الفنان الكبير محمد عبد الوهاب و " الدليمية"
ولعبد الوهاب قصة غريبة وطريفة عن تلك الرحلة الوحيدة طغت فى طرافتها على تلك الحفلات.
تفصل بين بغداد والحدود العراقية - السورية والأردنية صحراء تمتد أكثر من 700 كم ليس فيها على الطريق إلا ثلاث مدن صغيرة هى الفلوجة والرمادى وطريبيل على الرغم من أن نهر الفرات يخترقها لمسافات طويلة.
كان عبد الوهاب يخشى ركوب الطائرات فاستخدم السيارات بين بغداد وبيروت ثم بحراً إلى الإسكندرية، وكاد أن يفقد حياته فى صحراء الانبار عندما نفد البنزين من السيارة التى كانت تنقله مع أحد أعضاء فرقته ويدعى إبراهيم أفندى، أما أفراد الفرقة الآخرون فسافروا جواً.
كان الوقت ليلاً، وليس هناك أى إنس أو جن. وفجأة ظهر لهم بعض الأعراب الذين أشهروا عليهما أسلحتهم، إلا أن إبراهيم أفندى كشف لهم عن شخصية عبد الوهاب المغنى المصرى الشهير، وبالصدفة كان أحد الأعراب قد سمع بالفنان الكبير فسأله: هل أنت الذى تغنى «يا جارة الوادى»؟.
ويقول عبد الوهاب فى قصة حياته إنه أطلق ضحكة اخترقت صمت الصحراء حين عرف أن شهرته وصلت إلى هذه الأرض المقطوعة. فاستغل عبد الوهاب الفرصة وطلب من الإعرابى تدبير صفيحة بنزين للسيارة العاطلة، فردوا عليه أن الدنيا ليل ولا يمكن تدبير ذلك وأنه سيبات ليلته معهم فى مضاربهم القريبة. ولم يكن أمام الفنان إلا أن يوافق خاصة وأن أسلحتهم مازالت مشهرة فى وجهه! و»فى الليل لما خِلى» جاء الطعام السمين للضيف النحيل، وهو عبارة عن «صينية» كبيرة من اللحم المسلوق وتحته كميات من الرز وتحتهما خبز منقوع بشوربة اللحم، وهو ما يعرف بأكلة «الدليمية» نسبة إلى لواء الدليم وعشائره العريقة التى تحمل نفس الاسم الذى تغير إلى الأنبار.
وكان معروفاً عن عبد الوهاب وسوسته فى كل شيء وخشيته على صحته، إلا أن ذلك لم ينفعه فى الإفلات من «الدليمية» التى يتجنبها كثير من العراقيين لدسامتها الظاهرة. وهكذا «سلمها لله» وهات يا أكل بالأصابع الخمسة لعدم وجود ملاعق! ولم تنته المشكلة بهذا، بل أصرّ أهل الخيمة على أن يغنى لهم عبد الوهاب بعض أغانيه، وحاول الفنان التذرع بحجة الإجهاد من طول الطريق أولاً وعدم وجود فرقته الموسيقية معه ثانياً، غير أن ذلك لم يجدِ، وشوهد عبد الوهاب، للمرة الأولى والأخيرة، يغنى فى صحراء العراق فى ذلك الليل البهيم، وبدون فرقة موسيقية، وتحت تهديد السلاح مقاطع من «يا جارة الوادى» و»لما انت ناوى تغيب على طول» و»خايف أقول اللى فى قلبى»! ولم يكرر عبد الوهاب السفر إلى العراق منذ تلك الواقعة، لكنه استمر على السفر بحراً كل صيف إلى سوريا ولبنان....... منقوله.
1205 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع