أيام زمان الجزء/٤٠العادات والتقاليد في الموروث الشعبي
الحسد هو تمني زوال النعمة عن الغير، والحسد في الثقافات الشعبية موجود، والكل فيه سواء من الأمي والمتعلم، وقد يصل الخوف من الحسد عند البعض إلى حالة الفوبيا، وقد نرى بعض الطرائف والعجائب التي يفعلها البعض بحجة الخوف من الحسد، والغريب واللافت للنظر أن ردود أفعال الكثيرين، وتعاملهم تجاه الحسد، تتم تقريبا بطرق واحدة مستلهمة من الموروثات التراثية، والأغرب أنه يتساوى فيه العالم والجاهل والمتدين وغير المتدين، وكل منهما يدافع عن إيمانه بالحسد، والعجيب أن كلا منهم له مبرراته الدينية أو المواقف الحياتية.
كلنا يعلم أن (العين) مرتبطة في الموروث الشعبي بفكرة الحسد أكثر من أي شيء آخر. فالاعتقاد بالعين الحاسدة يرجع إلى العصور القديمة (الفرعونية.. الكلدانية.. اليونانية.. الفارسية… إلخ).
كان البابليون يعتقدون أن النفس الشريرة، أو إشعاع العين الحاسدة، إذا تشتت أو أنقسم الى سبعة أقسام سيفقد قابليته على الإيذاء في الشخص المحسود، ومن هنا وجدوا من الأفضل تعليق تعويذة سميت بـ (السبع عيون) فعلقوها في قصور الملوك وفي الساحات العامة وعلى جدران وواجهات البيوت، كما واعتقدوا بأن اللون الأزرق له القابلية على امتصاص الأشعة المنبعثة من العين الشريرة ولذا جعلوه لوناً لتعويذاتهم،
يقاوم العراقيون عين الحسود بوسائل متعددة للتصدي للحسد، فمنهم من يستخدم وسائل شرعية مثل الاستعاذة بالله والأدعية بينما يلجأ آخرون إلى استخدام وسائل بعيدة عن المعتقدات الدينية.
والمُعتقدات الشّعبيّة لدرءً لشرِّ الحسد (التخميس/ الخمسة وخميسة)، وارتداء الخَرَزة الزّرقاء، قول أمسك الخشب، تعليق فَردة حذاء صغيرة في السّيّارة، تعليق حَدوة حصان فوق باب البيت، والبعض يأخذ أشكالاً متعددة لدرء الحسد (أن يلبس الأولاد وهم في سن صغيرة ملابس مقلوبة، وكذلك يقوم العريس والعروسة بارتداء ملابسهما الداخلية مقلوبة في ليلة العرس).
يخشى أهل العراق العين فاذا قال احدهم مثلا، (فلان صايره صحته زينه)، صاحت امه أو احدى قريباته، (حيه وراك--- كول ماشا الله)، وعند خروج ذلك القائل رجلا كان أو امرأة من البيت، توقد الأم النار لترمي فيها الملح والحرمل، ثم (تنشر) لابنها بالأسلوب التالي: تمسك بيدها ورقة زرقاء من اغلفه شكر قند، ثم تثقبها بدبوس أو إبرة قائلة (نشرت لك من عين امك وأباك، ومن عين الكصيره الدحداحيه والطويلة الرماحيه ومن عين بنت البيت المخفية وعين فلان وفلان وفلانه) ذاكرة أسماء من تعتقد بخطر أعينهم على ابنها ثم ترمي تلك الورقة في النار أيضا وتبخر ولدها بالدخان المتصاعد.
وبين العراقيين من يعتقد بان الحجاب يمنع العين، ويحفظ الولد من إصابتها، ولذلك علق اغلبهم في ملابسهم قطعة سوداء من الجلد في داخلها حجاب كتبه الشيخ، ومنهم من يعلق سن الذيب، أو عفصة أو أم سبع عيون في ملابس الولد أو في مهد الطفل، طردا للعين الشريرة وحفظا لأولادهم من النفس أي (الحسد)، وقد قالوا قديما (عين الحسود بيها عود) و(الحسود لا يسود).
ويعتقد العراقيون أن حكة اليد اليمنى، تعني أن صاحبها سيحصل على دراهم، وان حكة الخد تدل على مجيء ضيف عزيز تبادل معه القبل على الخدود، وان حكة الخشم (الأنف) تبشر بأكلة سمك، وان حكة الرجل اليمنى تشير الى أن أحدهم ذكر صاحبها قدحا أو مدحا، وان رجفة الكتف تدل على لباس جديد وان وجود شعرة فوق اللسان ينبئ بوصول هدية.
إذا سافر أحدهم فان زوجته لا تتصنع أي لا تتجمل، ولا تحف شعر وجهها، ولا تستعمل أية مادة من مواد التجميل حتى يعود زوجها، وإذا سكنت عائلة بجوار عائلة أخرى، فمن واجب الجار تكريم الجار الجديد، بإرسال خبر فحواه أن غذاء يوم الغد سيكون من بيت فلان، وهذه من العادات اللطيفة التي تتيح الفرصة للعائلة الجديدة، في ترتيب البيت وفرشه وتنظيفه فضلا عن أن أم البيت، تعبانة ولا وقت لها تصرفه في طبخ الغذاء، وهي كذلك عادة توطد أسباب التعارف الذي لابد منه بين الجيران، وهكذا تبقى العائلة الجديدة مدة أسبوع أو أكثر والجيران يتناوبون في إرسال صواني الغداء الحافلة بكل ما لذ وطاب.
ومن عادتهم ألا يدخن الابن السيجارة بحضور والده، حتى لو كان الولد متزوجا وعنده أولاد وكذا، الأخ بالنسبة لأخيه الأكبر زيادة في الاحترام، كما لا يضع (رجل على رجل) أثناء الجلوس في مجلس يجمعه بمن هو أكبر منه سنا، كما ينهض هو وجميع الحاضرين عند دخول رجل أكبر منهم سنا، وتلك من الصفات الحميدة.
وإذا وجد أحدهم قطعة خبز على الأرض فانه لا يدوسها بقدمه، بل يلتقطها ويقبلها ثم يضعها بالقرب من الجدار، كما انهم يلتقطون من الأرض كل ورقة مكتوبة ويحرقونها خشية أن يكون فيها اسم الله جل جلاله،
وعندما يحصل الخسوف يمر القمر جزئيا أو كليا من منطقة ظل الأرض، ويحصل ذلك عندما تكون الشمس والأرض والقمر في خط مستقيم وتكون الأرض بين الشمس والقمر، غالبا ما تتكرر ظاهرة الخسوف وهو بدر تحجب عنه النور فلا يظهر للعيان فترة قصيرة، واهل العراق يعتقدون أن القمر في هذه الحالة قد ابتلعته الحوت، وحبا بالقمر المنير الذي تغزلوا به الشعراء، وشبهوا به الجميلات، حيث قالوا (اشلون وجه مثل فلعة الكمر)، يصعد الصغار والكبار إلى سطوح المنازل، والجميع يحمل أدوات النحاس الموجودة في المنزل كالقدر والطشوت وغيرها،ـ ويبدؤون بالضرب عليها وهم متجهين الى ناحية القمر منادين بأعلى أصواتهم(يا حوتــــه يا منحوته، هدي كمرنه العالي، هذا كمرنه انريده هو علينه غالي، وانجان متهدينه، أدك لج بصينيه). ويستمرون هكذا حتى يظهر القمر رويدا رويدا بعد أن (تزوعه الحوته) وعندئذ تنطلق الهلاهيل وتقام الأفراح بنجاة محبوب الجميع من فم الحوت. والغريب أن الإنسان اليوم في طريقه الى القمر ولا زال بعض العراقيين يهددون الحوت بالضرب على صوانيهم إذا لم تترك القمر.
هناك بعض العراقيين يعتقدون بقراءة فنجان القهوة، ومنهم من يعتقد بالفتاح فال أو عداد النجم، أو الطشه، ومنهم من يعتقد بخيرة الدرب التي يمكن أن تتلخص بما يلي: تجلس امرأة في ليلة الجمعة مع التمجيد (قبل الآذان) في مفرق أربعة طرق بعد أن ترمي بكل طريق حجرا، وتنوي قائلة (يا خيرة الدرب انطيني مابالكلب) ثم تجلس ساكتة الى أن يمر شخصان يتحادثان فيما بينهما، فتسمع تلك المرأة حديثهما وتفسره. وعلى سبيل المثال: إذا سمعت أحد المتحدثين يقول (أنى كتله موافق روح وأتوكل على الله) فتكون هذه الخيرة جيدة، تعود الى بيتها فرحة مسرورة وإذا حصل العكس عادت جازعة يائسة.
وهناك من البنات من تتناول لفة خبز وبصل قبل النوم في ليلة السبت، وتقول (يا سبت يا سبوت راويني بختي كبل ما موت)، فترى حلما في تلك الليلة تقصه صباح اليوم التالي على أمها، التي تصغي الى وقائع الحلم وهي تردد كلمة (خير-خير) ثم تفسره إذا كان في صالح ابنتها حسب اعتقادها، وإذا كان رديئا لا يبشر بخير فإنها تقول لابنتها روحي احجيه بالطهارة (المرحاض) حتى يفسد ذلك الحلم.
ويتفاءل العراقيون باللون الأبيض، ويقولون في معرض الخير لأحدهم (بيضه بوجك حشه عيونك)، ولذلك يبيتون في الدار الجديدة قبل أن يسكنوها، اللبن أو الحليب مع القران الكريم مع مرآة وخضروات وماء لاعتقادهم بانها تجلب لهم الخير والسعادة.
ويتفاءلون برؤية الهلال في وجه محظوظ وسعيد في المرأة أو الماء، ليعيشوا طوال الشهر سعداء والا كان العكس، ويتفاءلون بنحر الذبائح عند الشروع ببناء الدار الجديدة، وقت بناء الأساس ووضع التكم تمهيدا للتسقيف وعند تثبيت باب الحوش وعند إكماله والانتقال الى سكناه.
ويتفاءلون بدفن قطع نقود فضية تحت عتبة الباب عند نصبها، وذلك طمعا في الخير والرزق. ويتفاءلون بوضع حدوة حصان قديمة أو فردة حذاء قديم، أو قرن كبش، أو راس غزال، أو لعابة من القماش محشوة بالحرمل، وعليها أم سبع عيون، فوق مدخل الدار من الخارج لطرد عين الحسود.
وإذا اعتزم أحدهم القيام بعمل ما وعطس أحد بقربه عطسة واحدة، يتريث في عمله قائلا (صبر) أي عليه أن يصبر ويؤجل تنفيذ ما قرر، وإذا عطس عطستين متتاليتين فانه يقول (راشدة) وينفذ ما عزم عليه.
وإذا رفت العين اليمنى يوجد رجالا ونساء يتشاءمون من ذلك، ويفسرون تلك الرفة بالبكاء، أما إذا رفت العين اليسرى كان ذلك دليل الخير والتفاؤل الحسن، ومن النساء من تضرب العين إذا رفت بالنعل الذي تنتعله قائلة: يا عين إذا خير رفي وإذا شر عفي.
والعراقيون لا يكنسون الدار ليلا، كي لا تطير البركة ويكنس الخير، ولا يذكرون اسم البيضة ليلا ولا
يدخلونها الدار، وإذا اجبروا على ذكرها سموها دحرجة، باعتبار أن البيض يقدم لعائلة المتوفي بعد إخراج الجنازة (كفكوك ريك)، لذا تشاءموا منها ليلا، وهم أيضا لا يدخلون في بيوتهم الخيط الأبيض أو القطن ليلا، لنفس العلة التي قهرتهم على التشاؤم من البيض. ولا يلفظون كلمة حية ليلا وإذا اجبروا على ذلك قالوا (الحبل) أو (الطويلة)، لأنهم يعتقدون أن مجرد ذكرها يسبب دخولها في البيت وتعرضهم الى آذاها. ولا يفصلون القماش الأسود ليلا دفعا للحزن، ولنفس السبب لا يستعيرون القدور في الليل. ولا يتركون المقص مفتوحا (كي لا تنفك حلوك الدنيا عليهم). ولا يقلمون أظافرهم إلا في يوم الجمعة (شرط أن يجمعوا قلاماتها) ويرموها في سنارة الباب حفظا للرزق، ولا يخيطون ملابسهم ليلا إذا كان لهم فقيد لم تمض على وفاته سنة، لاعتقادهم بان وخز الإبرة في القماش يؤذيه.
ويتشاءمون من صوت البوم وإذا سمعوه قالوا (سكين وملح)، لاعتقادهم بان السكين والملح يبعدان البومة. ويتشاءمون من نعيق الغراب وإذا سمعوه قالوا (خير -خير)، ومن اللون الأسود، فهم يقولون عند الدعاء بالسوء لمن أذاهم (سوده بوجك إن شاء الله)، أو (ظلمة بعينك) ولكنهم يلبسون السوداء شعارا للحزن.
ويتشاءمون من وجود (العزيزة) في اللحم ولذلك يخرجونها ويرمونها بعيدا عن البيت، لانهم يعتقدون بان وجودها يؤدي إلى (خبثان الخاطر)، وشجار بين أفراد العائلة، كما أن القصاب عند إخراجه العزيزة من اللحم يضربها بالسكين حتى يبطل مفعولها الخبيث، واذا حصل سوء تفاهم في بيت ما، فإن جارتهم تسائلهم (اشصار عدكم، قابل ذابين ابيتكم عزيزه)، والعزيزة عظم في مفصل رجل الخروف (في الفخذ)،يقارب حجمها حجم الدرهم، اليوم وقد يرسم بعضهم عليها وجها بشريا، ويضع في عينيه الكحل، وفي وجنتيه الحمرة ويعصبه بعصابة، أي يشد راسه ثم تدفن هذه العزيزة المصورة بالقرب من باب البيت، نكاية باهله وتحفيزا لهم على الخصام فيما بينهم.
المصدر: بغداديات عزيز الحجية
للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:
https://algardenia.com/mochtaratt/58602-2023-05-01-18-29-54.html
723 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع