أَحْداثُ ومَشاهِدُ مِنْ الماضي البَعْيدْ راسِخَةُ في الذاكِرَةِ
1. اَلْمُقَدِمَة
أ. خلال دراستنا لتأريخ الحرب العالمية الثانية عندما كنا طلاب في الكلية العسكرية للسنوات (1964- 1966) في كِتابيً حرب شمال أفريقيا والإنزال في نورماندي للمؤرخ العسكري العراقي المشهور العميد الركن شكري محمود نديم ،
وَرَدَ في الكتاب أَعْلاه مثلاً رائِعَاً عن عظمة النساء البريطانيات في مُؤازَرَتَهِنَ للحكومة البريطانية برئاسة الجنرال تشرشل في وقت الحرب .
ب.في بداية الحرب العالمية الثانية عانت القوة الجوية البريطانية من نَقْص كَبْير في الطائرات نتيجة لإسقَاطِها من قبل مدفعية مقاومة الطائرات الألمانية أومن قبل مقاتلات القوة الجوية الألمانية التي كانت تتفوق عليها في السرعة والتسليح وفرضت البحرية الألمانية حِصارَاً شديداً على بريطانيا في المحيط الأطلسي وبحر الشَمالْ ومنعت أي سفينة مِنْ اَلْدُخولِ إلى الموانئ البريطانية أما بإغراقها في عرض البحر أو بالسيطرة عليها والإستيلاء على ما تَحْمِلُه من مواد أولية تحتاجها آلة الحرب البريطانية.
ج. نتيجة لذلك أصبح المعدن الأبيض شحيحاً جداً في مصانع الطائرات البريطانية المستخدم في تصنيع هياكل الطائرات في حينه لذا قَدَمَتْ النساء البريطانيات كافة آواني الطبخ الموجودة في المطبخ البريطاني المُصَنَعِة من معدن الألمنيوم حينذاك وجمعت آلاف الأطنان من هذا المعدن وتم إعادة صَهْرَها وَإسْتِخْدامِها في تصنيع الطائرات التي كانت القوة الجوية البريطانية بأمس الحاجة إليها.
د. ذَكَرْتُ هذه القصة لكي يكون القارئ الكريم على إطلاع من أجل المقارنة بين موقف الشعب البريطاني وموقف الشعب العربي في مصر وموقف الشعب العراقي وقت أزمات الحروب مع الأحداث التي سَنَذْكُرُها لاحِقَاً.
2. الحدث الأول / حرب حزيران سنة 1967
سبق وأن كتبنا مَقالاً بعنوان من مآثر الجيش العراقي الباسل عن إشتراك الفوج الأول لواء المُشاة الأول ( فوج موسى الكاظم ) في حرب حزيران سنة 1967 في سيناء وَنُشِرَ في موقع وجهات نظر وتم إعادة نشره في مجلة الگاردينيا بتاريخ 21 حزيران 2014 ، مقالنا الجديد بعيداً عن جزيرة سيناء وقناة السويس وأزيز الطائرات و أصوات المدافع نُسَجِلْ مشاهداتنا عن الروح الوطنية النبيلة التي يتحلى بها الشعب المصري الشقيق التي لمسناها عن قرب خلال حرب حزيران سنة 1967 .
أ. المشهد الأول
فجر يوم 9 حزيران 1967 تَنَقَلَ الفوج من قاعدة فايدة الجوية الواقعة غرب البحيرات المُرة جنوب مدينة الإسماعيلية إلى محطة القطار في مدينة الإسماعيلية وبعد تحميل أثقال الفوج في عربات القطار في ساعات الليل الأخيرة وبعد إنقشاع ظلام الليل وشروق الشمس أكمل الفوج إركاب كافة
الجنود والضباط في عربات القطار، إنطلق القطار بإتجاه الشمال الغربي قاصداً مدينة القاهرة وبعد مرور وقت ليس طَويلاً توقف القطار في مدينة الزقازيق التي تقع منتصف المسافة بين مدينة الإسماعيلية ومدينة القاهرة و إذا بِحَشْدٍ هائِل من البشر إمْتَلأتْ به أرصفة محطة القطار أغلبهم طلاب وطالبات جامعيين يحملون بيد الزهور وباليد الأخرى أرغفة العيش المصري يقدموه إلى جنود الفوج من نوافِذ عربات القطار والبعض الأخر يَهْتِف ُ بِحَياةِ الجيش العراقي الباسل والوحدة العربية والجميع يعلمون إن الجيش المصري خَسِرَ الحرب في سيناء ، هذا المشهد يَنِمُ عن الوعي الثقافي والروح القومية الذي يتحلى به الشعب المصري يَبْقى راسِخُ في ذاكرتي ولايمكن أن يُمْسَحْ إلا بِتَغَيًب الحياة.
ب. المشهد الثاني
أولاً. في منتصف النهار وصل القطار إلى مدينة القاهرة وتوقف لِفَتْرَةٍ قَصْيَرَةٍ من الزمن بعد ذلك تحرك بإتجاه جُنْوب غرب القاهرة مُرْورَاً بمدينة حلوان بعد بُرْهَةٍ مِنْ الزمن وصل القطار إلى محطة قطار المرازيق هذه المحطة تقع جنوب مدينة حلوان بإستقامة الطريق المؤدي إلى معسكر دهشور الذي يُعْتَبَرُ من أكبر معسكرات الجيش المصري الحديثة في الصحراء الغربية جنوب غرب القاهرة ، ولعدم تيسر وسائط النقل بقى منتسبي الفوج ينتظرون في المحطة لحين تيسر وسائط النقل ، بعد الضياء الأخير من يوم 9 حزيران 1967 ولكون المنطقة صحراوية مكشوفة بدأنا نشاهد توهج إنفلاق قذائف المضادات الأرضية في سماء مدينة القاهرة لمعالجة طائرات العدو الإسرائيلي التي قامت بغارة جوية على مدينة القاهرة .
ثانياً. بالساعة الثامنة ليلاً ظهر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله على شاشة التلفزيون ومن خلالها ألقى خطاب الإستقالة وأعلن تحمله المسؤولية الكاملة عن خسارة الجيش المصري للمعركة في سيناء كان الخطاب منقول في كافة محطات البث الإذاعي المصرية أيضاً ، فور إنهاء خطاب الإستقالة خرج ملايين من أبناء الشعب المصري رجالاً ونساءاً شيباً وشباباً إلى الشوارع والميادين العامة في مدينة القاهرة وبقية المحافظات الأخرى بشكل عفوي رافضة تنحي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالرغم من إستمرار الغارات الجوية الإسرائيلية في سماء مدينة القاهرة طيلة ليلة ( 9/10) حزيران 1967 ، إن إلتفاف الشعب العربي في مصر حول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تعبيراً عن وعي ثقافي قومي تَمَيًز به الشعب المصري عن بقية الشعوب العربية الأخرى في أحلك الظروف التي مرت بها المحروسة مصر
3. الحدث الثاني / حرب الخليج الثانية سنة 1991
أ. المشهد الأول
أولاً. أثناء العملية العسكرية التي نفذتها قوات الحرس الجمهوري لإستعادة الكويت في 2 آب 1990 كُنْتُ أشغل منصب مديرإحدى الشعب في مديرية إدارة المراتب ولم أشارك في العملية العسكرية من البداية حتى النهاية ، وأثناء بدأ العدوان الثلاثيني على العراق فجر 17 كانون الثاني 1991 تم إستهداف مركز الحاسبة الإلكترونية لوزارة الدفاع في مجمع الكسرة العسكري في ليلة اليوم الأول من بدأ الغارات الجوية المعادية ، لذا إنتقلت مديرية إدارة المراتب إلى مَقَر بديل وأشْغَلَتْ مدرسة ثانوية الإنتصار للبنات في منطقة السبع إبكار في الأعظمية ، في عصر أحد الأيام كانت الطائرات المقاتلة المعادية تُحَلِقُ في الجو وصفارات الإنذار تُطْلِقُ أصواتها ، إنْتَشَرَ الضباط والمنتسبين الكتبة على محيط السياج الخارجي للمدرسة ، كُنْتُ أرى على وجوه قسم من الضباط والكتبة حالة الإرتباك والخوف وأبْتَسِمُ لما أشاهِدْ .
ثانياً. أحد الضباط وهو العقيد عبد الرزاق جبار النعيمي قال سيدي يوجد بعد أكثر من هذا الذي حدث ؟ قلت له نعم قال ماذا سيدي ؟ قلت له هل يشاهد الضباط عند تنقلهم ليلاً في بغداد تواجد رجال الشرطة والأمن والإنضباط العسكري في المناطق الحيوية في بغداد ؟ قال كلا ، قلت له كيف سيكون الحال في المحافظات الجنوبية المجاورة للحدود الإيرانية وكافة قطعات الجيش العراقي في الكويت ؟؟ قال ماذا يدور في ذهنك سيدي ؟؟ قلت له أنا خائف لإِحْتِمال حدوث إنفلات أمني شديد في العراق ،
كانت مديرية إدارة المراتب تستلم يومياً مواقف الأشخاص من مديريات وزارة الدفاع المُنْتَشِرَةِ في عموم مناطق بغداد وأغلب الأحيان يُكَلًْف الضباط بهذا الواجب.
ثالثاً. قبل صدور قرار وقف إطلاق النار في عصر أحد الأيام توقفت عجلة عسكرية في باب المدرسة تَرَجَل منها الفريق الأول الركن سعدي طعمة الجبوري وزير الدفاع في حينه عائِدَاً من البصرة يستفسر عن مكان مقر ديوان وزارة الدفاع أدَيْتُ له التحية العسكرية وَأرْسَلْتُ معه أحد ضباط مديرية إدارة المراتب كدليل قام بإيصالِهِ إلى المكان الذي كان يتواجد فيه ديوان وزارة الدفاع في حي الطبقجلي المجاور لمدينة السبع إبكار، في الأيام الأخيرة من شهر آذار1991 حدث فِعْلَاً مالم يكن مُتَوَقَعُ له أن يحدث في ذهن رِجال القيادة السياسية وَبَدَأَتْ حركة التمرد من مدينة البصرة جنوباً مروراً بمحافظات ميسان وذي قار وواسط ومحافظات الفرات الأوسط وصولاً إلى مدينة المحاويل شمال محافظة بابل ، أُطْلِقَ على حركة التمرد عِدَةِ أسماء من قبل الدولة ( الغوغاء / صفحة الغدر والخيانة ) وتُطْلِقُ عليها الأحزاب الدينية الحاكمة حالياً ( الإنتفاضة الشعبانية ).
رابعاً.لا نستطيع الحديث عن الوقت المستغرق وكيفية القضاء على حركة التمرد التي حدثت وعن عدد الخسائر التي وقعت بين صفوف الجيش و عدد الخسائر التي تكبدها المدنيين نتيجة إستخدام القوة العسكرية بسبب عدم إشتراكنا مع القطعات التي قامت بعملية تطهير المحافظات من فُلول اَلْمُتَمَرِدين.
ب. المشهد الثاني
أولاً. بعد قرار وقف إطلاق النار وإنسحاب قطعات الجيش من الكويت بشكل غير مُنْتَظَمْ وغير مُسَيْطَرُعليه وتكبد وحدات الجيش خسائر جسيمة بالأشخاص والمعدات نتيجة القصف الجوي المعادي وتدمير منظومة الإتصالات الأرضية بالكامل مِمْا أدى إلى فقدان القيادة والسيطرة على القطعات ، تَعَذَرَ على وزارة الدفاع الحصول على مواقف الأشخاص والمعدات من الفيالق الثالث والرابع والسادس والسابع لذا شَكَلَتْ وزارة الدفاع لجنة بِرئاسَة آمر الكلية العسكرية اللواء الركن غانم البصو في حينه وقد كنت شخصياً أحد أعضاء هذه اللجنة وبعد إجتماع رئيس وأعضاء اللجنة عُقِدَ في إحْدى المديريات التابعة لدائرة الإدارة تم تحديد الطريق واليوم والوقت والأسبقيات التي يجب أن تعمل اللجنة بموجبها لتحقيق الغاية التي تَشَكَلًتْ اَلْلُجْنَةُ من أَجْلِها .
ثانياً.عند حركتنا من بغداد إلى المحافظات (واسط – ميسان – البصرة )
أولى مشاهداتي بدأت من جنوب مدينة العزيزية حيث كان يوجد موقع لإحدى بطريات أسلحة م/ ط على يسار الطريق العام وقد أحْرِقَتْ مُعِداتِها بالكامل ليس نَتِيْجَةً للقصف الجوي المعادي وإنما نَتِيْجَةً لأعمال التخريب التي قام بها الأشخاص المشتركين في عملية اَلْتَمَرُدْ وكلما إتجهنا جنوباً بإتجاه محافظة البصرة كنت أشاهِدُ إتساعِ حجم التخريب بالقرب من سيطرة(الكوت – بغداد) يسار الطريق العام شمال مدينة الكوت شاهَدتُ مُعَسْكَرْ لأحد ألوية القوات الخاصة تم نهب كل شئ في المستودعات و حرق المعسكر بالكامل ، وعند وصولنا إلى مدينة علي الشرقي حيث يوجد يسار الطريق العام المنطقة الإدارية (خلفيات التشكيلات ) للقطعات التي كانت تدافع على خط الحدود وقد نُهِبَت محتوياتها وتم حرقها بالكامل وعند وصولنا إلى مدخل محافظة ميسان حيث يوجد يمين الطريق العام مُعَسْكَرْ موقع العمارة ومركز تدريب مُشاة ميسان كان المنظر مؤلماً وكلما تقدمنا جُنُوباً تكون شدة التخريب أكثر وعند وصولنا إلى منطقة الدير ومنطقة النشوة في محافظة البصرة حيث توجد خلفيات تشكيلات ووحدات الفيلق الثالث ، لايُمْكِنْ وصف مشاهد هذه المعسكرات لجسامة التخريب الذي حصل فيها ناهيك عن حرق دوائر التجنيد وسجلاتها ودوائر الأحوال المدنية وسجلاتها وكافة مراكز الشرطة و الأمن.
ج. أحداث مؤلمة وأخرى مشرفة
أولاً. قامت طائرات قوات التحالف بقصف كافة الجسور الرئيسية المجسرة على نهر دجلة ونهرالفرات ونهر شط العرب لذا أَوْعَزَتْ وزارة الدفاع إلى مديرية صنف الهندسة العسكرية القيام بنصب جسور عسكرية على الأنهر أعلاه في المناطق التي تُعْتَبَرُ عُقَدْ مواصلات حيوية لإدامة فتح الطرق ومن هذه اَلْعُقَدْ جسر مدينة اَلْقُرْنَة الحديدي على طريق ( بغداد – بصرة ) تواجد شَخْصِيَاً في الموقع مدير صنف الهندسة العسكرية اللواء الركن حميد لم تسعفني الذاكرة عن إسم والده تواجده كان مهم جداً وذلك للإشراف على نصب هذا الجسر الذي يربط بين قاطع الفيلق الثالث وقاطع الفيلق السادس قام أحد الأحداث من المنطقة بتوجيه نار بندقيته بإتجاه مدير صنف الهندسة العسكرية وأرداه قتيلاً ، من يقف وراء مثل هذا العمل الإجرامي إتجاه شخص يقوم بإعادة الحياة للطريق الرئيسي الذي يخدم الشعب والجيش ؟؟
ثانياً. قامت مجموعة من المتمردين في منطقة النشوة شرق نهر شط العرب بقتل عدد غير قليل من الضباط ، وتمكن أحد آمري تشكيلات الفرقة المدرعة السادسة الإختفاء بين بساتين النخيل في المنطقة لكن هذه المجموعة إستمرت بالبحث عنه فدخل في بيت أحد شيوخ المنطقة وعندما جاءت هذه المجموعة تبحث عنه أصّرتْ على تفتيش بيت الشيخ ، كيف كانت نَخْوّة هذا الشيخ في مثل هذا الموقف الصعب لحماية هذا الضابط ؟ أدخله إلى حمام البيت و أوعز إلى إحدى بناته بالدخول إلى الحمام وقال لها إقفلي باب الحمام من الداخل وعندما دخلت هذه المجموعة إلى البيت فتشت جميع غرف البيت وهَمّتْ بالدخول لتفتيش الحمام لكن الشيخ نهرهم وقال لهم إبنتي تستحم في الحمام وعندما ناداها أجابته لكي يثبت صحة أقواله ومن غير المعقول تواجد الشخص الغريب مع البنت في الحمام وكما معروف لايمكن لأي شخص التجاوز على شرف العوائل عُنْوَّة ، بهذه الطريقة تمكن الشيخ من حماية هذا الضابط ، هذه شيمة الأصَلاء من أبناء الجنوب.
4. الحدث الثالث / حرب الخليج الثالثة إحتلال العراق سنة 2003
أ. المشهد الأول
أولاً. بإعتراف منظمة الأمم المتحدة كان نظام البطاقة التموينية الذي أعَدَّه الدكتورمحمد مهدي صالح وزير التجارة في العراق قبل سنة 2003 من أكفأ الأنظمة في العالم الذي ساهم في تأمين لقمة العيش الكريم للشعب العراقي على مدى عقد من الزمان بأفضل النوعيات وبأزهد التكاليف المالية على المواطن ، قبل إحتلال بغداد في 9 نيسان سنة 2003 وَزَعَتْ وزارة التجارة حصتها التموينية إلى كافة أبناء الشعب العراقي لمدة عدة أشهر مُسْبَقَاً تَحَسُبَاً للظروف الطارئة التي مر بها العراق .
ثانياً. كانت مخازن وزارة التجارة الغذائية في منطقة الدباش في الكاظمية هي التي تُمَوُّن جانب الكرخ بالكامل بعد سقوط بغداد في 9 نيسان 2003
بيد المحتلين الأمريكان تَعَرَضَتْ هذه المخازن إلى عملية نهب لم يَشْهَدُ له تأريخ العراق مُنْذُ تأسيس الدولة العراقية في بداية القرن العشرين ولو لم يكن مكان سكني في منطقة الهبنة في الكاظمية القريبة جداً من المخازن لما شاهدت هذا المشهد المؤلم الْمُخْزي كيف يستطيع هؤلاء الأوغاد سرقة سلة غذاء الشعب ويخزنوه في دورسكناهم ومخازنهم ليبيعوه لاحقاً على الشعب ويثرون على حساب المواطن البسيط ؟ ماذا يسمى هذا ؟؟
هل وعي ثقافي ؟ هل شجاعة يتحلى به هؤلاء ؟ هل دينهم يحلل سرقة غذاء الشعب ؟ ، ماذا سيقولون لخالقهم يوم يقفون أمامه يوم المحشر؟.
ب. المشهد الثاني
أولاً. عند مغادرتك بوابة بغداد الشمالية بالقرب من دائرة مرور الكاظمية قاصداً الذهاب بإتجاه التاجي توجد على يمين الطريق بساتين نخيل كثيفة كان يوجد على حافتها بجانب الطريق مضخة وقود عسكرية ، إلى جوارها شِمالاً يوجد معسكر مدرسة تدريب فدائيي صدام كذلك يوجد سياج طويل مرتفع يحجب نظر المشاهد الفضولي وسط هذا السياج باب عريض مُرْتَفِعْ أيضاً ، كنت أسلك هذا الطريق يومياً ذِهابَاً وإياباً ولفترة سنوات لم أعرف ماذا خلف هذا السياج الْمُرْتَفعْ ؟؟.
ثانياً. بعد إحتلال بغداد في 9 نيسان 2003 كُنْتُ أشاهد عجلة قتال مدرعة مُسَرَفة أمريكية تقف في باب السياج المرتفع ولفترة طويلة أيضاً عَلِمْتُ لاحِقَاً إن خلف السياج المرتفع إحدى منشأة التصنيع العسكري..
وفي أحد الأيام بعد الظهر كُنْتُ عائداً من مزرعتي في منطقة سبع البور شاهَدْتُ توقف عجلات بيكب كثيرة وعربات تجرها خيول وأخرى يجرها حمير في الجهة المقابلة للمنشأة مما أدى إلى غلق الطريق تماماً وَحَشْدٌ هائِلٌ من الحواسم رجالاً ونساءاً شيباً وشباباً يخرجون من باب المنشأة محملين بين أيديهم وفوق رؤوسهم كل ما إستطاعت أيديهم الوصول إليه مهما كانت قيمته المادية كما شاهدت قسم يُخْرِجُ أنابيب معدنية ذات قطر واسع محملة على عربات سحب الحمالين وبعد الإستفسار من سائقي المركبات المتوقفة علمت بأن القوة الأمريكية التي كانت متواجدة في المكان قد إنسحبت .
ثالثاً. جالَ في خاطري سؤال ! مَنْ هو الشخص الذي أَخْبَرَ هؤلاء الحواسم بإنسحاب القوة الأمريكية من المكان ؟؟ وزيادة في الفضول من جانبي سَألْتُ كثيراً لمعرفة معلومات إضافية أكثر، تبين إن هذه المنشأة هي التي كانت تصنع محركات الصواريخ أرض أرض وقد تم نقل مُعِداتِها من المكائن الثقيلة والعُدَدْ بالكامل بموافقة الجانب الأمريكي قبل إنسحاب قوة الحماية الأمريكية من المكان من قبل مسؤولين سياسين من العهد الديمقراطي الجديد إلى جارة العراق الشرقية ( لحم الثور أكلوه السياسيين وعظام الثور أكلوها الحواسم ) .
فوزي البرزنجي
4 تشرين الثاني 2014
861 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع