أيام زمان - الجزء الثاني و العشرون / مهنة الحايك (النساج)
النسيج أو الحياكة عبارة عن مجموعة من الخيوط المغزولة معاً، والتي يتكون منها القماش، وتعد صناعة النسيج من أكثر الحرف التقليدية والقديمة انتشاراً، إذ ما زال الكثير من الناس يعتمدون على النسيج اليدوي في صناعة ملابسهم، أو العمل على نسج الصوف الذي اهتمت السيدات قديماً بحياكتهِ لصناعة بعض الملبوسات الشتوية البسيطة.
حياكة النسيج حرفة أو مهنة يدوية تقليدية وهي تصنيع قطع قماش باستخدام الخيوط القطنية في الغالب، وباستخدام آلة مركبة تعمل بصورة يدوية، يعتبر النسيج واحد من أهم الحرف التقليدية التي عرفها الإنسان ويتوارثها الأبناء عن الأجداد منذ زمن بعيد جداً، فجذور هذه الحرفة تضرب في أعماق التاريخ. وهي مهنه مريحه ومجديه اقتصاديا، وغالبا ما يمارس هذه المهنة ناس يميلون الى الفن والأبداع، والحايك ليس مجرد رجل يقوم بنسج البسط والأقمشة إنما هو فنان وبارع في جعل منتجاته عبارة عن لوحات في غاية الجمال والروعة.
عرفت مهنة الحياكة منذ أقدم العصور، ويعتقد كثير من الباحثين أن بلاد الرافدين هي الموطن الأول للحياكة، كما أن الفراعنة عرفوا النول. والحياكة مهنة طرحت نفسها منذ القدم كضرورة معيشية تحتّمها ظروف الحياة القاسية ومتطلباتها، وتوصف أنها (صناعة بيتية)، شكلت نموذجاً للإبداع اليدوي، وقد اعتمدت في الحقبة الفينيقية قبل ثلاثة آلاف سنة ق.م، فكانت الأقمشة الفينيقية تقدّم على سواها ليس فقط لحسن نسجها وإتقان حياكتها ولكن أيضاً لصبغها بالأرجوان. وخلال الحفريات في قرية شاتال هويوك التركية، تمكن علماء الآثار من العثور على عينة من نسيج الكتان. وفقا لنتائج البحث، قبل الميلاد بـ 6500 سنة.
كما انتشرت حياكة البسط والسجاد في العراق، منذ عرف الإنسان الأول العيش في القرية الزراعية، بعد أن تم اختراع الجومة (النول اليدوي)، وتعد حياكة البساط بألوانه الزاهية من أقدم الحرف اليدوية في ارض الرافدين، وتحديدا في بداية الحضارة السومرية، وانتشرت على مساحة الأقوام التي عاصرت تلك الحضارة المتميزة في الصناعة والأدب والتشريع. ويعكس اختلاف النسيج اختلاف الحضارات والثقافات، فلكل دولة طابعها المميز في الألوان والأنسجة المستخدمة في الملابس والمفروشات، حيث تعد أيضا من أهم الحرف التقليدية التي تضرب جذورها في أعماق التاريخ. وفي العراق عرفت حرفة حياكة البساط الشعبي ذي الألوان الزاهية والصناعة المتينة، التي عرفها الإنسان وتوارثها جيلا بعد جيل، واستطاعت أن تلبي معظم حاجات المواطن وعرفت بأناقتها ودقة صناعتها.
الحياكة طريقة لشبك الخيوط وتحويلها إلى قماش، والقماش المحاك يتألف من عدد من صفوف الحلقات المتتالية وتسمى غرزًا، ومع تقدم الصف أثناء الحياكة تسحب حلقة جديدة عبر الحلقات القديمة. وتكون الغرز النشطة محتجزة بواسطة الإبر حتى تتمكن الغرزة التالية من المرور عبر هذه الغرزة، وهذه العملية في النهاية تنتج القماش الذي يستخدم غالباً للبطانيات والملابس.
تنجز الحياكة باليد أو بواسطة آلة تسمى (الجومة)، وتوجد العديد من الأساليب والطرق في الحياكة اليدوية. يمكن استخدام أنواع مختلفة من الخيوط والإبر لتحقيق تنوع في المواد المحاكة، وهذه الأدوات تعطي القطعة النهائية لونًا مختلفًا وسطحًا ووزنًا ومتانة. ومن العوامل الأخرى التي تؤثر على النتيجة النهائية شكل
الإبرة، والسماكة والألياف المكونة للخيوط وتضخيم الخيوط.
لا تخلو مدن وقرى العراق من الحائكين والحائكات، الذين ينسجون يدويا البساط أو القماش مستخدمين (الجومة) كآلة بدائية لإنتاج أجمل البسط وكذلك السجاد، ونجد في القرى والأرياف السجاد اليدوي يزين الجدران ويغطي الأرض بقطع حمر مزركشة، تجعل المكان لوحة جميلة من الألوان المتناسقة، ويصنع البساط بآلة (الجومة) التي تنتشر في محافظات وسط وجنوب العراق، حيث يمتاز البساط فيها بتقنية نسجه الدقيقة تزينه نقوش منها النجوم والمثلثات والمثمنات وأحيانا النقوش المستقيمة على شكل مساطر متناسقة الألوان.
وهنا تأتي براعة الحائك في اختيار الألوان والأشكال الهندسية، بما يتلاءم مع البيئة، فتكون الألوان متجانسة، والرسوم على القماش بعدد الخيط، فيتم اختيار خيوط صغيرة وهي مجهزة مسبقاً بالألوان المراد إدخالها في المنتج، لتكون جاهزة لتدخل ضمن الشكل المراد تطبيقه، ومن الأشكال التي يتم تطبيقها على البساط مثلا رسم أشكال هندسية، ومن الممكن أيضاً رسم بعض حيوانات البادية، كالذئب والغزال والطير الحر والجمل، وكذلك تدخل رسمة الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف والمسجد الأقصى في القطع المعدة للصلاة عليها (مساجد الصلاة)، أو المعدة للتعليق على الحائط كنوع من الزينة، ومنتوجات تزين البيوت الريفية تكون أحجام مختلفة، وباستخدام خيوط من مصادر عديدة كالصوف والقطن والكتان.
ويمكن الحياكة من (الخرق) وهي من بقايا الألبسة، وذلك لصناعة كثير من القطع التي تستخدم في المنازل كأغطية الوسائد، أو لحياكة السرج الذي يوضع على ظهر حيوانات الركوب، وكذلك ننسج السوح المستخدمة في بيوت الشعر وبيوت أهل الريف.
الجومة من أقدم الآلات اليدوية، هذه الآلة وتسمى في بعض المحافظات (النول)، وتتكون من هيكل خشبي على شكل مستطيل ومؤلف من عدة طبقات، ويدخل الحديد في تركيبها ولكن بأجزاء بسيطة، وتوضع (الجومة) في حفرة بعمق من 70- 80 سم، وتتألف من عدة أجزاء منها (المطواة ) وهي عبارة عن قطعة خشبية يلف عليها ناتج النسج حتى لا يلامس الأرض ويتسخ، وكذلك حتى لا يعيق الحائك، ويلف عليها الناتج بواسطة قطعة حديدية بطول 60سم وتقوم بقلب قطعة الخشب مجرد تحريكها ومن أهم الأجزاء هو (الدفاف) وهي دفتان من الخشب علوية وسفلية مهمتها تعشيق الصوف، والذي يتخللها (البزار) وهو مؤلف من حديد وخشب حيث يمر من بين خيوط الصوف حاملاً معه خيط جانبي ليساعد على تماسك ناتج النسج. ومن أهم أجزاء الجومة (الدواسات)، وهي من الخشب ومعلقة بالنيرة ومؤلفة من أربع عصي تدخل منها الخيطان إلى البزار، ومهمتها تنظيم عملية دخول الخيطان، وكذلك (الغمازات) وهي قطع خشبية مربوطة بخيطان على النيرة ومعلقة ببواري الحديد من الأعلى، وللجومة آلية عمل تعتمد على تكرار مجموعة من الخطوات تتم بالتناوب وذلك لتعشيق الخيوط بعضها مع بعض، حتى تعطي بالمحصلة نسيجاً بألوان وأشكال مختلفة، وذلك بحسب أذواق الحائك أو المشتري.
رافقت الجومة سكان الرافدين منذ فجر الحضارات الأولى التي قامت على ضفافه، حيث تعرض لنا إحدى الرسوم الجدارية التي عثر عليها في ماري لوحة لرجال يحيكون المنسوجات على هذه الآلة، ما يشكل شاهدا على عراقتها وقدمها، لأن المنسوجات التي تعطيها مفيدة في الاستخدام اليومي للإنسان، إضافة لما تتمتع به من قيمة فنية، وكذلك ظهرت ضمن الرسومات الجدارية في (تل بقرص) الأثري 6900 ق.م، والذي يقع شرقي مدينة (دير الزور) بحوالي 35 كم.
وطريقة العمل في البداية يتم وضع خيوط الصوف على (الجومة) ويحدد طولها بحسب القطعة المراد نسجها، بعد ذلك يكبس على الدواسة اليمنى بواسطة القدم اليمنى، فيتم بهذه العملية فتح السدى أي الخيوط، وهنا يأتي دور المكوك الذي ينقل بواسطة اليد اليمنى إلى جهة اليسار، بعدها يكبس على الدواسة اليسرى بواسطة القدم اليسرى لتصبح العملية عكسية من أجل تعشيق الخيوط.
أما أنواع الخيوط فتكون طبيعية مصدرها حيواني مثل الصوف والحرير، أو مصدرها نبات مثل القطن، وخيوط الصوف مناسبة لنسج البطانيات والشال الذي يوضع على الرقبة، وخيوط القطن مناسبة لعمل الملابس بجميع أنواعها، وأختار الخيط يحدد إذا كان الشغل شتوي أم صيفي، وكذلك تستعمل خيوط الحرير لنهايات المفارش وطاولات الزفاف أو نسج فساتين السهرة أو لعمل بعض الإكسسوارات، لإضافتها على الملابس لتبدو أكثر أناقة، وحاليا يستعمل خيوط صناعية تركيبة المخلوطة كالنايلون ويستخدمون هذه الخيوط لصنع المفارش وصنع الحقائب، والملابس.
غزل الصوف من أهم الحرف اليدوية التي ظهرت منذ آلاف السنين، وكان لها الفضل في صناعة الثياب وبعض الأثاث المنزلي، مثل السجاد والمفارش والوسائد واللحف والفرشات، وتتم عملية الغزل الصوف بواسطة أداة خشبية يدوية بسيطة تدعى المغزل، وقد كانت نساء الأرياف يستعملنها لغزل الخيوط التي تستعمل في حياكة الملابس والأثاث المنزلي الريفي التراثي، وأيضا لبيع جزءا منها من أجل الكسب المادي. والمغزل لمن لا يعرفه هو عبارة عن سنبلة خشبية بثقل أما في الأعلى أو وفي الوسط أو في الأسفل على شكل دائري، وقد وجد المغزل في العديد من الحفريات القديمة. تمر عملية غزل الصوف بعدة مراحل حتى يصبح بشكله النهائي، وهذه المراحل هي، قص الصوف من الخراف وتنظيفه يدوياً من بعض المواد العالقة فيه، ثم غسله أكثر من مرة بالماء حتى يصبح نظيفاً تماماً، وبعد ذلك ينشر في الشمس لعدة أيام، حتى يجف بشكل كامل ويسهل استخدامه. ثم يتم تنفيشه يدوياً فيزيد حجمه، بالإضافة إلى تفكيك كافة العقد منه ليسهل غزله. يغزل الصوف جيداً من خلال لفه يدوياً، وذلك من خلال الضغط عليه حتى يصبح على شكل خيوط طويلة ورفيعة نوعاً ما. بعد ذلك يتم وضع كل خيطين رفيعين من الصوف معاً، ثم برمهما ليصبحا على شكل خيط طويل. وفي النهاية تجميع مجموعة كبيرة من خيطان الصوف التي حضِّرت على شكل رزم كبيرة، ووضعها جانباً للتمهيد لصبغها بألوان متعددة.
ومع بداية القرن السابع عشر، قام النساجون الهولنديون بتطوير وسائل محسنة لصباغة الأقمشة وتشطيبها. ولكن ظهر التقدم الكبير في صناعة النسيج مع الثورة الصناعية، التي بدأت في إنجلترا في أوائل القرن الثامن عشر، وفي الواقع فإن الثورة الصناعية هي في الحقيقة ثورة نسيجية، حيث صاحب الثورة الصناعية فيض من الاختراعات الإنجليزية التي أدت إلى زيادة مستفيضة في إنتاج الخيوط والنسيج.
في عام 1733م قام المهندس جون كاي باختراع المكوك الطائر، وقد ساعد ذلك النساجين في إمرار الحشو خلال خيوط السَّداة آليًا بدلاً من الأسلوب اليدوي. وفي عام 1764م قام نساج يسمى جيمس هرگريفز باختراع دولاب الغزل، الذي يمكنه أن يغزل أكثر من خيط في الوقت نفسه. وفي عام 1769م تمكن ريتشارد أركرايت الذي كان عمله الأصلي حلاقًا، باكتشاف الإطار المائي وآلة الغزل التي تعمل بالطاقة المائية. وقام نَسَّاج يدعى صمويل كرومپتون عام 1779م بتصنيع الميول. وجمعت هذه الآلة بين مزايا الإطار المائي والمغزل وحلت هذه الآلة تدريجيًا محلهما. وفي عام 1785م سجل رجل دين أنگليكاني أول نول آلي.
مصادر:
وكالات – تواصل اجتماعي – نشر محرري الموقع
للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:
https://algardenia.com/mochtaratt/51352-2021-10-30-16-59-38.html
3134 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع