولايات المتحدة لم يألوا جهداً في نفي الدور الاميركي في العراق الحديث أو التستر عليه. وتميل الكتابات التي تروي الفترات الأولى من تاريخ حزب البعث العراقي سواء أكانت بأقلام اميركية أو عراقية، الى مسايرة المواقف الرسمية لحكومتي البلدين.
وفي الحقيقة ذهب الباحثان المرموقان في شؤون العراق ماريون وبيتر سلوگليت Marion & Peter Sluglett، في كتابهما "العراق منذ 1958 من الثورة الى الدكتاتورية"،إلى القول "إن فاعلية (هذه الكتابات الأولى) عرقلت التوصل الى فهم واضح لما جرى، ولا ينبغي أن نستهين بها نظرا للعلاقات الوثيقة التي تربط هؤلاء الكتاب بالمؤسسة الاستخباراتية الاميركية"(6).إن هذه الدراسة تركز على تحليل الكتابات التاريخية التي تجنبت بالكامل الخوض في تفاصيل دور الولايات المتحدة، وستقترح جملة من الأسباب المحتملة لمثل هذا التشويش. ثم يتناول هذا البحث باستفاضة كبيرة الكتابات التاريخية التي تساعد على إعادة بناء تسلسل أحداث تدخل الولايات المتحدة في العراق في الفترة بين عام 1958 وحتى عام 1963، وبضمنها تفسيرات حول الالتباس والتناقض الموجود في المؤلفات التاريخية.
الفصل الثاني
المؤلفات التاريخية حول التدخل السري للولايات المتحدة في العراق
من عام 1958 الى 1963
إن أحد المؤلفات التاريخية المبكرة التي استند إليهما الزوجين سلگليت في كتابهما المعنون "العراق منذ 1958 من الثورة الى الدكتاتورية"، هو كتاب من تأليف كامل ابو جابر والموسوم "حزب البعث العربي الاشتراكي: التاريخ والايديولوجيا والتنظيم" The Arab Baath Socialist Party:History, Ideology and Organization(7)*.
لقد أغفل الدكتور جابر ذكر أي دور لوكالة المخابرات المركزية في انقلاب 1963، الذي حامت حولها شكوك واسعة بشأن دورها بعد وقوع الانقلاب (8).
إذ كانت خطط الانقلاب معروفة للكثير، وجرت بشأنها نقاشات حامية بين البعثيين السوريين والبعثيين العراقيين حول الاعتماد على الاميركيين(9)، على الرغم من أن جابر يستبعد أية إشارة إلى الدور الأميركي وحتى أنه لا يشير الى ما ارتكبه البعث من أعمال تعذيب ومجازر بحق الشيوعيين عام 1963, والتي تردد انها جرت بمساعدة من وكالة المخابرات المركزية. بدأت عمليات التصفية في شباط/ فبراير بعد الانقلاب، واستمرت على امتداد الأشهر التسعة كلها التي استولى فيها حزب البعث على السلطة عام 1963. وتشير أحد التقديرات الى قُتل زهاء 5000 شخص(10). ولم يأت جابر على ذكر أي منها، ولكنه أشار الى ان البعثين "اعتدوا على الكثير من المواطنين الذين اساء الحرس معاملتهم في بعض الاحيان"(11). كما انه يصور الانقلاب على انه حدث عراقي محلي صرف دون الخوض في تفاصيل القسم الأعظم من أعمال العنف(12). كان جابر يطمح لتولي
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*( لقد كان الزوج الأول للسيدة ماريون هو الشهيد عمر فاروق الاوقاتي الذي قتل على يد الانقلابيين في 8 شباط. ثم اقترنت السيدة ماريون بالكاتب بيتر سلوگليت الذي ساهم معها في تأليف الكتاب - م).
منصب وزير خارجية الاردن، بعد استلامه منصب رئاسة المعهد الاردني للدبلوماسية في عمان ابتداءً عام 2004. إن ملك الاردن حسين كان أحد الذين يستلم الراتب من وكالة المخابرات المركزية منذ عام 1957 حتى وفاته في عام 1999(13). ولذا فإن طموح جابر لتولي منصب رفيع في الحكومة الاردنية منعته من ذكر تعاون وكالة المخابرات المركزية مع حكومة عربية في كتابه حول ذلك التاريخ.
وإضافة إلى ذلك نشر جون اف. ديفلن John F. Devlin كتابه عن حزب البعث والموسوم "حزب البعث: الاصول التأريخية منذ نشأته حتى عام 1966" The Ba’th Pary: A History from its Origins to 1966(14).ولم يشر كتابه إلى دور الولايات المتحدة في الانقلاب عاداً أياه شأناً عراقياً بحتاً. ومن الواضح ان ديفلن هو أحد المؤلفين الذين أشاراإليه ماريون وبيتر سلوگليت بسبب "سنوات من الخبرة التي اكتسبها خلال عمله محللا في وكالة المخابرات المركزية"(15). لذا فمن المرجح ان يتغافل ديفلن عن ذكر أي دور لوكالة المخابرات المركزية في انقلاب 1963،وذلك من أجل التضليل أو بسبب جهله جراء ثقافة التكتم السائدة في الوكالة على نطاق واسع(16).وفشلت كريستين هيلمز موس Moss Christine Helms هي الأخرى أيضاً في ذكر أي شيء حول دور الولايات المتحدة الكبير في تاريخ العراق الحديث في كتابها الموسوم "العراق: الجناح الشرقي للعالم العربي" Iraq: Eastern Flank of the Arab World(17). علماً إن هيلمز كانت تعمل باحثة في معهد بروكينغز، كما قدمت المشورة للبيت الأبيض والبنتاغون خلال أزمة حرب الخليج في عام 1990 و1991. وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"‘ فإنها كانت أحد الذين نصحوا الادارة بشكل خاطئ بالسماح لصدام حسين بقمع الانتفاضات الشعبية الشيعية والكردية على أمل أن يتمكن الجيش من الإطاحة به لاحقاً بانقلاب عسكري(18). وبما ان هيلمز قد دعت رسمياً الى اسقاط صدام حسين بانقلاب عسكري في عام 1991 بصفتها مستشارة اكاديمية للسلطة التنفيذية في الولايات المتحدة، فمن السهل ان نفهم احجامها في عام 1984 حينما كانت مستشارة ملهمة للأمبراطورية، عن نشر تواطؤ الولايات المتحدة في أنقلاب 1963 العسكري الذي حمل حزب صدام الى السلطة. وبحسب بيتر سلوگليت، فان "هيلمز قد إستفادت من مقابلات مع مسؤولين كبار في الحكومة ]الولايات المتحدة[،وكانت تميل الى اعادة انتاج ما قيل لها دون نقد في بعض الأحيان"(19).
وحذت مؤلفة أخرى حذو هيلمز وهي فيبي مار Phebe Marr التي نشرت في عام 1985 كتابها الموسوم "تاريخ العراق الحديث"The Modern History of Iraq(20)، والذي يقع في ثلاثمائة صفحة وتناولت فيه فترة خمسة وستين عاما فقط من تاريخ العراق، دون أي ذكر لدور الولايات المتحدة في انقلاب 1963، مقتبسة على نطاق واسع فقرات من مؤلف حنا بطاطو "الطبقات الاجتماعية القديمة" الذي يذكر مصدرين مختلفين حول ضلوع الولايات المتحدة. وتعمل مار "خبيرة" في معهد السلام الاميركي الموالي لأمريكا الذي اكتسب صيتاً سيئاً بتعيين دانيل بايبس Daniel Pipes عضوا في مجلسه بقرار من الرئيس الاميركي خلال اجازة الكونغرس .
ومن المعروف أن هذا المعهد يعج بالباحثين المؤيدين للصهيونية، وليس من عادة معهد الولايات المتحدة للسلام أن يعيِّن خبراء يفضحون تدخلات وكالة المخابرات المركزية.
بعض الكّتاب العرب لم يكونوا واضحين أيضاً في طروحاتهم. فقد نشر أمير أسكندر كتابه الموسوم "صدام حسين: مناضلا ومفكرا وانسانا"(21)في عام 1980، في ذروة شعبية صدام في العالم العربي. وكان كتابه عبارة عن سيرة صدام الرسمية،ولذلك أتيحت للكاتب حصراً إمكانية الاطلاع على معلومات لم تتوفر لغيره. ولكن قراءة الكتاب تؤكد انه نص دعائي. وان صورة صدام المرسومة بفرشاة مغرقة في التملق، لا تُبقي أي هامش للمصداقية، مع أسقاط ارتباطاته بوكالة المخابرات المركزية التي تلطِّخ هذه الصورة، بطبيعة الحال. ======
وهناك مؤلف عراقي آخر هو الراحل مجيد خدوري الذي كتب باستفاضة عن انقلاب 1963 في كتابه "العراق الاشتراكي: دراسة في السياسة العراقية منذ 1968"(22). ولم يذكر مجيد خدوري أي شيئ عن وجود دور اميركي، حيث صوَّر خدوري هو الآخر تخطيط الانقلاب وتنفيذه على انه شأن عراقي. وبحسب الباحثين ماريون وبيتر سلوگليت، فان كتاب خدوري "يعتمد اعتماداً كبيراً على مطبوعات ومقابلات (عراقية) رسمية "، وان "مقابلاته كانت مع مسؤولي النظام القائم آنذاك بدلا من اشراك المعارضة". لذا شكّل مؤلفه"قدراً معيناً من انحياز حتمي لا مفر منه"(23). ورغم ان خدوري كان يعمل استاذاً لدراسات الشرق الأوسط في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University، حيث كان متخصصاً في العراق وفي الشريعة الاسلامية. وبسبب من اعتماده على كرم الحكومتين اللتين كان موقفهما الرسمي يتمثل في ان الامريكان لم يكونوا ضالعين في صعود البعث الى السلطة، فليس من المستغرب أن يتجنب خدوري الحديث عن تاريخ نشاط وكالة المخابرات المركزية في المراحل الاولى من نشأة العراق الحديث.
بدأت الأمور تتضح في عام 1973 عندما اصدر حنا بطاطو مجلده الكلاسيكي "الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية في العراق". وهو أول دراسة تاريخية باللغة الانجليزية تشير إلى دور وكالة المخابرات المركزية في انقلاب 1963(24). ويصم بطاطو بالعار ممَنْ سبق ذكرهم من الكتاب المعاصرين بسبب عدم الاقتباس من سجل عام كان متاحا لهم جميعا. فصحيفة "الاهرام" المصرية واسعة الانتشار، نقلت في ايلول/ سبتمبر 1963 تأكيدات العاهل الاردني الملك حسين بأن وكالة المخابرات المركزية التقت مراراً مع حزب البعث قبل الانقلاب ومدته بقوائم "الشيوعيين" الذين قام حزب البعث بتصفيتهم بكل وحشية بعد استيلائه على السلطة. لقد اقتبس بطاطو هذه المعلومة، ووضع تحت تصرف القارئ معلومة حول ارتباطات صدام حسين بوكالة المخابرات المركزية، لكنه يضيف بعد ذلك ما يعرفه شخصياً عن اتصالات خفية جرت قبل الانقلاب بين اعضاء في حزب البعث والامريكان. إن القليل الذي كان يعرفه حنا بطاطو و حتى بقدر من عدم اليقين، قد كتبه "في مصلحة الحقيقة"، وبذلك ميّز نفسه عن الآخرين بكونه باحثاً دقيقاً.
في عام 1978 نشر الثنائي أديث وإي اف بنروز Edith and E. F. Penrose كتابهما الموسوم "العراق: العلاقات الدولية والتطور الوطني" Iraq: International Relations and National Development. وأجريا مقابلات مع "بعثيين عراقيين حسني الاطلاع"، الذين أكدوا أن وكالة المخابرات المركزية تعاونت مع البعث في عام 1963. وأخبرنا "هاشم جواد وزير الخارجية لاحقا بأن وزارة الخارجية العراقية كانت لديها معلومات عن وجود تواطؤ بين البعث ووكالة المخابرات المركزية (سي آي أي)"(25). ويعتبر هذا الكتاب "العراق: العلاقات الدولية والتطور الوطني" مؤلف دقيق وعلمي أخر مرادفاً لكتاب بطاطو "الطبقات الاجتماعية القديمة"، ويوفر توثيقاً تاريخياً حول ضلوع الولايات المتحدة في انقلاب 1963 في العراق.
في عام 1987 نشرت ماريون وبيتر سلوگليت كتابهما "العراق منذ عام 1958" Iraq Since 1958، وهو عبارة عن تاريخ كامل آخر جرى تحديثه في عام 2001. ويلخص الثنائي سلوگليت ضلوع الولايات المتحدة في الانقلاب، بما في ذلك معلومات عن تعاون وكالة المخابرات المركزية، حصلا عليها خلال مقابلة مع "مسؤول كبير سابق في وزارة الخارجية الاميركية"(26). وكان هذا المسؤول على الأرجح هو جيمس ايكنز James Akins،السفير السابق في العربية السعودية والسكرتير الثاني للشؤون السياسية في السفارة الاميركية في بغداد وقت الانقلاب. ومن المعروف إن ايكنز اشتهر بتعاونه في تقديم معلومات عن دور وكالة المخابرات المركزية في الانقلاب، ولكنه في الآونة الأخيرة امتنع عن الحديث عن انقلاب 1963 إذا كان الحديث "لأغراض النشر"(27).
في عام 1991 نشر ديفيد وايز David Wise تقريرا في صحيفة "لوس انجلس تايمز" تقريراً بعنوان "شعب مغدور" A People Betrayed. عرض وايز في هذا التقرير رواية عن شهادات لعملاء في وكالة المخابرات المركزية يعترفون فيها بمحاولة اغتيال فاشلة كانت من تخطيطهم في عام 1960 ضد عبد الكريم قاسم(28). وأضحى التقرير علني وواضح وورد في هامش عابر في تقرير تشيرش"the Church Commission"عن الاغتيال والذي صدر في عام 1975(29). وينبغي ألاّ يُخلط هذا مع محاولة الاغتيال الفاشلة التي نُفذت عراقياً في عام 1959 بمشاركة صدام حسين.
في عام 1991 نشر عادل درويش وغريغوري الكسندر GregoryAlexander مؤلفهما "بابل غير المقدسة: التاريخ السري لحرب صدام" Unholy Babylon: The Secret History of Saddam’s War. وتضمن هذا الكتاب الادعاء الوحيد المنشور عن مشاركة البعث ووكالة المخابرات المركزية في التخطيط لانقلاب في العراق عام 1962، غير ان المخطط لم يجد طريقه إلى التنفيذ. إلاّ أن درويش لا يوضح ما ورد في هذا الشأن بهامش ولم يرد على استفساراتي. وكتب ابو ريش انه "لم تكن هناك محاولة انقلابية في عام 1962"(30). ان درويش أيضاً هو المصدر الوحيد المذكور بالاسم في مقال بقلم ريتشارد سايل Richard Sale (سيُناقش لاحقا) والذي يؤكد ضلوع وكالة المخابرات المركزية في محاولة الاغتيال التي جرت في عام 1959. وبما انه لم يقدم أدلة تؤكد هذه العمليات، فان مصداقيتها التاريخية تبقى غير مؤكَّدة.
في عام 1996 نشر مالك مفتي كتابه "مصنوعات سيادية"Sovereign Creations، ويزخر الفصل التاسع من الكتاب المعنون "تجدد الوحدوية: 1963-1964" Renewed Unionism: 1963-1964(31) بالمعلومات، إذ يلخص مفتي المعلومات الواردة في مؤلف بطاطو "الطبقات الاجتماعية القديمة" وكتاب بنروز Penrose "العراق: العلاقات الدولية والتطور الوطني"، ثم يضيف معلومات عن الجدل بين البعثيين السوريين والبعثيين العراقيين الذي حصل عليه من مقابلة له أجراها مع الوزير السوري السابق جمال الاتاسي(32). ويوفر هذا توثيقاً اضافياً لتعاون الولايات المتحدة في انقلاب 1963.
ولعل أن سعيد ك. ابو ريش يعد من أكثر المؤلفين إحاطة بموضوع التدخل الاميركي في العراق خلال الفترة الممتدة من 1958 الى 1963. فان كتابيه "صداقة وحشية: الغرب والنخبة العربية" A Brutal Friendship: The West and the Arab Elite، الصادر عام 1997، و"صدام حسين: سياسة الانتقام" Saddam Hussein: The Politics of Revenge، الصادر عام 2000، يعترفان بما ورد في بحوث كتّاب سابقون مثل مالك مفتي وحنا بطاطو ومحمد حسنين هيكل وماريون وبيتر سلوگليت،ولكنه يذهب ابعد منهم بكثير. وتتمثل المساهمة المتميزة لابو ريش في كونه يضيف معلومات مفصَّلة حصل عليها بخبرته الشخصية، إضافة إلى مقابلات عديدة مع شخصيات قامت بأدوار أساسية في انقلاب 1963 مثل جيمس كريتشفيل James Critchfield، مسؤول الشرق الأوسط في وكالة المخابرات المركزية خلال عام 1963 ..
وهاني الفكيكي عضو قيادة حزب البعث خلال عام 1963، والعديد من الامريكان والعراقيين الآخرين، المذكورين بالاسم أو من الذين بقيت اسمائهم طي الكتمان. ويستشهد كتاب "صداقة وحشية" بـ 58 مقابلة بالاسم وبـ 29 مقابلة بلا اسم(33). كذلك يورد كتاب "صدام حسين" 67 مقابلة بالأسم و46 مقابلة بلا أسم(34)، كما يستخدم المؤلف بصيرته الشخصية للولوج في العلاقات العراقية-الامريكية السرية من خلال بما اكتسبه من خبرة أثناء عمله صحفياً في منطقة الشرق الأوسط إبان الخمسينات والستينات، وعمله كحلقة وصل بين الشرق والغرب في مشتريات أسلحة ومعدات استراتيجية للعراق خلال الفترة الممتدة من 1974 الى 1977 ومن 1981 الى 1984.
ينحدرابو ريش من اصل فلسطيني، وعمل إبان الخمسينات والستينات صحفياً وكاتباً في الشرق الأوسط. وأصبح أبو ريش من المعجبين بصدام حسين في السبعينات، ولهذا توجه للعمل مع الحكومة العراقية. في ذلك الوقت لم يكن صدام قد ارتكب أعمال قتل الكثيرة بعد، وكان ما يزال يتمتع بشعبية واسعة في العالم العربي، إذ كانت نزعاته الدموية وغير العقلانية ملجومة بسبب توليه منصب نائب الرئيس العراقي احمد حسن البكر، قريبه التكريتي. واستخدمت حكومة البكر- صدام البعثية عائدات النفط لرفع مستوى معيشة الفرد العراقي الاعتيادي. واعتبر ابو ريش، مثله مثل الكثير من العرب الآخرين، أن عراق البعث يمثل فرصة أمام العرب لتحقيق التوازن المنشود مع اسرائيل والغرب في تحديث وتطوير اسلحة نووية. وفي عام 1984 عندما اصبح واضحا عند ابو ريش ان صدام كان يستخدم اسلحة كيمياوية، دفعه نفوره الاخلاقي من هذا العمل الى الاستقالة من دور الوسيط في العلاقات ومشتريات الاسلحة والمعدات الاستراتيجية، مما كلفه باهظ الثمن شخصياً(35). وعاد ابو ريش الى مهنة الصحافة يعد أن خاب أمله في التحولات التي شهدها العراق منذ أن تولى صدام حسين مقاليد السلطة كاملة ليدفع بلده الى الحرب الايرانية العراقية الكارثية في السنوات 1980-1988. ومنذ ذلك الوقت أصبح ابو ريش كاتباً غزير الانتاج في شؤون الشرق الأوسط، ووفرت كتبه بصيرة قيّمة في هذا المجال.
في عام 2003 نشر ريتشارد سايل من وكالة يونايتد برس انترناشنال (يو بي آي) تقريراً تحت عنوان "خاص: صدام لاعب أساسي في مؤامرة سابقة حاكتها وكالة المخابرات المركزية"Exclusive: Saddam Key in Early CIA Plot(36).فبالاستناد إلى مقابلات مع "دزينة من الدبلوماسيين الاميركان السابقين والباحثين البريطانيين ومسؤولين أمريكان سابقين في المخابرات"(37)، فانه قدّم على شبكة الانترنت، معلومة تفصيلية وحيدة عن تفويض وكالة المخابرات المركزية وضلوعها في محاولة الاغتيال الشهيرة التي استهدفت عبد الكريم قاسم في تشرين الأول/اكتوبر عام 1959. وبحسب سايل، فان الهجوم الفاشل بالاسلحة النارية نُفذ بمشاركة صدام حسين بوصفه عميلا أجيراً لوكالة المخابرات المركزية، والذي قامت الوكالة لاحقاً باخلائه وتدريبه ودعمه في الخارج. وتؤكد هذه القصة ظنونا كانت ترد كتلميحات فقط في كتابات تاريخية سابقة(38). ولكن وضع آخرون علامة استفهام على رواية سايل. فيعتقد ابو ريش ان علاقة وكالة المخابرات المركزية بصدام حسين قبل هروبه الى مصر ليست ممكنة. ويعتقد بيل ليكلاند Bill Lakeland السكرتير السياسي الأول في السفارة الامريكية في بغداد عام 1963 ايضا إن تعاون الوكالة مبكراً في محاولة الاغتيال التي جرت عام 1959 هو ضرب من الوهم (40). وعلى الغرار نفسه، استبعد ايكنز رواية سايل حيث كتب يقول: "ان ريتشارد سايل إنسان جيد جدا، وأقول انه موثوق على نحو استثنائي، ولكن إذا قال أو كتب أو اعتقد ان وكالة المخابرات المركزية كانت وراء هذا الهجوم على عبد الكريم قاسم فانه مخطئ قطعاً"(41). لذا فان مزاعم سايل، من دون وجود دلائل تؤكدها، لا يمكن أن تُعتبر وقائع تاريخية.
في عام 2005 نشر المؤلف والمراسل المختص بشؤون الشرق الأوسط جون كي كولي John K. Cooley كتابه الموسوم "تحالف ضد بابل: الولايات المتحدة واسرائيل والعراق"An Alliance against Babylon: The U.S., Israel and Iraq.ففي هذه الكتاب يسلط الكاتب الضوء على دور وكالة المخابرات المركزية في انقلاب 1963. ويعتمد الكاتب اعتمادا كبيرا على ابو ريش، لكنه يضيف مادة جديدة عن جيمس كريتشفيلد رئيس عمليات الشرق الأدنى في الـ"سي آي أي" في اوائل الستينات. ويسلط كولي الضوء أثناء النعي في مقبرة آرلينغتن الوطنية ويشير إلى ان كريتشفيلد اعترف بأنه اوصى بأن تقدم وكالة المخابرات المركزية الدعم لحزب البعث في اوائل الستينات، وأوضح " ربما كنا نعرف قبل ستة أشهر إن الانقلاب سيحدث"(42). ويقدم كولي تاريخاً موجزاً لسجل كريتشفيلد العسكري والاستخباراتي، ويتناول بعض نشاطاته خلال الأشهر الأولى من عام 1963 في خطوطها العامة (43).
وفي عام 2005 ايضاً، نشر ويليام بلوم طبعة محدَّثة من كتابه "دولة مارقة: دليل الى القوة العظمى الوحيدة في العالم"A Rogue State: A Guide to the World’s Only Superpower، الذي نُشرت طبعته الأولى عام 2000. وخصص بلوم في هذا الكتاب فصلاً طويلاً يلخص فيه كل تدخلات الولايات المتحدة. ويتضمن هذا الفصل مقطعاً عن العراق خلال الفترة من 1958 الى 1963، حيث يضيف فيه بلوم إضافة مهمة الى التدوين التاريخي عن طريق ما ينقله من تقارير تتعلق بوثائق رسمية بريطانية تكشف عن دعم بريطانيا للحكومة البعثية الجديدة في عام 1963، ويلخص مقابلة كاشفة أجراها مراسل صحيفة "لوموند" مع عبد الكريم قاسم في اوائل عام 1963. وبحلول عام 2000 عندما صدر كتاب "دولة مارقة"،وكان بلوم قد جمع مادة وفيرة ليضمنها في انقلاب 1963 في العراق ضمن لائحة التدخلات الاميركية التي أعدها. إن هذه الدراسة التي تتناول تدخل الولايات المتحدة الخفية في العراق خلال المراحل الأولى من تاريخه الحديث، تضيف معلومات أخرى إلى المؤلَف السابق، مستقاة من دراسة وثائق الحكومة الاميركية، وتغني النص باستخدام مقابلات في التاريخ المنقول شفاها مع ابو ريش ومسؤولين متقاعدين في وزارة الخارجية مثل ويليام ليكلاند وجيمس ايكنز والمسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية ايد كيEd Kane. لقد شغل ليكلاند وايكنز منصبي السكرتير الأول والثاني للدائرة السياسية في سفارة الولايات المتحدة في بغداد خلال الفترة التي سبقت انقلاب 1963 والفترة التي أعقبته. وكان ايد كين رئيس مكتب العراق في مقر وكالة المخابرات المركزية في واشنطن وقتذاك. وهناك مزيدا من المطبوعات عن هذا الموضوع سنأتي على ذكرها لاحقاً(44).
الفصل الثالث
ردة فعل الولايات المتحدة على انقلاب 1958
في عام 1917، احتل البريطانيون ثلاث ولايات عثمانية التي كونت العراق فيما بعد. وعندما وضعت الحرب العالمية الاولى أوزارها، استمرت بريطانيا في السيطرة على المنطقة، وانتُدبت في نهاية المطاف لحكم العراق بوصفه اقليماً نشأ نتيجة اتفاقية سايكس- بيكو عام 1916، التي نصت على تقسيم الشرق الأوسط إلى مناطق نفوذ بريطانية وفرنسية.
في عام 1920 فقدت بريطانيا 450 جنديا من قواتها، في حين قامت بقتل 10 آلاف عراقي مستخدمة غاز الخردل المحرم دولياً والذي فاجأ الثوار الذين انتفضوا ضد حكمها.
وقام البريطانيون على عجل بإقامة نظام ملكي من اختيارهم، وتتويج الأمير فيصل (الأبن الأكبر للشريف حسين) ملكاً عل العراق. وفي عام 1922 شرعت بريطانيا في اصدار سلسلة من المعاهدات التي منحت العراق بالتدريج استقلالاً شكلياً في عام 1932، لكنها أعطت لبريطانيا حق اقامة قواعد عسكرية وحق "الدفاع" عن العراق مع العديد من الامتيازات الأخرى. وخلال فترة الحكم بهذه المعاهدات، استطاعت بريطانيا في عام 1925 أن تنتزع من الملك فيصل امتيازاً نفطياً أمده 75 سنة الذي سّمي فيما بعد "شركة نفط العراق" the Iraqi Petroleum Company (IPC)(45).
في عام 1933 توفي فيصل،
وكان وريثه على العرش نجله غازي ذو الواحد وعشرين عاماً والذي دام حكمه ست سنوات (1933-1939). ورغم ان غازي المناوئ للبريطانيين كان ملكاً، فان العراق كان في الحقيقة تحكمه إبان الثلاثينات زمرة ضيقة من خريجي كلية الحرب في اسطنبول، برزوا على الساحة بدعم رعاتهم البريطانيين.
وقام عراقيون مناهضون للغرب بانقلاب أسفر عن مجيء الفريق بكر صدقي الى السلطة في عام 1936، ولكنه قُتل في عملية اغتيال عام 1937 وتسلم مقاليد الحكم الضابط الموالي للبريطانيين نوري السعيد الذي أصبح فيما بعد رئيسا للوزراء.
بقي نوري السعيد داخل الحلبة، عادة في قمة السلطة أو قربها، عبر انقلابات عسكرية ومناورات متعددة حتى عام 1941 عندما قام الجنرال رشيد عالي الكيلاني*بتمرد معادي لبريطانيا. ردّ البريطانيون باحتلال عسكري للعراق استمر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. وبعد الحرب توالت على السلطة حكومات موالية لبريطانيا، وكانت في أحيان كثيرة برئاسة نوري السعيد الحاضر دائماً، حتى نهاية الخمسينات. في عام 1952 بادر لفيف من العسكريين العراقيين، و بوحي من ثورة تموز/يوليو في مصر، إلى تشكيل تنظيمهم الخاص من "الضباط الأحرار". وفي عام 1956 كتب قائد تنظيم الضباط الأحرار الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رسالة الى عبد الناصر يطلب فيها غطاء جويا لانقلاب عسكري، لكن عبد الناصر رفض الطلب(46).
وبعد عامين، وفي ليلة 13 تموز/يوليو ، 1958 زحف الجنرال ]العقيد الركن م.[ عبد السلام عارف آمر اللواء العشرين على بغداد. واحتل بعض جنود اللواء ف مواقع حساسة داخل بغداد وحولها فيما قام آخرون بتطويق القصر الملكي ودار نوري السعيد. وظل الزعيم الركن عبد الكريم قاسم في معسكر المنصورية بصفته آمر اللواء التاسع عشر المتمركز خارج بغداد. اندلع قتال لفترة وجيزة مع قوات موالية للنظام الملكي،
ولكن في صبيحة 14 تموز/يوليو سمع المواطنون العراقيون العقيد عارف يقرأ البيان الأول للنظام الجديد من الراديو معلنا فيه ان الجيش اقدم على تحرير "الوطن العزيز من الطغمة الفاسدة التي نصبها الاستعمار". وفي وقت لاحق من صباح ذلك اليوم ظهر عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف على شاشة التلفزيون للاعلان عن اقامة حكومة شعبية والدعوة الى الحفاظ على "النظام والوحدة". واعلن الاثنان لاحقاً بعد ظهر ذلك اليوم تشكيل الوزارة. وغصت شوارع بغداد بالاحتفالات الصاخبة وبالحشود التي رفعت شعارات معادية للغرب على نحو واضح. وتعرض بعض البريطانيين والاميركيين للقتل، ولكن عددهم كان قليلا إزاء الغضب المكبوت على امتداد اربعين عاما من الوعود المنكوثة والسيطرة الأمبريالية(47).
وعلى حين غرة،أصبح الشرق الأوسط محط اهتمام حكومة الولايات المتحدة.
*كان رشيد عالي الكيلاني مدنياً وليس عسكرياً م.
وفي يوم الانقلاب، كتب مدير وكالة المخابرات المركزية الن دلاس بعض الملاحظات الموجزة خلص فيها الى أنه:"إذا تكلل انقلاب العراق بالنجاح، فمن المحتم أنه سيؤدي إلى تداعيات متعاقبة من شأنها أن تقبر الحكومات الموالية للغرب في لبنان والاردن والعربية السعودية، ويخلق مشاكل خطيرة لكل من تركيا وايران"(48).
ولغرض تقييم حجم تحذير دلاس، فلا بد من فهم ما كان يدور في تلك الأيام وسياقاتها من احداث. فقد كان الزعيم المصري جمال عبد الناصر يتمتع بشعبية هائلة في عموم المنطقة بعد صموده في مواجهة الغزو البريطاني-الفرنسي-الاسرائيلي عام 1956. وتكللت رؤية عبد الناصر القومية العربية في شباط/فبراير 1958 بقيام الجمهورية العربية المتحدة من خلال الوحدة السياسية بين مصر وسوريا. وكانت المشاعر القومية العربية قوية في لبنان والاردن والعربية السعودية والعراق أيضا. ومر لبنان بصفة خاصة بفترة من انعدام الاستقرار بالارتباط مع الحركة التي قامت فيه ضد الحكومة الموالية للغرب. لقد رحل آخر الجنود الفرنسيين في عام 1946،ولكن نظام لبنان البرلماني القائم على التوزيع الطائفي أخذ يتصدع عندما توجه القوميين العرب من المسلمين نحو خوض حرب اهلية سببها السياسات الخلافية للرئيس المسيحي كميل شمعون(49).
لقد أصبحت الحركة الناصرية مصدر تهديد لحكومة الولايات المتحدة بسبب رفض عبد الناصر التعاون معها في الحرب الباردة، حيث رفض عبد الناصر الانضمام الى حلف بغداد وشن حملة اعلامية شعواء ضده، وشارك بنشاط في مؤتمر باندونغ لعدم الانحياز عام 1955. وفي العام نفسه أيضاً، قام عبد الناصر بشراء السلاح من الاتحاد السوفيتي بعدما رفضت الولايات المتحدة بيعه. وعندما سحبت الولايات المتحدة دعمها لمشروع سد أسوان المصري لجأ عبد الناصر الى تمويل السوفيت وخبرائهم. وكان مراقبون حسنو الاطلاع في الولايات المتحدة يعرفون ان القومية العربية ليست شيوعية، وان عبد الناصر كان يستثمر الصراع بين القوتين العظميين لمصلحته. و لكن بعض خطابات الزعيم المصري وبعض سياساته كانت ذات صبغة اشتراكية، وكان هذا بكل تأكيد سبباً لقلق الن دلاس وشقيقه وزير الخارجية جون فوستر دلاس ذي السطوة الكبيرة. كان جون دلاس وشقيقه يشتركان في تبني نظرة دينية إلى الحرب الباردة باعتبارها جزء من "الصراع المتواصل بين الخير والشر... التي ليس لها حدود في الزمان أو المكان"(50). ولم يكن الحياد خياراً وارداً، مما جعل دول الحياد بالنسبة لهما بيدقاً من بيادق المعسكر اللا أخلاقي .
قدم جون دلاس وزير الخارجية الامريكية شهادته بايجاز امام زعماء الكونغرس في البيت الأبيض في 14 تموز/يوليو 1958(51)، أوضح فيها بـ"أن الاتحاد السوفيتي "كان " بدون أدنى شك وراء العملية برمتها في لبنان"(52). ويبدو ان ايزنهاور اقتنع بذلك لأنه انتقل من موقف التردد في هذا الاجتماع الى ابلاغ بعض الجنرالات في اليوم التالي بأن عبد الناصر "دمية رغم انه وعلى الأرجح لا يعتقد بذلك"(53).وقدم ألن دلاس في تقريره وصفاً للوضع في لبنان، ونقل طلب شمعون العاجل بأن "تتدخل الولايات المتحدة عسكريا في لبنان خلال 48 ساعة. وإنه سيفسرنوايانا على ضوء أفعالنا. فهو يريد الاسطول السادس هنا في غضون 24 ساعة، وإلا فانه سيعرف أخيراً أين يقف بقدر ما يتعلق الأمر بتطمينات الغرب". ويمضي التقرير متناولاً جميع الدول الكبيرة الأخرى في الشرق الأوسط. فكان تقريره عن العربية السعودية مخيفاً ومحرجاً بحيث بقي طي الكتمان حتى عام 1979. وجرى في هذا القسم تحديد مطاليب الملك سعود المتضمنة ارسال قوات اميركية وبريطانية الى العراق والاردن، وإلاّ فإن "العربية السعودية ستجاري السياسة الخارجية للجمهورية العربية المتحدة"(54).
في اليوم التالي على انقلاب العراق، أي في 15 تموز/يوليو، قام الاسطول السادس بانزال قوات في لبنان بطلب من الرئيس كميل شمعون.
وفي 16 من تموز توجه البريطانيون صوب الاردن. ومن السهل على هذه الخلفية أن نرى لماذا اتخذت ادارة ايزنهاور قرارها باحتلال لبنان. إذ كان ذلك شكلاً من أشكال الرد على انقلاب العراق ومحاولة لإيجاد قدر من التوازن في الوضع، وكان اجراءاً ترقيعياً تم اتخاذه بالتوجه الى مكان يلقون فيه الترحيب من دون الاقدام على غزو العراق حيث لا يلقوا الترحيب. وبدأ مجلس ألأمن القومي مناقشة أمكانية غزو العراق في يوم تنفيذ الضباط الأحرار لأنقلابهم. لقد ظل القسم المتعلق بهذه القضية من تقرير دلاس الموجز سرياً بعد مرور 21 عاماً من تقديمه. وفي وقت لاحق من عام 1958، أعدت هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة للولايات المتحدة مشروع خطة سرية للغاية بهدف غزو العراق عبر الاراضي التركية حملت اسم "عملية كانونبون" Operation Cannonbone(55). ولا ريب في ان هذا كان من باب التخطيط في حالات الطوارئ فرضه استمرار النقاش في اواخر 1958 واوائل 1959 حول امكانية نشوء الحاجة الى الغزو. واحتوت الأقسام الأخرى من تقرير دلاس والتي ظلت سرية فترة طويلة، عبارات أو فقرات تذكر مصادر معلومات وكالة المخابرات المركزية. وهذا يتيح القاء نظرة على المصادر الموجودة لمحطة الوكالة في بغداد اثناء وقوع الانقلاب.
وكان من بين هذه المصادر المهمة "موظف نفطي اميركي" وثيق الصلة بالحكومة العراقية، والذي أوضح في احد تقاريره "ان نيران المدافع الرشاشة والهاون موجهة صوب القصر، وان اربع دبابات وحشداً من المدنيين يقتربون من دار نوري". كما كانت تربطهم صلات قوية بالاستخبارات البريطانية التي كانت تتمتع بشبكات أوسع في العراق(56). وعلى أثر قيام حكم قاسم، كثّفت محطة وكالة المخابرات المركزية في بغداد نشاطها بعد أن تحول العراق من حكم موال للغرب الى نظام ثوري في ظاهره.
وبأمكاننا التعرف على النشاط الـذي قامت به "سي آي أي" في هذا البلد أو ذاك في اواخر الخمسينات وعقد الستينات من خلال ما جرى تسليط الضوء عليه من قبل فيليب أگي*في كتابه (Philip Age)الموسوم "داخل الشركة: يوميات الـ"سي آي أي" Inside the Company: CIA Diary، وفي كتاب بركهولدر سمث Burkholder Smith "صورة مقاتل في الحرب الباردة" Portrait of a Cold Warrior. لقد كانت الطريقة المتعارف عليها أن تخفي وكالة المخابرات المركزية هوية عناصرها بغطاء مناصب عسكرية أو وظائف في السفارات أو غيرها من الهيئات والشركات الاميركية. ويقوم المتخصصون
ـــــــــــــــــــــ
*فيليب بيرنت فرانكلين آجي (19 تموز 1935- 7 كانون الثاني 2008)، كاتب وكان أحد ضباط وكالة المخابرات المركزية الذي اشتهر بمؤلفه " داخل الشركة". وقد التحق آجي بالوكالة عام 1957، وعمل في العديد من الدول. وبعد استقالته من الوكالة تحول إلى معارض شديد لنشاطها. وتوفي في كوبا عام 2008.(م)
بتجنيد عملاء يكونون عادة مواطنين من أهل البلد ويبدون تعاطفاً مع الولايات المتحدة أو يحملون أفكاراً مؤيدة للغرب. وفي الغالب يُدفع لهم حق اتعاب عما يقدمونه من معلومات أو ينفذونه من عمليات بعد تمحيص يشمل تدقيقات واسعة في أصولهم واحيانا حتى إخضاعهم للاختبار على جهاز كشف الكذب. وكانت أكثر الطرق شيوعا لتجنيد العملاء عندما يتقرب بعض الاشخاص من موظفي السفارة سعياً لتلقي المساعدة أو مقترح للتحالف. وبعد أحالتهم الى السي آي أي للعمل في البلد المعني، يصبحون مصادر معلومات(57). وقد بدأت هذه العملية كلها من جديد في العراق بعد وقوع الانقلاب.
في عام 1958، اعترف وزير الخارجية جون دلاس بأن "الولايات المتحدة لم يبق لها سوى القليل نسبياً من مصادر المعلومات في العراق بعد سقوط حكومة نوري السعيد"(58). فقد فقدت الولايات المتحدة الكثير من مصادرها بسقوط النظام القديم. و رحل المسؤول النفطي الاميركي، وانتهت الشبكات البريطانية الواسعة ايضا. وكان من شأن هذه الخسائر ان تبرز حاجة ملحة في ايجاد مصادر جديدة. وبحسب ابو ريش، فان وكالة المخابرات المركزية بدأت في الأيام الأولى التي أعقبت الانقلاب بالتعاون مع ملك الأردن حسين ومع شاه ايران واجهزة مخابراتهما في محاولة للتوصل إلى وسيلة لاسقاط عبد الكريم قاسم(59).
كان عبد الناصر يقوم بزيارة لصديقه الزعيم القومي اليوغسلافي تيتو في يوم الانقلاب. وقرر عبد الناصر وضع قوات الجمهورية العربية المتحدة في حالة التأهب القصوى، واصدر أوامر الى القوات الخاصة ووحدات من السلاح الجوي بالتوجه الى الحدود السورية-العراقية. واعترف عبد الناصر بالحكومة الجديدة في العراق معلنا ان أي اعتداء على العراق سيكون بمثابة اعتداء على الجمهورية العربية المتحدة بموجب معاهدة الدفاع المشترك لجامعة الدول العربية. وبنصيحة من تيتو طار عبد الناصر سراً الى الاتحاد السوفيتي لعقد اجتماع طارئ مع الزعيم السوفيتي نيكيتا خروشوف. امتنع السوفيت عن اعطاء عبد الناصر مؤشراً واضحا الى ما سيكون عليه موقفهم. ولم تكن الصور المرفوعة في شوارع بغداد صور الضابط قاسم الذي كان غير معروفاً، وإنما صور عبد الناصر.
كان العالم بأسره يتوقع ان يهبط عبد الناصر في بغداد قادما من موسكو في 18 تموز/يوليو، ولكن عبد الكريم قاسم رفض السماح له بالهبوط وتعين عليه التوجه الى دمشق. فقد وصف قاسم زيارة عبد الناصر بأنها "غير ملائمة"(60). و من الممكن أن من بين أسباب الرفض هو امتناع عبد الناصر عن مساعدة الضباط الأحرار العراقيين عام 1956، الامر الذي دفع قاسم الى الأستقلال عن مصر عبد الناصر حتى وإن بدا أن الاثنان يعتنقان ايديولوجيه واحدة. إن تظافر كل الأحداث التي وقعت في تلك الايام الثلاثة عملت على نزع فتيل الوضع المتفجر. وأنتفت الحاجة لقيام الولايات المتحدة بغزو العراق، لأن السوفيت لم يتدخلوا بنشاط، وإن قاسم لم يقطع امدادات النفط ولم ينضم الى الجمهورية العربية المتحدة. وأطلقت الحكومة العراقية الجديدة مبادرات ودية تجاه الدبلوماسيين الامريكان. فقد كان من المهم بالنسبة لها خاصة بقاء خبراء الخدمات النفطية الامريكان. وفي 30 تموز/يوليو أعترفت الولايات المتحدة بالحكومة ومرت الأزمة الأولى بسلام.
الفصل الرابع
قلق متزايد من الشيوعية في العراق
خلال الشهرين التاليين، عمد النظام الجديد إلى تصعيد خطاباته المناهضة للامبريالية والمعادية للولايات المتحدة، معبراً في الوقت نفسه عن حرصه على العلاقات مع الولايات المتحدة. وانشغلت الحكومة العراقية في صراعات داخلية بين طرف يريد الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة يقوده عارف، وطرف يدعو الى نهج أكثر استقلالية يقوده قاسم. وفي خريف 1958 تم إبعاد عارف بتعيينه سفيراً في المانيا الغربية. وخلال هذه الاحتقانات كانت مخابرات قاسم تنقل تقارير عن دسائس عديدة تُحاك ضد حكمه، بمشاركة الامريكان أحيانا. فأما لاحظت الحكومة العراقية وجود قدر من التعاون الامريكي الخفي مع ايران أو انها وقعت ضحية شائعات معادية للولايات المتحدة.
وبحسب ملفات تتعلق بالولايات المتحدة ويعود تاريخها الى 11 تشرين الأول/اكتوبر 1959، فان وزير الخارجية العراقي عبد الجبار الجومرد قال في حينه:
بإنهم"علموا بوجود أعداد كبيرة من العملاء الامريكان المتوجهين الى ايران واماكن أخرى من المنطقة للعمل على تنفيذ ثورة ردة في العراق. وبدا ان هذه التقارير التي تتحدث عن هذه النشاطات قد تأكدت في حقيقة ان الولايات المتحدة "تأخرت كثيرا" في الاعتراف بالنظام، ودفعت مع البريطانيين بقوات الى المنطقة. وشعرت السلطات العراقية انه بات من الضروري اتخاذ اجراءات حازمة لحماية نفسها ضد أعمال معادية محتملة".
ويمضي الجومرد ليعدد هذه الاجراءات ثم يختم كلامه مع التأكيد: "لكن غالبية الصعوبات التي لها هذا الطابع قد انتهت، وان لدى الحكومة رغبة في اعادة العلاقات الطيبة مع الولايات المتحدة ومع ممثليها بأسرع وقت ممكن"(61). وفي تشرين الأول/اكتوبر 1958 ايضا، لاحظت وكالة المخابرات المركزية ان بالامكان استخدام الكرد لزعزعة الحكومة العراقية، ليس بأنفسهم كما فعلوا في سنوات لاحقة، خوفاً من تدخل الاتحاد السوفيتي في كردستان. وفي مذكرة نقاش (وهي مصنفة سرياً حتى الآونة الأخيرة) تتعلق بالاجتماع الثلاثمئة وثلاثة وثمانين (383) لمجلس الأمن القومي في 16 تشرين الأول/ا كتوبر،
أعرب مدير الـ"سي آي أي" الن دلاس عن قلقه من "امكانية نشوء حركة انفصالية بين السكان الكرد في العراق. وأشار السيد دلاس الى ان هذه الامكانية تثير القلق لدى وكالة المخابرات المركزية بدرجة كبيرة لأن الاتحاد السوفيتي سيجد سهولة بالغة في السيطرة على دولة كردية مستقلة تتألف من عناصر كردية في العراق وايران وتركيا، وربما في الاتحاد السوفيتي"(62). وقد تبنت وكالة المخابرات المركزية نفسها في نهاية المطاف هذه الاستراتيجية في اوائل السبعينات بالتعاون مع جهاز المخابرات الشاهنشاهي "السافاك"(63). وخلال الاسابيع القليلة التالية اتهمت الحكومة العراقية مراراً الولايات المتحدة بالعمل على زعزعتها، فيما دأب الدبلوماسيون على نفي الاتهام المرة تلو الأخرى. ولا يبدو من المرجح ان يكون الامريكان أنفسهم قد بدأوا بممارسة اي نشاطات خفية في ذلك الوقت، ولكن الايرانيين والاتراك شرعوا فعلا في تدبير الدسائس، وكانت الولايات المتحدة تتحمَّل المسؤولية بنظر العراقيين لأن هذين البلدين كانا معروفين بكونهما تابعين للولايات المتحدة.
في هذا الوقت أغلق العراقيون غالبية التسهيلات المقدمة للولايات المتحدة، بما فيها مكتب استعلامات الولايات المتحدة ومجموعة الاستشارة والمعونة العسكرية والقنصليات. كما أخضعوا السفارة الاميركية الى عمليات تفتيش وتحقيقات أمنية متكررة، وكادت تحركات الموظفين الامريكان أن تكون متعذرة(64). وبات من الواضح ان العراقيين يفعلون ذلك لأنهم على علم بأن كل هذه الوكالات معروفة بكونها الأماكن المعهودة لإخفاء عناصر وكالة المخابرات المركزية، ولأن لديهم تقارير كثيرة كانت بحوزتهم عن امريكان يعبثون بشؤون العراق. ولا شك فإن هذه الاجراءات جعلت عمليات الوكالة في حكم المنتهية. و بات حتى جمع المعلومات محدوداً بشدة نتيجة لهذه القيود. وخلال ما تبقى من شهر تشرين الأول/اكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر إزداد اعتماد قاسم على الشيوعيين في حملته ضد القوميين العرب. وأثار هذا قلق صانعي السياسة الامريكان، فأكثروا من الكتابة عن مخاطر سيطرة الشيوعيين في العراق.
في 4 كانون الأول/ديسمبر 1958، نقلت السفارة الاميركية في بغداد الى واشنطن طلب تمويل قدمه قائد مجموعة من المتآمرين العراقين المعادين للشيوعية. وما زال اسم قائد المجموعة مصنف سرياً، وقيل له "أنه ليس من المناسب ولا من المرغوب فيه ان تقوم قوة خارجية مثل الولايات المتحدة بالتدخل في شؤون العراق الداخلية". وكان هذا الطلب على الأرجح مقدم من قبل المتآمرين القوميين الذين كانوا يخططون علناً لانقلاب مدعوم من الجمهورية العربية المتحدة بقيادة رشيد عالي الكيلاني، وكان مخططا ان يجري التنفيذ بعد اسبوع.
رفضت الولايات المتحدة العرض لأنها كانت تعتقد ان "هناك احتمالات قوية في ان تكون هذه المحاولة مجرد استفزاز". وكان الامريكان حذرون على نحو مفهوم لأن البريطانيين نقلوا لهم أن قاسم أبلغ السير مايكل رايت Sir MichaelWright من وزارة الخارجية البريطانية بأن "لديه معرفة مطلقة بأن الامريكان، قبل فترة قصيرة جدا، رتبوا سفر ثلاثة أشخاص من ايران للعمل ضد النظام العراقي، وان هناك نشاطا مماثلا يقوم به العملاء الامريكان في جنوب العراق"(65).
على أي حال، باءت محاولة الإطاحة بقاسم بالفشل. ففي 8 كانون الأول/ ديسمبر كُشفت مؤامرة رشيد عالي الكيلاني، وبسبب تزامنها مع التقارير التي تحدثت عن نشاط امريكي في البداية، فان الصحافة والحكومة العراقية واذاعة القاهرة اتهمت الولايات المتحدة بالمسؤولية. كان رشيد عالي رجل دولة مخضرم وبطل حركة 1941 ضد البريطانيين، وأُلقي القبض عليه مع مجموعة من المدنيين والعسكريين تعمل بتمويل من عبد الناصر في السابع من الشهر نفسه.لقد اخترقت اجهزة قاسم الأمنية المجموعة المتآمرة في الاسابيع السابقة، وبالتالي أصبح لديها علم بأن المتآمرين كانوا يخططون لاسقاط الحكومة في التاسع والعاشر من الشهر. كان المتآمرون قلقون من تنامي نفوذ الشيوعيين وخططوا لاقامة حكومة قومية بقيادة رشيد عالي(66). ومن المرجح ان احد افراد المجموعة هو الذي فاتح السفارة الاميركية لأن سجلات الولايات المتحدة بعد فترة قصيرة على هذه الواقعة كانت تزخر بالحديث عن تقارب الأمريكان مع عبد الناصر(67). وعلى الرغم من القيود التي كان يفرضها العراقيون على الامريكان، فقد كانت لدى وكالة المخابرات المركزية معلومات جيدة عن المؤامرة.
وبحسب المذكرة المؤرخة 11 كانون الأول/ديسمبر بشأن ما دار في الاجتماع الثلاثمئة وتسعين (390) لمجلس الأمن القومي، فان مدير الوكالة الن دلاس قال "اننا كنا نعرف الكثير عن هذه المؤامرة على وجه التحديد". وابدى انزعاجه الشديد لأن "قاسم واذاعة القاهرة على السواء حمّلانا مسؤولية المؤامرة رغم الحقيقة الماثلة في اننا حذرنا قاسم بصورة غير مباشرة من المحاولة"(68).
وفي اجتماع عُقد بين السفير الاميركي في العراق والدمار جي غولمان Waldemar J. Gallman)) وبين قاسم، تمكن والدمار من اقناع قاسم بأنه لا يعرف شيئا عن "التقارير التي تتحدث عن نشاطات امريكية لتقويض حكومته". وكان قاسم متأكداً من ضلوع الامريكان رغم ان دورهم ربما كان "بصفة شخصية". وقال الزعيم العراقي للسفير غولمان "ان الكرد في منطقة السليمانية يُحرَّضون على حكومته وكانت هناك تحركات يقوم بها أفراد ذهاباً واياباً عبر الحدود مع ايران... وإن مواطنون امريكان ومن جنسيات اخرى ضالعين فيها حسب معلوماته"(69). وبات معروفاً على نطاق واسع تعاون وكالة المخابرات الاميركية مع جهاز السافاك الايراني في عهد الحكومة الايرانية التي كانت تدور في فلك الولايات المتحدة.إنه لمن الصعب الاعتقاد ان مخابرات قاسم كانت على الدوام مخطئة في تقاريرها حول تعاون الامريكان مع الايرانيين وحول تسللهم الى العراق. ويؤكد بعض الكتاب على ان الولايات المتحدة قد بدأت بتمويل الكرد في عام 1960، وبالتالي فإنه من الجائز ان يكون دالاس ووكالته شرعا بمساعدة الكرد حتى منذ أواخر الخمسينات(70).
وبانت مقدرة قاسم في اصدار الحكم الصائب على الشخصيات عندما أقر بأن غولمان لا يعرف شيئا عن ذلك كله. فلو كانت هناك عمليات تنفذها وكالة المخابرات المركزية في العراق لما عرف بها غولمان نظراً لمستوى السرية العالي الساري في الوكالة، الذي غالباً ما كان يجعل حتى وزارة الخارجية في جهل تام بما يجري(71).لذا كان غولمان شاهداً مُقنعاً وهذا على الأرجح وكان السبب في قول قاسم ان الامريكان كانوا ينشطون بصورة "شخصية".
تضمنت برقية مرسلة من السفارة الامريكية في مصر الى واشنطن بتاريخ 12 كانون الأول/ديسمبر اشارة اخرى الى ان نشاطاً امريكياً خفياً ربما كان يجري في العراق. فقد كتب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى الآسيوي ويليام ام رونتوري (William M. Rountree) ناصحاً بأنه ضد توسيع جولته الى الشرق الأوسط لتشمل العراق. وختم راونتري برقيته بالقول: "أخيراً علينا ان ندرك ان النشاطات الحالية ضد الحكومة في العراق لم تنته بأي حال من الأحوال، ومن الجائز تماماً ان تكون هناك تطورات لاحقة في هذه الاتجاهات(....)خلال الأيام القليلة المقبلة". وما زال هناك سطر في نص المصدر مصنف سرياً عند هذه النقطة من البرقية. ثم كتب يقول: "ان الوضع سيتعقد بدرجة لا تُقاس إذا حدثت هذه التطورات قبيل وجودي هناك أو خلالها أو بعدها"(72). ولعل راونتري قد أماط اللثام عن "التطورات" التي كانت تثير قلقه وسلط الضوء على النشاط الخفي الذي مارسته الولايات المتحدة في كانون الاول/ديسمبر 1958. ولن نعرف على وجه التأكيد إن كانت الولايات المتحدة تعمل في الخفاء على اضعاف نظام قاسم في هذه المرحلة المبكرة، وسنتمكن من معرفة ذلك بعد أن يُرفع غطاء السرية بالكامل عن الوثائق الاميركية ذات العلاقة.
وابتداء من 23 كانون الأول/ديسمبر 1958، شرع المخططون الاميركيون يكثرون من الحديث عن امكانية التقارب مع عبد الناصر ودعمه في المحاولات اللاحقة لاسقاط قاسم وتنصيب حكومة معادية للشيوعية. وكان عبد الناصر قد فاتح عناصرهم في القاهرة وبدا انه يريد استطلاع القضية. وخلال الشهرين التاليين كانت تجري تبادل المذكرات، وعُقدت الاجتماعات مع عبد الناصر ويبدو ان تفاهما من نوع ما قد تحقق. وكان الامريكان يميلون للعمل مع عبد الناصر لأنهم كانوا "يعتقدون انه سيبحث في كل الوسائل المتاحة لديه من أجل القيام بثورة ردة في العراق، حتى ولو انطوت على مخاطرة جسيمة تتمثل في الاضرار بعلاقاته مع السوفيت، وانه سيكون مستعدا لقبول نظام قومي عراقي مستقل بصورة مؤقتة على أقل تقدير"(73).
لقد كانت السياسة الامريكية التي رُسمت في اوائل 1959 تهدف الى "اسداء النصح إلى أصدقائنا، لا سيما الاتراك والايرانيين، بعدم اتخاذ اجراءات استفزازية"، و"ينبغي ان نعمل في حدود قدراتنا، على اقامة علاقات صداقة مع افراد ومجموعات بصورة لا تلفت الانتباه من اجل اشاعة أجواء ملائمة أكثر للعلاقات الاميركية-العراقية. وينبغي ان يشمل هذا أفراداً من داخل الحكومة وخارجها"(74). وهذا ما بدأوا العمل به مع الاستمرار في تفعيل العلاقات مع عبد الناصر.
كانت المخابرات المركزية لديها علم سلفاً بتمرد الموصل في آذار/مارس 1959 في العراق. فقد ارسل جون اس دي ايزنهاور John S. D. Eisenhower تقريراً الى واشنطن في 28 شباط/فبراير "يشير الى انه من المقرر القيام بانقلاب تنفذه عناصر في الجيش العراقي مدعومة من عبد الناصر في الفترة الواقعة بين 2 و5 آذار/مارس"(75). وخلال اجتماع مجلس الأمن القومي في 5 آذار/مارس قال مدير وكالة المخابرات المركزية دلاس ان "هناك تقارير تستمر في الوصول إلينا تحكي عن مؤامرات تحاك ضد رئيس الوزراء قاسم. وسواء أكانت هذه المعلومات صحيحة أم لا، فان الوضع في العراق يتطلب أقصى درجات الاهتمام من الولايات المتحدة وربما يملي على الولايات المتحدة الاتصال بعبد الناصر لمواجهة النتائج المحتملة". ويتابع السيد دلاس قائلا" يبدو إننا نواجه خياراً بين الشيوعية أو الناصرية وإن الأخيرة تبدو أهون الشرين"(76).
جلبت حصيلة هذا الانقلاب نتائج سيئة جداً لعبد الناصر. فقد بدء العقيد الركن عبد الوهاب الشواف آمر اللواء الخامس المتمركز خارج الموصل، المحاولة بتوقيت سيء، إذ كانت لدى قاسم معلومات عن المؤامرة، واتخذ اجراءات واسعة لاحباطها. وكانت الجمهورية العربية المتحدة قد امدت القوميين بالعتاد وبمعدات اذاعية. وفي صبيحة 8 آذار/مارس أذاع الشواف البيان الأول معلناً تشكيل حكومة جديدة برئاسته. ومن سوء حظ الشواف ان زهاء نصف جنود حاميته فقط ظلوا موالين له عندما بث قاسم بياناً يدين فيه المتآمرين "لتعاونهم مع الأجنبي ضد مصالح الدولة...".قُتل الشواف وفرَّ غالبية مؤيديه الكبار أو أُلقي القبض عليهم أو قُتلوا معه. وصدر عن الشيوعيين ردة فعل عنيفة تضمنت اقامة محكمة ثورية استمرت في الموصل حتى نهاية آذار/مارس، فيما حاولت الحكومة العراقية حلها مرتين بلا جدوى.وبدأت الميليشيات الشيوعية* حملة اعتقالات جماعية في انحاء البلاد طالت العناصر القومية المعروفه ، وأُغلقت جميع الصحف غير اليسارية في بغداد. ـــــــــــــــــــــــــــــ
*لا توجد في ذلك الوقت ميليشيات خاصة بالحزب الشيوعي العراقي، بل منظمات شبه عسكرية رسمية، وعلى رأسها ضابط في الجبش العراقي، وتأتمر بالقائد العام للقوات المسلحة الزعيم عبد الكريم قاسم. وقد أنشأت بمرسوم حكومي بعيد الثورة مهمتها المشاركة في الدفاع عن الثورة ضد المؤآمرات التي تحاك ضدها. ولم تستمر الممارسات الشاذة لبعض الشيوعيين من قادة المنظمة المحلية في الموصل، إذ توقفت بعد يومين من قمع التمرد، وبعد وصول آمر حامية الموصل الجديد حسن عبود الذي أمر بإطلاق سراح المعتقلين ممن لم يشاركوا في التمرد، إضافة إلى وصول احد قادة الحزب الشيوعي لمعالجة الوضع.
وبدأت محكمة الشعب الشهيرة برئاسة العقيد فاضل المهداوي محاكمة المتآمرين على امتداد أشهر لاحقة(77). وكان من النتائج التي ترتبت على ذلك ان الكثير من البعثيين قُدِّموا الى المحاكمة وجاهروا بمواقفهم امام الرأي العام عبر الاذاعة التي كانت تبث جلسات المحكمة. كانوا يردون على المهداوي وينددون بالحكومة العراقية متهمين اياها بعدم الوفاء لثورة 14 تموز/يوليو العربية. هذه العملية جعلت منهم شهداء ومهدت الطريق لقبول عام حظي به البعث لاحقا في عام 1963.
الفصل الخامس/محاولة الاغتيال واتصالات السي آي أي بالبعث
مع تنامي النفوذ السياسي للشيوعيين بعد أحداث الموصل،غلب الشعور بالقلق البالغ على الامريكان. وبدا ذالك واضحاً في اجتماع مجلس الأمن القومي في 12 آذار/مارس حيث أشار مدير وكالة المخابرات المركزية الن دلاس:
"عموما الوضع بالغ الخطورة. ومما يؤكد هذه الخطورة هو قرب الكويت من العراق. في الحقيقة ان عبد الناصر ربما يفكر الآن في تدبير انقلاب مضاد في الكويت. وهنا لفت السيد دلاس الانتباه الى خريطة ورسم خطاً بيانياً عن احتياطات النفط في الشرق الأوسط. وبعد ايراد بيانات الاحصائيات عن طاقات الحقول المختلفة، كرر السيد دلاس تحذيره من اننا نواجه وضعاً كارثياً ينبغي ان يكون موضع اهتمام بالغ من جانبنا بشكل مبكر وعاجل".
بلغ الشيوعيون في العراق ذروة نفوذهم في نيسان/ابريل وايار/مايو عام 1959. وأثار هذا توجساً ليس بالقليل لدى صنّاع السياسة الاميركيين. وجرت مناظرة مفتوحة حول غزو العراق "لانقاذه من الشيوعية". وناقش مجلس الأمن القومي امكانية تغيير النظام بعملية خفية كما حدث مع "مصدق" في "ايران"(79). وفي هذا الوقت القى الن دلاس خطابه الناري امام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ(80). ولكن الغلبة كانت لذوي الرؤوس الباردة، وتقرر تقديم أقصى ما يمكن من الدعم لعبد الناصر قدر الامكان دون اثارة حفيظة حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وينبغي ان يُغازل قاسم بوصفه ثقلاً مضاداً لنفوذ الشيوعيين (رغم ان الكثيرين كانوا يشكون في قدرته على مقاومتهم)، على أن تبقى نشاطات الولايات المتحدة بعيدة عن الانظار وتواصل ما يمكن تنفيذه من برامج تجارية وثقافية على أمل ان يكونوا البديل عن الاتحاد السوفيتي في مساعدة العراق(81). ومع ذلك كان القلق من وقوع العراق في أحضان الشيوعية عميقا بحيث ان مجلس الأمن القومي اتخذ القرار رقم 2068 بتشكيل "لجنة خاصة حول العراق" تجتمع وتقدم ما يمكن اعداده من خطط عمل لتبديد هذا القلق خلال السنوات القليلة المقبلة(82).
حاول الحزب الشيوعي العراقي ان يستثمر ما يتمتع به من نفوذ ويواصل توسيعه، لكن قاسم تصدى لهم أخيرا عندما قاوم ضغوطهم السياسية الشديدة لتعيين المزيد من الشيوعيين في حكومته. ولاحظ عبد الناصر هذا الموقف، وفي ايار/مايو كف عن حملاته التي تستهدف شخص قاسم عبر اذاعة "صوت العرب"، وقصر سجالاته على معاداة الشيوعية. وأخذ الامريكان ايضا علماً بذلك واستمروا في سياسة العمل من خلال عبد الناصر(83). ولعلهم بدأوا بتمويل المخابرات المصرية سراً في هذا الوقت. ويؤكد مراسل وكالة "يو بي آي" للشؤون الأمنية ريتشارد سيل ان وكالة المخابرات المركزية كانت تتعاون مع الاستخبارات المصرية قبل محاولة الاغتيال الفاشلة ضد قاسم في تشرين الأول/اكتوبر 1959. ولم تتحقق صحة هذا التأكيد والمعلومات الأخرى التي اوردها سيل من مصادر اخرى، إلاّ أنها تنسجم مع ما كشفته وثائق رسمية بشأن التقارب مع عبد الناصر والسياسة الاميركية القائمة على مساعدة مصر خفية في مساعيها لتدمير الشيوعية في العراق. وإذا كانت الولايات المتحدة تساعد الكرد في وقت سابق خلال حكم عبد الكريم قاسم عن طريق الايرانيين أو الاتراك، فانها توقفت عن تقديم هذه المساعدة على ما يبدو بحلول حزيران/يونيو 1959. وفي اجتماع عقدته اللجنة الخاصة بالعراق، قدم نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باركر هارت Parker Hart تقريراً عن المحادثات التي أجراها مع وزير الخارجية التركي زورلو ونائب رئيس جهاز "السافاك" الايراني الجنرال پاكروان. وكان الاتراك يعتبرون الكرد "عاملا ينبغي ابقاؤه كاحتياط للتمكن من استخدامه إذا تردى الوضع في العراق". و"كان الايرانيون ايضا يحاولون لجم الكرد والاحتفاظ بهم من باب الاحتياط"(84).
خلال مسيرة خرجت احتفالا بثورة 14 تموز/يوليو في كركوك، اندلعت اعمال عنف بين أكراد من ذوي الميول الشيوعية وبين أفراد ينتمون الى الطبقة الحاكمة التقليدية من التركمان. وقتل عدد من المواطنين ومن بينهم من التركمان. وألهب هذا غضب الرأي العام على الشيوعيين، فيما واصل قاسم حملته ضد الحزب الشيوعي العراقي، ولكنه اعدم ثلاثة عشر متهما من المشاركين في مؤامرة الموصل في 20 ايلول/سبتمبر، ليثير سخط القوميين العرب، واعدم اربعة من اركان النظام القديم ليثير استياء الولايات المتحدة. وبعد فشل الحركة الانقلابية في الموصل في آذار/مارس خلص حزب البعث الى انه لا بد من اغتيال قاسم. وعمل الحزب في منتصف 1959 على توسيع اتصالاته واقامة صلات مع ضباط متعاطفين معه في الجيش. وبعد عمليات الاعدام شعر البعثيون أن الوقت أصبح ناضجاً(85).
كانت الولايات المتحدة على معرفة بمخطط الاغتيال والمؤامرة الانقلابية منذ 24 ايلول/سبتمبر(86). وبحسب ريتشارد سيل، فان اميركا كانت أكثر من مطلعة، فقد تعاونت وكالة المخابرات المركزية مع المصريين في تمويل محاولة الاغتيال وتنظيمها في 7 تشرين الاول/اكتوبر 1959. وخولت الوكالة، بحسب رواية سيل، فريق اغتيال يضم ستة من عناصر حزب البعث بينهم نصير شاب اسمه صدام حسين. "وأُسكن صدام في شقة في بغداد تطل على شارع الرشيد مباشرة مقابل مقر قاسم في وزارة الدفاع العراقية لرصد تحركاته". وكان عميل السي آي أي المكلف بالاتصال مع صدام طبيب أسنان عراقي يعمل لحساب المخابرات المصرية التي كانت تتعاون مع الاميركيين لاسقاط قاسم بسبب وقوفه ضد الاماني القومية للشعب العراقي في الانضمام الى الجمهورية العربية المتحدة. و"كان صدام يقبض الأموال من الرائد عبد المجيد فريد معاون الملحق العسكري في السفارة المصرية، الذي كان يدفع ايجار الشقة من حسابه الشخصي"(87).
حُدِّد موعد الاغتيال بيوم 7 تشرين الأول/اكتوبر، ولكن المحاولة باءت بالفشل. ويتفق غالبية المؤرخين على ان صدام أنفعل أو فقد اعصابه وبدأ يطلق النار قبل الأوان. فقد كان من المفترض ألاّ يطلق صدام الرصاصة الأولى وان يقوم بدور الاسناد(88). قُتل سائق قاسم، لكن قاسم نجا من الموت بالانبطاح على ارضية السيارة. وبحسب سيل، فان صدام فر الى تكريت بمساعدة وكالة المخابرات المركزية والاستخبارات المصرية. "ثم عبر صدام الى سوريا وقام عملاء المخابرات المصرية بنقله الى بيروت... وأثناء وجود صدام في بيروت كانت وكالة المخابرات المركزية تدفع ايجار شقتة وعمدت الى ادخاله في دورة تدريبية قصيرة، ثم ساعدته على الوصول الى القاهرة" (89).
وكما أشير آنفاً، الاشارة، لا يوجد أحد ولا توجد وثائق تؤكد رواية سيل. ولم يرد ولا مصدره الوحيد المذكور بالاسم عادل درويش على استفساراتي. فلا يشير سيل إلى أن تقريره الاخباري يستند الى مقابلات مع "مجموعة من الدبلوماسيين الامريكان السابقين والباحثين البريطانيين والمسؤولين السابقين في المخابرات الاميركية". وبالتالي لا بد من ادراج روايته هنا بوصفها احتمالا قائماً. إن روايته تتطابق بالتأكيد مع ما كُشف من وثائق حكومة الولايات المتحدة حول التقارب مع عبد الناصر والبحث عن سبل مساعدته في الخفاء. ولكن الى ان يفصح بعض هؤلاء الدبلوماسيين أو المسؤولين الاستخباراتيين عما يعرفونه علناً، فان تلك الرواية وببساطة لا يمكن ان تعتبر جزءاً من السجل التاريخي.
بعد محاولة الاغتيال، جدَّد قاسم تقاربه مع الشيوعيين لفترة وجيزة. وبسبب هذا التوجه والمخاوف المتزايدة من وقوع محاولة اغتيال ناجحة وعدم التيقن من هو الذي سيعتلي القمة، عمدت وكالة المخابرات المركزية الى اعداد خطط "عمل" تحسبا للطوارئ. وكُشفت حقيقة التخطيط لحالات الطوارئ مؤخراً في مذكرة منقحة جزئيا عن اجتماع لمجلس الأمن القومي في تشرين الثاني/نوفمبر 1959، ولكن التفاصيل ما زالت مصنفة سرياً(90). في غضون ذلك لا نستطيع ان نعرف ما يقوله المتبقي غير المكشوف، ولكن قد يكون السبب في حجب الجانب الاميركي هذه التفاصيل عن الرأي العام هو خططه لدعم البعث.
لاحظ الاميركيون ما لحزب البعث من ميول واضحة في عدائه للشيوعية. وبدأوا ينظرون اليه بوصفه طريق بديل وسط بين قاسم والشيوعيين أو عبد الناصر والقوميين العرب الراديكاليين. ومن الثابت ان صدام حسين وغيره من البعثيين أصبحوا على تواصل حميم مع وكالة المخابرات المركزية على الأقل بعد محاولة الاغتيال خلال وجودهم خارج العراق، في دمشق أو بيروت أو القاهرة(91). وصرح الموظف السابق في مجلس الأمن القومي والكاتب روجر موريس Roger Morris لوكالة رويترز مؤخراً "هناك في القاهرة اتصلت وكالة المخابرات المركزية لأول مرة (بصدام) والآخرين"(92). وقال مسؤول كبير سابق في وزارة الخارجية الاميركية لم تُكشف هويته للباحثين ماريون وبيتر سليگليت ان صدام حسين والبعثيون اتصلوا بالسلطات الاميركية في أواخر الخمسينات. وكان يُنظر الى البعث على انه "قوة المستقبل السياسية" التي تستحق دعم الولايات المتحدة ضد "قاسم والشيوعيين" (93). وفي 10 كانون الأول/ديسمبر 1959، حينما كان ضابط وكالة المخابرات المركزية ريتشارد بيسل Richard Bissell يتحدث عن "طريق ثالث" في العراق ويتطرق الى امكانية تدخل الجمهورية العربية المتحدة، نقل الى مجلس الأمن القومي ان "عبد الناصر كان على اتصال وثيق مع حزب البعث"(94). وبما ان الاميركيين كانوا يعملون بالتعاون مع عبد الناصر، فمن المؤكد انهم بحلول ذلك الوقت كانوا على قدر من الاتصال بالبعث ايضا. وقد اعترف جيمس كريتشفيلد لوكالة اسوشيتد برس انه قدم توصية الى حكومة الولايات المتحدة يطلب فيها التعاون مع حزب البعث في اوائل الستينات(95).
وبعد محاولة الاغتيال الفاشلة، قام الن دلاس بارسال جيمس كريتشفيلد لادارة عمليات الوكالة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا في اوائل عام 1960. وكان العراق هو مركز الاهتمام(96). ويكتب سعيد ابو ريش ان كريتشفيلد كان سيوظف "خبرته في مكافحة التغلغل الشيوعي وتطبيقها في الشرق الأوسط، وكُلف بمهمة ثانوية هي اسباغ قدر أكبر من المهنية على الوضع"(97). لقد كانت الحاجة الى قدر أكبر من "المهنية" حاجة ملحة. فبعد النجاح المذهل في اسقاط رئيس الوزراء الايراني مصدق عام 1953 دون تحضير يُذكر، قامت وكالة المخابرات المركزية بمحاولتي انقلاب فاشلتين في سوريا في 1956 و1957(98). وخلال الفترة الواقعة بين تموز/يوليو 1957 وتشرين الأول/اكتوبر 1958 اعلنت الحكومتان المصرية والسورية ووسائل الاعلام عن كشف ما يربو على ست مؤامرات حاكتها الولايات المتحدة وجهات أخرى لاسقاط احدى الحكومتين أو اغتيال عبد الناصر(99). كما استُهدفت العربية السعودية بتهديدات كاذبة في مناورات حمقاء(100)،وقامت وكالة المخابرات المركزية علناً بتزوير الانتخابات اللبنانية في عام 1957(101) متسببة في اندلاع اشتباكات واسعة النطاق خلال التصويت ومشاعر عداء دائم ضد الولايات المتحدة. فليس من العجيب أن يطالب دلاس بأن يضفي "طابعا مهنياً" على عمليات الوكالة في الشرق الأوسط. لقد وصف كريتشفيلد نشاطات السي آي أي في الخمسينات بأنها "حقبة رُعاة البقر" (Era (Cow Boy(102). وكان التحرك مكشوفاً وجنونياً(103). وكانت الحكومة العراقية على علم بالكثير من هذا التحرك، وبالتالي فكلما ازداد تآمر المعارضين داخل العراق، كانت الولايات المتحدة دائماً موضع شبهة، والسبب وجيه.
ان الجيش الاميركي ووكالة المخابرات المركزية مؤسستان تستجيبان للكونغرس وللرئيس عند الضرورة. وتبعاً لذلك فانهما تعملان دائماً على اعداد خطط طوارئ مثل "عملية كانونبون" Operation Cannonbone - خطة غزو العراق من تركيا. وكانت احدى هذه الخطط التي أعدتها وكالة المخابرات المركزية خطة خبيثة "لإشاعة العجز عند عبد الكريم قاسم". وفي هذا الشأن جاء في تقرير التحقيق الذي اجراه مجلس الشيوخ عام 1975 بالارتباط مع عمل لجنة تشرتش Church Committee ما يلي:
"في شباط/فبراير 1960 طلب قسم الشرق الأدنى في وكالة المخابرات المركزية تأييد ما سماه رئيس القسم "لجنة التغيير الصحي"، لغرض تنفيذ "عملية خاصة" هدفها "شل" ضابط عراقي (قاسم) يُعتقد انه "يخدم المصالح السياسية للكتلة السوفييتية في العراق". وطلب القسم مشورة اللجنة بشأن اعتماد تكنيك "لا يؤدي إلى عوق كلي، بل يمنع الهدف من ممارسة نشاطاته المعتادة مدة لا تقل عن ثلاثة اشهر...فنحن لا نسعى بوعي الى إبعاد الشخص المستهدف عن الساحة بصورة دائمة، كما اننا لا نبغي تطور هذا العوق عند الهدف.
في نيسان/ابريل، أوصت اللجنة بالاجماع قسم العمليات بأن تُنفَّذ عملية العوق، مع ملاحظة مدير العمليات الذي نصح بأنها ستكون عملية "مرغوبة للغاية". كانت العملية التي تمت الموافقة عليها تتضمن أن يُرسل بالبريد منديل محاك عليه الاحرف الأولى من أسم الشخص المستهدف بعد "معالجة المنديل بمادة من نوع ما لمضايقة الشخص الذي يستلمه".
ومضت وكالة المخابرات المركزية الى القول في هذه التحقيق الى ان المنديل "لم يصل قط في الحقيقة، هذا إن أُرسل فعلا"(105). قد لا يكون ذلك صحيحاً، فان سدني غوتليب Sidney Gottlieb رئيس قسم الخدمات التقنية في عام 1960، وصف دوره في دعوى قانونية رُفعت ضد وكالة المخابرات المركزية إبان الثمانينات. وقال في هذا الشأن: "كنتُ في رحلة خارج البلد وأرسلته (المنديل) بالبريد من مكان ما في الشرق الأقصى"(106). ويبدو ان هذا الفشل هو من مخلفات "حقبة رُعاة البقر". وتزخر وثائق حكومية تغطي الفترة من كانون الثاني/يناير الى شباط/فبراير بالمقاطع المحذوفة لكونها لم تزل مصنفة سرياً. ورغم عدم وجود ما يكفي من ما هو متاح للجمهور من المخططات السرية المسموح بالاطلاع عليها والموصوفة في تقرير لجنة تشرتش، فان الوثائق تقول ان خطط الطوارئ التي اعدها مجلس الأمن القومي للعراق "جرى تحديثها وتنسيقها مع المملكة المتحدة في سرية تامة". وفي 14 كانون الثاني/يناير أخبر ليفينغستون تي ميرتشانت Livingston T. Merchant اللجنة: "ان الوضع في العراق اسوأ مما كان قبل ستة اشهر بسبب هبوط شعبية الاتجاه القومي وازدياد اعتماد قاسم بشكل ملحوظ على الشيوعيين"(107). و يبدو من الواضح من هذه الأدلة ان وكالة المخابرات المركزية وبحلول شباط/فبراير 1960 على أقل تقدير، كانت تسعى بنشاط الى إلحاق الأذى بعبد الكريم قاسم. ونتيجة لذلك، فلا يبدو من المستبعد ما ذهب اليه سيل من ان وكالة المخابرات المركزية كانت تقوم بالتمويل والتعاون مع الاستخبارات المصرية في محاولة الاغتيال الفاشلة التي جرت في تشرين الأول/اكتوبر 1959.
الفصل السادس
تدخل الولايات المتحدة الخفي قبل الانقلاب
ابتداء من آذار/مارس 1960، شهدت العلاقات بين العراق والولايات المتحدة انفراجاً بعدما أخذت مؤسسة السياسة الخارجية الاميركية تنظر بعين الرضا الى استمرار قاسم في تطهير الجيش من الشيوعيين ورفضه اجازة حزبهم. وخلال عام 1960 كان الفرع المكشوف من الحكومة الامريكية يتنافس مع السوفيت من أجل النفوذ في العراق(108). ولكن الكتلة السوفييتية ظلت تقدم الى العراق مساعدات أكبر بكثير مما يقدمه الغرب، وأصبحت تصرفات قاسم غريبة بصورة متزايدة بعد محاولة اغتياله، وفقد ما كان يتمتع به من شعبية وتأييد لكنه احتفظ بالسلطة ماشياً على حبل التوازن بين القوميين العرب والشيوعيين. وكان قاسم يحكم بشكل يكاد يكون كاملا من خلال الجيش الذي كان ضباطه يدينون بالولاء له لأنهم تولوا غالبية المناصب الوزارية والمتصرفيات في الوية العراق، وكانوا يحصلون على ترقيات مبكرة لدى حلولهم محل الشيوعيين والقوميين المعزولين، وكانت رواتبهم مرتفعة بفضل عائدات النفط. في المحصلة النهائية، طرأ تحسن على علاقات الولايات المتحدة مع العراق خلال الشطر الأعظم من عام 1960، وجرى تخفيف الكثير من القيود التي كانت مفروضة على الوكالات الاميركية العاملة في العراق، وهدأت اتهامات العراق بتدخل الولايات المتحدة، وسُمح بمقادير محدودة من المساعدة الاميركية والتبادل الثقافي. ويبدو ان التدخل الاميركي الخفي في العراق قد انحسر إلى درجة كبيرة(109) ، الى جانب استمرار علاقات السي آي أي مع عراقيين معارضين في الخارج.
وبداية من منتصف 1960، شرع حزب البعث في القيام بمحاولة جدية قادها العقيد صالح مهدي عماش لتنظيم الحزب وتوسيعه في العراق. وبحلول نهاية العام أقرت حكومة الولايات المتحدة بأن حزب البعث ينافس الحزب الشيوعي العراقي "من حيث القيادة والتنظيم والقدرة على التحرك في الشارع"(110).
وجلب عام 1961 المزيد من عدم الاكتراث في واشنطن تجاه العراق مع انتقال الادارة الاميركية من ايزنهاور الى كندي. وفي الحقيقة ان العراق لم يعد الى دائرة اهتمام السياسة الخارجية الاميركية الى أن أحيا قاسم مطلب العراق بالكويت في 25 حزيران/يونيو 1961. وفي 1 تموز/يوليو قام البريطانيون باحتلال الكويت، ولم يرحلوا عنها إلا في 29 ايلول/سبتمبر. وفي 18 كانون الأول/ديسمبر ابدى مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا فيليبس تالبوت Philips Talbot قلقا متجدداًحول العراق:
"وبعد مطالبة العراق بالكويت، بدأ العراق يقترب بصورة متزايدة من الكتلة السوفيتية... وفي مجرى هذه العملية أخذت الحكومة العراقية وحتى في فترة مؤخرة، تشدد بصورة تدريجية من اجراءاتها القمعية ضد الشيوعيين في الداخل، حتى بتنا نعتقد ان قدرة الشيوعيين على تهديد أمن الدولة العراقية قد حُيِّدت. لكننا نعتقد الآن إن مرحلة جديدة بدأت، فالحكومة العراقية اتخذت خلال الاسبوعين الماضيين خطوات متعددة يبدو انها تتيح للشيوعيين المحليين أن يعززوا مواقعهم في الداخل بدرجة كبيرة. يضاف الى ذلك ان العراق اتخذ خطوة عنيفة بمصادرة كل الاراضي المشمولة بامتياز شركة نفط العراق (والشركات التابعة لها) باستثناء الحقول المنتجة حالياً. ونتيجة للاجراء العراقي ضد شركة نفط العراق، نرى أنه من الممكن حث وزارة الخارجية على الرد وممارسة ضغوط أخرى على العراق.وعلى الغرار نفسه،بما أن الشيوعيون العراقيون يستعيدون دورهم المهم في العراق ويبدو انهم يهددون استقلال العراق، فان من المرجح ان ينشأ لدى الولايات المتحدة شعور قوي بضرورة التدخل في الشؤون العراقية"(111).
لقد عبّر عن هذا "الشعور القوي" الموظف في مجلس الأمن القومي روبرت كومر Robert Komer في مذكرة قدمها بعد أحد عشر يوماً. ولكن القسم الأكبر من هذه المذكره الذي يتركز في فقرتين تعرضان معلومات وكالة المخابرات المركزية أو خطط عملها، ما زال مصنفاً في عداد الاسرار. وما كتبه كومر بعدئذ هو: "كنا ميالين الى الارتخاء واعتبار شركة نفط العراق والكويت وحتى العراق نفسه أطفال من اختصاص بريطانيا. ولكننا نمتلك نسبة 23.75 في المئة من شركة نفط العراق (تشارك في ملكيتها ستاندارد اويل اوف نيو جرسي وسوكوني موبل)، وتملك شركة غولف 50 في المئة من شركة نفط الكويت. ويضاف الى ذلك ان ما يحدث في العراق سيؤثر تأثيرا مباشرا على الأحداث في سوريا وايران، ناهيك عن الاردن والجمهورية العربية المتحدة والعربية السعودية. لقد حاول البريطانيون في البداية التعامل مع قاسم، ولكني أفهم انهم يشعرون بخيبة أمل إزاء تقلباته الحادة(112).
وعلى غرار دالاس، كان كومر يعرف الكثير عن نفط العراق. وبعد شهر اوضح تقييم المخابرات القومي بأنهم لا يستطيعون "ان يحددوا هوية الافراد أو المجاميع التي من المرجح ان تقوم بانقلاب ناجح"(113). ولكن بحلول ايار/مايو 1962 كان حزب البعث التنظيم الوحيد الذي تضعه وزارة الخارجية في مداولاتها بشأن امكانية اسقاط قاسم، وأوصت الاعتراف بحكومته "ما أن يبسط الحزب سيطرته الكاملة فعلا"(114). وفي 4 حزيران/يونيو كتب روبرت كومر الى تالبوت في وزارة الخارجية مقترحا بأن تعيد وزارته النظر في سياسة "التريث بانتظار ما سيحدث" تجاه العراق. وكتب يقول: "ولكن لماذا لا تكون هناك على الأقل مراجعة للطرق التي يمكن ان نؤثر بها تأثيراً أكثر ايجابية في مجرى الأحداث؟ فهل لدى وكالة المخابرات المركزية أية افكار، وما هو رأيكم بالحديث مجدداً مع البريطانيين، بل قد يكون من المجدي الاستئناس بآراء الجمهورية العربية المتحدة"(115).
وأستناداً الى ابو ريش، أدى انفراط عقد الجمهورية العربية المتحدة في عام 1961 الى تخفيف حدة التوجس من التعاون مع الاستخبارات المصرية. وفي عام 1961 قدم الامريكان الى عبد الناصر خطة لاسقاط قاسم بانقلاب بعثي، وابدى عبد الناصر موافقته على الخطة. "ومنذ عام 1961 وحتى الإطاحة بقاسم في شباط/فبراير 1963، كان قسم العراق في المخابرات المصرية يتولى مهمة تسهيل الاتصالات بين وكالة المخابرات المركزية وعراقيين لجأوا الى القاهرة. وعمل الامريكان على زيادة هذه الاتصالات باقامة صلات بين محطات الوكالة في بيروت ودمشق وضباط سابقين في الشرطة العراقية في زمن العهد الملكي وعناصر مسيحية لبنانية وسورية تنتمي الى حزب البعث القومي العربي نفسه الذي يناصب قاسم العداء"(116). وبحسب العاهل الاردني الملك حسين فان "لقاءات كثيرة عُقدت بين حزب البعث والمخابرات الاميركية، حيث عُقدت أهمها في الكويت"(117).
كان صدام حسين واحداً من الذين اتصلت بهم وكالة المخابرات المركزية في القاهرة.
فقد جاء صدام الى القاهرة في شباط/فبراير 1960. وبحسب سيل، فان صدام "أُسكن في شقة بحي الدقي الراقي، وكان يمضي وقته يلعب الدومينو في مقهى انديانا، حيث تراقبه عيون الوكالة والمخابرات المصرية... ولكن خلال هذه الفترة كان صدام يقوم بزيارات كثيرة للسفارة الامريكية حيث كان يعمل خبراء لدى وكالة المخابرات المركزية مثل مايلز كوبلاند ورئيس محطة الوكالة جيم ايكلبرغر Jim Eichelberger، وكانوا يعرفون صدام، بل ان الامريكان المسؤولون عن الاتصال بصدام شجعوا المصريين المسؤولين عنه الى زيادة مخصصاته الشهرية"(118). وسواء أكان هذا صحيحا أم لا، فان كتّاباً آخرين ينقلون ان صدام كان على اتصال مع الاميركيين، وهذا ثابت بلا مراء(119). وكانت المباحث المصرية تراقب صدام عن كثب وتقوم في احيان كثيرة بتفتيش شقته واحتجزته ذات مرة رهن التوقيف في السجن خلال اقامته التي استمرت ثلاث سنوات في القاهرة. وعلى الرغم من تعاون المصريين مع وكالة المخابرات المركزية إلا انهم كانوا ينظرون الى الاميركيين بريبة شديدة ايضاً، وبالتالي الى اللاجئين البعثيين الذين كان الامريكان يزورونهم. ورغم كل الاتصالات التي اجرتها وكالة المخابرات المركزية مع المغتربين العراقيين فإن هؤلاء لم يكونوا عنصراً مركزياً في المخططات الرامية الى اسقاط قاسم
الفصل السابع
انقلاب البعث ـ السي آي أي في 1963
شهد عام 1962 في العراق تصاعدا كبيرا في التآمر على قاسم. وبحسب وثيقة تعود لسفارة الولايات المتحدة في بغداد والمؤرخة في 25 حزيران/ يونيو، فان مجموعة من الضباط "القوميين المعاديين للشيوعية" الذين كانوا يخططون لاسقاط الحكومة العراقية فاتحوا البريطانيين بمخططهم. و"طلبوا تأكيدات بأن ينالوا اعترافاً سريعا ًوتزويدهم بمعدات عسكرية لتمكين الجيش من الافلات من السوفييت المصدر المهم للامدادات". ولم تكن هذه المجموعة هي الوحيدة من بين المتآمرين العسكريين الذين كانت السفارة على علم بوجودها. لأن البرقية تمضي قائلة "ان الضباط ذوي العلاقة ليسوا اولئك المنخرطين في الحركة المذكورة في برقية المرجع". وتشير هذه الوثيقة الى برقيتين أخرييتين على الأقل تستعرضان اتصالات السفارة بمتآمرين في صفوف الجيش العراقي. كما تتحدث البرقية عن ثلاث مجموعات أخرى من المتآمرين "عدا حزب البعث" والتي تشكل "خطراً حقيقياً على قاسم"، وتقدم تحليلا سياسيا للوضع. كما تروي الوثيقة الرد البريطاني على المفاتحة: "لا يمكن لحكومة صاحبة الجلالة ان تورط نفسها في السياسة الدولية، ولكن اية حكومة عراقية يمكن أن تتوقع علاقات ودية تُقام مع العراق بالحد الذي يكون مرغوبا به (المعلومات منقولة كما هي من المصدر)(120). وتبين وثائق حكومة ماكميلان ان بريطانيا بعد أقل من شهرين على الانقلاب وافقت على "تدريب عدد من الضباط العراقيين في البلاد وتزويد العراق بكميات كبيرة من الاسلحة والمعدات، بما فيها ناقلات أفراد مصفحة من طراز "ساراسن" Saracen وطائرات "هنتر" واعتدة(121). ويبدو من المرجح ان ضباط الجيش الذين فاتحوا البريطانيين بشأن التسهيلات التي يريدونها بعد انقلابهم هم نفس الضباط الذين قدموا الطلب لاحقا. وبهذا المعنى يكون البريطانيون قدموا بعض الدعم للمتآمرين قبل الانقلاب بوعدهم اتخاذ موقف "ودي بالحد المرغوب".
بحلول 26 ايلول/سبتمبر،أبرقت السفارة في تقرير لها "ان الحكومة والصحافة العراقية أضحت حتى أشد عداءً للولايات المتحدة وأكثر وداً تجاه الكتلة السوفيتية"(122). وبحسب ابو ريش فان قاسم اكتشف المؤامرات التي كانت تستهدفه في كانون الأول/ديسمبر(123). وعرف آخرون بالمؤامرة قبل الموعد. فإن السفارة اليوغسلافية في بيروت(124) اكتشفت المؤامرة عبر أحد مخبريها، وأبلغت قاسم في بغداد ايضا(125). بعد ذلك بفترة،جرى اعتقال موظفين عراقيين يعملون في السفارة الاميركية بتهمة التجسس دون ريب(126). وكررت الحكومة العراقية اتهامها للولايات المتحدة بالتآمر ضدها. ويبدو من الواضح ان مخابرات قاسم اكتشفت أدلة على مساعدة الولايات المتحدة للمتآمرين. لم يرد الامريكان على الاتهامات علناً، لكنهم نفوها بقوة أمام الحكومة العراقية(127).
بعثت وزارة الخارجية الأمريكية ببرقية من الوزير رسك الى سفارتها بالعراق في 5 شباط/فبراير 1963 لبحث الوضع. وتكشف الفقرة الثانية من البرقية عن وجود عناصر سرية مهمة تشملها قرارات قاسم بالطرد.
ربما كانت تصريحات قاسم الأخيرة مصاغة عمداً لاستثارة رد فعل امريكي يمكن استغلاله فيما بعد على انه "دليل" يؤكد عداء الولايات المتحدة للعراق، ويشكل أساساً لتصعيد الحملات التي قمنا بالرد عليها مرة من قبل ولكن لا يمكن ان نتجاهلها الآن. إن تصريحات الولايات المتحدة لا يمكن أن تُنشر من دون تشويه داخل العراق، والبث على الموجة القصيرة لن يكون له تأثير واسع النطاق. وستكون لدى قاسم حرية تشويه مواقف الولايات المتحدة داخل العراق بغية إيجاد مبرر لتصعيد وتيرة الحملة المعادية للولايات المتحدة وتشديد التضييق على السفارة والقنصلية في البصرة. نحن لا نستطيع أن نتأكد من ان قاسم لن يمضي الى حد تنفيذ قراره بطرد موظفين من العاملين في بعثتنا. وهذا سيهدد بخفض "وجود" مصادرنا الذي يشكل أحد منابع الولايات المتحدة المهمة (سطر واحد من نص المصدر لم يُرفع عنه حظر النشر باعتباره مادة مصنفة سرياً)(128).
من الجائز تماماً ان "العنصر المهم" في السفارة كان عميلا من عملاء وكالة المخابرات المركزية،ويع مل بغطاء سري في وظيفة متدنية في السفارة. وبعد مناقشة هذه الوثيقة مع ليكلاند اقترح قائلا: "كان لدينا ملحق ثقافي يدير مكتبة ومركزاً ثقافياً، وكان جاسوساً". ولعل هذا هو "العنصر المهم" الذي تشير اليه برقية 5 شباط/فبراير. لقد أجرت صحيفة "لوموند" الفرنسية مقابلة مع قاسم نشرت أيضا في 5 شباط/فبراير 1963. وتنم تصريحات قاسم بشأن الامريكان والبريطانيين عن إن واشنطن قد هددته:
"إنني لا أتحدث بقدر ما يتحدث به البريطانيون والامريكان. فما هو الشئ الذي لم يفعله هؤلاء كي يستعبدوا العراق ويحكموا قبضتهم على ثرواتنا؟. أنظر ... لقداستلمت قبل بضعة أيام فقط مذكرة تنذرني بلغة لا لبس فيها ان واشنطن ستفرض عقوبات على العراق إذا تمسكتُ بمواقفي. كيف نستطيع السكوت على لغة كهذه؟. إن كل متاعبنا مع الامبرياليين قد بدأت يوم أكدنا حقوقنا المشروعة في الكويت. أنظر الى هذه الخريطة (يعطيني كراسا بعنوان "حقيقة الكويت" وخريطة الامارة)... لاحظ هذه النقطة الخضراء الصغيرة. هذه هي الكويت، الجزء المغتصَب من بلدنا. قل لي رجاء ما هي العناصر التاريخية أو الفكرية أو الاقتصادية التي تجعل من هذه الامارة مملكة؟.... ليس لديها حتى ماء صالح للشرب!)"(129).
يعتري الغموض تفاصيل المؤامرة التي دُبرت لاسقاط الزعيم العراقي. فان ابو ريش يذهب الى ان المؤامرة كانت بقيادة ويليام ليكلاند، عميل السي آي أي السري الذي انتحل صفة ملحق في السفارة الاميركية في بغداد(130)، وهذا خطأ(131).إن ويليام ليكلاند كان موظفاً مسلكياً في وزارة الخارجية، وعمل في أثناء وقوع الانقلاب ضمن ملاك وزارة الخارجية وفي سفارتها في بغداد بمنصب السكرتير السياسي الأول. إن الدائرة السياسية هي المكان الذي غالباً ما تسرب وكالة المخابرات المركزية عناصرها فيه. ويصح هذا على حالة بغداد عام 1963، إذ أن ليكلاند، لكونه مدير هذا القسم، هو في نفس الوقت يشغل منصب رئيس محطة السي آي أي ايضاً. وفي الحقيقة، ان رئيس المحطة كان آرت كالاهان الذي كان يتستر بستار موظف صغير في الدائرة السياسية في السفارة(132). وكان هناك مكتب منفصل تماًماً لوكالة المخابرات المركزية يعمل فيه عدة موظفين، بمعزل عن الدائرة السياسية، ولكنه جزء منها في الظاهر رغم انهما نادرا ما يعملان معا(133).
في عام 1963 استلم جيمس ايكنز (وهو موظف مسلكي آخر في وزارة الخارجية) المنصب بعد ليكلاند بدرجة وظيفية في بغداد بوصفه السكرتير السياسي الثاني. وقال ليكلاند انه لم يكن على معرفة بأي بعثي قبل الانقلاب، ولكن "ايكنز نفسه كانت له علاقات مع بعثيين لم يكونوا عملاء مأجورين، وانما في اطار العلاقات المعهودة مع موظف في وزارة الخارجية.وكانت له صلة مع مؤيد للبعث"(134). من الجائز ان ايكنز قام بتسهيل عملية الاتصال بين البعثيين العراقيين ووكالة المخابرات المركزية (سي آي أي)، ولعل دوره كان أكثر من ذلك. فقد ألمح ايكنز على مر السنين الى ان امريكا ضالعة في انقلاب 1963 البعثي(135)، ولكنه لم يكن يوافق على نشر ما يعرفه(136). والأرجح ان ايكنز هو احد "الدبلوماسيين السابقين" الذين كتبت عنهم السيدة ماريون وبيتر سلگليت وسيل وبنروز الذين كشفوا لهم (في تصريحات ليست للنشر) عن علاقة الولايات المتحدة بالبعث قبل عام 1963. وقال لي العديد من الأشخاص ان ايكنز معروف بكونه مستعداً للمساعدة حول هذا الموضوع.
ومن المرجح ان ارتشيبولد روزفلت كان على اتصال بأعضاء في حزب البعث قبل الانقلاب.ففي مراسلاتي مع ابو ريش أخبرني أن: "أحد الأشخاص الضالعين في التحضيرات لانقلاب 1963 كان ارتشي روزفلت الذي شغل منصب رئيس محطة في بيروت، وقدعاد اليها قبل اشهر قليلة من الانقلاب. كان ارتشي يتحدث بـ 14 لغة بينها العربية والكردية. وكان ارتشي يعرف الكثيرين في العراق عندما خدم هناك بعد الحرب العالمية الثانية. وقبل سنوات على ذلك، وعندما كان رئيس محطة في بيروت، كان له دور في معارضة ما يُتخذ من خطوات نحو اقامة الوحدة العراقية-السورية"(137).وكتب لاحقا "ان الدورين اللذين لم أكشف أنا شخصيا عنهما هما دور ماكهايل McHale ودور ارتشي روزفلت. لا استطيع أن اقول لك كيف ولكني كنتُ اعرف الرجلين"(138). ويتفق هذا مع قول روجر موريس ان "عناصر من السي آي أي، ومن بينهم ارتشيبولد روزفلت حفيد تيودور روزفلت والمسؤول الكبير في السي آي أي لشؤون الشرق الأدنى وافريقا وقتذاك، تحدثوا بصراحة عن علاقاتهم الوثيقة مع البعثيين العراقيين"(139).ويتعين علينا ان نعلم المزيد لكي نعرف على وجه الدقة كيف قام ارتشي روزفلت بمساعدة الانقلاب.
وبصرف النظر عن طريقة السي آي أي في اصطياد البعثيين العراقيين، فقد وصل نبأ لقاءاتهم الى القادة البعثيين في دمشق واحتدم الجدل بين البعث السوري والبعث العراقي. ويروى جمال الاتاسي الذي كان وزيراً في الحكومة السورية وقتذاك فحوى تلك النقاشات:
"عندما اكتشفنا هذا الأمر، بدأنا بمناقشتهم وكانوا يبررون تعاونهم مع وكالة المخابرات المركزية (سي آي أي) والولايات المتحدة بأنه لغرض أسقاط عبد الكريم قاسم والاستيلاء على الحكم. كانوا يقارنون ذلك بكيفية وصول لينين بقطار الماني للقيام بثورته قائلين انهم وصلوا بقطار اميركي. ولكن في الواقع،وحتى في حالة تسلم مقاليد الحكم في سوريا، فقد كان هناك دفع من الغرب وبخاصة من الولايات المتحدة كي يستولي البعث على السلطة ويستأثر بها ويستبعد كل العناصر والقوى الأخرى (أي الشيوعيين والناصرين)(140).
تعني الاشارة الى قطار لينين أن البعثيين العراقيين كانوا يقبضون من الولايات المتحدة مثلما أخذ لينين والشيوعيون، كما يُزعم، قطاراً محملاً بالذهب من ألمانيا خلال الحرب العالمية الاولى لمساعدتهم في ثورتهم البلشفية. وهذه هي الطريقة التي ساعدت الولايات المتحدة بها هذا الانقلاب مالياً. وكان هاري روسيتزكي Harry Rositzke، المحلل الاستخباراتي المخضرم في مكتب الخدمات الاستراتيجية (أو أس أس) ووكالة المخابرات المركزية (سي آي أي)، قد وصف الانقلاب في مذكراته بأنه مثال جيد على انقلاب كان لدى المخابرات معلومات وافية عنه على النقيض من انقلابات أخرى فاجأت الوكالة. وكان "عملاء السي آي أي قد أحيطوا بتفاصيل دقيقة"عن الانقلاب البعثي.
كان العملاء في مقر حزب البعث في بغداد طيلة سنوات يبقون واشنطن على اطلاع بشأن كوادر الحزب وتنظيمه واتصالاته السرية ومصادر تمويله ومدى تغلغله في الجيش والمؤسسات التقليدية المدنية في بلدان متعددة. وكانت مصادر السي آي أي في موقع مثالي لمتابعة كل خطوة في استعدادات البعث للانقلاب العراقي، التي تركزت على إجراء اتصالات مع قادة عسكريين ومدنيين في بغداد. ونقل مصدر السي آي أي الرئيسي من موقعه الأمثل ساعة تنفيذ الانقلاب على وجه الدقة، وقدم قائمة بأسماء الوزارة الجديدة... ان التعاطي مع انقلاب مقبل يتطلب من السي آي أي ان يكون لها مصدر داخل المجموعة المتآمرة. ولكن من وجهة نظر دبلوماسية فان اقامة اتصالات سرية مع متآمرين تعني على الأقل مشاركة غير رسمية في المؤامرة"(141).
نعم إنها بالفعل "مشاركة غير رسمية في المؤامرة".إذ أن وكالة المخابرات المركزية كانت تدفع مبالغ طائلة من المال لهذا المصدر لقاء تقديم المعلومات، لا سيما وان المخططين الامريكين قرروا أن حزب البعث سيكون في المقدمة وإنهم راغبين في دعم الانقلاب. وأعترف ليكلاند بأن ضابط السي آي أي ايد كين أبلغه بأن الولايات المتحدة "كان لديها أشخاص يطلعونها على كل الأمور... وكانت السي آي أي على علم بما يحدث... وانها دفعت الى مخبرين داخل حزب البعث ولكن لم يكن لديها سيطرة على أية عمليات... كان الأمر سرياً للغاية... (142). وأفصح ليكلاند عن هذه الأشياء وكرر المعلومات في اربع مناسبات مختلفة، ولكن في كل مرة وعند ذكره لموقف كين المكتوب، فإنه كان يصر على ان كل الاتصالات جرت بعد الانقلاب، وانه يؤيد بشكل قاطع قصة ايد كين القائلة أن "الانقلاب كان مفاجأة تامة للوكالة...، وأنا متأكد أنه كان مفاجأة تامة للحكومة الاميركية ايضا"(143). ومن الجانب العراقي سمع ابو ريش من عضو الوزارة البعثية التي شُكلت بعد الانقلاب هاني الفكيكي والكثير من العراقيين بأن وكالة المخابرات المركزية عملت مع حزب البعث قبل الانقلاب(144)، وان هاشم جواد وزير خارجية قاسم أبلغ بنروز أن وزارته كان "لديها معلومات عن وجود تواطؤ بين البعث والسي آي أي"(145). وخير دليل مباشر على ان الولايات المتحدة كانت شريكاً هي المذكرة التي رفعها الموظف في مجلس الأمن القومي بوب كومر الى الرئيس جون كندي ليلة الانقلاب، في 8 شباط/فبراير 1963، إذ تقول المذكرة في فقرتها الأخيرة:
"سنرفع أصواتنا بطريقة ودية وغير رسمية ما أن نعرف مع مَنْ نتحدث، وينبغي ان نعترف بهم بمجرد ان نتأكد أنهم رسخّوا أقدامهم. ...... إنها تقارير ممتازة عن تخطيط المؤامرة،ولكني أشك في انهم أو بريطانيا يدّعون الفضل فيها"(146).
وما زالت ثمانية كلمات مطبوعة بالآلة الكاتبة مصنفة بوصفها اسراراً قبل كلمة "تقارير ممتازة". وان عبارة "كانت السي آي أي تتلقى" تنسجم هنا انسجاماً تاماً لتكملة الفقرة بحيث على الوجه التالي.... "كانت السي آي أي تتلقى تقارير ممتازة"، والأرجح ان العبارة موجودة في الأصل. ويتفق هذا مع مذكرات روسيتزكي التي كتب فيها ان وكالة المخابرات المركزية كان لديها "مصدر رئيسي في موقع مثالي". وكان سيتعين عليهم ان يدفعوا أموالاً لقاء ذلك، لكنهم ربما لم يفعلوا أكثر من تمويل الانقلاب ولهذا السبب كتب كرومر: "إنني أشك في ادعاءآت ] السي آي أي[ أو المملكة المتحدة ]الاستخبارات البريطانية[ بأن لهم الفضل فيه". فهم يستطيعون أن يدعوا ببعض الفضل فيما تحقق ولكن ليس في كل شئ. فهم على الأقل ساعدوا في تمويل الانقلاب وأعطوا تطمينات بأن حكم البعث سيلقى استقبالاً حسناً في واشنطن. ولعلهم قدموا مساعدة أكبر لم يكن كرومر يعرف بها أو انه أستبعدها.
قبل تنفيذ الانقلاب، أمر قاسم في 3 شباط/فبراير 1963 باعتقال العقيد صالح مهدي عماش، قائد الانقلاب والمخطَّط له وحامل أسراره كلها. وكان عماش ملحقاً عسكرياً سابقاً في السفارة العراقية في واشنطن (حيث جرى تجنيده على الأرجح هناك)، وأحد رجال الاتصال من جانب حزب البعث مع وكالة المخابرات المركزية (سي آي أي). وفي اليوم التالي أعتقل قاسم القائد المدني لحزب البعث علي صالح السعدي. وأدى اعتقال عماش والسعدي وعدد من المتآمرين الآخرين الى التحرك سريعا خشية ان تتسرب تفاصيل كثيرة عن الخطة خلال الاستجواب(147).
فأصدر احمد حسن البكر، القيادي العسكري في حزب البعث، أوامره بالشروع في التنفيذ يوم 8 شباط/فبراير، أي قبل اسبوعين من الموعد.
كانت الخطة تتضمن القيام بتحركات عسكرية لعزل وحدات الجيش الموالية للزعيم عبد الكريم قاسم واحتلال محطتي الاذاعة والتلفزيون وتصفية أنصار قاسم الرئيسيين مثل جلال الاوقاتي ووصفي طاهر واعتقال قاسم واحتلال مقره في مبنى وزارة الدفاع.
كان الضباط البعثيون الذين قادوا الانقلاب هم احمد حسن البكر وعدنان خير الله*(كلاهما تكريتيان من اقارب صدام) ومنذر الونداوي وحردان التكريتي وعبد الستار عبد اللطيف وخالد الشاوي وعارف عبد الرزاق(148). وكان البعث يتمتع بتأييد شعبي واسع لدوره النشيط في المؤآمرات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*لربما يقصد المؤلف حماد شهاب.(م.)
القومية ومحاربة الشيوعيين، وصمود البعثيين في المحاكمات التي جرت بعد احباط هذه الحركات. ولكن الكثير من الجنود بقوا أوفياء، وهذا ما أدى إلى اندلاع قتال واسع النطاق. وبحسب حسين ملك الأردن، فان وكالة المخابرات المركزية (سي آي أي) كانت توجه المقاتلين البعثيين من مركز قيادة ألكتروني في الكويت(149). ولكن ليس بالامكان حتى الآن التحقق من صحة ذلك بما يسنده من وثائق الحكومة الاميركية أو تصريحات "منشورة". وكتب ابو ريش: "ان مركز القيادة الألكتروني في الكويت... كان يوجه الوحدات المتمردة، بمن فيهم منذر الونداوي، الذي كان الطيار الوحيد الذي انضم الى المتمردين، وتولى لاحقا قيادة الحرس القومي"(150).
وبعد يومين من القتال الشرس داخل وزارة الدفاع، التي كانت محاصرة من الأرض وتُقصَف من الجو، أستسلم قاسم(151). وكتب ابو ريش ما يلي:
"رفض قاسم حتى اللحظة الأخيرة أن يسلح عشرات الآلاف من الشيوعيين والفلاحين والعمال الذين ساروا الى مقره عارضين الدفاع عنه، في حين قام البعثيون بتسليح المدنيين واستخدامهم في دور مساند. وعندما استسلم قاسم في النهاية... كان استسلامه لحقن مزيد من سفك الدماء في البلاد. وبعدما رُفض طلبه بالاحتفاظ بسلاحه الشخصي وتقديمه الى محاكمة علنية، امتنع قاسم عن الإجابة على أسئلة آسريه، ورفض أن تُعصب عيناه ومات ضابطاً نبيلاً وهو يهتف"عاش الشعب العراقي". ولدى العودة الى الوراء،وبسبب ما قدمه قاسم من عمله من أجل الفقراء وتواضعه والاعتراف بحقوق الكرد لأول مرة على الاطلاق... فإنه ما زال يحظى بحب الشعب العراقي بشكل أكثر من أي زعيم في هذا القرن(152).
الفصل الثامن
بعد الانقلاب
مثَّل البعثيون بجثة قاسم ودنسوها عارضين اياها باستمرار على الجمهور (153). وفي الاسابيع التي اعقبت الانقلاب قام المدنيون المسلحون (الحرس القومي) بملاحقة الشيوعيين واليساريين والمتعاطفين معهم وسجنهم وتعذيبهم وإطلاق النار عليهم. واستمر سفك الدماء لعدة اشهر. وتتراوح التقديرات بشأن اعداد الذين طالتهم التصفيات من سبعمائة الى خمس وثلاثون الفا(154) مع الاجماع عموما على رقم يقرب من خمسة آلاف(155) .وقُتل عراقيون ابرياء(156)، وتعرض للتعذيب شيوخ ونساء حوامل حتى الموت أمام ذويهم(157). ويتفق سائر الكتاب والشهود على ان شريحة واسعة من نخبة المجتمع العراقي، بينهم أطباء ومحامون وبرفيسورون واساتذة جامعة وطلاب، كانوا من بين القتلى(158). كما احتُجِز الآلاف، وكان التعذيب ممارسة شائعة في المعتقلات.
وكتب كون كوغلن Con Coughlin الصحفي في صحيفة الديلي تلغراف ومؤرخ صدام قائلاً:
"كانت واحدة من أسوأ غرف التعذيب صيتاً تقع في سجن قصر النهاية الذي كان اسماً على مسمى...
وكان ناظم كزار من أشهر الجلادين في ممارسة فن التعذيب، والذي أصبح لاحقا مدير أمن صدام. وذاع صيت كزار بتلذذه في ممارسة العنف العبثي حتى انه نجح في ترهيب رفاقه في الحزب. كان يستمتع على الأخص بإجراء التحقيق بنفسه واطفاء سيجارته في عيون ضحاياه(159).
الحكومة العراقية نفسها تصف قصر النهاية وصفاً مخيفاً. ففي أقبية قصر النهاية التي كان "المكتب" يستخدمها مقرا له، عُثر على كل صنوف أدوات التعذيب المقيتة، بما في ذلك اسلاك كهربائية وكماشات، وقضبان حديدية مدببة لإجبار المعتقلين الجلوس عليها، وآلة ما زالت تحمل آثار أصابع مقطوعة. وكانت أكوام من الملابس الملطخة بالدماء مبعثرة في المكان، وكانت هناك بُرك من الدماء على الأرض وبقع على الجدران"(160).
وذكر العديد من الكتاب ان وكالة المخابرات المركزية (سي آي أي) وفرت قوائم بأسماء اليساريين المطلوب تصفيتهم(161). وبحسب ابو ريش:
"كان مصدرهم الأول هو ويليام ماكهايل، وهو عميل في السي آي أي ينتحل صفة مراسل لمجلة تايم وشقيق دون ماكهايل، الذي أصبح بعدئذ من كبار ضباط الوكالة في واشنطن. وحصل ماكهايل على هذه الأسماء في بيروت من ضابط أمن سابق في العهد الملكي، ونائب مدير الأمن في زمن النظام الملكي بهجت العطية الذي أُعدم شنقا في عام 1958، وكانت المعلومات قديمة. ولكن ماكهايل وإن كانت قائمته أطول القوائم، فانه لم يكن الوحيد. فقد ساهم في هذا العمل المشين ضابط مباحث مصري كبير وبعثيين مسيحيين في لبنان ومجموعة صدام الصغيرة في القاهرة وأفرادا وجماعات أخرى"(162).
وطبقا لما يورده الكاتب مالك مفتي فان أسماء المطلوب قتلهم بُثت ايضا عبر مركز القيادة الالكتروني من الكويت(163). وبحسب كون كوغلن فان "البعثيين أعطوا (ضمانات) لوكالة المخابرات المركزية بأن جميع المعتقلين ستُجرى لهم محاكمات عادلة. وقد كشفت الولايات المتحدة تواطؤها في الانقلاب بخرق البروتوكول الدبلوماسي والايعاز الى القائم بأعمالها في بغداد بالاتصال بالمتمردين بعد ساعات على الانقلاب والتعهد بالاعتراف بحكمهم(164). وكان دور السي آي أي معروفاً على نطاق واسع قبل ذلك. وكتبت صحيفة لاكسبرس "L’Express "، ان انقلاب العراق جرى بوحي من السي آي أي. وإن الحكومة البريطانية وعبد الناصر نفسه على علم بالتحضيرات للانقلاب"(165). وبعد سبعة أشهر على الانقلاب، نقلت صحيفة "الاهرام" عن الملك حسين قوله:
"تقول لي أن الاستخبارات الأمريكية كانت وراء الأحداث التي جرت في الأردن عام 1957. أسمح لي أن أقول لك إن ما جرى في العراق في 8 شباط/ فبراير 1963 قد حظي بدعم الاستخبارات الأمريكية. ولا يعرف بعض من يحكمون بغداد اليوم هذا الأمر، ولكنني اعرف الحقيقة. لقدُ عُقدت عدة اجتماعات بين حزب البعث والاستخبارات الأمريكية، وعُقد أهم تلك الاجتماعات في الكويت. هل تعلم بأنه... في يوم 8 شباط/فبراير، كانت محطة إذاعة سرية موجهة إلى العراق، وكانت تزود رجال الانقلاب بأسماء الشيوعيين وعناوينهم للتمكن من اعتقالهم وإعدامهم"(166).
لقد اعترف علي صالح السعدي قائلا "جئنا الى الحكم بقطار اميركي"(167).
وفي مقابلة أُجريت عام 1991 مع الكسندر كوكبرن Alexander Cockburn ، رئيس قسم الشرق الأوسط وجنوب آسيا في وكالة المخابرات المركزية في اوائل الستينات، أوضح أن جيمس كريتشفيلد أعترف بأن انقلاب 1963 كان الانقلاب المفضل عند السي آي أي. "كنا حقا على علم بكل تفاصيل ما يجري... واعتبرناه انتصارا كبيراً"(168). وفي السنوات الأخيرة كتب روجر موريس عن مشاركة السي آي أي في الانقلاب لصحيفة "نيويورك تايمز"، وهو يروي ذالك من تجربة شخصية:
"كنتُ أعمل كموظف في مجلس الأمن القومي في زمن ليندن جونسن وريتشارد نكسون في اواخر الستينات، وغالباً ما كنتُ اسمع عناصر من السي آي أي (بمن فيهم ارتشيبالد روزفلت، حفيد تيودور روزفلت والمسؤول الكبير في السي آي أي لمنطقة الشرق الأوسط وافريقيا في حينه)، يتحدث مع ضابط كبير في السي آي أي وعلى المكشوف عن علاقاتهم الوثيقة مع البعثيين العراقيين"(169).
وكشفت الأفعال بعد الانقلاب عن وجود تعاون واسع النطاق بين البعث والسي آي أي. ويكتب ابو ريش ان الامريكان قاموا في غضون اربع وعشرين ساعة بتزويد العراقيين بـ"معدات عسكرية وبدأوا بمد جسر جوي بين تركيا وايران وكركوك في شمال العراق. وكانت الاسلحة التي تقدمها اميركا الى الجيش العراقي تُستخدم في قتال الكرد"(170). وإضافة إلى ذلك فقد "نصح الأمريكان الزعيم الكردي جلال طالباني بصراحة أن ينهي تمرده"(171). ويقول بيل ليكلاند انه لم يسمع بذلك قط ويعتقد انه مجرد وهم(172). ولكن جيف ماكونيل Jeff McConnell الذي يكتب في صحيفة "بوسطن غلوب"، يؤكد معلومات ابو ريش بشأن الجسر الجوي. فقد أجرى ماكونيل مقابلة مع بروس تي اوديل Bruce T Odell الذي "تولى مسؤولية الجسر الجوي منتحلا صفة مساعد خاص للسفير الاميركي في بغداد". وفي مقابلة جرت في الاسبوع الماضي، في ايلول/سبتمبر 1990، أكد على العملية الناجحة للجسر الجوي". وبحسب ماكونيل فان "السي آي أي سرعان ما شرعت في نقل السلاح جواً الى العراق للمساعدة في إضفاء الصفة الشرعية... على حزب البعث"(173). وإضافة إلى ذلك وبحسب ابو ريش، فقد أُفرج عن العقيد صالح مهدي عماش من السجن وعُين وزيراً للدفاع. ". وكان أول طلب قدمه اليه استاذه وصديقه الاميركي وليام ليكلاند مقايضة أسلحة اميركية التي كان الانقلابيون بحاجة ماسة اليها بطائرات ميغ 21 ودبابات تي 54 وصواريخ "سام".حيث كان الامريكان يريدون معرفة فاعلية الاسلحة السوفيتية، وخاصة طائراتهم"(174). وكان المفروض ان تُنجز المقايضة في غضون 48 ساعة بعد نجاح الانقلاب. ولكن ليكلاند يقول انه لا يعرف شيئا عن ذلك، ولم يسمع باسم عماش ذات يوم، ويعتقد ان التقارير التي تتحدث عن تبادل الاسلحة تقارير وهمية(175). ولم اتمكن من التحقق من ذلك في ضوء وثائق الحكومة أو المقابلات أو أي مصدر مكتوب آخر، لذا يتعين أن نعرف المزيد للتأكد من حقيقة هذا الأمر.
لقد تطورت علاقات تجارية واضحة بين الشركات الاميركية والبريطانية وحزب البعث العراقي. وسُمح لشركات شل Shell وبريتش بتروليوم BP وبكتل Bechtel وبارسون Parson وموبيلMobil وغيرها بالعودة الى العراق(176). وأصبح وزير الخزانة الاميركي السابق روبرت اندرسن Robert Anderson على رأس العلاقات التجارية العراقية الاميركية حين كان يدير شركة تدعى انترسر Interser، وهي أساسا واجهة للسي آي أي كان جميع مدرائها باستثناء مدير واحد عملاء في الوكالة(177). كما بدأ اندرسن التفاوض بشأن منح امتياز استخراج الكبريت الى شركة بان امريكان للكبريتPan) (American Sulfur Company، وبدأت شركات اميركية مفاوضات لبناء منشآت خاصة بمسفن جاف في البصرة(178).ان الوثائق الاميركية الرسمية التي توفرت بعد انقلاب 8 شباط/فبراير 1963 وثائق كاشفة. أولا، هناك مذكرة روبرت كرومر السرية الى الرئيس، مكتوبة بتاريخ 8 شباط/فبراير 1963 لاطلاعه بايجاز على الانقلاب:
"في حين ان الوقت ما زال مبكرا، ولكن كما يبدو ان الثورة العراقية تكللت بالنجاح. ويكاد يكون من المؤكد انها في المحصلة النهائية مكسب لصالحنا. إن القوة المحركة الرئيسية في هذا العمل حسن التنظيم هو حزب البعث، وهو تنظيم يساري معتدل لكنه معاد للشيوعية وله علاقات واسعة في صفوف الجيش. ليس واضحا بعد ما إذا كانت الغلبة ستكون للسياسيين البعثيين أو القوميين العسكريين، ولكن في كلا الحالتين سيكون نظام الحكم مفضَّلا على حكم قاسم. وحسب تقديرنا فإنه (1) سيعمل على موازنة الوجود السوفيتي الكبير بتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وبريطانيا و(2) يكون أكثر تعقلا مع شركات النفط و(3) مؤيدا لعبد الناصر ولكنه يعارض الوحدة و(4) يتفاهم مع الكرد ويتخلى عن الكويت. سيحاول عبد الناصر ان يحتضن الطاقم الجديد، لكننا نرى انه يصفر في الريح. سنرفع عقيرتنا بأصوات ودية غير رسمية ما ان نعرف مع مَنْ نتحادث، وينبغي ان نعترف بالنظام حالما نتأكد من ترسيخ مواقعه [كلمتان في نص المصدر لم يُلغ الحظر على نشرهما]... تقارير ممتازة عن التخطيط للمؤامرة، لكني أشك في أنهم أو بريطانيا يدعون الفضل أكثر لما حدث"(179).
هذه الوثيقة هي الدليل الدامغ الذي جرى تناوله سابقاً. لعل كرومر لم يكن على علم بسعة الدور الذي أدته السي آي أي في حياكة المؤامرة وتنفيذ الانقلاب. فهو "يشك" في ما إذا كان "لهم ان يدعوا الفضل فيه". ويشير استخدام كلمة "الشك" الى انه لم يكن متأكدا. ويعود ذلك الى الثقافة السرية السائدة في وكالة المخابرات المركزية. إذ ما كان بإمكان كومر أن يطلع على كل التفاصيل إلا إذا طلبها بنفسه، ويبدو انه لم يتلق إلا تقارير موجزة عن تخطيط المؤامرة. إن عرض روسيتزكي للانقلاب موجود في مذكراته(181)، ويبدو ان هذه كانت القاعدة المتبعة في نقل معلومات الانقلاب الى أي من المسؤولين الحكوميين القلائل الذين كان يجري اطلاعهم عنه بايجاز. كما ان العبارة الأخيرة هي اعتراف ضمني على الأقل ببعض الدور المباشر الذي لعبته الولايات المتحدة في الانقلاب. ولهذا السبب صُنفت الجملة كلها بوصفها جزء من الأسرار حتى حزيران/يونيو 2002، عندما رُفع الحظر عن كل الجملة باستثناء المفردتين الأوليتين بناء على طلب مراجعة الزامية قُدم الى ادارة الأرشيفات والسجلات الوطنية التي تدير مكتبة كندي(182).
لم يعرف كومر ان بريطانيا ايضا كانت ضالعة، من خلال جهاز "أم آي 5" MI-5 أو "أم آي 6" 6MI- أو "أس آي أس" SIS، ولا يُعرف إلاّ القليل عن دورهم عدا تقديم وعد للمتآمرين بأن بريطانيا ستتخذ موقفا وديا، وقد أوفت بالوعد. ويبدو ان كومر استخدم اسم "المملكة المتحدة" لوصف تداخل أجهزة الاستخبارات البريطانية التي كانت كلها تعمل في الشرق الأوسط وقتذاك. لقد قام جهاز أم آي 6 فعلا بتنسيب عملاء الى وكالة المخابرات المركزية في انقلاب 1953 في ايران، لأن عناصر المخابرات البريطانية كانوا جميعاً اشخاصاً غير مرغوب فيهم مثلهم في ذلك مثل سائر البريطانيين في ايران حينذاك(183). وكان لدى البريطانيين حكومات عميلة في البلدين على امتداد عقود، وبالتالي فان الوضع في العراق كان مماثلا لنظيره الايراني. ولعل تنسيب عملاء الى وكالة المخابرات المركزية هي طريقة أخرى ساعدت بها بريطانيا في انقلاب 1963 في العراق. وهذا ما يفسر المعنى الكامن وراء استخدام كومر اسم "المملكة المتحدة".
في 8 شباط، كشفت المذكرة الداخلية لوزارة الدفاع عن الاتجاهات التالية:
"يبدو ان الانقلاب كان بيد حزب البعث. اذ سرت شائعات واسعة تشير الى ان الحزب يخطط لانقلاب منذ أشهر. وتعتقد عناصر في وكالة المخابرات المركزية (سي آي أي) ان سبب الانقلاب كان قيام قاسم مؤخرا باعتقال عدد كبير من أعضاء حزب البعث. وشعر الباقون من الأعضاء الذين ما زالوا طليقين بأن عليهم أن يتحركوا الآن إذا كان في نيتهم القيام بالمحاولة الانقلابية"(184).
وهذا دليل روسيتزكي حول "التنبؤ بأدق التفاصيل"، كما ورد في معرض الاشارة الى تحليل السي آي أي. وهو تأكيد اضافي لما يذهب اليه ابو ريش من ان الانقلاب نُفذ بسبب اعتقال عماش ومتآمرين آخرين، وكانت وزارة الدفاع الأمريكية تعلم بذلك اصلا في يوم الانقلاب! فكيف لهم أن يعرفوا ذلك بدون "التقارير الممتازة عن التخطيط للمؤامرة" التي يتحدث عنها كومر؟.
في الأيام التي أعقبت الانقلاب، حذرت وثائق الحكومة من التظاهر بعلاقات مكشوفة بشكل أكثر مما ينبغي مع الحكم الجديد. وفي مذكرة من السكرتير التنفيذي لوزارة الخارجية بروبك Brubeck الى مساعد الرئيس الخاص لشؤون الأمن القومي ماكجورج بَندي McGeorge Bundy أشير: "في اطار عدم الانحياز، من المرجح ان يكون العراق راغباً في إقامة علاقات ودية مع الولايات المتحدة. وينبغي ان يكون موقفنا موقف صديق وجوده معروف وموضع تقدير، لكنه ليس وجوداً طاغياً. ويجب تفادي كل ما ينم عن التدخل في شؤون العراق الداخلية. كما يجب ان نحرص على تجنب الإيحاء بأننا أنجبنا النظام أو نحاول الآن تربيته"(185).
إن توجس بَندي من "الإيحاء بأننا أنجبنا النظام" له مغزاه. ولعله كان يعرف ان الولايات المتحدة حقا أنجبته أو بتعبير أدق كانت القابلة المأذونة في إنجابه.
توضح هذه الوثائق على وجود علم بضلوع الولايات المتحدة في الانقلاب، ولعل الثمن الذين دُفع لها عقب الانقلاب مقابل دعمها كان يتعارض مع مشاعر الرأي العام العراقي والعربي، وبالتالي فإنه من الحكمة توخي الحيطة. ورغم الدقة في التخطيط الاميركي والحرص على اتخاذ "الموقف" المناسب، فان الولايات المتحدة، بدعمها المستمر لاسرائيل ولحكام ديكتاتوريين مسلمين موالين للغرب يعدون فاسدين بنظر شعوبهم، قد وضعت نفسها أكثر فأكثر خارج مزاج الشارع العربي.
الفصل التاسع
التداعيات
بحلول تشرين الثاني/نوفمبر 1963 وجد حزب البعث نفسه خارج السلطة. فقد دخل الجناح المدني لحزب البعث في صراع مع الجناح العسكري )الذي كان صدام ينتمي اليه منذ اليوم الأول للانقلاب(وخلال حملة الاعتقالات والتطهيرات المتواصلة ضد اليساريين، انشق الجناح العسكري الى كتلة أشد تطرفا تريد ملاحقة الشيوعيين بأساليب أشد قسوة، وآخرى تدعوا الى الاعتدال. كان عارف زعيم الجناح المدني، واستثمر الانشقاق لإقصاء البعثيين من السلطة في تشرين الثاني/نوفمبر. وابتداء من هذا المنعطف، ناضل الجناح العسكري لحزب البعث من اجل العودة الى السلطة حتى نجاحه في عام 1968 بعد وفاة عارف الثاني في عام 1967*. وكتب عادل درويش وغريغوري الكسندر عن محاولة انقلابية قام بها البعثيون مرة أخرى عام 1964، ولكن هذا هو المصدر الوحيد الذي يشير إلى المحاولة(186). وينفي ابو ريش وجود أية مؤامرة في عام 1964(187).ولم يرد درويش والكسندر على استفساراتي. والى ان تتوفر أدلة أخرى فان تخطيط السي آي أي للقيام بانقلاب في عام 1964 لا يمكن ان يعتبر واقعة تاريخية.
بعد فقدان البعث للسلطة في تشرين الثاني/نوفمبر، ركز صدام حسين على بناء "جهاز حنين"، الذي كان بمثابة جهاز الاستخبارات والأمن البعثي. وفي الفترة الممتدة من 1964 حتى الانقلاب البعثي في تموز/يوليو 1968، انخرط هؤلاء باغتيال الشيوعيين والطلاب والنقابيين. وكانوا يستخدمون العنف ضد كل مَنْ تشكل أفكاره أو نشاطاته تهديداً للبعث، بمن فيهم بعض البعثيين. و"زعم اعضاء سابقون في حزب البعث إن الوكالة (السي آي أي) كانت تزود جهاز حنين بأسماء ناشطين يساريين كان صدام يقوم منهجياً بتصفيتهم بعد ذلك"(188).
*لم يتوفى عارف في عام 1967، بل أطيح به في انقلاب البعث في تموز عام 1968. م.
بحسب ابو ريش، في عام 1966 أرسل صدام رسالة الى القنصلية الاميركية في البصرة يطلب مساعدتها في الإطاحة بنظام الحكم(189). وهذا ايضا ما لا استطيع التحقق منه من أي مصدر آخر أو مقابلة. ويقدم ابو ريش ودرويش والكسندر تفاصيل كثيرة عن ضلوع الولايات المتحدة والسي آي أي في انقلاب 1968 الثاني(190). فبعد الحرب العربية الاسرائيلية في حزيران/يونيو 1967، عمَّت الشارع العراقي مشاعر العداء لاميركا بسبب دعمها للاسرائيليين. وكان من الصعب في هذا الظرف ان يقوم أي شكل من أشكال التعاون الاميركي- البعثي. ولكن بحسب ابو ريش ودرويش فان القسم الأعظم من المعونة الأمريكية للبعثيين كان قبل الحرب.
استولى البعث على السلطة مرة اخرى وأخيرة في تموز/يوليو 1968. واشار العديد من الكتاب الآخرين الى ضلوع الولايات المتحدة في هذا الانقلاب ايضا.وكتب النايف في مذكراته بعد سنوات:"بالنسبة لانقلاب 1968 يجب ان تنظروا الى واشنطن"(191). وكتبت صحيفة "لوموند" الفرنسية حسنة السمعة "ان التغيير الذي حدث في العراق لم يكن لأسباب داخلية بحتة" (192). وينقل حنا بطاطو عن الرئيس عبد الرحمن عارف إشارته الى تدخل "أيادٍ غير عراقية"(193). والمطلوب هنا إجراء مزيد من البحث للتوثق من ضلوع الولايات المتحدة أو السي آي أي في انقلاب 1968، لا سيما من الارشيفات الامريكية.
اعترى التوتر علاقات الولايات المتحدة مع العراق بعد عام 1968. وكانت الصدمة النفطية عام 1973 قد أحدثت تحولاً جذرياً في السياسة الاميركية. فحتى ذلك الوقت كانت "الشقيقات السبع" الشهيرات تتكفل بضمان امدادات النفط العالمي بأيدي صديقة للغرب وبأسعار منخفضة باستمرار. وبعد عام 1973، اعتمدت الولايات المتحدة فرضية لا مجال لمناقشتها وهي: ان نفط الشرق الأوسط يجب ان يبقى بأيدي موالية للغرب. وعلى امتداد عام 1974، حاولت الولايات المتحدة أن تقنع حلفاءها الاوروبيين واليابانين بتشكيل كارتيل Cartel يواجه منظمة البلدان المصدرة للنفط (اوبك) بجبهة موحدة، ويهدد بالعقوبات الاقتصادية أو الغزو العسكري لفرض إرادته(194).
ولم تتمكن الولايات المتحدة من المضي بمفردها هذه المرة بسبب "عقدة فيتنام"، أي ان الرأي العام الاميركي لن يتحمل حربا خارجية أخرى لا يفهمون دوافعها وفي بلد غريب. لذا وضع المخططون الامريكان سياسة سموها سياسة "الركيزتين التوأمين". وتتمثل هذه السياسة في ان تبسط الولايات المتحدة هيمنتها عبر وكلائها، وهما حليفا الولايات المتحدة القويين العربية السعودية وايران. وعملت اميركا على تسريع بناء جيوش وكلائها بوتيرة عالية بأمل ان تستطيع ممارسة تنفيذ خطتها من خلال هؤلاء الأتباع. وعندما قامت الثورة الايرانية ذات العداء الشديد لامريكا في عام 1979، فقدت الولايات المتحدة إحدى ركيزتيها. وبادرت على الفور الى تشكيل "قوة الانتشار السريع" التي كان الغرض منها ان تتمكن من إنزال قوات في الشرق الأوسط بسرعة في حال إقدام حكومات غير صديقة للغرب على تهديد امدادات النفط. وبدأت امريكا بشكل محموم ببناء قواعد عسكرية في المحيط الهندي وشرق افريقيا ومنطقة الخليج. وأصبحت قوة الانتشار السريع ما يسمى اليوم "قيادة المنطقة الوسطى". وبما ان الغرض من تشكيلها هو وضع قوات اميركية في منطقة تحوي على أكثر خزين للنفط في العالم، فلم تعد المسألة إلا مسألة وقت كي تتمركز هذه القوات هناك(195).
وبسبب المشاكل التي أخذت تلوح في الأفق نتيجة الوضع في ايران ابتداء من عام 1979، شرعت الولايات المتحدة في دعم العراق مرة أخرى بمساعدات أمنية وعسكرية. واتسع حجم المعونة العسكرية وامداد العراق بمعدات استراتيجية حتى نهاية الحرب الايرانية العراقية التي استمرت من عام 1980 الى عام 1988. وكانت الولايات المتحدة تدعم الجانبين في هذه الحرب معبرة بوضوح عن سياسة (وإن لم تكن مطروحة على الرأي العام)، هدفها إطالة أمد الحرب على أمل إلحاق أكبر قدر ممكن من الاضرار بالجانبين‘ لأن كلا النظامين كانا يهددان الهيمنة الاميركية في المنطقة. وقدمت الولايات المتحدة دعماً أكبر للعراق خشية من انتصار ايران في هذه الحرب في حالة عدم تقديم الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى العون للعراق بقدر كبير.
بعد ان وضعت الحرب اوزارها، دخل العراق المفلس واليائس في صراع مع الكويت. لقد كانت الكويت تاريخياً جزء مما اصبح يعرف لاحقاً بالعراق، الى ان اقتطعها البريطانيون في عقد التسعينات من القرن التاسع عشر لاضعاف الامبراطورية العثمانية وكسب قاعدة غنية بالنفط على طريق الهند.
وخلال الحرب الايرانية العراقية، قامت الكويت بأعمال الحفر الأفقي في الجزء العراقي من حقل الرميلة النفطي متسببة في فيض الانتاج وهبوط الاسعار، وحرمت العراق من منفذ بحري على الخليج. وبعد الحرب، اتخذ سفراء الكويت موقفاً متعنتاً في المفاوضات مع العراق بوساطة الجامعة العربية. في هذه الأثناء كانت قيادة قوات المنطقة الوسطى تنفذ عمليات عسكرية للتدريب على غزو الكويت غزوا برمائياً. وبسبب العجز عن ايجاد حل لأزمة العراق بعد الحرب عن طريق المفاوضات مع الكويت، قام صدام حسين بغزوها. وأتاح غزو الكويت عام 1990 فرصة للولايات المتحدة كي تحقق ما كانت تطمح إليه منذ عام 1973: أي استقرار قواتها في الشرق الأوسط. وأصبح للولايات المتحدة قوات كبيرة هناك منذ عملية عاصفة الصحراء عام 1991.
واكتملت القصة مع احتلال العراق عام 2003 وإلقاء القبض على صدام. لقد استلم حزب صدام حسين مقاليد الحكم بمساعدة امريكا وفقدها بقوة امريكا بعد ثلاثين عاماً وشهرين*. وتشبه عملية أسقاط صدام حسين عام 2003 ما حدث عند الإطاحة بعبد الكريم قاسم بمساعدة امريكية في عام 1963. فمنذ اليوم الذي فقد البريطانيون سيطرتهم على العراق، حرص صانعوا السياسة الاميركية دوماً على كسب النفوذ والسيطرة على بلاد الرافدين.
إنها من الحقائق التاريخية المرَّة محاولة الولايات المتحدة اضعاف عبد الكريم قاسم في عام 1960، وساعدت على أقل تقدير في تمويل الإطاحة به على يد البعث في عام 1963. ويبدو من المرجح انها تدخلت في فترات اخرى خلال عهد قاسم الذي دام خمس سنوات، وقدمت أكثر من مساعدة مالية للانقلابيين، كتزويدهم بمعلومات استخباراتية من الكويت واعطاء تأكيدات بدعمهم بعد نجاحهم. ولعل الولايات المتحدة التزمت بتقديم هذا الدعم بعد الانقلاب من خلال تقديم قائمة بالشيوعيين المطلوب تصفيتهم واقامة جسر جوي، ولكن ما زال يتعين التحقق من ذلك بوثائق رسمية.
ومن جميع ما تقدم، فإنه بالامكان القول ان احدى العبر المهمة التي ينبغي تعلمها من دراسة سنوات الولايات المتحدة الاولى في التعامل مع العراق هي أن سياساتها وقتذاك (معاداة الشيوعية) قد قادت اميركا الى تقديم الدعم لزعماء لا يستحقونه. ولعل قاسم ومَنْ جاءوا بعده كانوا أفضل للعراق والمنطقة بأكملها ولمصالح الولايات المتحدة من حزب البعث. والآن إذ تتحدث التقارير عن فرق الموت الشيعية وغرف التعذيب(196) وتختمر نذر حرب أهلية كامنة في العراق، يبدو وكأن سياسة مكافحة الارهاب تدفع الولايات المتحدة الى العودة لدعم زعماء سيئين من جديد. وكما هو الحال في زمن البعث، فقد اصبح العراق بعد غزو 2003 يشكل مشكلة كبيرة للولايات المتحدة. ولهذا تدعم هذه الدراسة انتهاج سياسة للولايات المتحدة في المستقبل تقوم على عدم التدخل في العراق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*في الحقيقة خمسة وثلاثين عاماً - م.
الملاحق
تضمنت هذه الاطروحة اثنين من الملاحق الهامة التي لم نتمكن من ادراجها في المتن بهدف اعطاء المزيد من الايضاحات الهامة.
الملحق رقم 1
تدخل الولايات المتحدة السرية
تعرقل هذا المشروع بسبب الحقيقة الماثلة في ان حكومة الولايات المتحدة نفت وما زالت تنفي ضلوعها في انقلاب 1963. وينفي الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية (سي آي أي) ايد كين، بشدة أية صلة للسي آي أي في الانقلاب(197). ففي رسالة موجهة الى مدير العلاقات العامة في الوكالة، قال كين "ان انقلاب شباط/فبراير 1963 فاجأ الوكالة مفاجأة تامة، وإنني على يقين بأنه فاجأ حكومة الولايات المتحدة بأكملها"(198). وفي عام 2005 أرسلتُ الى كين بواسطة الفاكس الوثيقة الموسومة "من كومر الى كندي" -“Komer to Kennedy”. وعندما سألته "مَنْ هم" هؤلاء الذين يشير اليهم كومر، فأجاب: "ليس لدي فكرة على الاطلاق. فلم أر أية تقارير ومن أي مصدر، بما في ذلك مذكرات الصرف العامة أو ما رصد للمراسلات عندما كنتُ مسؤول شعبة العراق، ولا حتى أي تلميح حول انقلاب قيد الإعداد. ولم ير أي موظف في الخارجية ذلك. وعندما اتصلتُ هاتفياً برؤسائي في الوكالة من المقر في حوال منتصف ليلة 8 شباط/فبراير، اعربوا جميعا عن دهشتهم لوقوع انقلاب"(199).
وعندما اتصلتُ به هاتفيا وطلبُت منه ايضاحاً عن ما كان يتحدث كرومر عنه؟. فأجاب كين:"اعتقد انه كان يتحدث مع نفسه"(200).لقد كان كين يريد ان نصدقه وإنه يقول الحقيقة. ولكن بوب كومر كان يكذب على رئيس الولايات المتحدة في مذكرة سرية للغاية. ان كين يعمل بنشاط على ترويج ما تطلق عليه يه السي آي بـ"الدعاية البيضاء"، أي الأكاذيب التي تُقال للجمهور لتبييض صفحتنا. ان هذا الشيخ ابن الثمانين ما زال وفيا لتقاليد "المهنة".
إنني لستُ الوحيد الذي واجه مشاكل في مقابلة عملاء قدماء في السي آي أي وما زالوا يعملون لمصلحة "الشركة". فان كريتشفيلد نفى ضلوع الوكالة في الانقلاب في المقابلة التي اجراها ابو ريش معه عام 1994 (201). وكتب ريتشارد سيل في عام 2003، ان "مسؤولا كبيرا جدا في السي آي أي" نفى بشدة مؤخرا انهم كانوا شركاء المتآمرين ]في انقلاب 1963[. وقال: "لقد ذُهلنا تماما، وراح أشخاص عندنا يهرولون هنا وهناك سائلين ماذا حدث بحق الجحيم"(202).
ومن الممكن تفسير هذه التناقضات وهذا التعتيم بمدى عمق الثقافة السرية الصارمة التي كانت سائدة في وكالة المخابرات المركزية. وهذا ما يوضحه الباحث في شؤون الوكالة توماس باورز Thomas Powers. فقد كان يجري استدعاء آرمين ماير Armin Meyer مدير مكتب شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية في عام 1959 وبحكم موقعه، كلما تفكر السي آي أي بالقيام بعمليات سرية داخل العراق. وكان ماير حاضراً في احد الاجتماعات لبحث السبل التي يمكن ان تعتمدها الولايات المتحدة في الاطاحة بحكم قاسم:
"خلال الاجتماع اقترح احد الحاضرين إن قاسم هو المشكلة، "ولعل خير طريقة للتخلص منه هي التخلص منه". فقال دلاس الذي كان يشغل مدير السي آي أي آنذاك: تمهل... ، وأعقب ذلك صمت رهيب. لقد كان دلاس شخصية ذات هيبة، وكان لكلماته في هذه المناسبة وقع بارد وتأكيد مقصود، لم ينساها ماير قط. لقد أراد دلاس أن يعبر عن شيئ واحد مفهوم،وهو ان ليس من شيم الولايات المتحدة اغتيال الخصوم، وان القتل لن يُناقش في مكتبه، لا الآن ولا في اي وقت آخر ابداً. فهو لا يريد حتى ان يسمع مقترحاً آخراً كهذا من موظف يخدم في حكومة الولايات المتحدة. فهذا الاسلوب هو ليس اسلوب الامريكان في العمل. كان دلاس واضحاً وبلا لبس في هذه النقطة، وتحدث بعاطفة وبقناعة واضحين، حتى ان ماير بكل بساطة لم يفهم كيف يمكن ان يكون دلاس ذات يوم طرفاً في مؤامرة اغتيال بغض النظر عن مَنْ يصدر الأوامر بتنفيذها. كان ماير يعرف ما تحويه تقارير لجنة تشرتش لكنه بكل بساطة لم يصدق ما فيها، وإن خطأ ما لا بد قد حدث. كان فوق قدرة ماير ان يتصور انه قد ارتكب خطأ في هذا الشأن. ولم يترك دلاس أي مجال للشك في أنه لن يكون طرفاً في عملية اغتيال"(203).
أوضح تقرير لجنة تشرتش عن الاغتيال المفترَض بكل جلاء بأن الن دلاس والسي آي أي كانا ضالعين حتى الأذن في مؤامرات الاغتيال بحلول عام 1959، وخاصة ضد العراق! وكانت هذه المسرحية محاولة متعمدة للتضليل والخداع بدافع بديهي هو الحفاظ على السرية. ويفسرذالك حالة البلبلة والجهل حتى بين مسؤولين كبار في الوكالة. إن مسؤولين أمريكان كبار يلجأون إلى هذه الطريقة أي "النفي المعقول"،من أجل التستر بشكل مقنع على ما يجري من عمليات خفية في الواقع.
ان عملاء متقاعدين في السي آي أي مثل كين اما أن يكونوا كذّابين أو يتعرضون للخديعة كما خُدع آرمين ماير. ويصر كين على أنه من غير الممكن ألا يعلم بعمليات السي آي أي بالتعاون مع البعث لأنه كان مسؤول شعبة العراق في واشنطن وقت الانقلاب، وكان يتعين ان يمر كل شيءعلى مكتبه من بغداد. ومع ذلك فهناك في تاريخ السي آي أي حالات من تجاوز التسلسل الاعتيادي للقيادة وتدفق المعلومات. وكان جورج اوريل George Aurell قد أبلغ جوزيف بركهولدر سمث Joseph Burkholder Smith بأنهم كانوا يتجاوزونه عندما تولى رئاسة القسم في منطقة المحيط الهادئ:"هل تعرف ماذا اكتشفتُ...ماذا ]يفعل العقيد لاندسديل وشركاؤه سيئو الصيت[ معي حينما كنتُ رئيس قسم؟. كانوا يرسلون برقيات بشفراتهم السرية ويحصلون على موافقات على أمور وانفاق أموال ما كنتُ لأُوافق عليها قط لو عرفتُ بها.
إنهم كانوا يرسلون برقيات ادارية بدلا من برقيات عملياتية عندما يريدون الحصول على موافقة على نفقات عمليات جديدة. كانوا يطلبون المال لأغراض التمويل السياسي والمخططات الدعائية... بالطبع كانوا يحصلون على موافقة من دون مراجعة أي موظف أو مراجعتي أنا للتدقيق فيها... لم اعلم بهذه الحيلة الملعونة إلى أن ذهبتُ هناك واطلعتُ على بعض الأمور في السجلات"(204).
مع توفر أدلة كثيرة على مثل هذه المعلومات "الممتازة" عن انقلاب 1963، يبدو أنه من المستبعد للغاية قد جرى تجاوز كين وأنه لم يكن قادراً على ايجاد أي شخص يصححه طيلة كل هذه السنوات، ولكن خبرة اوريل قد تفسر قدرا كبيرا من النفي الذي يصطدم به الباحثون. فان من عادة السي آي أي ان تكذب وتخدع حتى بعضهم البعض! فعندما توجه جوزيف سمث الى مبنى الوكالة في وشنطن لإجراء مقابلته الاولى (تستغرق يوم كامل) بوصفه مرشحا للعمل، فإنهم نقلوا سيارته الى الجانب الآخر من نصب لنكولن، بعيدا عن انظار الخارج من المبنى وأوقفوها على الرصيف. كان سمث فطناً، فدار حول النصب ليصل الى سيارة الجيب على الرصيف. وعندما انطلق سمث بسيارته تساءل إن كان ذلك من صنع "عالم نفسي من مخلفات مكتب الخدمات الاستراتيجية (أو أس أس) من الذين يعملون الآن في الـ"سي آي أي"، وما زال يمارس أحابيله القديمة لاختبار المرشحين للعمل"!(205)
بهذا النمط من الثقافة التي يتعين على الباحثين ان يتعاملوا معها، يكون من العجائب ان نفلح في التوصل إلى أي شيء. ومما يزيد المهمة تعقيدا إن وثائق الحكومة تحظر بصورة أعتيادية أي ذكر لوكالة المخابرات المركزية والعمليات الخفية والتدخلات العسكرية وغيرها من المواد الحساسة. وان ملف "العلاقات الخارجية للولايات المتحدة" بشأن العراق خلال الفترة الممتدة من 1958 الى 1963 يتضمن أكثر من مئة مقطع ما زال مصنف سرياً، وأحيانا وثائق كاملة. ويبدو ان هذه الوثائق تغدو دائما بيضاء عندما يراد مناقشة الموضوع المتعلق بها. ويستطيع الباحث ان يقدم طلبات برفع الحظر عن المواد المصنفة سرياً استنادا الى قانون حرية المعلومات، ولكن أشهراً يمكن ان تمر قبل ان يتلقى رداً على طلبه، وغالباً ما تعود الوثائق من دون تغيير، أو بتغييرات طفيفة تبقي على سرية المواد المتعلقة بالسي آي أي أو العمليات الخفية.
وفي الوقت الذي لم تترد فيه السي آي أي عن اللجوء إلى أية وسيلة للتستر على مشاركتها في انقلاب 1963 حتى اللحظة الراهنة، فان العراقيين ايضا عمدوا الى "تطهير السجل". فعلى امتداد خمسة وثلاثين عاما لم يكن من مصلحة النظام العراقي أن يكشف هذه التفاصيل. "وفي غضون ذلك رحل عن هذه الدنيا ثلاثة من أقرب اصدقاء صدام في القاهرة - عبد الكريم الشيخلي (اغتيل في عام 1980) ومدحت ابراهيم جمعة (قُتل في عام 1986) ونعيم الاعظمي (قتل في اوائل الثمانينات). اما العنصر الوحيد المعروف بأنه ما زال على قيد الحياة فهو فاروق النعيمي الذي يعيش في بغداد"(206). وربما يستطيع النعيمي ان يسلط قدراً من الضوء إذا أمكن العثور عليه، لان صدام قتل الكثير من الأشخاص، بمن فيهم غالبية من الذين تهادنوا معه، وبالتالي فإنه من المستبعد ان نتلقى مساعدة كبيرة من الجانب العراقي.
الملحق رقم 2
لماذا ليكلاند ليس من عناصر السي آي أي ولماذا ترى غالبية العالم العربي عكس ذلك؟
يكتب سعيد ابو ريش، الذي يعد من أكثر الكتّاب غزارة في الكتابة حول موضوع تدخل الولايات المتحدة في العراق، إن ويليام ليكلاند هو الذي قاد الانقلاب(207). أما لماذا أخطأ ابو ريش في هذا الحكم، وهو رجل واسع الاطلاع وكثير في البحث؟ فهذا يتطلب شيئا من الايضاح. ان موطن قوته كما يتضح في هذه الحالة تحول إلى مصدر ضعفه. فان ابو ريش صاحب باع طويل من العمل في الشرق الأوسط والتعامل مع شخصيات مرموقة. وتتمثل قوته في انه يعرف الكثير من الأشخاص، وهو قادر على اجراء مقابلات مع الجميع، من رجل الشارع الى اطفال عبد الناصر الى قادة الحكومة أو مع قادة سابقين من كل صنف. وبالتالي فإن المشكلة هي أن الغالبية العظمى من العرب المطلعين على ضلوع السي آي أي في انقلاب 1963 يعتقدون ان ليكلاند كان قائد الانقلاب.
لكن ليكلاند لم يكن عنصراً في السي آي أي. فقد كان موظفاً مسلكياً في الخدمة الدبلوماسية، وهذا ما يشير اليه ملفه الرسمي. ولم يُستخدم مركز الموظف في السلك الدبلوماسي ذات يوم كغطاء لعملاء السي آي أي، لأن وزارة الخارجية ما كانت لتسمح بذلك. وعندما كانت الوزارة تُجبر على توفير غطاء لوكالة المخابرات المركزية، كانت تعطي عملاء الوكالة عنوان "احتياط في الخدمة الخارجية" Foreign Service Reserve أو موظف في سلك الخدمة الخارجيةForeign Service Staff. وإبان الخمسينات، الغت وزارة الخارجية بالتدريج عنوان "الاحتياط في الخدمة الخارجية" عند تعيين موظفيها، كي يتسنى استخدام كل هذه العناوين الوظيفية لوكالة المخابرات المركزية (سي آي أي). وشكل ذلك مشكلة للوكالة "ففي كل بلد أجنبي هناك وظيفة تعادل تلك الوظيفة في السفارة، يتعامل موظفوها مع مسؤولين محليين كبار ويتحركون في دوائر مهمة من المجتمع المحلي دون ان تكون لهم عناوين وظيفية يمكن ان تبرر مثل هذا النشاط"(208).
إن ليكلاند، شأنه في ذلك شأن العديد من موظفي الخدمة الخارجية التقليديين، كان يمتعض من إقدام وكالة المخابرات المركزية على استخدام المناصب الدبلوماسية كغطاء لها. وكان لا يحب "التظاهر بأن آرت كالاهان وكل جماعته كانوا موظفين عندي". ويضاف الى ذلك، ان ليكلاند شأنه شأن دبلوماسيين آخرين، كان يختلف في العديد من سياسات السي آي أي. وقد استشاط ويليام ليكلاند غضبا لأن ابو ريش كتب عنه الكثير من الأشياء غير الصحيحة، لكنه بكل بساطة يبقى طيب السريرة. وفي الواقع إن موقفه يتحدد في كونه يعرف الحقيقة، والباقي بالواقع لا يهمه كثيرا. ولكن إذا أمكن تصحيح السجل، فسيتخذ ليكلاند موقفاً ايجابيأً، فقد كان منفتحا للغاية وقدم المساعدة في هذا المشروع(209). ويتعارض هذا تعارضاً صارخاً مع الصورة التي ترسمها عنه كتابات ابو ريش.
بدا ابو ريش غير مشجع لي لمقابلة وليام ليكلاند، حيث كتب يقول "ان ليكلاند إذا كان حياً، يمتنع عن اجراء مقابلات"(210). وفكرتُ ان هذا موقف غريب لأن ابو ريش أدرج مقابلة اجراها عام 2001 مع ليكلاند في كتابه عن عبد الناصر واقتبس منه(211). وبعد مقابلاتي مع ليكلاند وغيره من المسؤولين الامريكان السابقين ومراجعة السجلات، أطلعتُ ابو ريش على ما توصلتُ اليه، لا سيما ما يخص ليكلاند. وأقر ابو ريش بأن ليكلاند "كان على الأرجح من موظفي وزارة الخارجية"، لكنه ظل يعتقد انه كان "خبير انقلاب". واعترف ابو ريش بأنه شخصيا "لم يكشف" شيئا عن ليكلاند، ولكن من باب البرهنة ذكَّرني بأن عبد الناصر أورد اسمه بوصفه أحد عملاء السي آي أي خلال اجتماعات الوحدة بين مصر والعراق وسوريا في عام 1964. ويذهب ابو ريش الى ان عبد الناصر في هذه الاجتماعات حذر العراقيين من ليكلاند وتسبب في طرده من العراق. إنه على علم بذلك، لأنه قال بأن المصريين سجلوا سراً محاضر هذا الاجتماع ثم أذاعوها لاحقا(212). لم استطع التحقق من ذلك في الملفات الاذاعية، ولا يعتقد ليكلاند ان ذلك حدث ذات يوم. وغادر ليكلاند فعلا العراق للالتحاق بوظيفة في واشنطن عام 1964، ولكنه ينفي ان يكون قد طُرد. ويشير ليكلاند الى انه وزوجته التقيا عبد الناصر بصورة غير رسمية في القاهرة حين كانا في طريق عودتهما الى بلادهما عام 1964(213). ولعل الرجلين يقولان الحقيقة التي يعرفانها، وفي ضوء الأدلة المتاحة فان عبد الناصر كان محقاً تماماً في الظن بأن ليكلاند كان عميل في السي آي أي.
من المؤكد ان عبد الناصر كان يعتقد ان ليكلاند يعمل في المخابرات الامريكية بحلول عام 1964. وكتب مستشاره القريب وحافظ اسراره محمد حسنين هيكل عن "الوجود الدبلوماسي الاميركي في القاهرة" في اوائل الخمسينات. وقال هيكل ان "ويليام ليكلاند، وهو دبلوماسي شاب ذكي، كان موجودا وربما كان يعمل بالفعل لصالح وكالة المخابرات المركزية، كما عمل لاحقا، رغم ان هذا لم يكن موضع شبهة وقتذاك"(214). لقد كان هيكل الذي تولى لفترة طويلة رئاسة تحرير صحيفة "الاهرام"، أكبر الصحف المصرية صيتاً، أحد القلائل الذين يشكلون البطانة الداخلية لعبد الناصر. وتعرَّف ليكلاند على عبد الناصر من خلال هيكل. وإذا ما توصل هيكل في نهاية المطاف الى الاعتقاد بأن ليكلاند عميل في السي آي أي، فمن المؤكد ان عبد الناصر قد أعتقد ذلك، ولكن ليس من البداية.
في عام 1952 كان ليكلاند السكرتير الثاني في الدائرة السياسية للسفارة الاميركية في القاهرة. وفي اطار واجباته الوظيفية المعهودة فقد أصبح على معرفة بهيكل الذي كان يمده بملاحظات لمراقبة عبد الناصر والضباط الأحرار. وكان ليكلاند ينقل هذه المعلومات الى رؤسائه. وبعد مجئ عبد الناصر الى الحكم كُلِّف ليكلاند بأن يكون حلقة الوصل الرئيسية معه لأنه المستعرب المؤهل الوحيد في القاهرة، في حين ان السفير جيفرسن كافري Jefferson Caffrey كان يقترب من نهاية حياة مهنية مديدة أمضاها في السلك الدبلوماسي، ويقضي شطرا من موسم الصيف في مدينة الاسكندرية. وفي الفترة الأولى بعد الانقلاب كان اللواء محمد نجيب رئيس الوزراء الشكلي، فيما كان موقع عبد الناصر يترسخ ببطئ بوصفه صاحب السلطة الفعلي، وبالتالي كان من المنطقي ان يتعامل كافري مع نجيب ويتعامل ليكلاند مع عبد الناصر.
ومع مرور الوقت وعندما أصبح واضحا ان عبد الناصر صاحب السلطة الحقيقية في مصر، اكتسبت مهمة ليكلاند أهمية اكبر. وكان بيل وزوجته ماري جو غالباً ما يستضيفانه في بيتهما، وكانت ماري جو المرأة الغربية الوحيدة التي تخاطب جمال عبد الناصر بالاسم بعيدا عن الرسميات. وعندما اعترى الجفاء علاقة الولايات المتحدة مع الجمهورية العربية المتحدة واكتسبت احداث مصر أهمية دولية، عمدت وكالة المخابرات المركزية الى ازاحة وزارة الخارجية تدريجيا عن موقع التفاوض المباشر مع عبد الناصر. وأصبح عبد الناصر على معرفة بارتشيبولد روزفلت وجيم ايغلبرغر ومايلز كوبلاند الذين يعملون في الوكالة. ونُقل ليكلاند الى وظيفة في عدن عام 1955 ثم الى العراق عام 1960 كسكرتيراول للدائرة السياسية. وإزاء ما كان يُحاك من دسائس ضد قاسم، فكان من الطبيعي بالنسبة للناس أن تعتقد بأن ليكلاند هو مسؤول وكالة المخابرات المركزية في العراق، لأن الكثيرين فهموا بأن الوكالة تعمل ضمن الدائرة السياسية في السفارة. وقال لي ليكلاند: "إني واثق من ان الاشاعات السارية عموما في بغداد كانت تذهب بإتجاه كوني عنصر في السي آي أي"(215).
وبعد تعامل عبد الناصر على هذا النطاق الواسع مع وكالة المخابرات المركزية على امتداد سنوات، فلربما بات من الصعب عليه ان يصدق ان الامريكان سمحوا لموظف صغير في وزارة الخارجية أن يكون حلقة الاتصال به خلال كل هذه الفترة الطويلة دون ان يكون مرتبطا بأجهزة المخابرات. وبتولي ليكلاند رئاسة الدائرة السياسية في السفارة الاميركية في بغداد خلال الانقلاب المدعوم من السي آي أي، بدا ان ارتباطات ليكلاند بالوكالة لم تعد موضع شك. وكان ليكلاند وزوجته يدركان ان كثيرا من العراقيين يظنون ان ويليام ليكلاند عميل في وكالة المخابرات المركزية (سي آي أي). وفي احدى المناسبات استُبعدت ماري جو من قائمة المدعوين لحضور حفل استقبال لأن "زوجها في السي آي أي"(216).
ويعتقد ابو ريش ان غالبية العراقيين يستخدمون "الأدلة الظرفية للاجتماعات المستمرة بين عماش وليكلاند" كي يثبتوا ان عماش "جندته السي آي أي"(217). ولعل هذه الأدلة الظرفية تتمثل في ان عماش كثيراً ما كان يُشاهد مع موظفين في السفارة. ومرة أخرى كان الافتراض يقود الى ان ليكلاند هو المسؤول المكلف عما يدور مع المتآمرين من البعثيين وعناصر السي آي أي. ومن المؤكد ان عماش لم يعرف الكثير من الاميركيين، لكن ليكلاند يقول انه لم يسمع بعماش ذات يوم(218). ولعل آرت كالاهان وغيره من عملاء السي آي أي كانوا يعرفونه معرفة وثيقة.
إن مصدر ابو ريش الرئيسي بشأن عمل ليكلاند في السي آي أي هو الوزير السابق في حكومة البعث هاني الفكيكي(219). لم يكن لدى الفكيكي نفسه اتصال مباشر مع السي آي أي، لكنه كان على ما يبدو يعرف الكثير من تفاصيل التعاون مع السي آي أي من رفاقه البعثيين. وقد أعطى لابو ريش اسماء بعض العراقيين الذين عملوا مع الوكالة. ولعل اسماء وهويات عناصر السي آي أي الذين عملوا مع البعثيين كانت خافية على الفكيكي، وقد يكون هذا هو السبب في ان الاسم الوحيد الذي اعطاه الى ابو ريش هو الاسم الوحيد الذي كان يعرفه، وهو أشهر الاسماء المعروفة، رئيس الدائرة السياسية وليام ليكلاند.
المصادر والمراجع
الهوامش حسب ورودها في متن الاطروحة
1 ـ Dana Adams Schmidt, “CIA Head Warns of Danger in Iraq,” New York Times, 29 April 1959, A-
2 ـ David Wise, “A People Betrayed,” Los Angeles Times, 14 April 1991, M1; Richard Sale, “Exclusive: Saddam Key in Early CIA Plot,” UPI.com, 10 April 2003, posted on the web at http://www.upi.com/view.cfm?StoryID=20030410-070214-6557r, accessed August 1, 2005.
3 ـ Malik Mufti, Sovereign Creations: Pan-Arabism and Political Order in Syria and Iraq (Ithaca, New York, 1996), 144.
4 ـ مقابلة مع المسؤول السابق في السلك الدبلوماسي الاميركي وليام ليكلاند، حزيران/يونيو 2005.William Lakeland
5 ـ تسمى عمليات النفي لصرف الانتباه "الاسطوانة المعهودة". انظر
Thomas Powers, The Man Who Kept the Secrets: Richard Helms & the CIA (New York: 1979), 127-130. See Appendix 1: The Secrecy of U.S. Covert Intervention in Iraq, page 69.
6 ـ ماريون فاروق وبيتر سلوكليت، "العراق منذ 1958"
Marion-Farouk and Peter Sluglett, Iraq Since 1958 (London: 2001), 330.
7 ـ Kamel S. Abu Jaber, The Arab Ba’th Socialist Party: History, Ideology and Organization (Syracuse, New York: Syracuse University Press, 1966), passim.
8 ـ بعد سبعة اشهر فقط على الانقلاب أكد العاهل الاردني الملك حسين حقيقة التنسيق مع الاستخبارات الاميركية ودورها في انقلاب 1963، لرئيس تحرير صحيفة "الاهرام" المصرية محمد حسنين هيكل. وُنشر تصريحه في الاهرام (القاهرة) في 26 ايلول/سبتمبر 1963. وقد فعل ذلك ردا على انتقادات استهدفته قائلة انه هو نفسه عميل لوكالة المخابرات المركزية (سي آي أي).
انظر:Hanna Batatu, The Old Social Classes and the Revolutionary Movements Of Iraq: A Study of Iraq’s Old Landed and Commercial Classes and of its Communists, Ba’thists, and Free Officers (Princeton, New Jersey, 1978), 985-986. .
9 ـ Mufti, Sovereign Creations, 144.
10 ـ Said K. Aburish, A Brutal Friendship: The West and the Arab Elite (New York, 1997), 139.
11 ـ Kamel S. Abu Jaber, The Arab Ba’th Socialist Party, 85.
12 ـ المصدر السابق، ص 67 ـ 95.
13 ـ William Blum, Killing Hope: U.S. Military and CIA Intervention Since World War II (Monroe, Maine, 1995), 90. See also, Mark Zepezauer, Boomerang! How Our Covert Wars Have Created Enemies Across the Middle East and Brought Terror to America (Monroe, Maine, 2003), 60-66.
14 ـ John F. Devlin, The Ba’th Party: A History from its Origins to 1966 (Stanford, California: Hoover Institution Press, 1976), passim.
15 ـ John C. Campbell, “Book Review on Syria: Modern State in an Ancient Land by John F. Devlin,” Foreign Affairs 62, no.2 (Winter 1983-84), available online at http://www.foreignaffairs.org/19831201fabook12471/john-f-devlin/syria-modern-state-in-an-ancient-land.html, accessed May 17, 2006.
16 ـ انظر الملحق رقم 1 ، سرية التدخل الاميركي الخفي في العراق.
17 ـ Christine Moss Helms, Iraq, Eastern Flank of the Arab World (Washington, D.C. Brookings Institution, 1984), passim
18 ـ Laurie Mylorie, “The United States and the Iraqi National Congress,” Middle East Intelligence Bulletin 3, no. 4 (April 2001): ftn 4, available online at http://www.meib.org/articles/0104_ir1.htm, accessed May 17, 2006.
19 ـ Marion Farouk-Sluglett and Peter Sluglett, “The Historiography of Modern Iraq,” American Historical Review (December 1991): 1417.
20 ـ Phebe Marr, The History of Modern Iraq. (Boulder, Colorado: Westview Press, 1985).
21 ـ امير اسكندر، "صدام حسين: مناضلا، مفكرا، وانسانا (باللغتين العربية والانجليزية):
Amir Iskander, Saddam Hussein: The Fighter, the Thinker and the Man. (Paris: Hachette Realties, 1980), passim.
22 ـ Majid Khadduri, Republican Iraq: A Study in Iraqi Politics Since the Revolution of 1958 (London, 1969), 188-196
مجيد خدوري ، "العراق الجمهوري: دراسة في السياسة العراقية منذ ثورة 1958".
23 ـ Marion Farouk-Sluglett and Peter Sluglett, American Historical Review (December 1991): 1417.
24 ـ Batatu, Old Social Classes, 985-986.
بطاطو ، "الطبقات الاجتماعية القديمة"
25 ـ Edith and E. F. Penrose, Iraq: International Relations and National Development (London: 1978), 288.
26 ـ Marion and Peter Sluglett, Iraq Since 1958, 327n.
27 ـ مراسَلة مع المسؤول المتقاعد في السلك الدبلوماسي الاميركي جيمس ايكنز James Akins ، حزيران/يونيو 2005.
28 ـ Wise, “A People Betrayed”,. ، مصدر سابق.
29 ـ United States, Congress, Senate, Select Committee to Study Governmental Operations. Alleged Assassination Plots Involving Foreign Leaders: An Interim Report of the Select Committee to Study Governmental Operations with Respect to Intelligence Activities, United States Senate: Together with Additional, Supplemental, and Separate Views. Foreword by Clark R. Mollenhoff, Introduction by Senator Frank Church, 1st Ed. (New York: Norton, 1976), 181n.
30 ـ مراسلة مع الكاتب سعيد ابو ريش، ايار/مايو، 2005
31 ـ Mufti, Sovereign Creations, 143-167
32 ـ المصدر السابق، 144.
33 ـ Aburish, A Brutal Friendship, 394
34 ـ Aburish, Saddam Hussein: The Politics of Revenge (New York: 2000), 388-390
35 ـ المصدر السابق، 226 ـ 227.
36 ـ Sale, “Exclusive: Saddam Key in Early CIA Plot,”، مصدر سابق.
37 ـ المصدر السابق.
38 ـ Edith and E. F. Penrose, Iraq, 272n
39 ـ مراسلة مع ابو ريش، ايار/مايو، 2005.
40 ـ مقابلة مع ليكلاند Lakeland، حزيران/يونيو، 2005.
41 ـ مراسلة مع ايكنز، حزيران/يونيو، 2005.
42 ـ Arlington National Cemetery Website, “Ex-CIA Official James Critchfield Dies,” 23 April 2003
متوفر على الانترنت: http://www.arlingtoncemetery.net/jhcritchfield.htm تم الدخول على الموقع في 17 ايار/ مايو 2006.
43 ـ John K. Cooley, An Alliance Against Babylon: The U.S., Israel and Iraq (London: 2005), 96-100
44 ـ راسلني جيمس ايكنز يقول انه يكتب "مذكرات....تغطي عدة سنوات" وانه لم "يقرر ما إذا كان سيتناول انقلاب 1963". وإذا تناول الانقلاب في مذكراته فلعله يوفر لنا قدرا لا يستهان به من المعلومات. مراسلة مع ايكنز، حزيران/يونيو 2005. في 8 شباط/فبراير 2005 كتب المعلق في صحيفة "نيويورك تايمز" والكاتب روجر موريس Roger Morris الى ايد كين Ed Kane يقول ان "لديه كتابا سيصدر في وقت لاحق من العام". انظر في الوثائق رسالة من ايد كين الى مدير العلاقات العامة في السي آي أي، ص 98.
عمل موريس موظفا في مجلس الأمن القومي في زمن الرئيسين ليندن جونسون وريتشارد نكسون منذ اواخر الستينات، وكثيرا ما كان يسمع عملاء في وكالة المخابرات المركزية، بينهم ارتشيبالد روزفلت حفيد تيودور روزفلت ومسؤول كبير في الوكالة لشؤون الشرق الأدنى وافريقيا وقتذاك، يتحدثون على المكشوف عن علاقاتهم الوثيقة مع البعثيين العراقيين. انظر:
Robert Morris, “A Tyrant 40 Years in the Making,” New York Times, 14 March 2003
45 ـ William L. Cleveland, A History of the Modern Middle East 2nd ed. (Boulder, Colorado: 2000), 201-205
46 ـ عبد اللطيف البغدادي، مذكرات (بالعربية) (القاهرة ، 1982)، ص 35 في عمل ابو ريش: Said K. Aburish, Nasser: The Last Arab (New York: 2004), 149
47 ـ Marion and Peter Sluglett, Iraq Since 1958, 47-49
48 ـ Eisenhower Library, “Briefing Notes by Allen W. Dulles,” White House Office Files, Staff Secretary Records, International File, 1958, Iraqi Coup, Effects in the Middle East, more fully declassified, originally published in part in Foreign Relations of the United States, 1958-1960, vol. XII: Near East Region; Iraq; Iran; Arabian Peninsula (Washington: 1993), 308-311. To view this document, see Appendix 3: Documents: Briefing Notes by Allen Dulles, page 79
49 ـ William L. Cleveland, A History of the Modern Middle East 2nd ed. (Boulder, Colorado: 2000), 326-327
50 ـ John Foster Dulles, “The Korean Experiment in Representative Government,” Department of State Bulletin 23 (3 July 1950): 12-13 in Mark G. Toulouse, The Transformation of John Foster Dulles: From Prophet of Realism to Priest of Nationalism, (Mercer, GA: Mercer University Press, 1985), 230
51 ـ United States, Department of State, Edward C. Keefer and Glenn W. LaFantasie eds. Foreign Relations of the United States, 1959-1960, vol. XII: Near East Region; Iraq; Iran; Arabian Peninsula, 308n
52 ـ United States, Department of State, John P. Glennon and Louis J. Smith eds. Foreign Relations of the United States, 1958-1960, vol. XI: Lebanon and Jordan (Washington: 1992), 219
53 ـ المصدر السابق، 245.
54 ـ “Briefing Notes by Allen W. Dulles,”، مصدر سابق.
55 ـ Claudia Wright, “Generals’ Assembly: The Secrets of US-Turkish Military Planning,” New Statesmen (15 July 1983): 20.
56 ـ “Briefing Notes by Allen W. Dulles
57 ـ للاطلاع على نقاش يتناول تجنيد العملاء والترتيبات ذات العلاقة انظر:
Joseph Burkholder Smith, Portrait of a Cold Warrior: Second Thoughts of a Top CIA Agent (New York: 1976), 114-118; Philip Agee Inside the Company: CIA Diary (New York, 1975), 84-88.
58 ـ United States, Department of State, Edward C. Keefer and Glenn W. LaFantasie eds. Foreign Relations of the United States, 1959-1960, vol. XII: Near East Region; Iraq; Iran; Arabian Peninsula, 376
59 ـ استمر هذا التعاون الى ان صدرت اوامر بوقفه في اواخر عام 1962. يستند هذا الى مقابلات أُجريت في 1969 و1982 مع رئيس الاستخبارات الاردنية السابق راضي عبد الله. انظر Aburish, A Brutal Friendship, 140
كان الشاه مطية اميركية أُعيد الى العرش بانقلاب دبرته وكالة المخابرات المركزية (سي آي أي) عام 1953. انظر
M.J. Gasiorowski, "The 1953 Coup D'Etat." International Journal of Middle East Studies 19, no. 3 (1987): 261-286
يدين الملك حسين بعرشه لبريطانيا الامبراطورية وكان عميلا مأجورا لوكالة المخابرات المركزية من 1957 حتى وفاته في عام 1999. انظر: Blum, Killing Hope, 90
انظر ايضا:. See also, Boomerang!, Zepezauer, 60-66.
60 ـ Aburish, Nasser: The Last Arab, 168-172
61 ـ United States, Department of State, Edward C. Keefer and Glenn W. LaFantasie eds. Foreign Relations of the United States, 1958-1960, vol. XII: Near East Region; Iraq; Iran; Arabian Peninsula, 342-343
62 ـ Eisenhower Library, “Memorandum of Discussion by Gleason, October 17,” Whitman File, NSC Records, fully declassified, originally published in part in Foreign Relations of the United States, 1958-1960, vol. XII: Near East Region; Iraq; Iran; Arabian Peninsula (Washington: 1993), 348
63 ـ دعمت وكالة المخابرات المركزية التمرد الكردي المسلح ضد الحكومة العراقية بستة عشر مليون دولار في الفترة الواقعة بين 1972 و1975. انظر:
Blum, Killing Hope, 242-244; Gerard Chaliand ed., A People without a Country: The Kurds and Kurdistan (New York: 1993), 167-177; Edgar O’ Balance, The Kurdish Struggle 1920-1994 (New York: 1996), 93-101
64 ـ المصدر السابق ، 390.
65 ـ المصدر السابق ، 355 ـ 356.
66 ـ Uriel Dann, Iraq Under Qassem: A Political History, 1958-1963 (New York: 1969), 127-135
67 ـ United States, Department of State, Edward C. Keefer and Glenn W. LaFantasie eds. Foreign Relations of the United States, 1958-1960, vol. XII: Near East Region; Iraq; Iran; Arabian Peninsula, 363-422
68 ـ Eisenhower Library, “Memorandum of Discussion, December 11,” Whitman File, NSC Records, fully declassified, originally noted as entirely classified in Foreign Relations of the United States, 1958-1960, vol. XII: Near East Region; Iraq; Iran; Arabian Peninsula (Washington: 1993), 356
للاطلاع على هذه الوثيقة انظر:
: Memorandum of Discussion at the 390th Meeting of the National Security Council on December 11, 1958, page 87
69 ـ المصدر السابق ، 357 ـ 358.
70 ـ مقابلة مع هاني الفكيكي، عضو قيادة حزب البعث وقتذاك، لندن، تشرين الأول/اكتوبر 1995 في Aburish, A Brutal Friendship, 141; Claudia Wright, “Generals’ Assembly: The Secrets of US-Turkish Military Planning,” ، مصدر سابق.
71 ـ انظر الملحق رقم 1، سرية التدخل السري الاميركي في العراق.
72 ـ United States, Department of State, Edward C. Keefer and Glenn W. LaFantasie Eds. Foreign Relations of the United States, 1958-1960, vol. XII: Near East Region; Iraq; Iran; Arabian Peninsula, 358-359
73 ـ المصدر السابق، 382.
74 ـ المصدر السابق، 391 ـ 392.
75 ـ المصدر السابق، 385.
76 ـ Eisenhower Library, “Memorandum of Discussion at the 398th Meeting of the National Security Council on March 5,” Whitman File, NSC Records, fully declassified by Mandatory Review August 19, 1996, originally noted as entirely classified in Foreign Relations of the United States, 1958-1960, vol. XII: Near East Region; Iraq; Iran; Arabian Peninsula (Washington: 1993), 394
للاطلاع على هذه الوثيقة انظر:
398th National Security Council Memo of March 5, 1959, page 89
77 ـ للاطلاع على تاريخ حركة الشواف انظر:
Dann, Iraq Under Qassem, 164-177
78 ـ Eisenhower Library, “Memorandum of Discussion at the 399th Meeting of the National Security Council on March 12,” Whitman File, NSC Records, fully declassified, originally noted as entirely classified in Foreign Relations of the United States, 1958-1960, vol. XII: Near East Region; Iraq; Iran; Arabian Peninsula (Washington: 1993),
للاطلاع على هذه الوثيقة انظر:
399th National Security Council Memo of March 12, 1959, page 91.
79 ـ United States, Department of State, Edward C. Keefer and Glenn W. LaFantasie Eds. Foreign Relations of the United States, 1958-1960, vol. XII: Near East Region; Iraq; Iran; Arabian Peninsula, 434
80 ـ Dana Adams Schmidt, “CIA Head Warns of Danger in Iraq,” ، مصدر سابق.
81 ـ United States, Department of State, Edward C. Keefer and Glenn W. LaFantasie eds. Foreign Relations of the United States, 1958-1960, vol. XII: Near East Region; Iraq; Iran; Arabian Peninsula, 395-449
82 ـ المصدر السابق، 437
83 ـ المصدر السابق، 456
84 ـ المصدر السابق، 461
85 ـ and Peter Sluglett, Iraq Since 1959, 72-73
86 ـ United States, Department of State, Edward C. Keefer and Glenn W. LaFantasie eds. Foreign Relations of the United States, 1958-1960, vol. XII: Near East Region; Iraq; Iran; Arabian Peninsula, 482
87 ـ Richard Sale, “Exclusive: Saddam Key in Early CIA Plot,” ، مصدر سابق. لم أتمكن من تأكيد ذلك من أي مصادر اخرى.
88 ـ Aburish, Saddam Hussein, 47; Con Coughlin, Saddam: King of Terror (New York, 2002), 29; Alexander and Patrick Cockburn, Out of the Ashes: The Resurrection of Saddam Hussein (New York, 1999), 72
89 ـ Richard Sale, “Exclusive: Saddam Key in Early CIA Plot,” ، مصدر سابق.
90 ـ Eisenhower Library, “Memorandum of Discussion at the 423rd Meeting of the National Security Council on November 5,” Whitman File, NSC Records, further partially declassified, originally published partially classified in Foreign Relations of the United States, 1958-1960, vol. XII: Near East Region; Iraq; Iran; Arabian Peninsula (Washington: 1993), 492
للاطلاع على هذه الوثيقة انظر
Memorandum of Discussion at the 423rd Meeting of the National Security Council on November 5, 1959, page 93
91 ـ Con Coughlin, Saddam: King of Terror, 37-39; Aburish, A Brutal Friendship, 136-137; John Bulloch and Harvey Morris, Saddam’s War: The Origins of the Kuwait Conflict and the International Response (London, 1991), 54-55
92 ـ David Morgan, “Ex-U.S. Official says CIA Aided Baathists: CIA Offers No Comment on Iraq
Coup Allegations,” Reuters, 20 April 2003
متاح على الانترنت على الموقع التالي http://www.commondreams.org/headlines03/0420-05.htm
تم الدخول عليه في 17 أيار/مايو 2006.
93 ـ Marion and Peter Sluglett, Iraq Since 1958, 327n
94 ـ United States, Department of State, Edward C. Keefer and Glenn W. LaFantasie eds. Foreign Relations of the United States, 1958-1960, vol. XII: Near East Region; Iraq; Iran; Arabian Peninsula, 495
95 ـ Arlington National Cemetery Website, “Ex-CIA Official James Critchfield Dies,” مصدر سابق.
96 ـ استنادا الى مقابلة مع جيمس كريتشفيلد، واشنطن، ايلول/سبتمبر، 1994 في كتاب ابو ريش Aburish, A Brutal Friendship, 134-135
97 ـ المصدر السابق، 135.
98 ـ انظرWilbur Crane Eveland, Ropes of Sand: America’s Failure in the Middle East (London: 1980) 121-231, 253-254
99 ـ صحيفة "نيويورك تايمز" ، 8 ، 13 ـ 15 آب/اغسطس 1957 ، 21 تشرين الأول/اكتوبر 1957 ، 24 ـ 28 كانون الاول/ديسمبر 1957 ، 14 شباط/فبراير 1958 ، 6 ـ 8 ، 14 ، 29 آذار/مارس 1958 ، 8 تشرين الأول/اكتوبر 1958.
100 ـ Eveland, Ropes of Sand, 209-213
101 ـ المصدر السابق ، 249 ـ 253.
102 ـ مقابلة مع كريتشفيلد في Aburish, A Brutal Friendship, 134-135
103 ـ يروي سعيد ابو ريش الحكاية العجيبة التالية: "كان الاميركيون مصممين على اسقاط قاسم حتى انهم فتحوا ابوابهم لمن هب ودب. وأنا نفسي كنتُ شاهدا على نشاطات مماثلة في بيروت، وأتذكر ذهولي إزاء الطريقة التي كان مغتربون عراقيون شباب يتحدثون بها عن ارتباطاتهم بوكالة المخابرات المركزية (سي آي أي) على المكشوف وبصورة محرِجة. وكان عراقي اسمه الخياط يقول للجميع ان لديه رقم الن دلاس على هاتفه المباشر تحسبا. لاحقا اكتشفتُ ان هذا الأحمق كان بالفعل عميلا للسي آي أي". Aburish, Saddam Hussein, 55
104 ـ الولايات المتحدة، الكونغرس، مجلس الشيوخ، اللجنة الخاصة لدراسة العمليات الحكومية:
United States, Congress, Senate, Select Committee to Study Governmental Operations. Alleged Assassination Plots Involving Foreign Leaders, 181n
105 ـ المصدر السابق.
106 ـ Jeff McConnell, “CIA’s ‘Mission’ against Hussein has a Familiar Ring to it,” The Boston Globe, 9 September 1990, A29
107 ـ United States, Department of State, Edward C. Keefer and Glenn W. LaFantasie eds. Foreign Relations of the United States, 1958-1960, vol. XII: Near East Region; Iraq; Iran; Arabian Peninsula, 501
108 ـ United States, Department of State, Edward C. Keefer and Glenn W. LaFantasie eds. Foreign Relations of the United States, 1958-1960, vol. XII: Near East Region; Iraq; Iran; Arabian Peninsula, 507
109 ـ بحسب هاني الفكيكي، الوزير السابق في حكومة البعث، بدأ الاميركيون والبريطانيون في فترة من الفترات عام 1960 أو 1961، يسلحون الكرد للقيام بتمردهم الذي انطلق في صيف 1961. انظر مقابلة مع هاني الفكيكي في لندن، تشرين الأول/اكتوبر 1995، في كتاب ابو ريش Aburish, A Brutal Friendship, 141 انظر ايضا: Claudia Wright, “Generals’ Assembly: The Secrets of US-Turkish Military Planning,” ، مصدر سابق. لا يمكن تأكيد هذا الزعم. وفي الحقيقة توجد وثائق رسمية اميركية تبين ان هناك رفضا رسميا لطلبين تقدم بهما الكرد من أجل الحصول على دعم معنوي ومالي ومدهم بالسلاح في ايلول/سبتمبر 1962. انظرUnited States, Department of State, Nina J. Noring and Glenn W. LaFantasie eds. Foreign Relations of the United States, 1961-1963, vol. XVII: Near East 1961-1962 (Washington: 1994), 746-747; United States, Department of State, Nina J. Noring and Glenn W. LaFantasie, ed. Foreign Relations of the United States, 1961-1963, vol. 18: Near East 1962-1963 (Washington: 1995), 116-117
110 ـ United States, Department of State, Edward C. Keefer and Glenn W. LaFantasie eds. Foreign Relations of the United States, 1959-1960, vol. XII: Near East Region; Iraq; Iran; Arabian Peninsula, 526
111 ـ United States, Department of State, Nina J. Noring and Glenn W. LaFantasie eds. Foreign Relations of the United States, 1961-1963, vol. XVII: Near East 1961-1962, 364-365
112 ـ المصدر السابق، 379
113 ـ المصدر السابق، 455
114 ـ المصدر السابق، 655
115 ـ المصدر السابق، 705
116 ـ Aburish, A Brutal Friendship, 137
117 ـ مقابلة مع العاهل الاردني الملك حسين في صحيفة "الاهرام"، 27 ايلول/سبتمبر، 1963 في Mufti, Sovereign Creations, 144
118 ـ Sale, “Exclusive: Saddam Key in Early CIA Plot.”
119 ـ Aburish, Saddam Hussein, 54-55; Con Coughlin, Saddam: King of Terror, 37; Bulloch and Morris, Saddam’s War, 54-55
120 ـ Kennedy Library, “Incoming Telegram from Baghdad to Secretary of State, June 25, 1962,” National Security Files, Countries, Box no. 117, Iraq 1961-1962. To view this document, see Appendix 3: Documents: Incoming Telegram from Baghdad to Secretary of State, June 25, 1962, page 95
121 ـ MacMillan Files, “Conclusions of a Meeting of the Cabinet, 4 April, 1963,” CAB 128/37
122 ـ Kennedy Library, “Incoming Telegram from Baghdad to Secretary of State, September 26, 1962,” National Security Files, Countries, Box no. 117, Iraq 1961-1962
123 ـ Aburish, A Brutal Friendship, 138
124 ـ Batatu, Old Social Classes, 986
125 ـ مقابلة مع الفكيكي في Aburish, A Brutal Friendship, 137
126 ـ Kennedy Library, “Incoming Telegram from Baghdad to Secretary of State, February 7, 1962,” National Security Files, Countries, Box no. 117, Iraq 1961-1962
127 ـ المصدر السابق، Kennedy Library, “Incoming Telegram from Baghdad to Secretary of State, February 2, 1962,” National Security Files, Countries, Box no. 117, Iraq 1961-1962
128 ـ United States, Department of State, Nina J. Noring and Glenn W. LaFantasie, ed. Foreign Relations of the United States, 1961-1963, vol. 18: Near East 1962-1963, 334-335
129 ـ Edouard H. Saab, “ Une Declaration du General Kassem Au ‘Monde’,” LeMonde, 2 February 1963, translation by Peter Attwood
130 ـ Aburish, Saddam Hussein, 55-56
131 ـ انظر الملحق رقم 2: لماذا ليكلاند ليس من عناصر السي آي أي ولماذا غالبية العالم العربي ترى عكس ذلك.
132 ـ بحسب ايد كين فان جميع موظفي السي آي أي العاملين بغطاء في الدائرة السياسية لوزارة الخارجية في بغداد خلال اوائل الستينات رحلوا عن هذا العالم. ويشمل هذا رئيس المحطة آرت كالاهان وهيو فلايشرHugh Fleischer وتيد ايكنز. مقابلة مع العنصر المتقاعد في السي آي ايد كين، ايلول/سبتمبر 2005.
133 ـ مقابلة مع ليكلاند، تموز/يوليو 2005
134 ـ مقابلة مع ليكلاند، آب/اغسطس 2005
135 ـ المصدر السابق.
136 ـ مراسلة مع ايكنز، حزيران/يونيو 2005
137 ـ مراسلة مع ابو ريش، آب/اغسطس 2004
138 ـ مراسلة مع ابو ريش، حزيران/يونيو 2005
139 ـ Robert Morris, “A Tyrant 40 Years in the Making,” ، مصدر سابق.
140 ـ مقابلة مع جمال الاتاسي، دمشق 23 تموز/يوليو 1991 في Mufti, Sovereign Creations, 144
141 ـ انظر Harry Rositzke, The CIA’s Secret Operations: Espionage, Counterespionage, and Covert Action (Boulder, CO: 1977), 109-110
142 ـ مقابلة مع ليكلاند، حزيران/يونيو 2005
143 ـ انظر الوثيقة Documents: Letter from Ed Kane to CIA Director of Public Relations, page 98
144 ـ Aburish, A Brutal Friendship, 138
145 ـ Edith and E. F. Penrose, Iraq, 288
146 ـ Kennedy Library, “Secret Memorandum for the President: R. W. Komer to Kennedy,” National Security Files, Countries, Box no. 117, Iraq 1/63-2/63, originally partially published in United States, Department of State, Nina J. Noring and Glenn W. LaFantasie, ed. Foreign Relations of the United States, 1961-1963, vol. 18: Near East 1962-1963, 334n-335n.
للاطلاع على هذه الوثيقة انظر
Documents: Komer to Kennedy, February 8, 1963, page 97.
147 ـ تفاصيل قضية عماش في Aburish, A Brutal Friendship, 138
148 ـ Khadduri, Republican Iraq, 190n; Aburish, Saddam Hussein, 56
149 ـ استنادا الى اقتباس للكتاب المصري محمد حسنين هيكل الذي نقل عن العاهل الاردني الملك حسين، في كتاب ابو ريش A Brutal Friendship, 140
150 ـ مراسلة مع ابو ريش، آب/اغسطس 2004
151 ـ للاطلاع على التفاصيل الكاملة لأحداث الانقلاب انظر كتاب خدوري "العراق الجمهوري"، Khadduri, Republican Iraq, 188-196
152 ـ Aburish, Saddam Hussein, 57
153 ـ Samir al-Khalil, Republic of Fear: Saddam’s Iraq (Berkeley, California, 1989), 59
154 ـ Aburish, Saddam Hussein, 58
155 ـ Aburish, A Brutal Friendship, 139
156 ـ استنادا الى ما كتبه علي كريم الذي كان بعثيا قياديا في حينه، في Con Coughlin, Saddam: King of Terror, 42
157 ـ Aburish, A Brutal Friendship, 139
158 ـ المصدر السابق
159 ـ Coughlin, Saddam, 42
160 ـ Summary of Government of Iraq, Al-Munharitun, 30-32, 39-41, 49-51 and passim in Batatu, Old Social Classes, 990
161 ـ Marion and Peter Sluglett, Iraq Since 1958, 86; Batatu, Old Social Classes, 985-986; Edith and E. F. Penrose, Iraq, 288; Coughlin, Saddam, 41; Mufti, Sovereign Creations, 143-144; Heather Deegan, The Middle East and Problems of Democracy (Boulder, Colorado, 1994), 71; Bulloch and Morris, Saddam’s War, 55
162 ـ استنادا الى شهادة مراسل سابق لصحيفة "التايمز" مجهول الهوية ومغتربين عراقيين مجهولي الهوية في كتاب ابو ريش Aburish, Saddam Hussein, 58-59
163 ـ مقابلة مع العاهل الاردني الملك حسين نُشرت في صحيفة "الاهرام"، 27 ايلول/سبتمبر 1963، في Mufti, Sovereign Creations, 144
164 ـ استنادا الى الدكتور حامد البياتي في كتابه "انقلاب 8 شباط 1963 في العراق (لندن ، 1966) ، 163 (بالعربية) في كتاب ابو ريش Aburish, Saddam Hussein, 59
165 ـ Bulloch and Morris, Saddam’s War, 55
166 ـ مقتبس من مقابلة مع العاهل الاردني الملك حسين نُشرت في "الاهرام"، 27 ايلول/سبتمبر 1963، في Batatu, Old Social Classes, 985-986
167 ـ مقابلة مع الفكيكي في Aburish, Saddam Hussein, 59
168 ـ Interview with James Critchfield, Washington D.C., 04/10/91 in the Cockburns, Out of the Ashes, 74
169 ـ Robert Morris, “A Tyrant 40 Years in the Making.”
170 ـ مقابلة مع الفكيكي في Aburish, A Brutal Friendship, 141
171 ـ مقابلة مع الدكتور احمد الجلبي، لندن، آب/اغسطس 1996، في Aburish, Saddam Hussein, 59
172 ـ مقابلة مع ليكلاند، حزيران/يونيو 2005
173 ـ McConnell, “CIA’s ‘Mission’ against Hussein has a Familiar Ring to it.”
174 ـ مقابلة مع الفكيكي في Aburish, A Brutal Friendship, 141
175 ـ مقابلة مع ليكلاند، حزيران/يونيو 2005
176 ـ Aburish, A Brutal Friendship, 141
177 ـ Aburish, Saddam Hussein, 60
178 ـ Aburish, A Brutal Friendship, 141
179 ـ Kennedy Library, National Security Files, Countries Series, Iraq, January/February 1963
180 ـ انظر الملحق رقم1، سرية التدخلات الاميركية الخفية في العراق.
181 ـ See page 51, taken from Rositzke, The CIA’s Secret Operations, 109-110
182 ـ للاطلاع على هذه الوثيقة انظر Komer to Kennedy, February 8, 1963, page 97
183 ـ M. J. Gasiorowski, "The 1953 Coup D'Etat."
184 ـ United States, Department of State, Nina J. Noring and Glenn W. LaFantasie, ed. Foreign Relations of the United States, 1961-1963, vol. 18: Near East 1962-1963, 343
185 ـ المصدر السابق، 348
186 ـ Darwish and Alexander, Unholy Babylon, 203
187 ـ مراسلة مع ابو ريش، أيار/مايو 2005
188 ـ Darwish and Alexander, Unholy Babylon, 203
189 ـ Aburish, Saddam Hussein, 74
190 ـ Darwish and Alexander, Unholy Babylon, 203; Aburish, Saddam Hussein, 73, 74
191 ـ مقتبس في Hassan Al Said, Guards of the West: The Ba’ath and the International Game (Beirut: 1992) 352 في كتاب ابو ريش Aburish, Saddam Hussein, 74
192 ـ مقتبس في Al Said, Guards of the West, 277 في كتاب ابو ريش Saddam Hussein, 73
193 ـ مقتبس في Aburish, Saddam Hussein, 73
194 ـ Joan Edelman Spero and Jeffrey A. Hart, The Politics of International Economic Relations, 6th ed. (Belmont, CA: 2003), 301-306
195 ـ Howard and Gayle Teicher, Twin Pillars to Desert Storm: America’s Flawed Vision in the Middle East from Nixon to Bush, (New York: 1993), passim
196 ـ John Daniszewski, “Raid Seen as Boost to U.S. Troops' Image,” L.A. Times, 17 November 2005
197 ـ مقابلة مع كين ، حزيران/يونيو 2005
198 ـ انظر الوثيقة Letter from Ed Kane to CIA Director of Public Relations, page 98
199 ـ مراسلة مع العنصر المتقاعد في السي آي أي ايد كين، حزيران/يونيو 2006
200 ـ مقابلة مع كين، حزيران/يونيو 2005
201 ـ مراسلة مع ابو ريش في آب/اغسطس 2004
202 ـ Sale, “Exclusive: Saddam Key in Early CIA Plot,” ، مصدر سابق
203 ـ Thomas Powers, The Man Who Kept the Secrets, 128
204 ـ Smith, Portrait of a Cold Warrior, 255, 256
205 ـ المصدر السابق 46 ـ 47.
206 ـ Con Coughlin, Saddam, 326, 327n
207 ـ Aburish, Saddam Hussein, 55-56
208 ـ Smith, Portrait of a Cold Warrior, 146-147
209 ـ مقابلة مع ليكلاند، آب/اغسطس 2005
210 ـ مراسلة مع ابو ريش، ايار/مايو 2005
211 ـ Aburish, Nasser, 338, 39
212 ـ مراسلة مع ابو ريش، حزيران/يونيو 2005
213 ـ مقابلة مع ليكلاند، تموز/يوليو 2005
214 ـ Mohamed H. Heikal, Cutting the Lion’s Tail: Suez through Egyptian Eyes (New York: 1987), 41
215 ـ مقابلة مع ليكلاند، حزيران/يونيو وآب/اغسطس 2005
216 ـ مقابلة مع المسؤول السابق في السلك الدبلوماسي وليام ليكلان ، كانون الاول/ديسمبر 2005
217 ـ Aburish, A Brutal Friendship, 138
218 ـ مقابلة مع ليكلاند، حزيران/يونيو 2005
219 ـ للاطلاع على تاريخ الفكيكي انظر: Batatu, Old Social Classes, 1004-1005, 1019, 1021n, 1022-1023, 1218-1219
329 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع