طيارين الدورة الاولى مع وزير الدفاع نوري السعيد
نسورنا ابطال في اجوائهم احياء في استشهادهم ...شهيد في ذاكرة طفل
بقلم/هادي خماس
لاتعجبوا ان راوي هذه الذكريات كان طفلا في العام الثامن من عمره وهو الان قد اشرف على التسعين ، لاتعجبوا أذ لم يكن في طفولتنا ما يلهينا عن التركيز فكرياً لمستقبلنا من مخترعات يومنا هذا والتي تخرب العقول ولاتنميها ، آباؤنا كان كل همهم واهتمامهم لهم ابناء يجيدون قراءة القرآن واطفال يتمنون ختم القرآن من فاتحته الى معوذاته ، فألاب يتباهى والابن يفتخر،وللوصول الى ما يريد ه الاباء أرسلونا الى الكتاتيب (الملالي) وكان مصيري أنا الطفل هادي خماس (الملا صالح رحمه الله تعالى) وهو الوحيد بين ملالي بغداد يطلب أن تكون الحركات بالفتحه (لابالزبر)والكسره (لابالزير) والضمه ( لابالبيش) وبين حرص هذا الملا عليّ وقسوته ختمت المصحف الشريف سبع مرات ، ودخلت المدرسة مجيدا للقراءة والكتابة ، وفي طفولتي ذكريات ، والذكرى في الصغر كالنقش في الحجر ولكي أكون واضحاً وفي طفولتي ذكريات.. لابد من وصف المنطقة التي استقر فيها الشهيد رحمه الله تعالى في مثواه الاخير وصولاً الى قبره الطاهر .
أنا من محلة سور بغداد الشهير في منطقة باب المعظم ، وكانت خارج السور ثلاثة معالم مشهورة.. الاولى مقبرة الاوغاد الغزاة (الانكليز)..
والثانية مقبرة الشهداء الاتراك والثالثه مقبرة باب المعظم العامه والمقابلة لمقبرة الشهداء الاتراك ، وبينهما شارع يوصل الى نهر دجلة ، وهذين المعلمين الاخيرين يقعان في منطقة عرفت بالعيواضيه او (العلوازية )..
ومما أذكره أن هذا الشارع يوصلني الى دار الملا صالح والواقع على نهر دجلة في منطقة تعرف (بالدُگرْمان)وشهيدنا مدفون في الزاوية البعيدة من المقبرة العامة والتي تطل على الشارع المذكور ولا أظن ان القبر قائما الى يومنا هذا .
ولزيادة التعريف بالمنطقة ، انشأت في ذلك الوقت حديقة واسعة على شارع الامام الاعظم في الجهة المقابلة للمقبرتين وسميت (حديقة المعرض )..
نسبة الى اقامة اول معرض صناعي وزراعي على ارضها في زمن الملك فيصل الاول (رحمه الله تعالى ) ، وهي حديقة فريدة في تنظيمها ..جميلة في خضرتها ..مريحه في مقاعدها المنتشرة هنا وهناك وهذه الحديقة وبحق مكتبة طبيعية يرتادها الطلاب للقراءة والمراجعه لدروسهم وأجزم أن اكثر علماء وكتاب وشعراء واطباء ممن تنقص بيوت سكناهم الانارة والراحة أعتادوا على التردد الى الحديقة لاعادة وحفظ ما تعلموه من اساتذتهم الاجلاء الحريصين والمجدين على تعليمهم ، ويقع موقع الحديقة المذكورة شمال منطقة السور باتجاه الاعظمية والى الكرنتينة وتحوي الان دائرة صحة بغداد والى الفرع الموصل الى المتوسطة الغربية ، وبعد انشاء العقارات فيها مثل المكتبة المركزية ووزارة الخارجية تم نقلها الى الكرنتينة في موازات شارع الامام الاعظم.
والان اعود الى ذكرياتي حول أستشهاد طيارنا الشجاع الملازم الاول الطيار ناطق محمد خليل الطائي،فالقدر جعل العراق البوابة الشرقية للامة العربية وحّمل العراق مسؤولية الدفاع عنها من الغزاة الذين يطمعون في ثرواتها التي انعم الله تعالى عليهم بها .. وللقيام بهذه المسؤولية الكبرى أسس الجيش العراقي الذي هو عز الامه ومفخرة أبنائها ..
وفي هذه الحالة لابد من تعزيز الجيش بقوة جوية تحمي أرضه وسماءه ولتأمين ذالك اسست القوة الجوية العراقية في 22 نيسان 1931 حيث اصبح هذا اليوم تاريخاً وعيداً يحتفل به العراقيون كل عام فخرا و اعتزازا كعيد من اعياد الامه وكما ذكرته المصادر التاريخية .
لقد كان الشهيد الملازم الاول الطيار ناطق محمد خليل الطائي ضمن النواة الاولى في تأسيس هذه القوه ارسل الى انكلترا ومعه ست من الطيارين في كلية الطيران (كرانويل ) ، تخرجو في آب 1929 ، برز طياراً وطنياً شجاعاً مقداماً لا يبخل أن يجود بنفسه في سبيل الوطن وسما شهيد في حركات برزان في شمال الوطن بعد ارتطام طائرته جبسي موث يوم 19 نيسان 1932 المصادف 12 ذي الحجة 1350 ثالث ايام عيد الاضحى وهو تاريخ على ما اذكره جيداً ليس بعيداً عن شهر محرم الحرام .
لقد كان يوم استشهاده يوما مشهوداً خرجت بغداد عن بكرة أبيها نادبة باكيه بخسارة الجيش العراقي بطلا من أبطاله سباقا في التضحية والفداء بين اقرانه.
ان ذكرياتي.. عن هذا كنت يومياً وفي طريقي الى مقر الملا صالح أقف أمام قبره واذكر جيداً العباره التي كتبت على قبره الطاهر وتنص على
كنت طياراً جريئاً شرفي في الجندي بادي
سقطت طيارتي بيَ وهي في حرب الاعادي
ناطق كاسمي في الخدمة قصدي ومرادي
انا ان مت شهيداً الا فلتحيا بلادي
ومن ذكرياتي ..ساهم الشعراء الشعبيون في ذكر بطولاته وشجاعته في قصيده لا اذكر قائلها ولا اعرف مصدرها ... ومطلعها يقول وكما سمعته في حينه في مواكب عاشوراء
الاهي أبسورة الدخان فكنه من حرب برزان
ناطق ثارت طوابه والطياره مچنت صوابه
دزو أتيول لصحابة
الاهي أبسورة الدخان فكنه من حرب برزان
مع ملاحظة ان القصيدة تلفظ (ابصورة الدخان ) وليس سورة الدخان
وكانت كما اذكر جيداً هذه المواكب تردد باكيه حزينه هذه الابيات في نفحة حزائنيه مثيره للالم.. والبكاء ..والحسره .
أن مشاركة المواكب في الفاجعة هذه اكدت بشكل واضح وصادق على ان العراق شعباً متلاحم متماسك يحب بعضه البعض اشقاء في السراء والضراء لا يفرق بينهم مفرق .
حيا الله هذا الشعب الذي احب جيشه الذي هودرع الامه وسيفها المشهور هذا الجيش الذي انجب لنا ابطالاً اسشهدوا دفاعاً عن الامه والوطن ..و أول هؤلاء الشهداء من قواتنا الجويه شهيدنا البطل الملازم الاول الطيار ناطق محمد خليل رحمه الله تعالى واسكنه فسيح جناته ...
هادي خماس
28-4-2014
1175 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع