جميلة - قصة من مدينة الاسرار مدينة بغداد، بدأت احداثها في نهاية الدولة العثمانية/ ح٧

جميلة - قصة من مدينة الاسرار مدينة بغداد، بدأت احداثها في نهاية الدولة العثمانية/ ح٧

صحة جميلة كانت لا باس بها لكنها كانت تحب المقويات كثيرا جدا والمقويات باللهجة البغدادية تعني الفيتامينات وكان الابن الثالث لأخيها الشيخ احمد كمال يعمل طبيبا ً و كلما جاء لزيارة البيت الكبير كان يحمل معه كمية لا باس بها من المقويات وكان يشرح لها طريقة الاستعمال وكذلك يكتب على كل علبة وجميلة كانت تقرا بشكل مقبول لكنها كانت لا تكتب وتعرف تكتب الأرقام فقط , وبالنسبة للأمراض فإنها كانت تتعالج بشكل عام بالأعشاب المختلفة..

واذا ما أصابها مرض ولم تفلح الأعشاب بعلاجه كانت تأخذ ابرة بنسلين وكانت ابر البنسلين في ذلك الوقت منتشرة كثيرا بين الناس وقد احدث اختراع البنسلين في نهاية العشرينات ثورة في عالم الادوية وكان البنسلين علاج للكثير من الامراض وكانت عُدة زرق الابر مصنوعة من المعدن وتوضع في علبة معدنية مستطيلة يتم ملء العلبة بالماء و تغلى العلبة على النار مع السرنجة قبل كل استعمال لتعقيمها والعُدة المكونة من أنبوب السائل وابر مختلفة الأحجام , وكان هناك اشخاص في كافة انحاء بغداد يقومون بزرق الابر مقابل مبلغ خمسين فلس 

جميلة كانت تشرب الحليب يوميا لكنها كانت تعاني من حساسية قوية من الحليب تصيب رجليها من تحت الركبة الى القدمين وفي بعض الأحيان تصيب الحكة ساعديها وتبقى تحك رجلها وساعديها طول الليل حتى ينزل الدم ولم تكن تصدق بان تلك الحساسية من الحليب لأنها كانت تعتقد بان الحليب مقوي للجسم وبقيت الى اخر يوم من حياتها تشرب الحليب.

جميلة تحب الأطفال كثيرا لأنها حرمت من الزواج بسبب النصيب كما كان متداول في ذلك الزمن وكانت تخيط الملابس لأطفال العائلة إضافة الى أطفال الخدم الذين يعملون في البيت , ومن الخدم القريبين من جميلة كان العبد رسن وهو اسود اللون قوي البنية مبتسم متفائل دائما نظيف جدا يؤدي صلاته في اوقاتها و كان يعمل عدة اعمال حيث بدأ في نهاية العشرينات برعاية البقرة في البيت عندما كانت لديهم بقرة وعلى عادة الناس في فترة العشرينات والثلاثينات في بغداد هي تربية ابقار في حدائق البيوت الواسعة للحصول على الحليب عندما لم يكن الحليب يباع في الأسواق وبعد انتهاء عصر البقرة والاستغناء عنها لتوفر الحليب في الأسواق عمل رسن سائس لخيل الشيخ احمد كمال حيث كان يستلم الفرس من السائس العسكري الذي يرافق الشيخ احمد كمال يوميا ً من البلاط الملكي في الكسرة الى البيت في العيواضية ويعود السائس العسكري في اليوم التالي ليأخذ الحصان من رسن وبعد تحول الشيخ احمد كمال من ركوب الخيل الى ركوب السيارة

في فترة الملك غازي تحول رسن الى المساهمة في تنظيف البيت وشراء الاحتياجات من السوق وفي الأعياد كان رسن يقوم بإحضار ملالي لقراءة القران على أرواح موتى العائلة في مقبرة باب المعظم ويدفع لهم مبلغ معين ,

وكان الشيخ احمد كمال قد رفض استعباد رسن منذ ان اهداه إياه احد الاعيان في بغداد عندما كان يسكن في محلة راس الكنيسة في بداية العشرينات واعتبر الشيخ احمد كمال استعباد رسن حرام , ومن اول يوم دخل بيته قال له انت حر واذا عملت عندي فسيكون مقابل اجر فوافق رسن وتعلم من الشيخ احمد كمال آداب العائلة والصلاة وكان في بداية العشرينات من عمره وقام الشيخ احمد كمال بتزويج رسن ودفع تكاليف الزواج ومساعدته في اعاله أبنائه وادخالهم المدارس ومع مرور الزمن ساهم أبناء الشيخ احمد كمال في توظيف أبناء رسن في وظائف حكومية جيدة وبقي رسن يزورهم وجميلة ترعاه الى ان بلغ من العمر الخامسة والسبعين عاما فتوفى واختفى من حياة العائلة وبقي أبنائه على علاقة مع أبناء الشيخ احمد كمال ,والعبودية في بغداد انقرضت فعليا منذ زوال الدولة العثمانية وانسحاب الجيش العثماني من العراق لان اهل بغداد بتاريخهم العريق واعتزازهم بكرامتهم يحترمون حرية الانسان ويرفضون استعباد الانسان لأخيه الانسان وقد كان في بغداد قبل زوال الدولة العثمانية عبيد من مختلف الاجناس والألوان جاءوا مع الحروب والغزوات التي كان يقوم بها العثمانيين في انحاء العالم ولان العثمانيين كانوا امتدادا للدولة العباسية فقد بقيت ثقافة وتقاليد ونظام دولتهم امتدادا للدولة العباسية لغاية انقراض دولتهم وتحول تركيا الى الجمهورية علمانية.

من نتائج الحرب العالمية الثانية صراع الدول الكبرى المنتصرة في الحرب على مصادر الطاقة في العالم هي نشوب حرب البترول بين الاتحاد السوفييتي وامريكا وبريطانيا وقد فشل الاتحاد السوفييتي في الاستحواذ على البترول الإيراني فاكتفى بما حصل عليه من بترول الدول التي احتلها خلال فترة الحربين العالميتين الأولى والثانية وضمها اليه تحت اسم الاتحاد السوفييتي كأذربيجان الغنية بالبترول وغيرها من الدول لكنه عينه كانت على المياه الدافئة الغنية بالبترول , واستمرت حرب السيطرة على البترول بين بريطانيا وامريكا فالعراق بدأ منذ نهاية الاربعينات يطالب بمناصفة الأرباح مع شركات البترول رافقه مطالب المملكة العربية السعودية لكن الذي فجر الموقف قارا البرلمان الإيراني في الشهر الأول من سنة 1951 عندما صوت على تأميم البترول فرفض رئيس الوزراء الإيراني حين ذاك رزام ارا تنفيذ قرار البرلمان فقتله احد مؤيدي قرار تأميم البترول..

وتم انتخاب محمد مصدق الذي طبق قرار التأميم وهرب شاه ايران وزوجته الى العراق وقامت بريطانيا بفرض حصار عسكري واقتصادي شامل على تصدير البترول الإيراني وعلى منع ايران من استيراد أي مواد من الخارج واستمر الحصار لغاية 1953 وقد قامت البحرية البريطانية بمحاصرة مدينة عبادان التي كان فيها اكبر مصفى للبترول في المنطقة وقامت شركات البترول البريطانية بزيادة انتاج بترول العراق والكويت والسعودية لتعويض النقص في سوق البترول , وفي سنة 1953 قامت المخابرات البريطانية والأمريكية بانقلاب على حكومة محمد مصدق ودخلت ايران في دوامة جديدة مع شركات البترول .
توجست أمريكا خوفا من فقدانها موارد البترول في الشرق مع بداية سنة 1951 في اعقاب قرار البرلمان الإيراني بتأميم البترول الإيراني فقامت أمريكا بتوجيه ضربة قاسية الى بريطانية حين وافقت شركات البترول الامريكية في نهاية مفاوضات صعبة على طلب المملكة العربية السعودية بمناصفة الأرباح مع شركة أرامكو , وعقدت كذلك اتفاقية مناصفة الأرباح مع الكويت , اما العراق فقد بدأ موضوع مناصفة الأرباح مبكرا في سنة 1948 بمفاوضاته مع شركات البترول التي كانت تمتلك حق الامتياز والتنقيب في أراضيه بناء على مناقشات البرلمان العراقي للموضوع وقراره بضرورة مناصفة الأرباح وكانت مفاوضات صعبة مع شركات البترول الأجنبية والتي كانت لبريطانيا الحصة الأكبر في البترول وتم التوقيع على اتفاقية تقاسم عائدات البترول بين الحكومة العراقية وشركات البترول في سنة 1951 الا ان مجلس النواب العراقي لم يوافق على الاتفاقية الا في شهر شباط سنة 1952 , لكن خلال السنتين الاوليتين لقرار مناصفة الأرباح قامت بريطانيا باتباع سياسة عدم الدفع للعراق في الأوقات المحددة والدفع لأدنى مستوى والتأخير في الدفع والمماطلة ولكن العراقيين كانوا السباقين في طلباتهم المستمرة شهريا لاستلام عائدات البترول..

وقام رئيس الوزراء نوري السعيد بالاتصال مع بنك الاعمار الدولي بهدف استغلال واردات البترول في الاعمار فارسل بنك الاعمار الدولي في شباط 1951 خبراء في كافة المجالات للعراق وتم وضع برنامج اعمار لكافة انحاء العراق وعمل المخططات والتصاميم للمدارس والمستشفيات والجسور والطرق والسدود والقطارات والمطارات بما يتناسب وحاجة السكان وتوفر المواد الأولية وقربها من طرق المواصلات وحالة الطقس وتوفر المياه وقد قامت لجنة بنك الاعمار الدولي بوضع هيكلية مستقلة موازية للحكومة العراقية ولا ترتبط بها وارتباطها برئيس الوزراء ووزير المالية ..

وتم تنفيذ تلك الهيكلية بتأسيس مجلس الاعمار الذي قام بتنفيذ تلك المشاريع وقد قامت الحكومة العراقية بوضع كل واردات البترول العراقي في صندوق خاص لتنفيذ مشاريع الاعمار ومن جانب اخر جرى تمويل الميزانية لدفع الرواتب والأجور من مصادر الزراعة والصناعة والضرائب والسياحة .
وشهد العراق نهضة كبيرة في كافة المجالات قد اذهلت العالم فتم ارسال الاف الطلبة وموظفي الدولة وضباط الجيش والشرطة الى أوروبا وامريكا للدراسة والتدريب وتطور انتاج البترول وتم استيراد المصانع والأجهزة الحديثة وبناء الاف المدارس والمستشفيات والطرق والجسور وقطارات نقل الركاب والبضائع ومحطاتها في كافة انحاء العراق , وفي تلك الفترة زاد الطلب على البترول عالميا مما أدى الى زيادة الإيرادات المالية للعراق والذي أدى الى رفاه اجتماعي وما ان استقر الوضع الاقتصادي وارتفع المستوى المعاشي للعراقيين واحتكاك العراقيين بالعالم العربي والاوروبي واظهارهم براعة كبيرة في مختلف المجالات حتى تكالبت عليهم الدول لسرقة مواردهم والتآمر عليهم وكانت تلك الفترة تشهد صراعا دوليا كبيرا بين المعسكر الشيوعي والمعسكر الغربي وبداية الحرب الباردة وانعكس ذلك على كل دول المنطقة ,

فحدث انقلاب عسكري مفاجئ في مصر بدعم من الاخوان المسلمين وأعلنت الجمهورية وتم ابعاد الملك فاروق الى خارج مصر واستلم جمال عبد الناصر الحكم واصدر قرارات التأميم العديدة منها تأميم قناة السويس الذي قامت على اثره بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بعدوان عسكري ضد مصر قد استغله جمال عبد الناصر لحشد الشارع العربي الى جانبه وسادت موجه المد القومية وانقسم الشارع العربي الى قومي إسلامي من جهة والى شيوعي ملحد من جهة ثانية وقام المعسكر الغربي الذي هو بالأساس الاستعمار القديم للمنطقة بتمويل ودعم التيارات القومية والإسلامية لمحاربة المد الشيوعي الاشتراكي السوفييتي واستغلال القومية العربية والدين الإسلامي وتحول تدريجيا طرفي الصراع في المنطقة عموما والعراق خصوصا الى تطرف وغلو فالشيوعيين زاد الحادهم وانتشرت مقولة الدين افيون الشعوب وتم تفسير تلك العبارة بشكل خاطئ عن ما كان المقصود منها وتطرف الفكر القومي كذلك بفعل صراع عبد الناصر حلفاء الامس الاخوان المسلمين ومع الشيوعيين وتشابك الصراع فاصبح عبد الناصر أداة للعالم الرأسمالي ضد الشيوعيين فكان يشحن الشارع العربي بالشعارات القومية الحماسية وامتد الصراع في العالم العربي ليشمل كل طبقات المجتمع حتى البيت الواحد انقسم أبنائه بين المعسكرات الثلاثة القومية والشيوعية والإسلامية في الوقت الذي كانت الدول العربية مستقلة حديثا وبعضها كان ما يزال تحت السيطرة الاستعمارية البريطانية والفرنسية واصبح المجتمع العربي ساحة حرب علنية لكن تأثيرها من حيث القوة والضعف كان متباينا فالعوائل القوية المترابطة تأثرات بشكل طفيف لكن العوائل المفككة او التي أثرت فيها القفزة الاقتصادية فقد جرفها التيار ودخلت الى حلبة الصراع , عائلة الشيخ احمد كمال قد تأثرت بشكل سطحي وبقيت متماسكة الى حد كبير .
الرئيس المصري جمال عبد الناصر أراد تعميم تجربته في إزالة الملكية في مصر على الدول العربية ذات الأنظمة الملكية وبدأ يهدد المملكة العربية السعودية والمملكتين العراقية والاردنية فقام بالتواصل مع ضباط الجيش العراقي والجيش الأردني وشجعهم على تأسيس تنظيم للضباط الاحرار على غرار التنظيم المصري الذي أطاح بالنظام الملكي في مصر وتم بالفعل تأسيس ذلك التنظيم في المملكتين بمساعدة سوريا التي كانت تشهد مدا قوميا مشابها , والغريب ان جمال عبد الناصر اعتمد على الاتحاد السوفييتي في بناء السد العالي ومعظم مشاريع التنمية وتسليح الجيش المصري لكنه في المقابل كان يحارب الشيوعيين تنفيذا لأجنده الغرب ويحارب شركائه السابقين الاخوان المسلمين خوفا منهم , وفي أوج شعبيته في بداية الستينات فقد تدخل جمال عبد الناصر عسكريا في حرب اليمن معتقدا بانه سيؤثر على نظام الحكم في المملكة العربية السعودية وقد خسر الجيش المصري حرب اليمن بعد سقوط مئات الاف الضحايا من طرفي الحرب ومن غرائب الأمور ان جمال عبد الناصر راعي القومية والوحدة العربي وتحت ذريعة محاربة الاستعمار قد ساهم في فقدان سلطنة عمان عاصمتها زنجبار فقد كان الجيش المصري في حرب اليمن وعلى مرمى حجر من أرخبيل جزر زنجبار عاصمة سلطنة عمان قامت بريطانيا بدعم الحزب الافريقي الشيرازي (الإيراني) بمجزرة قتل فيها ربع مليون عماني مسلم وتم سلخ أرخبيل جزر زنجبار من سلطنة عمان وضمها بقوة السلاح الى تنزانيا وكان الجيش المصري القريب من زنجبار يتفرج.

في صبيحة الرابع عشر من تموز سنة 1958 استيقظت بغداد على انقلاب دموي تم خلاله قتل الملك فيصل الثاني الذي لم يبلغ الثلاثة وعشرين ربيعا ً وتم كذلك قتل خاله الأمير عبد الاله مع والدته الملكة نفيسة حرم الملك علي ملك الحجاز وشقيقته الاميرة عبدية بنت الملك علي وبعض الحاشية والخدم، وبعد الانتهاء من تلك المجزرة تم قتل كل الحيوانات الموجودة في قصر الرحاب وهي في اقفاصها , وقد سحلت جثث الأمير عبد الاله ورئيس الوزراء نوري السعيد في الشوارع وتم تعليقها على أعمدة الكهرباء والتمثيل بها، وقام عبد السلام عارف بإرسال اصبع رئيس الوزراء نوري السعيد الى جمال عبد الناصر في علبة خاصة كهدية ودليل على تنفيذ أوامر عبد الناصر , ولم يعثر على قبور العائلة الهاشمية في العراق سوى قبر الملك فيصل الثاني حيث تم دفنه في حديقة مستشفى الرشيد العسكري ونقل جثمانه بعد خمسة وعشرين عاما الى المقبرة الملكية في الاعظمية 

وقد نجا من تلك المجزرة الاميرة بديعة شقيقة الأمير عبد الاله وزوجها الشريف حسين بن علي وابنائها الثلاثة لأنها كانت تسكن قرب قصر الرحاب وهبروا خارج المنطقة ثم التجأوا الى السفارة السعودية وتم نقلهم خارج العراق برعاية المملكة العربية السعودية

ونجت كذلك الاميرة هيام زوجة الأمير عبد الاله بعد اصابتها بطلق ناري في ساقها...

ونجت كذلك الخادمة الحجازية رازقية بنت صالح التي أصيبت كذلك بطلقين ناريين في ساقها الأيمن تعالجت وشفيت كذلك ونجا بعض الخدم الذين كانوا يسكنون خلف القصر الملكي.

جعفر حينما كان بعمر 18 عاما

ونجا الطفل اليتيم جعفر ذو الاحد عشر عاما والذي ربته الملكة نفيسة منذ ان كان عمره ستة سنوات بعد وفاة والده الضابط الذي كان يرعى بيت الملك فيصل في مصيف سرسنك والذي قد اصبح يتيم الابوين بوفاة امه بعد وفاة ابوه بأشهر وشاءت الصدف ان يسافر الطفل جعفر الى بيروت للالتحاق بمدرسته الداخلية هناك في الليلة السابقة للانقلاب , وقد كان مقررا له ان يسافر مع العائلة الملكية صبيحة يوم 14 تموز الى إسطنبول لكنه فضل العودة للمدرسة في بيروت على السفر مع العائلة لعدم وجود أطفال في عمره في الرحلة وفي إسطنبول وقد علم بالمجزرة من موظف السفارة العراقية في بيروت والمسؤول عنه عند وصوله مطار بيروت في يوم 14 تموز واستمر بالدراسة في المدرسة الداخلية حتى قد قامت المدرسة الداخلية بإعادته الى بغداد بعد خمسة اشهر لانتهاء قسط المدرسة والتوقف عن دفع القسط الجديد لمقتل العائلة الملكية كاملة وقد عاش الطفل جعفر حياة قاسية جدا في بغداد ولم يتمكن الانقلابيون من التعرف عليه وقتله باعتباره ربيب العائلة الملكية , لكن قدره الله سبحانه وتعالى وحكمته وما لجعفر من معدن اصيل وخبرة في الحياة قد مكنته من اكمال دراسته الثانوية والسفر الى هولندا و اكمال دراسته الجامعة هناك والاستقرار في المانيا في حياة هانئة بعد ان اصبح من انجح رجال الاعمال .

في تلك الاثناء كان بيت الشيخ احمد كمال كبقية بيوت بغداد قد أصابها الرعب مما يحصل وفي صبيحة يوم الانقلاب الأسود الذي ادخل العراق في دوامة الحروب والحصارات والغزوات ففي صبيحة يوم الانقلاب وسماعهم بالخبر خرج سكان بغداد الى الشوارع..

وتجمع الألوف في باب المعظم حيث وزارة الدفاع ومقر الجيش الذي قام بالانقلاب وذهبت جميلة مشيا على الاقدام من بيتهم في العيواضية الى وزارة الدفاع حيث المسافة قريبة جدا وشاهدت جثة الأمير عبد الاله معلقة فرجعت فورا الى البيت واخبرت كل من في البيت ولم تخبر في حينها الشيخ احمد كمال وزوجته السيدة أسماء خوفا من هول الصدمة عليهما بما شاهدت فساد الحزن علي كل سكان البيت , في اليوم التالي للانقلاب اطلق اسم العهد البائد على النظام الملكي وسرت موجه من الاشاعات في كل مدن العراق لتخويف الناس وارهابهم وخوفا من انتقام العراقيين من الانقلابيين للمجزرة التي قاموا بها وخصوصا مقتل الملك الشاب وتمت ملاحقة كل الوزراء والمسؤولين السابقين , ففي الأيام الثلاثة الأولى كان يتم قتل من يلقى القبض عليه ولكن بعد القاء القبض على رئيس الوزراء نوري السعيد ورفع حالة منع التجول وإيقاف حملات التفتيش عن نوري السعيد كان يتم زج المسؤولين السابقين في السجون وتلفيق تهم لهم..

وسرت إشاعة قوية بين الناس تقول ان من يملك صورة للملك او للعهد الملكي او أي صورة للملكية سيتهم بالخيانة ويتم سحله في الشوارع وقتله وتقطيع جثته فقام الناس بحرق كل صور الملك وشعارات المملكة والاعلام العراقية وملايين الدفاتر والكتب المدرسية التي كانت تحمل اغلفتها صورة الملك فيصل الثاني وحرقت الاف الكتب العلمية والثقافية على غرار ما حصل عند دخول المغلول الى بغداد سنة 1258 م وتمت اغلب عمليات حرق تلك الكتب والصور بسرية تامة في داخل حمامات البيوت حتى لا يظهر دخان الحرق ويتهم الناس بامتلاكهم صور ما اطلق عليه الانقلابيون (العهد البائد ) بالعمالة والخيانة العظمى وخلال اقل من أسبوع اختفت كل اعلام وصور المملكة العراقية ..

وخلال فترة قصيرة جدا تم رفع علم جديد وشعار للجمهورية ونشيد وطني

ونزلت الى الاسواق العملة الورقية والمعدنية الجديدة وقد تمت طباعتها في بريطانيا بناء على الاتفاقية المبرمة بين المملكة العراقية وبريطانيا في طبع العملة العراقية وطلبت حكومة الانقلابيين من الناس الذهاب الى البنوك لتبديل العملة الملكية بالعملة الجمهورية , ان تلك التغييرات السريعة التي قام بها الانقلابيون تؤكد ان من قام بالانقلاب قد قام بتحضير كل شيء مسبقا ومنها الحصول على موافقة بريطانيا المسبقة خلال فترة حكم العهد الملكي بسك العملة الجديدة للجمهورية العراقية .
لم يعلن الانقلابيين عن وفاة الملك فيصل الثاني خوفا من ردة فعل الجيش العراقي والعشائر العراقية وحلف بغداد والأردن التي كانت دستوريا في اتحاد مع العراق وقد علم العالم بمقتل الملك فيصل الثاني بعد ثلاثة أيام عندما اعلن شاه ايران الحداد أربعين يوما على مقتل الملك والعائلة الهاشمية , اما خلية الضباط الاحرار التي أسسها جمال عبد الناصر في الأردن فقد سبقت انقلاب العراق سنة 1958 فقامت بمحاولة انقلابية في بداية سنة 1957 وتم القضاء عليها وهرب بعض من قادتها الى سوريا وتم القاء القبض على بقية أعضائها وحكم عليهم بالسجن المؤبد والاعدام , وفي سنة 1962 اصدر الملك حسين عفوا عاما شمل هؤلاء المتآمرين جميعا واحال من يرغب بالتقاعد للتقاعد وأعاد من يرغب العودة الى الخدمة للعودة الى الجيش وقد وصل بعضهم فيما بعد الى رتب عليا في الامن العام والدفاع المدني والجيش الأردني.

عبد الكريم قاسم الذي قاد الانقلاب الدموي في العراق شخصية غامضة مثيرة للجدل اجتماعيا وعسكريا فقد عاش أعزب بدون زواج الى ان تم إعدامه من قبل شركائه في الانقلاب وقد بقي اعزب الى ان وصل الى رتبة فريق في الوقت الذي كان يتزوج فيه العراقيين في ذلك الزمن قبل بلوغهم العشرين عاما , وهو معلم المدرسة الابتدائية الذي دخل الكلية العسكرية وأصبح ضابطا في الجيش وهو الشخص الخجول قليل الكلام عصبي المزاج ولا يملك اراء سياسية وثقافته العامة دون المتوسط قد شارك في دورات عسكرية عديدة في بريطانيا وكانت اخر زياراته لبريطانيا اشتراكه في دورة عسكرية قد استغلها لإجراء عملية تجميل لأنفه المشوه نتيجة اصابته بحبة بغداد في الصغر والتي كانت تسبب له ازمة نفسية بعد ذلك باقل من أسبوع عمل عملية الجيوب الانفية في مستشفى اخر في لندن وقد استغرق بقائه في بريطانيا وقتا طويلا فأثارت الشكوك عن سبب بقاءه وماذا كان يفعل طول تلك الفترة في بريطانيا في حين ان عملية الجيوب الانفية لا تستدعي البقاء لأشهر في المستشفى وكان يمكن عملها في بغداد.
جمهورية عبد الكريم قاسم كانت مجنونة مثله فقد طرد كل الشركات الأجنبية العاملة في العراق بحجة انها تابعة الى دول امبريالية ومعادية للاتحاد السوفييتي ومنها الشركات التي كانت تقوم ببناء مدينة العمال فقام بإيقاف العمل في المدينة التي اقرها مجلس الاعمار لتكون مدينة كبيرة موازية لمدينة بغداد لمنتسبي المشاريع الجديدة التي اقرها مجلس الاعمار وبذلك خسر العراق ملايين الدولارات لأنه دفع أقساط كبيرة من تكاليف تلك المشاريع ودفع أموال طائلة في شراء المواد الأولية التي بقيت مرمية على الأرض وضاعت تكاليف عمل المخططات والتصاميم وقام بتوزيع قطع الأراضي التي كانت مخصصة لبناء مدينة العمال على سكان الاكواخ في بغداد وترك سكان الاكواخ والعشوائيات وحدهم لبناء بيوتهم بإمكانياتهم البسيطة وقام بتغيير اسم المدينة من مدينة العمال الى مدينة الثورة وقد انصاع عبد الكريم قاسم الى الشيوعيين بشكل كامل

وقام بتأسيس كتائب المقاومة الشعبية وهي ميلشيات مسلحة من أعضاء الحزب الشيوعي العراقي وقام بتعيين العقيد طه البامرني امر الحرس الملكي سابقا والذي كان مشارك في انقلاب 14 تمور قائدا لتلك الميليشيات وطه البامرني هو الذي منع لواء الحرس الملكي البالغ ثلاثة الاف جندي بأحدث الأسلحة من الرد على سرية واحدة من الجنود تحمل عتاد الخط الأول فقط قامت بمهاجمة قصر الرحاب وابادة العائلة الهاشمية الملكية.
حتى قانون الإصلاح الزراعي الذي أصدره فقد تعثر تطبيقه وظل الإقطاعيون يمارسون نفوذهم، مما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي الذي أحدث ارباكا في قطاعي الزراعة والصناعة،

وقد انشغل العمال والفلاحين عن أعمالهم بسبب سيطرة الحزب الشيوعي على مفاصل الدولة، وإشغالهم بتنظيم المظاهرات الكبيرة التي كانت تخرج يوميا الى شوارع المدن العراقية ، إضافة إلى تشجيع عبد الكريم قاسم الفلاحين للهجرة من الريف إلى المدينة وقد تحول العراق من مصدر للحبوب واللحوم والجلود الى مستورد لها , واخطر ما قام به قاسم هو الغاء البرلمان والأحزاب التي كانت قائمة في العهد الملكي والغاء مجلس الاعمار وبما انه لا يمتلك خبره سياسية فقد ضاع في فوضى المواقف من الحرب الباردة والتجأ الى الاتحاد السوفييتي في كل واردات العراق ومن اجل السيطرة على الشارع فقد قام بتغذية الصراع الدامي بين الشيوعيين والبعثيين والقوميين, وبدلا من الاعتماد على الدول العربية فقد هاجم مصر التي كانت القوة العربية الفاعلة في تلك الفترة واساء الى الكويت بمطالبته بضمها الى العراق بسيل من التصريحات العنترية وترك الحدود البرية والمنطقة المحايدة مع الكويت والسعودية بدون ترسيم مما أدى لاحقا الى صراعات وحروب وغزوات .
بعد اقل من شهر على الانقلاب الدموي وفي صبيحة أحد الأيام رن جرس الباب في بيت الشيخ احمد كمال فخرجت جميلة لتسال وكان الطارق ضيف غريب يريد مقابلة الشيخ احمد كمال في البداية حاولت جميلة منعه من الدخول لكنه كان يعرف البيت جيدا فاقتحم باب الحديقة وصعد السلالم العالية ودخل البيت وجلس في غرفة الضيوف وطلب من جميلة بالهدوء واغلاق باب البيت واخبار الشيخ احمد كمال بانه يريد مقابلته، فأغلقت جميلة باب البيت الخشبية الكبيرة ودخلت من باب غرفة الضيوف الى صالة البيت الكبير مرتبكة وتتلعثم في الكلام فتلقاها أحد أبناء الشيخ احمد كمال وسألها لماذا مرتبكة ومن في غرفة الضيوف؟ فأخبرته بالضيف الغريب وبما ان الشيخ احمد كمال قد أصابه عدم التركيز والنسيان في كثير من الأحيان بعد حادثة سقوطه من على الفرس فقد كان أبنائه والسيدة اسماء يرافقونه طول الوقت , فدخل ابن الشيخ احمد كمال الى الضيف للترحيب به وقامت جميلة بإخبار السيدة أسماء والشيخ احمد كمال بالضيف , تجمع الكل في غرفة الضيوف دخلت وجميلة عليهم بصينية الشاي ووقفت مستندة الى الحائط وبيدها الصينية الفارغة لتستمع لأغرب ما سمعته في حياتها , الضيف لديه معلومات عن ما جرى في قصر الرحاب في صبيحة ذلك اليوم المشؤوم , فبعد ان سالوا الضيف ما الذي جرى في قصر الرحاب خلال ساعتين ونصف منذ سماعهم الطلقة الأولى في الساعة الخامسة وعشر دقائق صباحا عند مهاجمة الانقلابيين بيت نوري السعيد لغاية الساعة السابعة وعشرين دقيقة حين تم اعدام العائلة المالكة ؟ ولماذا لم يقوم الحرس الملكي بمقاومة الانقلابيين ولماذا لم تهرب العائلة الملكية من القصر؟.

فكانت إجابة الضيف ان امر الحرس الملكي طه البامرني رفض المقاومة وابلغ الأمير عبد الاله بانه يرى ان لا جدوى من المقاومة وقد كان الأمير عبد الاله طول الوقت يتفاوض بالتلفون فقد تكلم مع السفارة البريطانية ومع الانقلابيين ومع شخص اخر باللغة التركية لم يفهمها من كان قريبا منه وبعد اكثر من ساعتين من المفاوضات جاء اتصال من السفارة البريطانية بان السفارة سوف ترسل لهم سيارة لتنقلهم خارج العراق بموافقة الانقلابيين وبناء على ذلك تم الانتظار وعدم الهروب من القصر وقد اذاع راديو بغداد خبر قتل العائلة الملكية جميعا واستمعوا للخبر وهم ما يزالون احياء من الراديو في مطبخ القصر حيث تجمعوا هربا من القصف الذي أصاب القصر من الامام واخر مكالمة تلقاها الأمير عبد الاله كانت مع السفارة البريطانية تقول بان السيارة سوف تصل خلال اقل من نصف ساعة لأخذهم وفي تلك الاثناء ضرب الانقلابيين القنبلة الثالثة على القصر فهرب الجميع الى غرفة صغيرة في الجانب الخلفي للقصر ومن تلك الغرفة الصغيرة تم استدراجهم واخبارهم بان السيارة التي أرسلتها السفارة البريطانية بانتظارهم في باب القصر لذلك خرجوا يمشون في صف واحد وما ان تأكد الانقلابيون من ان الجميع في قبضتهم فتم اعدامهم.
الى اللقاء في الحلقة القادمة
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:

https://www.algardenia.com/qosesmenaldakera/59866-2023-08-14-18-03-11.html

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1066 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع