هذه هي الحلقة الأخيرة من قصة استشهاد زيدون حرصنا جهد إمكاننا أن نسردها بالتفصيلات الكاملة أضعها بين أيدي العراقيين وأصحاب الضمائر الحية في العراق والوطن العربي والعالم، من أجل أن نثبت عدة حقائق من أهمها:
1-إن كل مواطن لو لاحق حقه مع الغزاة القتلة لاستطعنا أن نكون رأيا عاما في المجتمعات الغربية بما فيها مجتمعات الدول المعتدية، ولكن شيئا من هذا لم يحصل مما أدى إلى خسارتنا مرتين مرة عندما خسرنا أبنائنا ومرة عندما خسرنا القضية في جانبيها الإنساني والقانوني.
2- إن هذا العرض يعد واحدا من أدوات تثبيت الحقائق لجرائم الاحتلال الأمريكي وتفنن الهمجية الأمريكية في وسائل القتل التي تعرض لها الشعب العراقي وهذه الشهادات لا بد أن يأتي اليوم الذي ينتصف فيه العراقيون من كل الدول التي غزت بلدهم ودمرت منظومة الدولة عندهم وأعادتهم إلى عصر ما قبل الصناعة، وهذه دعوة لكل من عنده قصة سواء مع قوات الاحتلال الأمريكي أو البريطاني أو الإيراني أو من فعل المليشيات الطائفية أو قوات الحكومات التي تم تنصيبها منذ الاحتلال وحتى اليوم.
بعد أن حضرنا أنا وأخي مأمون والد الشهيد زيدون رحمه الله ومروان ابن أخي عبد الحكيم في فعاليات المحاكمة العسكرية التي عقدت في فورت هود لمحاكمة المسؤولين عن تنفيذ جريمة قتل زيدون، أصدرت المحكمة المذكورة حكما بائسا على العريف المسؤول المباشر عن الجريمة، وتأخر حتى وقت لاحق صدور الحكم على النقيب الذي أصدر الأمر لجنوده بتنفيذ فصول الجريمة، لم يكن ميسورا أن نفرض على المحكمة تصورنا ولكننا لم نهمل أية فرصة لإنزال العقوبة بالجناة.
لهذا وجهت طلب استئناف الحكم إلى قاضي محكمة فورت هود العسكرية وسلمته إلى المحامي الأمريكي وهو ضابط يتدرب على هذه الوظيفة.
طلب الاستئناف الذي قدمناه للقاضي بعد صدور الحكم
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد قاضي محكمة الاستئناف العسكرية في فورت هود
تحية العدالة والحق
أصدرت المحكمة العسكرية في فورت هود قرارا بإدانة الرقيب ترسي بيركنز والحكم عليه بالحبس ستة شهور بسبب عرقلته للعدالة وبرأته من تهمة القتل واستنادا إلى ذلك أتقدم بطلب الاستئناف هذا من خلال الطعن بالقرار المذكور من حيث الشكل والمضمون استنادا إلى الحقائق التالية:
1-إن عدم استدعاء الشهود من أفراد قوات الحرس الوطني العراقية للإدلاء بشهاداتهم أمام المحكمة قد ترك مساحة من الغموض وغياب المعلومات وقد سبق لهؤلاء أن أدلوا بشهاداتهم أمام اللجنة التحقيقية C.I. D في مقر القوات الأمريكية في منطقة السايلو في سامراء، وقد سبق وأن ضمنت طلب استدعائهم إلى محكمة فورت هود في المذكرات السابقة.
2-إن عدم إحضار المتهمين بالواقعة وعددهم خمسة في جلسات المحكمة قد أخل بسير المرافعات وأكد أن المحكمة أرادت طمس معالم الجريمة، وقد سبق لموكلي الشاهد مروان عبد الحكيم فاضل حسون أن أدلى بشهادته أمام اللجنة التحقيقية (C I D) في كل مراحل التحقيق السابقة بخصوص الحادث ولهذا أرى أن مقتضيات العدالة توجب إحضار المتهمين جميعا في جلسات المحكمة.
3 – إن ادعاء الشهود من جنود الجيش الأمريكي والذين أدلوا بشهاداتهم أمام المحكمة، بأن الشابين (مروان وزيدون) قطعا النهر سباحة أمر يقتضي التحقيق النزيه والمحايد في هذا الإدعاء، وهذا يعني إعادة النظر في هذه القضية بكل مراحلها من نقطة الصفر، فهذه الشهادة تؤكد وجود الشهود في مكان الحادث وفي وقت وقوعه مع المتهم مما يستدعي التساؤل المشروع عن أسباب ذلك وإذا كان الأمر كذلك فماذا كان رد فعل الجنود إزاء هذه الواقعة وعما إذا حاولا تقديم المساعدة لهما أم تركاهما يغرقان من دون أي رد فعل، فضلا عن أن مضمون الشهادة تدحضه الوقائع على الأرض، إذ لا يوجد نهر مفتوح هناك ليسبح به أحد وهل يعقل أن يسبح أحد في عز الشتاء وحينما تكون درجات الحرارة في مدينة سامراء عند مستوى الصفر المئوي في هذا الوقت من السنة.
هناك بحيرة مقدم السد من الشمال، ويقع أسفله إلى الجنوب مسلكان للماء أحدهما هو نهر دجلة الذي يتجه إلى جنوب العراق حتى يلتقي مع الفرات قرب مدينة القرنة ليكونا شط العرب، والثاني مجرى مائي صناعي يذهب إلى منخفض الثرثار ويتفرع عنه مجرى آخر يسمى قناة الكتم ويندفع الماء بقوة هائلة قادرة على توليد الطاقة الكهربائية، وفي القناة التي يجري تصريف البوابة التي ألقي فيها كل من زيدون مأمون فاضل حسون ومروان عبد الحكيم فاضل حسون كان تصريف الماء بقوة 100 متر مكعب في الثانية للبوابة الواحدة وكانت كل بوابة مفتوحة بمقدار 85 سنتمتر فقط من أجل التحكم بكميات الماء المصرفة إلى منخفض الثرثار، وأرفق طيا نسخة من تقرير مهندس الري لسد سامراء.
4 – إن إلقاء الشابين في هذه البوابة يوفر ركن القصد الجنائي للقتل فمن النادر أن يفلت أحد من الموت في حالة كهذه إلا إذا تيسرت له ظروف مساعدة إضافية كما حصل لمروان الذي تشبث بجذع شجرة صادف وجوده قرب نقطة إلقائه في بحيرة مقدم السد.
5 -إن الادعاء بأن الجثة التي ظهرت في شريط الفديو المقدم للجنة التحقيق من قبلنا لم تظهر عليها تأثيرات البقاء في الماء لمدة ثلاثة عشر يوما، رأي مخالف لعلم الفسلجة إذ أن انخفاض درجات الحرارة في العراق عموما وفي سامراء خصوصا، في شهر كانون الثاني/ يناير وقت وقوع الحادث وبرودة الماء يوفر مناخا مناسبا من الناحيتين العملية والعلمية لمحافظة الجثة على سلامتها لفترة أكثر من هذه المدة، وعلى كل حال وجهة النظر هذه لم تقترن بتقرير علمي من جانب المحكمة.
6 – إن الرعب الذي مر به مروان عبد الحكيم فاضل حسون أثناء اقتياده من فبل القوات الأمريكية وأثناء الليل وداخل عربة مدرعة يجعل من العسير بل من المستحيل عليه أن يحتفظ بكامل الصورة في ذهنه للجنود الذين اقتادوه هو وابن عمه فضلا عن أن المتهم الذي أحضر في جلسة المحكمة قد ظهر بعد عام كامل من الحادث وهو بملابس غير ملابس ساحة الحرب مما يترك تغييرات تلبس الأمر على الإنسان في الظروف الاعتيادية للاستدلال فكيف إذا كان الأمر في مثل الظروف التي مر بها الشاهد، وهذا ما جعل من مهمة تعرفه على المتهم شبه مستحيلة.
7 – لقد أبدينا استعدادنا الكامل لفتح القبر وإجراء التشريح على الجثة لمعرفة الأسباب الحقيقية للوفاة، وحين طلبت منا اللجنة التحقيقية إقرارا من رجل دين معتمد، جئنا بموافقة من السيد الشيخ حاتم أحمد عباس إمام وخطيب الجامع الكبير في سامراء، وقد سلمنا ذلك الإقرار للجنة التحقيقية في حينه، وانتظرنا اتخاذ الإجراء اللازم إلا أن الأمر لم يتم لحد الآن ولم نعرف السبب وراء ذلك، علما بأن السرجنت سينترون كان قد أعربت عن مخاوف من الذهاب إلى المقبرة التي دفن فيها الضحية خشية وجود كمين يستهدف القوات الأمريكية في حال قيامها بفتح القبر.
8 – إن الحكم الذي أصدرته المحكمة العسكرية في فورت هود بحق الرقيب ترسي بيركنز ومن خلال حيثياته يعد مساسا بمشاعر موكلي مأمون فاضل حسون والد الضحية والذي فقد ابنه في حادث واضح لا لبس فيه ولا غموض ويعطي انطباعا عن طبيعة القضاء الأمريكي المتحيز على الدوام للمواطن الأمريكي حتى في حال وجود الأدلة القاطعة التي تدينه.
9 – إن إعادة الأمل لكل مظلوم من خلال تطبيق العدالة وإحقاق الحق يستوجب إعادة النظر بحكم المحكمة العسكرية المذكورة ورده، كما أن الإجراءات الشكلية للمحكمة توجب حضوري كمحام عن والد الضحية وكذلك عن الشاهد مروان عبد الحكيم فاضل حسون في كل جلسات المحكمة.
لذلك أتقدم بطلبي هذا لاستئناف الحكم المذكور ورده، ولكم شكري وتقديري.
المحامي نزار فاضل حسون السامرائي
9 / 1 / 2005
إقرار من السيد الشيخ الدكتور حاتم أحمد عباس إمام وخطيب الجامع الكبير في سامراء ورئيس لجنة التوعية الدينية في محافظة صلاح الدين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وكرمه وفضله على كثير من خلقه، وأنه بنيان الله في الأرض به تعمر الحياة، ولا يحق لأحد أن يهدم هذا البنيان ويأخذ بهذه الحياة إلى موطن الخراب أو الدمار، وجعل حرمته مصونة في حياته وبعد مماته، وحرم الاعتداء عليه وعدّ ذلك انتهاكا وتجاوزا على حياته وقدسيته بعد مماته، فلا يجب لأحد أن يعتدي عليه بشيء من إحراقه أو كسر عظمه أو أن يطأ قبره برجله فيدوسه أو يجلس عليه، كما أنه لا يجوز شرعا أن ينبش قبره وتخرج جثته إلا إذا دعت هناك ضرورة لحفر قبره وإخراج جثته.
وسؤال السيد مأمون فاضل حسون حول موضوع فتح قبر ولده (زيدون) من أجل التحقيق المتوقف على فتح القبر وإخراج الجثة لمعرفة حال الجناية التي أصيب بها وأدت إلى وفاته لإزالة الغموض الذي يعتريها ولا يعرف ذلك إلا بفتح القبر فأقول وبالله التوفيق:
يجوز شرعا فتح القبر ما دامت هناك ضرورة ملحة لذلك، وهذه ضرورة، لأنها تترتب عليها حقوق لمعرفة حال الجناية تتبين من خلال فتح القبر، علما بأن هذا لا يعد انتهاكا لحرمة المجني عليه وقد أصبح هذا من باب (الضرورات التي تبيح المحظورات) والتي أقرتها الشريعة وبنت عليها كثيرا من الأحكام، فلا بأس في ذلك والله تعالى أعظم وأعز وأكرم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الدكتور حاتم أحمد عباس السامرائي رئيس لجنة التوعية الدينية في محافظة صلاح الدين إمام وخطيب جامع سامراء الكبير
كنا نعلم علم اليقين أن الجهات الأمريكية التي تولت التحقيق كانت تضع العراقيل تلو الأخرى من أجل أن يأتي الحكم مخففا، عندما شككوا قبل سفرنا إلى الولايات المتحدة بصدق معرفتنا بجثمان ولدنا، حاولوا تعجيزنا بمسألة فتح القبر، ولهذا لما طلبوا فتحه غامرت بموافقة خاصة من جانبي من دون التشاور مع أخي مأمون وقلت لهم إننا جاهزون، في اليوم التالي كانت سينتورن تعتذر عن القدوم إلى المقبرة وقالت إنكم تنصبون فخا محكما للقوة التي ستتولى الأمر، لم أعلق على هذه الفكرة وكم تمنيت لو أن لي فصيلا مقاوما أستطيع تحريكه كما أشاء وفي الوقت الذي أريد، وعندما جئنا إلى الأمريكيين بإقرار الشيخ الدكتور حاتم أحمد عباس السامرائي فإنما فعلنا ذلك لسد الذرائع عليهم.
وثيقة دائرة مهندس الري لسد الثرثار
بسم الله الرحمن الرحيم
وزارة الموارد المائية
المديرية العامة للسدود والخزانات
إدارة مشروع سدة الثرثار
العدد 6/2/1/ 26
التاريخ 17 / 1 / 2004
م / البحث عن جثة
بتاريخ 3 و4 و5 / 1 / 2004 تم غلق ناظم القناة الإروائية للبحث عن جثة الغريق زيدون مأمون فاضل ولفترات غير مستمرة حيث كان تصريف القناة 100 م / ثا وبفتحة بوابات 85 سم وكان مستوى المياه بعمق 5 م كما تم غلق القناة الإروائية بتاريخ 15/1/2004 ولمدة ست ساعات وتم العثور على الجثة.
مع التقدير
ر. مهندسين
كريم حسن حمادي
مديرالمشروع
رسالة جوابية للناشطة الأمريكية السيدة سيندي شيهان
السيدة الفاضلة سيندي شيهان
مع عميق تقديري يسرني أن أحييك بحرارة ويسعدني كثيرا أن أتحدث إلى سيدة عاشت فاجعة فقدان ولدها في الحرب الأمريكية العدوانية على العراق ولم يؤد ذلك إلى أن تحمل حقدا على أبناء بلدنا كما يخطط صقور الإدارة الأمريكية لتصدير نتائج عدوانهم على الشعب الذي يقاوم من أجل حريته، بل فكرت بالحدث من زاوية أخرى وبطريقة سليمة تماما عندما ألقت بالمسؤولية على قادة بلدها لأنهم كانوا سببا في سفك دماء الملايين من أبناء شعبنا، لمجرد إرضاء جشع كارتلات النفط التي تقايض النفط بالدم.
ويسعدني كثيرا أن أشد على يديك بحرارة للجهود النبيلة التي تبذلينها من أجل وضع حد للقتل وإحلال السلام والمحبة، وكم كان يسعدني لو أنني أسهمت مع تلك الأصوات المحبة للحرية التي خرجت في بلادكم وهي تنادي بالانسحاب الأجنبي من العراق، وحينذاك سوف تتاح لكم الفرصة أكثر من الوقت الحاضر لكي تعرفوا أن أبناء شعبنا يضمرون للشعب الأمريكي التقدير والاحترام بسبب الإضافات المبدعة التي قدمها علماء أمريكيون إلى مسيرة التطور التكنولوجي التي قطعتها الإنسانية، ولكن حكوماتهم وخطط الهيمنة التي تسيطر على عقول صانعي قراراتها الاستراتيجية والتي تحولت إلى حروب شهدت ويلات لا حصر لها، وهي التي تحول دون قبول بلادكم في شتى أرجاء العالم وليس في العراق فقط.
فنحن في الوقت الذي نقاتل جنود الاحتلال بمن فيهم جنود بلادك فإننا لا نضمر لهم كأفراد كراهية أو عداوة، بل نسعى لتحرير بلدنا من كل أشكال السيطرة ونوازع الشر، ونوجه رسالة إلى زعماء الولايات المتحدة بأننا شعب نحب الحرية والسيادة ولدينا الاستعداد للتضحية في سبيلها بكل غال ونفيس، كما أحب الشعب الأمريكي حريته وقاتل من أجلها وقدم في ذلك تضحيات جسيمة حتى حصل على استقلاله، ولم يمنعه ذلك بعد استقلاله من إقامة أوثق العلاقات مع البلد الذي كان يحتله، نحن نتطلع إلى ذلك اليوم الذي نصبح أصدقاء على أساس الاحترام والتكافؤ مستندين إلى مبادئ الحرية والعدل والسلام وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. . . ويسرني سيدتي الفاضلة أن أنقل لك الرسالة التالية من زوجة أخي السيدة وداد أم زيدون مأمون فاضل السامرائي والذي ذهب ضحية الهمجية البالغة للاحتلال الذي قامت به قوات بلادك لبلدنا، وكم هي فرصة ذات مغزى أن تلتقي سيدتان فقدتا ولديهما في ساحة واحدة ونتيجة لظرفين مختلفين اختلافا جوهريا، تقبلي خالص تقديري.
نزار السامرائي
نص رسالة أم زيدون للسيدة شيهان
عزيزتي السيدة شيهان
مع امتناني لمتابعتك للفاجعة التي حلت بي وبأفراد أسرة زيدون، فإنني في واقع الحال أتفهم مشاعر الأم حين تفقد وليدها، وأتحسس مشاعرك أثناء اللحظة الحزينة التي وصلك فيها بلاغ النعي الذي أرسلته لك قيادة القوات الأمريكية والذي أعلمك فيه برحيل ابنك، وأنا إذ أشاطرك الحزن أشعر بأسى لأن الشباب من أبناء بلدك يساقون إلى مصائر مجهولة تلبية لنزعات شريرة لمصانع السلاح وبيوت المال والاحتكارات النفطية وللقوى السياسية التي تريد تحويل العالم إلى حلبة للقتل باسم القتال، وأن الكثير منهم يرحل قبل أوانه من دون أن يتمتع بحقه بالحياة التي ضمنتها له الشرائع السماوية والقوانين الأرضية، ولكن نزعة الشر التي سيطرت على من بيده قرار الحرب ساقت ولدك وعشرات الآلاف غيره ليشاركوا في عدوان دمر بلدنا وأزال كل الإضافات التي قدمها شعبنا لعشرات السنين فكان أن ذهب ولدي ضحية لاحتلال الجيش الأمريكي لبلدنا، ومضى ولدك في الحرب أيضا ضحية لقرارات الزعامة الأمريكية المتعطشة للدماء والهيمنة التي سيطرت على مدارك اليمين المتطرف الجديد، قتل ابنك ولكن بكيفية مختلفة تماما لينعم تجار الحروب بالثروة والسلطة، وليمنعوا عنا أن ننعم بوجود أولادنا بيننا ولم يكن بوسعنا أن نسأل لماذا تأخروا في العودة إلى المنزل.
وأنا واثقة أن ولدك لو كان بيده الخيار لفضل عدم حمل السلاح ضد بلدنا بل ربما كان سيأتي حاملا معه مجموعة من قصص الأطفال أو لعبهم أو لربما كان سيحمل معه صندوقا مليئا بالأدوية لأطفال العراق الذين قضى الحصار الاقتصادي الظالم الذي فرضته بلادك على بلادنا على مئات الآلاف منهم ثم جاءت طائرات سلاح الجو الأمريكي وقوات المارينز لتجهز على آخرين مثلهم، إننا يا رفيقتي في مسيرة الألم يمكن أن نعمل معا وكل من موقعه ودوره من أجل وضع حد لسفك الدماء وإشاعة أجواء المحبة بدلا من لغة الحرب، وقد لا أكون مخطئة حينما أقول إن الرئيس جورج بوش الابن الذي كان قد تهرب من الخدمة العسكرية أثناء الحرب الفيتنامية قرر خوض الحرب بأبناء الآخرين ولا يقدر معنى أن يذهب الأبناء إلى ساحات القتال وانفعالات أهلهم، بوش لم يعرف أهوال الحروب ومآسيها وأنه لو كان له ولد لوجد له طريقة لكي يخلصه من ويلات الحرب كما فعل أبوه معه، إنه يا سيدتي يقاتل بأبناء الآباء والأمهات ولا يمكن أن يتصور مشاعر أب أو أم لحظة معرفتهما بسقوط ولدهما في المعركة خاصة إذا كانت معركة عبثية من جانب الولايات المتحدة، أو إذا كان هذا الولد هو وحيدهما في طاحونة الموت في العراق، ولهذا فأناشده من خلالك هذه المرة أن يكف عن ترويع أطفال العراق وعن ترويع الأمهات والآباء، ونحن شعب لم نركب البحر أو نغادر بلدنا لشن العدوان على أحد، ولم تكن لنا أي صلة بدوامة العنف والإرهاب التي تعصف بالعالم اليوم فهي ردات فعل لسياسات الولايات المتحدة التي تريد قهر إرادة شعوب الأرض، إننا نؤمن بما أمرنا الله به في القرآن الكريم حين أكد بأن من قتل نفسا من دون مبرر فكأنما قتل الناس جميعا، لهذا فإننا نعمل على هدي هذا المعنى العظيم الذي حرم الاستهانة بحياة الإنسان، كما أننا نؤمن بوحدة مصادر الهداية النازلة من السماء، ولهذا فإنني حينما أقرأ قول السيد يسوع المسيح عليه السلام (المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة) فإنني أشعر أن هذا الدرس العظيم لم يجد طريقه إلى التطبيق أبدا من جانب الولايات المتحدة بسبب نزعات الشر التي حملها الطغاة عبر التاريخ، فالسيد جورج بوش أراد تسخير كل الانجازات التي حققها الشعب الأمريكي للبشرية في مجالات العلوم والتكنولوجيا إلى عوامل شر وسوء، وبذلك فقد تحولت الأرض إلى ساحة حرب وصراع دموي، وهكذا افتقد الناس المسرة وعاشوا حزنا وبؤسا وقلقا.
إننا يا سيدتي نستطيع أن نعمل معا من أجل السلام ووقف سفك الدماء وأن نعطي للأمهات بارقة أمل بفرحة جديدة لسبب بسيط وهو أننا عرفنا معنى الحزن الحقيقي حينما فقدنا ولدينا، إذ لا يعرف الفرح بمداه الواسع من لم يذرف دمعة حزن حقيقية أو لا يعايش الحزن عن قرب بقلب مكلوم، وكم سأكون سعيدة إذا ما وضعت الحرب في بلادي أوزارها كي نحتفل في مدينتنا التي شهدت ولادة ابني البكر زيدون والذي ظننت أنه سيبكيني يوم موتي ولكنني للأسف الشديد بكيته قبل أن تثمر شجرته وقبل أن يكمل مشروع زواجه الذي بدأ به قبل حوالي شهر من رحيله، يسعدني أن أنقل لك تحيات زوجي وأفراد الأسرة وشكر الجميع على رسالة التعاطف معنا والتي أعطتنا أملا بأن الخير يمكن أن يخرج من الموضع الذي حمل السوء ضدنا منذ زمن طويل.
ختاما أرجو قبول صادق عزائي لك ولكل أم فقدت ولدها رغما عنه وعنها، وإلى اللقاء على طريق المحبة والسلام.
أم زيدون
سامراء
للراغبين الأطلاع على الجزء السابع:
http://www.algardenia.com/qosesmenaldakera/12953-2014-10-08-09-13-01.html
1197 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع