المدى:إنه لشرف لي أن أخاطبكم.. وكم وددت لو أن هذه الأعوام المئة تعينني للوصول إليكم والاجتماع بكم والاستئناس بوجوهكم وكلماتكم..
بغداد أيها الأحبةُ جوهرة من جواهر العصر.. ربما تمرض.. تتعب.. تئن.. لكنها لا تشيخ.. فزمن المدن العظيمة مغاير لتفسيرنا للزمن..
المدن تمتلك روحها.. وهي روح يمكن تلمّسها.. شمها.. الشعور بها.. بكل مكان.
بغداد عزيزة وغالية.. عندما غادرناها مضطرين قبل عشرات من السنوات عرفنا ان شيئا من ذواتنا علق هناك على ضفاف دجلة.. في الأزقة.. والمقاهي.. والشناشيل.. والساحات..
عرفنا ان شيئا من بغداد كان معنا.. نما معنا كأبنائنا. كبرنا.. وشخنا.. وهذه المئة تمضي.. لكن ذلك الشيء، ذلك الجزء من بغداد لا يكبر.. لا يشيخ.. يتوحد بأحلامنا.. بلهجاتنا.. بطريقة تفكيرنا.. يتسلق جدران منازلنا.. يتحول الى شمس عراقية حانية ودافئة في أيام الشتاء القاسية.. والى نسمة من دجلة في أيام الصيف..
المدن تشارك فينا.. وتختم على أرواحنا بصمتها. لكن ليس كل المدن تفعل ذلك.. بعض المدن فقط.. وبغداد منها.
العمارة في جوهرها تنتمي الى تلك العلاقة الحميمية مع المكان والتاريخ والوظيفة والبشر.. ذلك المكان الذي يمنحنا جزءاً منه... يحتاج دائماً الى أن نفكر من أجله.. ان نبدع من أجله.. وان نفتخر بانتمائنا إليه..
من المؤسف أن بغداد تتعرض الى تشويه لذاتها وصفاتها منذ عقود.. من المؤسف ان العمارة لم تكن دائماً تنتمي الى تلك العلاقة الأصيلة مع النهر والضفة والروح الساكنة بينهما.
أوصيكم ببغداد.. استمعوا اليها.. أصغوا الى صوتها كثيرا.. ستكتشفونه في حركة الشجر والنخيل.. في دفق ماء النهر.. في الضحكات الصافية.. تأملوا لونها.. تجدونه في الطابوق.. في الخشب.. في زرقة الماء.. في سمرة الأهل.
«ديوان الكوفة» ينتمي الى بغداد.. بكل إرثه وتراثه والتاريخ الذي سجل فيه على امتداد عقود.. ولهذا أطالب بعودة ديوان الكوفة الى مكانه الطبيعي في بغداد.. ولأن السنوات المئة لا تسعفني للقيام بهذه المهمة بنفسي، كلفت ولدي العزيز كنعان مكيّة بالعمل معكم على هذا الأمر.
لكم مني أيها الأصدقاءُ والأبناء والأحفاد كل المحبة والتقدير والعرفان.. اعتنوا ببغدادَ لتعتني بغدادُ بكم.. اعتنوا بالعراق الذي منحنا الكثير، رغم كل الأوجاع..
*الكلمة التي بعثها المعماري الكبير محمد مكية للمحتفين به
714 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع