قاعدة الحرية( كركوك) الجوية في الضربة الجوية الشاملة في 22 ايلول 1980
مذكرات طيار مقاتل
22/9/2014
تمرعلينا اليوم الذكرى الرابعة والثلاثون لدور قوتنا الجوية في الرد الشامل لاستعادة الاراضي التي اغتصبتها ايران وتنديدها باسقاط النظام السياسي العراقي بعد الثورة الايرانية واستلام الخميني في شباط 1979 ..
بودي ان استذكر في هذه المناسبة وبدون مقدمات دور احدى قواعدنا الجوية في الضربة الجوية الشاملة التي ساهمت بها كل قوتنا الجوية بمختلف طائراتها
في الساعة 1800 يوم 20 آيلول 1980 حضر الى قاعدتنا العميد الطيار الركن أحمد خيري مدير الحركات الجوية وسلم على عجل آمر القاعدة مظروفاً كبيراً أبيض مغلف بورق الفابلون الشفاف ومحكم الغلق ولم يفصح لنا ما موجود فيه،وغادر القاعدة مسرعاً الى قواعد أخرى،لقد تبين لنا أن هذا الظرف يحوي خطة عمليات قاعدتنا تجاه بعض الأهداف العسكرية الحيوية الايرانية
موقعة من قبل السيد قائد القوة الجوية الفريق الطيار الركن محمد جسام الجبوري،اتخذت كافة الاستحضارات اللازمة لتنفيذ الخطة المذكورة وملخصها تجهيز سربي طائرات سوخوي22 وسرب طائرات ميك21 بالقنابر شديدة الانفجار المخصصة لتدمير مدارج وملاجئ الطائرات المحصنة،لقد كان الشعور السائد لدى الجميع أن ذلك بمثابة تمرين واسع على مستوى القوة الجوية ( ذلك لكثرة التمارين لهذه الفترة ) والتي في حقيقتها كانت استعداداً للضربة الجوية الشاملة تجاه ايران وقد ساهم هذا الشعور في الحفاظ على سرية العمل بشكل رائع وبالتالي ساهم في تحقيق المباغتة السوقية وتحجيم دور القوة الجوية الايرانية في عملياتها اللاحقة.
الضربة الجوية الشاملة الأولى
اثناء دراسة المهام المكلفة بها قاعدتنا مع آمر القاعدة والتي جاءت في خطة عمليات قيادة القوة الجوية لاحظنا وجود خطأ في حسابات الوقود لكافة طائرات السوخوي22،ولغرض ادراك الموضوع قبل التنفيذ اقترحت عليه ان يطير فوراً الى بغداد باحدى طائرات السوخوي ويشرح ذلك الى قيادة القوة الجوية ويشعرهم بهذا الخطأ وتصحيحه،وفعلاً كان ذلك صباح يوم 21ايلول 1980 وتم تصحيح الخطأ وعلى ضوء ذلك بُدلت حمولة كافة طائرات السوخوي22 من ( 2 ) طن قنابر إلى ( 1 ) طن واستعيض عنها بزيادة كمية الوقود لكون الأهداف بعيدة نسبياً. وأصبح بهذه الحمولة ( 4 خزان وقود احتياطي + 2قنبرة 500كلغم) ضمان الذهاب الى الهدف والعودة الى القاعدة بشكل أمين مع أخذ بنظر الاعتبار امكانية التحويل الى قاعدة اخرى في حالة تعرض قاعدتنا للشل من قبل العدو الايراني وهذا احتمال وارد جداً ((يدل ذلك ان قيادة القوة الجوية لم تستفيد من التجارب الكثيرة التي اجريناها بالمدى الاقصى لهذه الطائرة عليه كانت نتائج التاثير اقل مما محسوب لها )) .
في الساعة 1800 يوم 21ايلول 1980 التقيت مع آمر القاعدة في مقره وابلغني بالتفاصيل النهائية للضربات الجوية المنطلقة من قاعدتنا تجاه أهدافها في ايران وهي ( قاعدة شاروخي الجوية ، قاعدة همدان الجوية ، قاعدة سنندج الجوية ، قاعدة كرمنشاه ومطار سقز) وثبتنا أسماء قادة التشكيلات وبدلائهم وتم القرار على قيادتي للعملية بالكامل ، ولو ان آمر القاعدة كان لديه تحفظ في ذلك الا اني اقنعته بوجهة نظري وملخصها ان العملية واسعة وتحتاج مني كآمر جناح طيران ان اقودها شخصياً وذلك لاعتبارات كثيرة اهمها ان يكون الآمر على رأس قواته مما يرفع من اقتدارهم ويزيد من ثقتهم بأنفسهم وبآمرهم ويرفع من معنوياتهم ويجعلهم يشعرون ان روح آمرهم ليست اغلى واعز من روحهم فهو مثلهم مع اختلاف في الخبرة والمنصب ، في الحقيقة كان هذا املي ان اقود مثل هذه العملية منذ مدة طويلة لاسباب كثيرة اهمها تطبيق المبادئ والدروس المستنبطة من حرب تشرين 73 واساليب التعاون مع القوات البرية والبحرية اضافة الى ذلك اثبات مصداقية كلامي امام الطيارين لكوني كنت اقول لهم دائماً ستجدوني امامكم في الواجبات القتالية ، انه شرف ليس بعده شرف ، انه حصيلة ايام التدريب الطويلة والخبرة النابعة من المهام السابقة، انه فحص للذات البشرية تجاه الاحداث الجسام وتجاه الاخرين وتثبت لهم صدق الاقوال بالافعال وبالتالي نحصل على نتائج جيدة تساعدنا في التنفيذ كثيراً وتقلل من الاخطاء والمشاكل والخسائر وهذا قد لمسناه في قاعدتنا طيلة فترة تواجدنا فيها ، انها دروس من نوع خاص عملي يتعلمها الطيار الحديث ويستفيد منها ويكون اكثر دراية وادق تنفيذاً.
في هذا المجال من المفيد ان اذكر انه تم نقل السرب الخامس سوخوي 22هجوم ارض (آمره الرائد الطيار م ، ح ، ط ) من قاعدتنا الى قاعدة الموصل الجوية للمساهمة من هناك تجاه الاهداف الايرانية الشمالية ( قاعدة تبريز وقاعدة الرضائية… الخ ) اضافة الى ذلك تم اضافة طائرات السرب44 سوخوي 22 هجوم ارضي ( آمره الرائد الطيار الشهيد نوبار عبد الحميد الذي اسقطت طائرته اثناء تنفيذ واجب استطلاع مسلح في المناطق الحدودية مع ايران في القاطع الاوسط ) مع طياريه الى السرب الاول الموجود في قاعدتنا.
التقيت مع قادة التشكيلات مساء يوم 21 ايلول 1980 ( رائد م ورائد ركن م ، ورائد محمود رشيد ، نقيب ن ، نقيب طلال جميل العبيدي ، نقيب م ، وغيرهم ) واطلعتهم على خطط عمليات قيادة القوة الجوية لقاعدتنا واوجزتهم بصورة عامة بأسلوب الضربات الجوية الذي اتفقت عليه مع آمر القاعدة والتوقيتات العامة للطيران على ان يتم ايجاز تشكيلاتهم بالتفصيل غداً صباحاً وبسرية تامة لضمان عدم تسرب اية معلومات قد تُفشل مبدأ المباغتة وتم التأكيد على اعتبار الواجب بمثابة استكمال لسلسلة التمارين التي كنا نقوم بها في هذا الشهر .
توقيتات الاقلاع في الساعة 1140 يوم 22 ايلول 1980 على ان يكون عبور الحدود العراقية الايرانية في الساعة 1200 في اليوم نفسه ،حيث تشرع قطعاتنا البرية بتنفيذ مهامها المرسومة في الخطة ، ثم اتفقنا ان نلتقي غداً 22 ايلول 1980 في غرفة ايجاز السرب الاول،ولهذه الغرفة خصوصية متفردة في الذاكرة كونها شهدت العديد من الايجازات المهمة اذكر منها الايجاز الشامل قبل الاقلاع الى سوريا يوم 8 تشرين الاول 1973 ، ثم ايجاز تنفيذ الضربات الجوية المهمة في الدفاع عن العراق ضمن مهام الامن الوطني ، ناهيك عن الايجازات الصباحية اليومية قبل الطيران التدريبي هذه الغرفة عودتنا على احترام المواعيد ممن يتأخر دقيقة واحدة فقط لا يدخلها ويحاسب من اجل ذلك انه الطيران، والدقيقة في الطيران المقاتل تعني الكثير وعلى الطيار المقاتل ان يحترم الوقت و الا يفقد الكثير من التزامه والوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك.
الاستحضارات والتنفيذ 22ايلول 1980
الاستحضارات
استيقظت القاعدة صباح يوم 22 ايلول 1980 يوم الرد العراقي انه يوم مشهود في تاريخ سفر العراق العظيم ، ولكن نحن لا نعلم ما سيكون ، هل ستستمر الحرب مع ايران طويلاً ام انها ستنتهي بأذن الله بعد ايام قليلة والله اعلم هذه افكار كانت تدور في مخيلتنا جميعاً اذن يجب ان ننجح اولاً في ضرباتنا الجوية لكون ذلك ثمنه غال جداً وسلامة قطعاتنا وتمكينها من احتلال اهدافها المرسومة من دون تدخل من قبل القوة الجوية المعادية هو اسمى هدف لقوتنا الجوية ، الطائرات جاهزة بحمولتها المقررة للضربة الجوية الشاملة الاولى، عدد من الطائرات المتصدية تمارس واجباتها الدورية الاعتيادية منذ الضياء الاول والحالة تبدو طبيعية ،الجو جميل وهادئ مدى الرؤيا اكثر من 10 كلم الا ان حالة الطوارئ واضحة والطائرات موزعة في الملاجئ المنتشرة في ارجاء القاعدة اعمال حفر الملاجئ الشقية للاشخاص لا تزال مستمرة قرب الوحدات من اجل أستخدامها أثناء الغارات الجوية المعاديه ، من طبيعة عملي قبل ان ابدأ بالعمل اليومي اقوم بجولة في القاعدة اتفقد من خلالها كل ما يتعلق بجناح الطيران مثل ، المدرج الرئيسي، الطائرات، اجهزة ، معدات سلامة الطيران ، الانواء الجوية حيث القي التحية على العاملين عليها واتأكد من قيامهم بواجباتهم ثم اذهب الى غرفة الايجاز لالتقي بآمري الاسراب والطيارين بوقت مبكر عادةً في الساعة السادسة صباحاً او قبل ذلك وفقاً لنوع الواجب القتالي ولكن هذا اليوم يختلف عن باقي الايام سنلتقي في الموعد الذي حددته البارحة ، المعنويات عالية والكل يعمل بنشاط وهمة مقتدرة، العجلات الخاصة بالطيران ( الاختصاصية ) وعجلات الاركاب مموهة بشبكات الغش او بواسطة الطين الكل ينظر الى الطيار وكأنه امل الجميع في تحقيق الاماني بأعتباره العنصر المقاتل الرئيسي في القوة الجوية انه القوة الخارقة اذا احسن استخدامها اعداداً وتنظيماً وتخطيطاً ،و لم يحدث مرة ان خذل شعبه و اصدقاؤه واحباءه وقيادته طيلة سفره الخالد منذ تأسيس القوة الجوية ، فلا تزال احداث مايس 41 ، 48 ، 67 ، 73 عالقة في اذهان الجميع فالتضحية والشهادة وتحقيق الاهداف هما شعار الطيار المقاتل العراقي في بناء المستقبل لوطنه وامته العربية المجيدة.
الساعة قاربت 1030 يوم 22 ايلول 1980 وأمر قيادة القوة الجوية نافذ والطيارون متوجهون اللى غرفة الايجاز وساعة الصفر تقترب اذن يجب ان نسرع في ايجاز الطيارين بما مطلوب منهم القيام به وتوزيع الادوار على وفق خطة الطيران التي وضعتها مع آمر القاعدة وامراء الاسراب في التوقيت المحدد الكل متواجد في غرفة الايجاز والابتسامة مرتسمة على الوجوه، في الحقيقة هنا ملاحظة بسيطة يمكن ان تذكر وهي ان معظم الطيارين الاحداث لم يسبق لهم ان شاركوا في معارك حقيقية وعلى هذا الاساس قد يظهر البعض منهم حالة من الارتباك في المواقف الصعبة و يكون تصرفهم بها غير دقيق وهي حالة طبيعية وعلى هذا الاساس تعمدنا ان يكون قادة التشكيلات وبدلائهم ممن سبق لهم ان شاركوا في معارك حقيقية سابقة وذلك لثقتهم العالية بأنفسهم ثم منحهم هذه الثقة لاعضاء التشكيل الاحداث من خلال حسن تصرفهم وهدوئهم مبددين أي ارباك قد ينتج من بعض الطيارين الاحداث لمثل هذه الاحتمالات حيث نضعها بأعتبارنا دائماً وعلى هذا الاساس نحن في التدريب وبدون مبالغة نكون اقسى على طياري الهجوم الارضي من غيرهم لغرض زيادة الثقة في نفوسهم ولكن بدون غرور في المواقف الصعبة ( نمّوت قلبه) ونجعله يتصرف بهدوء وبدون انفعال وندرس حالة الطيار المنفعل ونتركه يهدأ ومن دون ان يشعر ( الطيار عدواني داخل طائرته اما في الارض فهو ذو خلق عالي ) اليوم على الطيار المقاتل ان يتحمل مسؤولية عالية جداً بحيث يحول القرارات السياسية الى حمم من النيران تهز كيان العدو وتلقنه درساً قاسياً طالما لم تنفع معه كل الطرق سواء الدبلوماسية او السياسية ،
ابتسمت ضاحكاً وانا ادخل غرفة الايجاز وقد صادفني في مدخل الغرفة امر السرب المتصدي ميج 21 الرائد الركن م ، فوضعت يدي على كتفه وقلت له انشاء الله يكون تنفيذكم للواجب افضل من جماعة الهجوم الارضي ( طائرات الميك21 مخصصة لاغراض التصدي كواجب رئيسي والهجوم الارضي كواجب ثانوي تم تكليفهم بقصف قاعدة سنندج بقوة 8 طائرات ومطار سقز بقوة 4 طائرات لعدم كفاية جهد طائرات الهجوم الارضي ) اجابني بكل ادب انشاء الله سيدي تسمع اخبارنا وترى افعالنا وتفتخر بنا باذن الله ثم وضعت يدي مرة ثانية على كتفه وقلت له انا واثق من ذلك وبارك الله فيككم ، كان هذا امام الجميع كنوع من المجاملة المفيدة التي اعتدنا عليها دائماً والتي من خلالها نبدأ الايجاز، وقف الجميع لتحية آمر جناح الطيران وكان بداية كلامي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته رد الجميع التحية ثم بدأنا الايجاز العام للضربات الجوية على القواعد الجوية المذكورة آنفاً وتم التركيز على تشكيلات الطيران واسلوب الملاحة اثناء الرحلة وطبيعة الطيران في المناطق الجبلية والصحراوية واسلوب التقرب الى الهدف وتدميره واسلوب الطيران في طريق العودة وحتى النزول في القاعدة ،من الامور التي جرى التأكيد عليها ضرورة التقييد بالصمت اللاسلكي حتى الوصول الى الهدف ( لكون ذلك يمكن ان يكشف العملية ونخسر المباغتة وبذلك قد تتعرض تشكيلاتنا الى الدفاعات الجوية المعادية ) ،انهينا الايجاز في الساعة 1100 وغادرنا الغرفة باتجاه غرفة الملابس وتجهيزات الطيران لارتدائها ثم التوجه الى الطائرات في الوقت المناسب حتى لا نتأخر ( كل خطوة محسوبة بالثواني ولا يمكن ان نشتغل في امور جانبية غير محسوبة ولكن نتركها لوقت آخر لان القوة الجوية بكامل جهدها محددة بوقت واحد ).
الملازم الطيار س ر
اثناء تواجدي في غرفة الملابس ارتدى بدلة الضغط وقلنسوة الطيران والمسدس ، وكنت قد اوعزت الطيارين كافة ارتداء ملابس مدنية اسفل ملابس الطيران ( قميص وبنطرون للتخفي اثناء القذف لتغطية الاحتمالات كافة التي قد تواجهنا اثناء الواجب بعضهم كان يلتزم والبعض الاخر لايلتزم كحالة نفسية وفي الحقيقة لم اضغط عليهم بهذا الجانب ) ، اثناء ارتدائي ملابس الطيران لا يجول في خاطري سوى الواجب وكيف سيكون ويجب ان ينجح 100 % قطع تفكيري صوت نحيب صادر من ذات الغرفة تقربت من مصدر الصوت واذا بالملازم س ر وقد اخفى رأسه في خزان الملابس وقد اغرورقت عيناه بالدمع وهو يحاول ان يخفي ذلك تقربت منه اكثر وفجأة احتضنني ليخفي دموعه قائلاً سيدي اريد ان اطير معكم ارجوك لماذا لم تضعني احتياط!؟!
في الحقيقة كان المبدأ ان يطير الضباط القدامى في البداية ثم الضباط الاحداث والاحدث وهكذا حتى يتمكن الجميع من الطيران وبهذا تزداد ثقتهم بالواجبات وتصبح الحالة طبيعية اما اذا سمحنا للاحداث بالطيران في البداية قد تسقط طائراتهم بسبب قلة الخبرة ينتج عنه رد فعل بالنسبة لبعض الضباط الاحداث مما يضعف معنوياتهم وبالتالي تزداد خسائرنا من دون مبرر ( الخسائر التي اعنيها قد تكون بسب سوء تصرف بقيادة الطائرة في ظروف الطيران الصعبة وليس بواسطة اسلحة الدفاع الجوي فقط ) ، وقد اشرت إلى ذلك آنفاً ، لم تكن حالة الملازم سعد غريبة ابداً فقد تكررت امامي في حرب تشرين 1973 وغيرها حيث يتسابق الطيارون للواجبات القتالية كدافع نفسي تربى عليه الطيار يريد تحقيق شئ لوطنه ولذاته لذلك يريد ان يشار اليه بالقوة والكبرياء في عمل لم يستطيع احد غيره تحقيقه وهاهي الفرصة تأتي ولم يريد ان يضيعها ولكن الامر ليس بيده ولكل آن اوان ، ما كان مني في هذا الوقت الضيق إلا ان اربت على كتفه واشكره على شعوره هذا المليئ بالوطنية ووعدته بالطيران في الطلعات القادمة انشاء الله ، ودار بيننا الحوار البسيط الاتي:
- ملازم س ر: هل هذا وعد سيدي.
- مقدم ع : نعم وعد وبارك الله فيك على هذه الروح الوثابة.
- ملازم س ر: سيدي الله معكم يحرسكم ويرعاكم.
- مقدم ع: اشكرك.
من الطريف عندما كنت التقي اللواء الطيار الركن س ر في اثناء زيارتي للقاعدة التي كان يقودها وبعد مرور 20سنة من هذا الموقف اذكره به فيحمر وجهه تواضعاً فهو لايزال ذلك الصقر العراقي ذو الخلق العالي والمعنوية العالية واهلاً للمسؤولية.
التنفيذ
الساعة 1115 يجب ان نسرع قليلاً والا تأخرنا عن الوقت المحدد لخرق الحدود مع ايران والمحدد في الساعة 1200 لاسيما ان الطائرات متفرقة ومتباعدة عن بعضها وهناك احتمال الاعطال التي تحدث قبل الاقلاع مما يتطلب من الطيار تغيير طائرته بأخرى صالحة وهكذا امور كثيرة قد تحدث ينبغي معالجتها والا كان الجهد الجوي المخصص للضربة قليل و لايؤدي الغرض منها ونكون نحن مقصرون تجاه الواجب الذي كلفنا به ، على اية حال الساعة 1125 والطيارين داخل طائراتهم والطائرات جاهزة للتشغيل
( حوالي 24 طائرة سوخوي 22 و12 طائرة ميج 21 ) ، عادةً نطلق تسميات على تشكيلات الطيران للتمييز بينها في الجو وكانت تسميات تشكيلاتنا تأخذ حرف ( الحاء ) نسبةً لقاعدة ( الحرية ) وتم الاتفاق على اسم حميد و ان يكون الحوار باللغة العربية مع السيطرة الجوية وقواطع الدفاع الجوي وباقل مايمكن من الكلام وكما يلي:-
•سيطرة الحرية من قائد تشكيل حميد كيف تسمعني.
•قائد تشكيل حميد من سيطرة الحرية تفضل اسمعك واضح.
•سيطرة الحرية من قائد تشكيل حميد ؟ اطلب التشغيل.
•قائد تشكيل حميد من سيطرة الحرية التشغيل مسموح مع اطلاقة خضراء ( جرت العادة عندما تكون التشكيلات كبيرة ومنتشرة بمساحات واسعة على ارض المطار تبلغ السيطرة الجوية باطلاق طلقة تنوير خضراء لتكون واضحة للجميع وتعني التشغيل).
وكما توقعت اثناء التشغيل نادى اثنان من التشكيل بعطل في منظومة وقود طائراتهم ، اوعزت لهم بتبديل طائراتهم فوراً وفعلاً بدلت احداهما وصلحت الاخرى من قبل الفنيين المتواجدين قرب الطائرات ( اعتدنا اثناء التشكيلات الجوية الكبيرة تشغيل طائرتين اضافية وبنفس حمولة التشكيل مع التشكيل الرئيسي لغرض استبدالها مع الطائرات العاطلة تجنباً للتأخير في التوقيتات ).
الساعة الان 1130والطائرات كافة جاهزة للدرج والاقلاع.
•سيطرة الحرية من قائد تشكيل حميد اطلب السماح بالدرج ؟
•تشكيل حميد الدرج مسموح المدرج المستخدم 330 الريح هادئ مدى الرؤيا 10 كلم الضغط الجوي 730 ملم.
انتظمت الطائرات في طريق الدرج استعداداً لدخول المدرج الرئيسي للاقلاع على شكل تشكيلات رباعية بفواصل زمنية لا تزيد عن دقيقة ( والدقيقة في الجو تعني 15 كلم مسافة ).
•سيطرة الحرية من قائد تشكيل حميد واحد اطلب دخول المدرج للاقلاع.
•تشكيل حميد واحد الاقلاع مسموح تأكد من جهاز التعريف الريح هادئ.
•سيطرة الحرية جهاز التعريف (ON) ( يتم الاتفاق مع السيطرة تنبه الطيارين على فتح جهاز تعريف الصديق من العدو IFF للأهمية ).
اتخذ تشكيل حميد واحد وضع الاقلاع وبدأ فحص المحركات قبل الاقلاع وكل شيء على ما يرام اذن هي الحرب تبدأ من لحظة حركة عجلات الطائرات على المدرج للإقلاع.
تشكيل حميد واحد اضغط الساعة يضغط اعضاء التشكيل الساعة وتنطلق الطائرات الواحدة تلو الأخرى على مدرج المطار، هذا التوقيت يجب أن نحافظ على دقته بحيث نصل الى الحدود في الساعة 1200 وعلى الهدف في الساعة 1230 حسب خطة الطيران.
اقلعت الطائرات وتجمعت التشكيلات على شكل تشكيلات قتال جبلية رباعية تبعاً للمنطقة التي نطير فوقعها (على اعتبارها جبلية ) واتخذت التشكيلات الاتجاه الأول الى نقطة تقع على خط الحدود ( عند قريتي بياره وطويلة ) إلى الشرق من محافظة السليمانية وبفواصل زمنية دقيقة واحدة بين تشكيل رباعي وآخر وبعد هذه النقطة يأخذ التشكيل نقطة اخرى واخرى حتى الوصول الى الهدف هذا الأسلوب في الحقيقة يستخدم في الطائرات التي لا تحوي منظومات ملاحية متطورة مما يسهل على الطيار الوصول الى هدفه بشرط أن يكون دقيق في قراءة الخريطة وحساب الوقت ومتابعة خط الطيران دقيقة بدقيقة حتى لايخطئ وبالتالي يصعب عليه التصحيح.
صمت لاسلكي تام حسب ما اتفقنا عليه وأن أي اتصال غير مبرر قد يجلب انتباه العدو وتضيع فرصة المباغته ، دورياتنا الجوية من طائرات الميك21 المتصدية من السرب47 في مواقعها الاعتيادية كما هو في كل يوم وهي جزء من الخطة للتمويه على العدو ، الطيران طبيعي وكأننا في طلعة تدريبية لا فرق لدينا فقد مارسنا هذا النوع من التدريب كثيراً،يسألنا الكثير من الأخوة والأصدقاء ما هو شعور الطيار وهو يتجه بطائرته الى هدفه هل يفكر بعائلته بأصدقائه بحبيبته.... الخ ،أنا أجيب على هذا السؤال بالشكل التالي:
نحن دائماً في التدريب آمر السرب يلتقي بضباطه يومياً قبل الطيران في أثناء الايجاز الصباحي ويتأكد من الجميع بأنهم في صحة جيدة وقد أخذو كفايتهم من النوم وتناولوا طعام الفطور وحالتهم النفسية جيدة وجرى فحصهم من قبل طبيب الطيران ومع ذلك نحن نسمح لأي طيار اذا لم يرغب بالطيران لذلك اليوم أن يصرح ذلك لآمره وفي حالات معينة قد تكون نفسيه أو معنوية لأن الطيار يجب أن يكون بكامل قواه الصحية المعنوية والفسيولوجية ،اذن الطيار عندما يجلس في طائرته المقاتلة ذات المقصورة الصغيرة التي لاتسمح له سوى تحريك رأسه يميناً ويساراً ويديه وقدميه حركات محدودة لا تتجاوز بضع سنتمترات يكون قطعة واحدة من الطائرة يترك كل شئ خارج هذه المقصورة عائلته أبوية اصدقائه كل شئ ولا يبقى معه في المقصورة سوى شيئين أولهما الله سبحانه وتعالى الذي يلهمه الصبر والتفكير السديد لكي يصل الى هدفه مع زملائه ويدمره وثانيهما الوطن الذي أعده واحتضنه ورعاه لهذا اليوم وعليه أن يقوم برد الجميل وان يجمع قواه كلها وينفذ واجبه بدقة انها حقاً مسؤولية كبيرة وعليه أن يكون اهلاً لها ومنه يجب أن لا ينشغل بأي شئ سوى واجبه واذا اردت ان اتكلم عن نفسي كطيار هجوم أرضي أقول ان الطيار بطائرته يكون مثل الرمح لا يهدأ له بال الا بعد أن يغرس في قلب العدو ويقتله ، على اية حال هاهو حوض محافظة السليمانية أمامنا ولم يبق سوى دقائق لخرق الحدود العراقية الايرانية.
الساعة 1200 ونحن في الموقع الصحيح وها نحن نخرق الحدود العراقية الايرانية عند قرية ( بيارة وطويلة ) هذا التوقيت في حقيقة الأمر الاشارة الى قطعاتنا البرية بأن تبدأ تقدمها لاحتلال أهدافها المحددة لها اذن هذه البداية وهذه هي ساعة الصفر التي طالما العراق حذر منها كثيراً.
وفق الايجاز وعند هذه النقطة تتجه التشكيلات الى أهدافها ( القواعد الجوية ، شاروخي ، همدان ، سنندج ، سقز) كان معي في التشكيل الأول النقيب سلام النعيمي والملازم الأول الشهيد عادل دعدوش والملازم الأول س أما التشكيل الثاني فكان بقيادة الرائد الطيار م والتشكيل الثالث بقيادة الرائد الطيار الشهيد محمود رشيد والهدف كان قاعدة شاروخي الجوية.
هاهي جبال زاجروس العمودية على خط الطيران والتي تسبب لنا صعوبة في التخطي من الرادارات المعادية بعيدة المدى ومع ذلك كلما نجد فرصة للتخفي من كشف العدو نستثمرها بسرعة لصالح التشكيل ، لاحت لنا مدينة سنندج الايرانية الى يسار التشكيل ، الوقت يمر بطيئاً وسرعتنا الحقيقية 800 كلم/ساعة وارتفاعنا المؤشر حوالي 3000 متر عن مستوى سطح البحر والحقيقي امتار معدودة فوق قمم الجبال وبين حين وحين أشعر بذبذبات الرادارات الايرانية وهي ترتطم بطائرتنا وقبل أن تعود لمحطاتهم الارضية نكون قد أخفينا التشكيل أسفل كشف راداراتهم وبهذا تضيع فرصة تسقيط مسار تشكيلاتنا وبالتالي ضياع فرص مقاطعتها ، كان الحل الأمثل هو الاستمرار بتشكيل قتال جبلي والانحدار دون قمم السلاسل الجبلية العمودية حتى يتهيأ للبعض بأننا سنرتطم بالسطوح الجبلية العمودية وفجأة نسحب الطائرة وننحدر مرة ثانية لاستقبال السلسلة الثانية وهكذا حتى نهاية هذه السلاسل اللعينة التي يذكرنا التاريخ أن أقواماً من الكوتيين قدموا منها في 02120 ق م) وسيطروا على وادي الرافدين حيث طردهم الزعيم السومري ( اوتوحيكال ) شر طردة ومن دون رجعه وهذه هي حرب التحرير الأولى للعراقيين القدامى .
لاحت لنا عن بعد صحراء لوط وقد استبشرت بها كثيراً ويفترض على العكس أن اتشائم لأن الصحراء تكشف التشكيل تجاه متصديات العدو ولكن بالمقابل يمكننا في الصحراء أن ننحدر دون الكشف الراداري ويستقر طيراننا على الأقل ثم بالامكان فتح التشكيل على شكل تشكيل قتال صحراوي مما يسهل المناورة ويحقق أفضل سبل التعاون بين أعضائه أما عن الطيران الواطئ فقد عملنا على تدريب طيارينا على أقل طيران ممكن ( 15-50 متر ) وبتركيز عال وعلى هذا الأساس كان طيراننا على ارتفاع أقل من ( 50 ) متر فوق سطح الأرض وسرعتنا 800كلم/ساعة أما ارتفاعنا عن مستوى سطح البحر فكان حوالي 1200 متر مما يدل على أن هذه الصحراء هي بمثابة هضبة تمثل معظم مساحة ايران.
الطيران لا يزال مستقراً ولحد الأن لا توجد أيه مشاكل فنية أو تعبوية – لم يبق سوى(5) دقائق عن الهدف وكان ندائي الوحيد بعد صمت طويل ( تشكيل حميد واحد تأكد من مفاتيح الرمي مفتوحة ، زد السرعة) كنا قد اتفقنا على هذه التفاصيل وأن تكون السرعة 900 كلم/ساعة حتى الوصول الى الهدف. لاحت في الأفق ملاجئ الطائرات أولاً ثم برج السيطرة الجوية الذي كان يرتفع عن الأرض حوالي 15-20 متر حسب تقديري له ، كنا قد اتفقنا بأن يكون نداء القصف ( الله أكبر) وبصوت عال في الحقيقة عند ذكر لفظ الجلالة خلال الطيران كان ذلك يعطي دفعاً ومعنوية عالية للطيار وتنسيه كل شئ ويصبح كتلة من النار وقطعة واحدة من الطائرة يخر كالشهاب الساقط يضئ عيون الأعداء بضوئه الساطع ويطفئ نار الغضب في قلوب الخيرين من المجاهدين في سبيل الله والوطن بعد تدمير الهدف ومنع المعتدين من التفكير في التعرض لقواتنا وأرضنا الخيرة الطيبة أرض الرسالات و النبوة ،التشكيل يقترب من قاعدة شاروخي ولم يبق سوى أقل من دقيقة لنكون في موضع الرمي الصحيح بدأت تلوح أمامنا اطلاقات مدفعية مقاومة الطائرات المذنبه الكثيفة المنتشرة حول القاعدة وصواريخ رابير ضد الجو حيث بدأت هذه الاسلحة تطلق حممها باتجاه طائراتنا ولكن بشكل عشوائي لأن التشكيل لا يزال بعيداً عن مدى الرمي وهذا احد مبادئ الدفاع الجوي التي من خلالها يهدف الى منع تنفيذ الضربة الجوية.
لاحت لنا قاعدة شاروخي بمدارجها الثلاثة المتقاطعة وطرق الدرج وملاجئ الطائرات وقد بدت لنا تختلف عما كنا قد خططنا لها ( انها أوسع بكثير من المخططات التي ارسلت لنا ضمن خطة العمليات وقد تبين لنا أن العدو قام بتوسيع القاعدة تحسباً للضربات الجوية المعادية حيث الانتشار يحقق حماية سلبية جيدة للقاعدة وطائراتها ومعداتها ) في الحقيقة لم الاحظ أية حركة في القاعدة على الاطلاق وهذا يعني أن هناك نوايا مبيتة للعدو بشن ضرباته الجوية ضد قواعدنا ومواقعنا الحيوية ولولا حفظ الباري والهامه لقيادتنا بشن الضربة قبل العدو لكان من المحتمل ان يقوم العدو بها ويدمر طائراتنا على الأرض خاصة اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان الكفاءة النوعية لقوته الجوية أكثر من ضعف قوتنا الجويه ( هذا كان في بداية المعركة وقد تعادلت النسبة خلال الحرب و تفوقت على القوة الجوية الايرانية بكثير في نهاية الحرب ) .
على أية حال بدأنا بمهاجمة المدارج وطرق الدرج على شكل زوج من الطائرات كل زوج عليه معالجة المدرج الرئيسي وطريق الدرج وتشكيل بعد اخر.. كان كل تشكيل يهاجم الهدف ينادي باعلى صوته الله أكبر الله أكبر ويدخل داخل كرة النار التي تغلف القاعدة ويلقي بحممه على الهدف فيحيله ركاماً وحفراً واسعة وفي حقيقة الأمر شاهدت قنابر طائرتي وهي تسقط في الثلث الأول ووسط المدرج الرئيس وكذلك قنابر رقم ( 2 ) من تشكيل الملازم س وقد شكرني على الضربة النقيب سلام النعيمي قائد الزوج الثاني بكلامه (عاشت ايدك سيدي) وهكذا كلاً ينادي الآخر، وهكذا بالنسبة لتشكيل حميد رقم ( 2 ) و( 3 ) على التوالي ،غادرت تشكيلاتنا الهدف بسلام وشعرت بالارتياح التام وأنا في طريق العودة وارتفاعنا 20-30 متر وسرعتنا 1000 كلم/ساعة لحين مغادرتنا منطقة القاعدة والمحددة بحوالي 50كلم.
بعد الابتعاد عن القاعدة عاد التشكيل الى هدوئه واوعزت لهم بتقليل السرعة
الى 800 كلم/ساعة حتى الحدود الدولية حيث استقبلنا من قبل متصدياتنا المتواجدة قرب السليمانية وناداني أحد الطيارين من السرب 47 نقيب طيار ع والذي كان في واجب الدورية ( حمداً لله على السلامة سيدي) وأجبته الله يسلمك ، ثم لاحت لنا قاعدة كركوك عن بعد وعند التحويل على الذبذبة المحلية للقاعدة ناداني الاخ آمر القاعدة من برج السيطرة الجوية.. ( بارك الله فيكم والحمد لله على السلامة) اجبته شكراً سيدي.
كانت طائرات السرب المتصدي على الأرض قبلنا لكون الواجب كان قريب نسبياً وصادف أن فقدت احدى طائرات السرب المذكور بسبب الدفاعات الجوية المكثفة في منطقة الهدف( قاعدة سنندج ) وأسر الطيار الملازم ر وعاد من الأسر في عام 1990 ، لقد استقبلنا من قبل الأخ آمر القاعدة والضباط والمهندسين بالاحضان وهم يرددون بارك الله فيكم ، أن هذه اللحظات لااستطيع وصفها بالدقة الوصفية فهي تعبر عن الاصالة والمحبة والطيبة التي يتمتع بها العراقيين في لحظات الانتصار ضد الاعداء ، اذن هذه هي الضربة الجوية الشاملة الأولى اردت أن أذكر بعض تفاصيلها لكونها تحوي على العديد من الدروس والعبر هي ذكرى اعتز بها ولا انساها أبداً ما حييت ، لقد استطعنا من خلال التعاون المشترك ما بين القاعدة والجناح والأسراب أن تقوم بتنفيذها على افضل وجه بدون مشاكل وكأننا في ضربة جوية تدريبية بالرغم من صعوبتها ، كررنا الضربة في اليوم نفسه ثلاث مرات ولكن بعدد طائرات أقل ( 4-6 ) وفي الطلعة الثالثة كان للملازم الطيار س ر ، دور في التفيذ وكله ثقة بنفسه ولما عاد مع قائد تشكيله النقيب الطيار م جاءني مهرولاً سيدي أشكرك كانت الضربة موفقة سألت النقيب م عليه قال نعم سيدي كان غاية في الدقة والامانة في التنفيذ ، بارك الله بطياري الهجوم الأرضي والمتصديات الذين اثبتوا اصالتهم أنهم أبناء بررة يذودون عن حياض الوطن غير مبالين بمنفعة شخصية سوى الدقة في التنفيذ .
الفريق الأول الركن الطيارالشهيد عدنان خير الله وزير الدفاع يهنئ ويستفسر عن الضربات الجوية للقاعدة لهذا اليوم ( 22 ايلول 1980)
في الساعة 2030 أتصل هاتفياً الفريق الأول الركن الطيارالشهيد عدنان خير الله بالأخ آمر القاعدة مهنئاً بسلامة تشكيلاتنا كافة ومستفسراً عن الضربات الجوية لهذا اليوم فما كان لأمر القاعدة الا أن قال لسيادته: ( سيدي لو تسمح تتكلم مع مقدم ع ، ليوضح لسيادتك ماهية هذه الضربات... ) وبعد أن حييت سيادته ، قال الحمد لله على سلامتكم والله يحفظكم ، وضحك معي بلطف مجاملاً ( يعني شلون احنا مع كلية الأركان؟ ) قلت لسيادته أولاً أنا أشكر سيادتك على الموافقة وثانياً الأركان تأتي بوجودك سيدي ونحن الأن في وضع أهم بكثير من دخولي كلية الأركان ، لو تعلم سيادتك كم أنا سعيد ومسرور وأنا أطير مع ضباطي أعلمهم سياقات الطيران في مثل هذه الظروف الدقيقة للواجبات الحقيقية التي معظمهم لم يعتاد عليها وانشاء الله تسمع دائماً اخبارنا الطيبة اجابني بارك الله فيكم وهذا ليس بغريب عليكم فأنتم الطيارون تتسمون بالدقة والحرص والانضباط العالي والتضحية في سبيل المبادئ ، سألني عن التنفيذ لهذا اليوم شرحت له التفاصيل الدقيقة كافة للواجبات وما هو دور كل طيار في الواجب واندفاعهم والتزامهم العالي في التنفيذ ، شكرني مرة أخرى وأثنى على الجهود المبذولة وكلفني بايصال تحياته الى الطيارين كافة ، كان آمري الوحدات يسمعون هذا الحوار الذي يدور بيني وبين السيد وزير الدفاع وهم في غاية السرور والامتنان لسيادته وفي الحقيقة كان لوقع المكالمة هذه أثر بالغ في شحذ هممنا خاصة ونحن نعلم ان السيد الوزير يتابع سير عمل القوة الجوية أول بأول واستطاع بفترة قصيرة أن يقف على متطلباتها كافة بعد أن شاركنا في التدريب والواجبات القتالية وتفهم تفاصيل الاداء الدقيقة ودور وأهمية هذا السلاح الخطير اذا ما أحسن استخدامه...
ملاحظة 1 عن حوار السيد وزير الدفاع معي
كنت قد التحقت بكلية الاركان بعد حصولي على موافقة السيد وزير الدفاع ولم يمضي اسبوع وقامت الحرب مع ايران مما عدت الى قاعدتي واجلت دورة كلية الاركان لحين تحسن موقف الطيارين وقد التحقت بها ثانيتاً عام 1982 .
ملاحظة 2
في ذات الوقت ساهمت كافة قواعدنا الجوية في الضربة الجوية الشاملة الاولى وبلغ عدد الطائرات المساهمة حوالي 200 طائرة شملت اهدافها كافة القواعد الجوية الايرانية بهدف منع ايران من اشراك طائراتها ضد اهدافنا الحيوية .
731 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع