قصة أغنية / سمراء من قوم عيسى - لناظم الغزالي
خلال الحكم العثماني كانت منطقة الشورجه معسكراً للجيش العثماني ، والشورجه تقع بجوار ( عگد النصارى ) وصادف ان التحق إلى هذا المعسكر ضابط عربي تخرج حديثاً من الكلية العسكريه العثمانيه في الآستانه اسمه احمد وكان جميل الطلعه وفي عنفوان الشباب ومعتز في بدلته العسكريه الجميله متبختراً بمشيته ومزهواً بنفسه ، وقد صادف في احد الأيام وهو في طريقه إلى جامع الخلفاء لاداء الصلاة أن وقعت عيناه على صبية جميلة سقط عن وجهها خمارها الاسود وتبادلا النظرات فوقع في حبها وبادلته الحب دون ان يتحدثا لبعضهما وهذا ما يسمى بالحب من النظره الاولى .ووتابعها و هي تدخل عكد النصارى فصار مواظباً على زيارة العكد يومياً لعله يحظى برؤيتها حتى اصابه اليأس وانقطع عن الذهاب ولكنه ظل على هواه مولعا بها وفي ظهر احد الايام يفاجىء وهو في المسجد بعد ان انهى وضوءه متهيأ للصلاة واذا بها تقف مقابل المسجد وفي عينيها استفسار وكأنها تسأله عن سبب انقطاعه عن زيارة العكد وصوت امها تناديها يا ( مها ) فشدّه الموقف فأنشد مستعيراً بابيات من قصيدة الشاعر ربيعه بن عامر الدارمي الملقب بالمسكين و هو يقول :
قل للمليحة بالخمار الأسود
ماذا فعلت بناسك متعبد
قد كان شمر للصلاة ثيابه
حتى وقفت له بباب المسجد
ردي عليه صلاته وصيامه
لا تقتليه بحق عيسى واحمد
وعاد ( احمد ) يزور عگد النصارى وتبادله ( مها ) النظرات خلسة من خلف الشناشيل وهي تسكن في جوار الكنسية وغالبا ما يكلفها الراهب بضرب الناقوس يوم الاحد ايذانا للصلاة ,, ولكنه بالرغم من المحاولات لم يتمكن من لقائها حتى اشتد به الوجد واصابه الحب موضعا فانشد لها وهو يسمع الناس صوته هذه الأبيات الجميله في صبيحة يوم الأحد والناس متجهين إلى القداس ربما تصل الى سمعها :
سمراءَ من قوم عيسى من اباح لها
قتل امرىء مسلم قاسى بها ولها
اردت بيعتها اشكو القتيل لها
رايتها تضرب الناقوس قلت لها
يا ( مها ) الله يلهمك وصلي
فكفي النوى اني متيمك قالت بلى
ومضت الأيام القليله مسرعة حتى تحرك الجيش في واجب وغادر الحبيب حبيبته وهو مرغم والدموع في عينيها وقد خرجت بخمارها لتودعه على امل الانتظار ان يعود اليها وهو يقول:
لما اناخوا قبيل الصبح عيسهم
وحملوها وسارت بالهوى الابل
وودعت ببنان زانه عنم
ناديت لا حملت رجلاك يا جمل
يا حادي العيس عرج كي اودعهم
يا حادي العيس في ترحالك الاجل
وكانت تشكي حبها ولوعتها وفراقها للحبيب الى الراهب الذي كان يواسيها ويؤملها خيرا ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن وشاءت الاقدار ان تصاب الفتاة بمرض من الامراض التي كانت تفتك بالناس في كل موسم وفي كل حين وهي تناديه سرا وعلانيه دون ان تحظى حتى بكلمة منه وفارقت الحياة وبعد حين عاد الحبيب وقبل حتى ان يدخل معسكر الجيش اتجه الى عگد النصارى يتلفت يمينا وشمالا لعله يراها تقف مع المستقبلين ولكن لا اثر فأتى الراهب في الكنسيه يسأله منشدا
اني على العهد لم انقض مودتهم
يا ليت شعري بطول العهد ما فعلوا
لما علمت بان القوم قد رحلوا
وراهب الدير بالناقوس منشغل
يا راهب الدير بالانجيل تخبرني
عن البدور اللواتي هاهنا نزلوا
فحن لي وبكى وأن لي وشكى
وقال لي يا فتى ضاقت بك الحيل
ان البدور التي جئت تطلبها
بالامس كانوا هنا واليوم قد رحلوا
شبكت عشري على رأسي وقلت له
يا حادي العيس
لا سارت بك الابل
ليت المطايا التي بهم ضلعت
يوم الرحيل فلم يبقَ لهم جمل
ولم تمهله المنيه بعد ذاك إلا اسابيع ظل فيها يعاني من علة العشق حتى توفي من شديد حبه وحسرته لفقدان الحبيب واصبح نبراسا للعاشقين يضرب به المثل
1975 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع