أيام زمان ـ الجزء الثالث عشر - الحِنَّاءُ

           

      أيام زمان ـ الجزء الثالث عشر-الحِنَّاءُ

   

ليس من فراغ أن تلقب الحناء بنبات الجنة عند العرب قديما، وأن نجدها حاضرة على مر التاريخ في العديد من الوصفات العلاجية والتجميلية، ومع مضي الوقت والاهتمام بهذه النبتة المعجزة نجدها قد غزت في السنوات الأخيرة صالونات التجميل، حيث نجد الكثير من النساء يفضلن استخدام الحناء على الشعر كمكون رئيسي ومتكرر.

     

الحناء نبتة حولية وأحيانا تكون معمرة، عرفت منذ القديم، هو نبات طبيعي ذو رائحة جميلة كانت أشجاره تملأ الكثير من حدائق البيوت القديمة، وهي شجيرات عطرية مستديمة الخضرة، يصل طولها إلى ثلاثة أمتار، ونبات الحناء شجيري ساقه كثيرة الفروع، والأفرع جانبية وهي خضراء اللون وتتميز بعناقيدها الزهرية لها صنفان يختلفان في لون الزهر، صنف ذو أزهار بيضاء وصنف ذو أزهار بنفسجية، وجرت العادة أن يقوم المزارعون بقطف أوراقها ثلاث مرات في السنة.
ويقال إنه أول ما أكتشف في المغرب في بلاد السوس، ثم انتقلت زراعته بعد ذلك من بلد إلى بلد وأصلح أرض لزراعتها هي الأراضي الرملية، واشتهرت مدينة الفاو في اقصى جنوبي العراق منذ الأزمان القديمة، بزراعة نبتة الحناء العطرية، التي يستخدم مسحوقها بعد تجفيفها لزينة النساء في مناطق الشرق منذ آلاف السنين، وكانت شبه جزيرة الفاو تشتهر في الماضي بمزارع الحناء والنخيل، يعود الى مناخها الرطب، كونها تطل على الخليج العربي من اقصى جنوبها، فيما يحدها شط العرب من الشرق، وقناة خور الزبير الملاحية من الغرب. وتعتمد جميع الأنشطة الزراعية في القضاء على مياه شط العرب، وهي مياه لم تعد صالحة للري خلال فصل الصيف، ولكن هذه المناطق الخضراء تحولت إلى أرض جدباء.

   

وانحسار زراعة الحناء في الفاو، الى زيادة ملوحة المياه بسبب قلة موارد دجلة والفرات في السنوات الأخيرة، وتقدم اللسان الملحي الذي أتى على معظم الأراضي الزراعية في الفاو. إضافة لهذا السبب فان الحرب أدت الى تدمير المزارع، ومنها مزارع الحناء، حيث تضررت الفاو الواقعة قرب الخليج بشدة بسبب موقعها على جبهة القتال في الحرب العراقية الإيرانية.
كانت هناك نحو 425 مزرعة تنتج خمسة آلاف كيلو غرام من أوراق الحناء سنويا، من أجل التصدير بشكل أساسي، تراجع هذا العدد الآن إلى نحو خمسين مزرعة تنتج نحو ثلاثمئة كيلو غرام. وكان العراق يصدر مسحوق الحناء الى دول الخليج بكميات كبيرة، لكنه بات في السنوات الأخيرة يستورد هذه المادة من الهند وإيران وباكستان.

                  

واستخدمت على مدى العصور التاريخية كعلاج وفي أغراض شتى كان أهمها التجميل والزينة، لاسيما صبغ الشعر والنقش على الأيدي، وبخاصة في بعض المناسبات الاجتماعية والدينية، كما تدخل أزهار وأوراق الحناء في صناعة بعض أنواع العلاجات الطبية والعطور. وأصبحت مادة تجارية وطبية لأهميتها لدى سكان العراق حتى أصبحت طقوسهم الدينية ومناسباتهم لا تخلو منها.
وعندما غزا نابليون بونابرت مصر أكتشف اثنان من أطبائه أن الحناء لها تأثير قوي في الصباغة فاستحضروا مادة لصباغة الصوف وبعض الأنسجة ولا زالت هذه المادة تستعمل لحد الآن.
وقد جاء ذكر الحناء في التوراة وهو أقدم الكتب السماوية، وكان يطلق عليها (أمتي فير) وقد جاء ذكرها في كتب الإغريق وكانت تسمى (فيفرس)، وقد عثر على مؤلفات يونانية كان الطب اليوناني في ذلك العصر يستعملها لعلاج التهابات اللثة. وتستعمل لعلاج الجروح ومنع التقيحات وقد جاء ذكرها في كتاب (أبن سينا) الذي قال إنها قابضة للإسهال كمسحوق يغلى ويشرب بكميات مناسبة، استعملها الناس في بعض أمراض الكبد والطحال وبعض الأمراض الجلدية المستعصية، وكانت تستعمل في الهند لعلاج حروق الشمس وبعض الأمراض الجلدية مثل الجذام، كذلك يستعملها بعض الناس لعلاج مرض القراع بعد عجنها بإضافة الخل معها، وكعصابة توضع على الرأس لعلاج الصداع أو كمسحوق لعلاج التشقق بين الأصابع، فهي تحتوي على مادة قابضة تساعد على الجفاف.
وتباع الحناء في لدى العطارين، ومعبئة بأكياس تصنع من قماش سميك، وترسم على الكيس صورة رجلين أحدهما يحمل غصن الحناء، ويكتب تحت الصورة (حنا جور)، وهي حناء مستوردة من إيران وتعتبر أجود أنواعها. الحناء على أنواعها منها النوع الجيد، وهذا المسحوق ناعم جداً من ورق الحناء الصافي بدون جذور ويمكن تمييزه بسهولة بلسمة بالأصابع، وهنالك نوعاً ثانياً عادي وتضاف له الجذور التي تطحن مع الورق، وهناك نوع ثالث وهي الحناء الكفافي ، وهذه تستعمل لرشها على المقابر تحت جسد الميت وكثراً من المصريين يفعلون مع موتاهم برش 5 – 10 كغم لأنها قابضة، ويقال أن قدماء المصريين كانوا يستعملون الحناء كمادة أساسية في عملية التحنيط وتستعمل الحناء، كحمام بخار في تهدئة الحالات العصبية والصرع كذلك تستعمل زهورها قبل التفتح لعلاج عسر الطمث .

           

   وحنا العيد حيث تعجن الأم الكمية الكافية من الحناء قبل ليلة العيد، وتهيئ قطعا كافية من الملابس القديمة لتشد بها أيادي أولادها بعد وضع الحناء، إذ تجتمع العائلة حول الجدة وألام والأخت الكبرى اللواتي يقمن بوضع الحناء على أيادي الصغار أولادا وبنات، وتربط بقطعة القماش ويطلب منهم إبقاؤها (معصومة) أي مغلقة حتى الصباح حيث تقوم عندها الأم بغسل أيدي أطفالها، فتظهر أكفهم منقوشة بما يسمى (سجاجين).

                  

وأثناء العرس تقام عادة الحناء في ليلة الأربعاء، التي تسبق ليلة العرس في بيت أهل العروس، ومراسيم الحناء تحضرها قريبات العائلتين صديقاتهن. تنصب صينية كبيرة بشموع الكافور (عبارة عن شموع لونها ابيض كانت في السابق تستورد من خارج العراق مع نبات إلياس وكاسات الحناء، تبدأ الجدة (القابلة) التي ولدَّت أم العروس بوضع الحناء بيد العروس ورجليها بين الزغاريد والغناء وأصوات الدفوف، فاذا لم تكن القابلة موجودة تقوم جدة العروس لامها أو لأبيها، بواجب وضع الحناء على يد العروس وأيدي المدعوات وتقدم الحاضرات بعض النقود في طاسة الماء مساهمة منهن بالفرح، وتكون تلك النقود من نصيب القابلة يرُسل أهل العروس الى بيت العريس صينية الحنة، وحتى المناديل البيضاء التي تشد بها اليد، بعد وضع الحناء عليها ثم تذهب القابلة الى بيت العريس حتى تضع الحناء على اصبع العريس ومرافقي العريس، والبعض يقوم باستدعاء ملاية ثم يتناول الجميع طعام العشاء في بيت العروس.
طريقة وضع حنة العروس على يديها، توضع على أطراف أصابع العروس، من كل إصبع حيث يلف خيط رفيع كي لا تتعداه الحناء، وتسمى كشتبانات (جمع كشتبان)، ثم تضع في راحة يدها (ليرة ذهب) أو (روبية) وتضع الحناء على راحة اليد لتغطي الفئة النقدية، وعند جفاف الحناء وغسلها صباح اليوم التالي تظهر طرة بيضاء في راحة يد العروس. أما حنة القدم فتكون بربط خيط قطني في إبهام القدم ويمرر من أمام الأصابع حيث يلف حول الأصبع الصغير ثم يسحب الى خلف الكعب ليعود حول إبهام القدم مرة ثانية وتوضع الحناء على القسم الأسفل من الخيط وهكذا تؤدي العملية بالقدم الأخرى.
ويختلف أسلوب حنة المدعوات باختلاف الأعمار، فحنة يد الصغار كحنة العيد (سجاجين) أما حنة الشابات فبأسلوب (البيرق)، ومنهن من تسميها (شامر عباته)، وتتلخص بوضع الحناء في الكف من أسفل الإبهام حتى أسفل الخنصر (الأصبع الصغير)، وبعض الشابات يتفنن بوضع الحناء على أياديهن حيث يستعملن قطعا من العجين لعمل بعض النقوش في أكفهن. أما المتقدمات في العمر فلابد لهن من المساهمة بالفرح ولذلك تحني كل منهن الأصبع الخنصر (الصغير) فقط.
وهناك رواية وتقاليد وعادات طريفة تقول ترمى العروس ب "الحناء" المعجونة على سقف الغرفة وإذا تلصق "الحناء" في السقف وفي المعتقد الشعبي عند البغداديين فيعني ذلك تلقى العروس السعادة في بيت الزوجية.
وتستعمل الكثير من النساء العراقيات الحناء للشعر، وهناك الكثير منهن يرغبن بوضعه أيضا قبل العيد بيوم واحد. والكثير من النسوة في العراق يستعملن الحناء لصبغ الشعر باللون الأحمر المرغوب فيه، ومنهن من يستعملنها لتقوية الشعر ومنعه من السقوط، حيث تخلط الحناء بقشور الرمان أو صفار البيض مع مسحوق الكزبرة وورق التفاح الجاف.
في أيام زمان بعد وضع الحناء على الشعر تبيت بها، ونذهب عند الفجر الى حمام السوق، وخصوصا في أيام الأعياد، وكانت النسوة الكبيرات في السن يخلطن مع الحناء مادة الوسمة، وهي مادة تضيف اللون الغامق الى الحناء، غير أن أحدا لا يضع الحناء في الأشهر الحرم أو بعد أي حادث وفاة للأقارب أو للجيران، ومازالت هذه العادات قائمة الى يومنا هذا. وهناك استخدامات أخرى للحناء، إذ تستخدمها النسوة أيضا بخلطها مع مادة
الصبر وهي مادة على شكل دوائر صغيرة صلبة مرة المذاق وتعجن هذه المادة مع الحناء وتوضع بين أصابع القدم مساء لتغسل صباح اليوم التالي وذلك لمعالجة الحكة وتقوية الجلد،
على الرغم من تزايد استخدامها في البادية للناحية الجمالية إلا أنّ البدو يستخدمونها لفَوائدها الصّحية أيضًا منها، وهي الوقاية من الفطريات، ومحاربة بعض أنواع السرطان وعلاج الأمراض التناسلية والضعف الجنسي، وذلك بوضعها أسفل القدم والتّخفيف من آلام الحُروق، ومن كمية الماء المفقودة في منطقة الحرق، وذلك بوضع طبقة من الحنّاء على طبقة الجلد المصابة بالحرق، وعلاج الصُداع، وذلك بوضع عجينة الحنّاء على جبهة الوجه. ومن الفوائد المشهورة للحناء أيضًا وقف النّزيف، بوضع طبقة من الحنّاء على المنطقة المُصابة بالنّزيف، وعلاج الأمراض الجلديّة، كحب الشّباب والأكزيما والدّمامل وزيادة انقباضات الرّحم وتنشيط نزول الدّورة الدّموية وعلاج الإسهال بغلي الحنّاء، ومعالجة تشقُقات القدم النّاتجة عن الجروح المُزمنة كجروح مرضى السّكري. وتعمل أيضًا على تقوية الجلد واللثة وتماسك الأسنان، بالمضمضةِ بعُروقِ نبتةِ الحنّاء المغليّة والمنقوعة، وعلاج متاعب الدّورة الشّهرية وأوجاع البطن والظّهر.
والحناء من المواد المهمة والتي لا يتخلى عن بيعها العطارين، فهي مطلب الكثير من زبائنهم ويكثر الطلب عليها في فصل الصيف، والبعض يوصي بها فلا يشترون الحناء المستوردة من الخارج والمغلفة، بل يكون الطلب على النبتة المحلية، وذلك لفائدتها ولونها المميز، فكثير من الزبائن يشترون الحناء من عطارهم الخاص، ولا يذهبون الى غير عطارة أو غير محل خوفا من الغش ، فالبعض يعمل على خلط الحناء بالرمل المطحون لزيادة وزنها، وبهذا تصبح عديمة الفائدة والبعض الأخر من العطارين يخلطونها مع ورق السدر لزيادة وزنها أيضا ،أما عن كيفية بيعها حيث تباع (بالاستكانة) أي القدح الصغير الذي يشرب به الشاي، وبسعر (الاستكانة )ب 500 دينار، وأحيانا يطلب شراء الحناء بالكيلو، وهنا تكون الكمية كبيرة اذا قدرت بالكيلو فيأخذونها كهدية لأهاليهم .
ولعل من أشهر القصص التي تروى عن الحناء، فإن أصل «ليلة الحنة»، يرجع لحدث أسطوري ارتبط بلون الدم، إلا أن المصريين حولوا هذا الحدث لفرحة، فتقول الأسطورة إن أصل ليلة الحناء يعود لزمن «إيزيس وأوزوريس»، حيث عمد إله الشر «ست»، لقتل «أوزوريس»، طمعاً في الملك وغيرة منه، وقامت «إيزيس» بجمع أشلاء جسده من كل أنحاء مصر بعد أن مزقها «ست» إلى 14 قطعة ووزعها على أقاليم مصر.
وكانت «إيزيس» كلما جمعت قطعة من جسده امتلأت يدها بالدماء، وعندما انتهت من جمع أشلائه اصطبغت يدها باللون الأحمر، واعتبر المصريون القدماء هذا رمزاً لوفاء الزوجة، حتى أصبحت عادة لدى الفتيات المصريات بالحرص على تلوين أياديهن باللون الأحمر عن طريق «الحناء» قبل الزفاف، كرمز للوفاء حتى النهاية، لدرجة أن بعض الرجال أيضا بدأوا الاحتفال بهذه الليلة التي أصبحت إحدى حلقات إتمام الزفاف، بتلوين أياديهم بالحناء.
المصادر:
مصادر: وكالات – تواصل اجتماعي – نشر محرري الموقع
ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
بصرة - هند العبود

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

631 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع